الاثنين ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عمار بولحبال

حكاية رجل يبحث عن غصن الزيتون

صبيحة ذلك اليوم طالعتنا الصحف المحلية بعناوين مثيرة ...." التيفوئيد يهاجم القرية ..""الكوليرا البشرية تطارد الأهالي , اللصوص تسد منافذ القرية ً عناوين كلها حملت دلالات غريبة وكتبت بالبنط العريض ... الأيادي الخشنة تتلقف بائعي الجرائد ... شجرة الصفصاف الوحيدة بالقرية تمايلت من جبروت الحدث ... الشوارع تتقاذف الأجساد البشرية الهزيلة ، الوجوه العابسة الحالمة ذات ربيع لم يعد لها معنى غير قهر الزمن ...بالأمس كانت القرية هادئة تتنفس أريج الجنة , تنتظر ساعة الميلاد ... شباب يتحدثون عن فريقهم الرياضي , شيوخ يتفننون في مواصفات المير المنتظر ... فتيات لا يعرفن إلا النوافذ, يتقاسمن آمال الفوز بالرجل المناسب واليوم الذي تخرجن فيه على أنغام الطبول وزغاريد النسوة ...ياإلهي كل هذه النماذج البشرية ذات العلم البنفسجي صدمت في واقعها .. بين الأمس واليوم مسافة زمن أمتلكه العدم وقهره الخوف وصنع منه صورة سوداوية لا تسر الناظرين ... سيارات الإسعاف تطارد أشباح الألم ، تصنع سمفونية الرعب الساكن بين الضلوع, تبيح الشرود وتقتل الفرح ... ماذا حصل ؟ وكيف حصل ؟ أين ولدي ؟ أين بناتي ؟ صاحت العجوز ... ضاع الولد وضاع المال. قال رجل آخر ...حرمات المنازل انتهكت. قال الثاني ...طفل يبكي والده الذي خرج يشتري له حبة الشكولاطة .. عيناه دامعتان ، وجهه شاحب ، كلماته متقاطعة ...أعيدوا لي أبي ولا أريد الحلوى ؟ أين أبي ؟...

على جذع شجرة الصفصاف تجلس فتاة ممزقة الثياب ،تنتظر عودة خطيبها الذي فازت به دون فتيات القرية ، لقد وعدها باللقاء اليوم ومعه خاتم الخطوبة الذهبي ... هل اقتلعته الكوليرا البشرية ؟ هل ضاع بين الأقدام ؟ رباه ...ما هذا ؟ ...كيف حصل ...أنا القادم من أقاصي المدن أبحث عن حبة برتقال وغصن الزيتون أزفه إلى باقي الربوع أجد أنفاسي متقطعة ، وجسدي لا يقوى على التحرك ....أنا المفتون بجمال هذه القرية أجدها اليوم مغتصبة عنوة و كأن الزمن باع جلدته ... يا إلهي كل هذه المناظر البشعة تفننت سواعد بشرية في رسم صورتها ...دروب القرية تغني للوطن أغنية الريح الصانع للإعصار ...تخلد أبجدية الضياع في سر وعلانية ..... يا إلهي هنا أجساد وهناك أجساد ...دم...دم...دم....كل هذا فعلته الكوليرا أو التفوئيد ...كل هذا أنجز وتحقق في لحظات ....بل هنيهات ....هل أعود أدراجي ؟ هل أواصل السير قدما ؟ ما فائدة حبة البرتقال ؟ أو حتى غصن الزيتون ؟ ما فائدة أن تعيش بلا قلب ؟ بلا دار ولا أحباب ؟ هل بقي طعم للعشق في الزمن الحراشي ؟ أو العباسي ؟ أو حتى الزمن الفرعوني ؟ ما طعم تربة ملوثة بالدماء ؟ ما لون وطن تغتصب فيه النساء وتسبى الفتيات وييتم الأطفال ؟ وهل يبقى لغصن الزيتون معنى ؟ سأعود أدراجي ....سأبحث عن شهرزاد في كل زمان ومكان لتدون حكايا الزمن الدموي ...وقصصا يستمتع شهريار عند سماعها, بل سينتفض ويعدم كل من حاول أن يحكيها ....سأعود أدراجي إلى أقاصي أخرى أبحث عن غصن الزيتون في رحلة قمرية مرسومة على أجنحة الزمن العادل ....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى