السبت ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم محمد السموري

الخصائص البنيويّة للمثل الشعبي

المثل لغة ً : الشبه، والنظير, والمثل هو: القول الذي لكثرة جريانه على ألسنة الناس اكتسب قيمة تعبيرية خاصّة، جعلتهم - عند تشابه الحال - لا يجدون أبلغ منه وأوجز ما بأنفسهم والتعبير عن مرادهم.

لقد كثرت تعاريف المثل وتنوّعت، لكنّها جميعا لا تخرج عن أنه" قول مأثور، تظهر بلاغته في إيجاز لفظه وإصابة معناه، قيل في مناسبة معيّنة، وأخذ ليقال في مثل تلك المناسبة" وهو جملة محكمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف الطبقات, وإذ يلخّص المثل قصّة عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجّماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامّة، فصدّقوه لأنه يهتدي في حل مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة بمشكلة قديمة انتهت إلى عِبَر لا تنسى،قد تغني عن رواية قصّة ما جرى. فنُسيَت القصّة وبقي المثل،
ويقول الفارابي : المثل هو ما ترضاه العامّة والخاصّة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه في ما بينهم وقنعوا به، وهو أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص
والمثل فن قديم موغل في القدم، وقيل: كان نتيجة تجارب وخبرات عميقة لأجيال ماضية، فتناقلها الناس، فعملت على توحيد الوجدان والطباع والعادات والمثل العليا.

وقد كان إدراك العرب لأهمية الأمثال، سواء كانت فصيحة أم شعبية جليا وواضحا، فجمعوها وحرصوا عليها, فهي مرآة لأخلاق سكان المنطقة، وعاداتهم, وطبائعهم, وسجاياهم, وأحوال معيشتهم.

وقد امتازت الأمثال الشعبية بخصائص عامّة في بنيتها اللغوية والمعرفية ومنها :
 أصالتها: فهي عربية المنشأ، مع أنها ليست بلفظها الفصيح, ذلك لتعلق الشعب بالقيم والأخلاق العربية الأصيلة حيث اكتسبت وتكتسب محتواها تاريخياً واجتماعياً. وأخذوا بعضها بلفظه، أو بمعانيه من الدين الإسلامي الحنيف أو من الأدب العربي القديم ( خير القوم خادمهم(
 واقعيتها: فهي تمتاز بواقعيتها التي أفضتها السيرورة في ما بينهم, ذلك لتميّز الحياة المجتمعية الريفية العربية عموما بالواقعية. (عمرا سجرة ما وصلت لربا (
 بلاغتها: كما تمتاز أمثلتهم بإيجاز اللفظ وتركيزه، وبإصابة المعنى ودقته وبُعد المغزى. (في الخفايا خبايا)
 موسيقاها: لا تخلوالأمثال من الرشاقة اللفظية، ففيها جَرْس موسيقي وتناغم بين ألفاظها وتناسق بين الجمل، وتجانس بين الأحرف، والجمل والتراكيب,وتأتي موسيقا الأمثال إما على السجْع والفاصل، أو من اختيارها للأحرف المتجانسة ضمن الكلمات، والكلمات المتوافقة ضمن الجمل, كما تميّز بالتوازن فانقسم المثل إلى شطرين متوازنين مما جعل للجمل إيقاعا مناسبا فيزيد من جمالية ذلك السجْع . ( أبو عاهة ما يسلاها )
 أغراضها :تعكس بصدق، مشاعر الشعب،وأحاسيسه, وآماله،وآلامه, وأفراحه, وأحزانه،وتفكيره, وفلسفته, وحكمته. ومن خلالها نستكشف آراءه في مختلف شؤون الحياة وموقفه منها ونظرته إلى الكون، وتفسيره لظاهراته .( ابنك صغير ربيه وإن كبر خاويه(
ومن هذه الأمثال ما هو مبني حول قصّة واقعيّة أو حادثة معروفة في التاريخ,وهناك أمثال كثيرة بنيت على خرافة أو أسطورة أو حكاية من حكايات العامّة . وهناك من يصنف الأمثال وفقا للغة التي وصلت إلينا بها (فصحى أو عامية) أو وفق الغرض الذي قيلت من أجله (علمي، ديني، سياسي، اجتماعي، اقتصادي...)،
او مبني على أخلاقيات وضوابط اجتماعية تدفع بأفراد المجتمع لإتباعها لأن فيها الحكمة والنجاة والربح، وهي أحد وأعظم الأساليب التربوية المتبعة في التعليم والتي ترسم بمجموعها صورة في الوجدان الشعبي .

بينما يعارض آخرون بأن الأمثال لم تكن وليدة نظام فكري وسلوكي بل هي رؤية الحضارة والماضي والمستقبل ، وقد نسج هذه الصورة أكثر من طرف بحيث ساهم فيها :العلماء, والعرافون, وعلماء اللاهوت،و الإنسان البسيط, وهذه الصّورة -التي نختلف معها - بقيت مهيمنة رغم مرور الوقت، وحجّة اختلافنا هو أن المثل جاء معبرا عن عادات الشعوب وأسلوب عيشهم ومعتقدهم ومعاييرهم الأخلاقية. وقد حملت الأمثال الشعبية في بلاد الشام سمات وخصائص مشتركة من أهمها :
 جاء كل منها جوابا للشرط،أو جوابا لسؤال طرحه على نفسه ( إن غاب عنّك أصلوا دلك عليه فعلو)
 امتاز كثير منه بالجناس .( أكله كلّه واسترنا من كّله)
 اشترك بالتعبير المجازي حيث وضع علاقات مفهوميّة مع قرائن مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، تطلبتها جماليّة الصوغ الفني، والذوق السليم .( اللي بالجدر تطلعو المغرافة )

 عبّر كل منها عن مواضيع مشتركة كالكرم،ولهذا ركزنا في نماذج الأمثلة الشعبية على موضوع الكرم لأنه يحمل كثير من تلك الخصائص البنيوية للثقافة الاجتماعية العربية. كما اشتركت الأمثال في التعبير عن نمط الاجتماع القبلي ويلفظ حرفيا في بلاد الشام بصيغة متشابهة الى حد كبير . (المكدور من الميسور)
 جاء التعبيرفي الأمثال عن البيئة الزراعية المتشابهة إلى حدّ كبير من خلال توظيف الحيوان في المثل( الخط الأعوج من الثور الكبير ) ولو انه اختلف بعض الشيء في أمثال الصنعة لدى سكان المدن الذي كان قليلا لدى سكان الريف .
 حمل المثل الشعبي مشترك التعبير عن البيئة الثقافية والاجتماعية من حيث المناطق الزراعية تشترك في كثيرمن القيم كنمط الحياة الاجتماعية لكنه انفرد بخصوصية التعبير عن هذا في النمط الاقتصادي فكان المثل التجاري نادرا في الريف .
 غالبا ما تميّز تالأمثال الشعبية بطول العبارة، و سهولة اللفظ، ووضوح التعبير، وحشمة المقصد .والابتعاد عمّا يجرح المشاعر ويثير الأهواء والغرائز.
 تماهى المثل الشعبي بروح الجّماعة وكان لغياب الفردانية خفلياته النفسية حيث تسود الحياة المجتمعية التي مثلها نمط الاجتماع القبلي العربي بكل مكوّناته وتراثه . وهذا ينطبق على الحياة في والبادية بكل تفاصيلها .
امتازالمثل الشعبي في حلب بالتشخيص والتجسيد بينما ذهب المثل الجزري- نسبة الى الجزيرة السورية إلى العمومية، وقد توقّف العلامة محمد خيرالدين الأسدي في موسوعة حلب المقارنة عند تفسير وشرح بواعث كثير من الأمثال الشعبية. ويرى أن الحلبيين استخدموا التشخيص والتجسيد في أمثالهم .

أمّا عن تشابه الأمثال الشعبية رغم سمة الخصوصيّة التي تتسم بها الشعوب. أي انه كلما تختلف الأمثال وتتباين في التعبير نجدها أيضاً تتماثل وتتشابه, ومردود هذا التشابه في جانب كبير منه إلى حقيقة هامّة مضمونها أن الأمثال، في كل مكان وزمان هي واحدة في جوهرها إنساني الطابع كما ينبغي عدم إغفال دور المثاقفة الشعبية ،والمثل هو ليس مجرد شكل من أشكال الفنون الشعبية، وإنما ناتج صراع مع الحدث لذلك نجد المثل يؤثِّر مباشرة في سلوك الناس. فالمعنى والغاية يجتمعان في كل أمثال العالم. وهذه الأمثال وإن اختلفت في تركيب جملها أو مدلول حكمتها أو سخريتها، فهي تبقى كتابا ضخما يتصفّح فيه القارئ أخلاق الأمة وعاداتها ويعتبر أيضا لونا أدبيا معبرا طريفا يلخّص تجربة إنسانية، تتردّد على ألسنة الناس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى