الخميس ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم حسن برطال

ققراءة نقدية في ( حذاء بثلاث أرجل )..

للكاتب المغربي عبد الرحيم مؤدن.

إن اعتماد الكاتب على الكلمة الأخطبوط..الثلاثية الأبعاد..ذات تأويلات متعددة تجعل من النص
منتوجا أدبيا ( متشابها ) غير ( محكم )..يسهل للقارئ مغازلة نفسه و ذاته ، بعيدا عن هيمنة الكاتب
و رقابته..و هذا ليس بغريب لأننا في حضرة كاتب متمرس...غير مستبد يسعى دوما لمهادنة لغته
و مصالحتها إيمانا منه بأن الاستثمار في ميدان الكلمة يرفض حالات الاستنفار و النرفزة..بدون أن
ننسى سرعة بديهته في حواره السردي مع شخوصه تمكنه من ترشيد زمن الأحداث و الأمكنة وفق
شدة الموقف و خطورته..فلا مجال لمقارعة نصوص عدوانية ترفض الخروج من جلدها المتوحش
لمواجهتك..تركن إلى الدفاع في انتظار مبارزتك لها، تلوح إليك بإزار أحمر كالمصارع..و حينما
تندفع كثور كتلاني تجد نفسك أمام ذئاب مسالمة أنطقها الله لتبرئ نفسها من المنسوب إليها..قصة
( حميّر جدتي [1]..و قصة من قتل الشيخة ؟ [2].. هنا حيت تتحول الحوارات العمودية ( الحشرة / جدتي ) إلى حوارات أفقية ( حشرة / حشرة ) و دلك حينما تتحول الجدة/ الإنسان إلى حشرة..
و العكس صحيح ( الجدة / الجدة )... هذه أعتبرها مداهنة من قبل القاموس اللغوي للتستر على
النتيجة الحتمية ألا وهي القتل الرحيم المتفرد و الذي لا ثاني له..بالرغم من الطرق المتعددة التي
تحملها الإنفلاتات و عداءات الشخوص لبعضها..

فاللغة المباحيثية هنا تأتي لمسائلة النص عن اقترافا ته و سوابقه و من جهة ثانية لمساعدة المتلقي
في إنجاز محضره البوليسي و مده بخيوط الجريمة..( من قتل الشيخة ؟؟ (ص47) )..
( الحسد يعمي..الحسد يقتل..(ص48))...( جرائم النهار لا يقوم بها إلا المحترفون (ص49) )
بدون أن ننسى نفحة الأسلوب التقريري و اللغة الصارمة التي تحول الكاتب إلى رئيس مباحث..
كما أن اللغة الرقمية الأنترنيتية التي تبنتها بعض نصوص المجموعة بشجاعة تكشف عن نوايا التمرد
على الكلاسيكية البديعية و الدفع باللغة إلى مسايرة التيكنلوجية الحديثة ( لغة الأرقام )
[ ( حذاء بثلاث أرجل )..( مقاسه (42)..و هو في الواقع لا يتجاوز (40) و نصف )..( الحذاء مثل
القبر: شبر و أربعة أصابع ] (ص 35 ) ]..

هذا الحقل المكشوف كما يقول المثل..واحد + واحد = اثنان..لا يترك المجال للكاتب الحربائي
كي يتلون حسب هواه..

فالدكتور و الأستاذ الجامعي عبد الرحيم مؤدن يكون أقرب إلى الواقعية بعقلنته للمتخيل و ارتباطه
بالبنية التحتية لحفر الأساس في أثربة المدن السفلى لبروجه اللغوية..قصة ( الأوتوروت الثانية (ص57)
وجدت نفسي ألتحف السماء و أفترش الغبراء، مقطوعا من شجرة، لا زوج و لا ولد و لا ظهر لي و لا
سند] (ص57)..و عندما يتحرر الوقت من قيود [ اليومية ] تصبح الأزمنة داخل النصوص متشابهة
لا فرق بين الظلام و النور إلا بالتقوى..الوقت بلا سيف يبدو مسالما..لا قاطعا و لا مقطوع..المقدمة
تشبه الخاتمة..و المداخل كالنهايات لفظا و معنى..و كأن الكاتب يناشد الديموقراطية للقضاء على الطبقية
لا فرق بين المؤخرة و الرأس..قصة ( حذاء بثلاث أرجل ) نموذج..يبتدئ النص هكذا ( أنا المسمى...

حارس الأمن بالمقاطعة مند أربعين عام و المعروف بالحداء اللامع)..و تنتهي بنفس النسق..( أنا المسمى..حارس الأمن بالمقاطعة..مند أربعين عام وأنا أحرس هذا الحذاء الوفي )..
كما نلاحظ كذلك طغيان روح مجادلة الذات و الأسلوب النقدي..و إحيائية الجمادي و هذا ليس بجديد
بالنسبة للمتلقي المغربي على الخصوص لأن الكاتب أبدع بامتياز في مجال النقد و له عدة مؤلفات منها
[ ( الشكل القصصي في القصة المغربية ( (2) أجزاء / (1988)..و ( معجم مصطلحات القصة المغربية
(1993) ] فلا غرابة في العودة إلى مكامن قوته و التسلح بآليات النقد لتكون بمثابة عصا موسى يتكأ
عليها كلما احتاج إلى ذلك...و يهش بها لحظات عصيان الكلمة..و له فيها مآرب أخرى لا يعرفها إلا هو..
و ذلك واضح من أول قصص المجموعة و التي تحمل اسم ( قصة قصيرة )
يكون بطلها المتحرك داخل النص هي ( القصة القصيرة ) نفسها..[ يحكى أن قصة قصيرة ضلت
تسأل..( لماذا أنا قصيرة ؟؟ ) (ص7) ]...[ هذا الصباح لم تغادر القصة القصيرة فراشها (ص8) ]
[ كركرت القصة القصيرة عاليا، و هي تردد بصوتها الضاحك (ص10) ]....[ لو لم أكن قصيرة
لما تجرأ علي الزليج (ص10) ]
إنها قمة إبداع نقدي لفن القصة القصيرة بتحريكها و إحيائها..و سوف لن يتأخر الكاتب في الإعلان
عن ذلك بنفسه من خلال نصه الثالث و الذي اختار له كعنوان ( قراءات قصصية )

فبفضل هذه المناورات السالفة الذكر، ينخرط الكاتب عبد الرحيم مؤدن في زمرة هؤلاء الدين يحملون
شعار التحدي.لتحديث عن القصة القصيرة بإعطاء الحرية التامة لشخصياته داخل المنظومة حسب
ميولاتها و زادها المعرفي..و بدون فرض وجوده عليها..[ إدا أردت جمع قبيلة فالأمر يهون..كل شيء
يعتمد على هؤلاء، حرك أصابعك جيدا و الباقي يأتي..( قصة كاتب عمومي (ص15)..

فاللغة تتحول هنا إلى إيحاءات و إشارات أصابع ثم إلى حركات ميمية كي تصل إلى أبعد حدود المتلقي
بل حتى مشارف إدراك ( الأصم ) و ( الأبكم ) مع نفحة متواضعة لبنية فوقية لشخصية عادية..

للكاتب المغربي عبد الرحيم مؤدن.

[1لقب يطلقه الأطفال في المغرب على نمط معين من الحشرات

[2المطربة الشعبية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى