الأحد ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم أديب قبلان

وجاءت الثانية

وقفت أشعة الماضي تلاعب ذهني المشتت وأبقت على أثار من دماء الحاضر لتذكرني بأن لي ابناً شهيداً يعانق الأرض، ويبكي دماءً تذكر بالوطن الخالد وتمحو آثار جريمة الزمن الشنعاء، كما نفضت أفكاري غبار الزمن عن عيني لتذكرني بابني هشام الذي قرر اللحاق بأخيه عبد الله ووهب حياته لتحرير عراق الإيمان والمودة فلم يصل عنه خبر منذ أكثر من شهر، وتناولت أذهاني أفكار تراكلته مؤنبة ضميري المنغرس في أحشاء جثة راقدة رقود المياه العميقة، فذكرتني بأبناء أختي "منى"، هؤلاء الذين ظلمتهم، فبعد وفاة أمهم آثروا اصطحاب الطريق الأعوج على اصطحاب الصراط المستقيم، كنت أحس برعشة في جسدي كلما رن جرس الهاتف، أحس أن شيئاً يؤنبني، بل يهددني، فما كنت أفهمه حتى النهاية.

***

يوم السبت كان يوماً مشمساً بعض الشيء، كنت أجلس في حجرتي وكل ما وصفت كان يصاحبني فيها، كانت سيوف الشمس، تخترق ستار الغرفة مذكرة إياي باستمرار الحياة، إبريق الماء البلاستيكي يجلس على مكتبي وكأنه ملك متربع على عرش ذهبي، يرعبني شكل الهاتف ذي الأقراص العابسة، الكرسي مفجوع بإحدى عجلاته، فكلما تحركت حركة ناداني من تحتي موبخاً، المكتب مكون من رقعة خشبية تعلو أربعة قوام معدنية.

قطع صفوي المعتاد نقر على باب حجرتي الخاصة:

 "تفضل"

فكان وردان نصيبي من باب الحظ ذاك، رجل ذو وجه ناصع البياض وشعيرات تختتم وجهاً مليئاً بالتجاعيد التي أوجبها الزمن عليه:

 "أهلاً بمن أحب"

 "أهلاً بك أبا عبد الله، أنت من أحب"

ناولني الصفيحة التي تحمل كوباً مليئاً بالقهوة الخليجية - التي انتشرت في الموصل – وانصرف، انتابتني حيرة... ليس من عادتي أن أشاطره عناء حملها، لكن هذه الحيرة غادرت عندما قرأت الورقة البيضاء التي علاها فنجان القهوة ذاك:

(مازن، موعدنا يوم الاثنين في شعبة الحراسة ببغداد)

حاولت تذكر كل من لي ببغداد، لم يستطع تفكيري أن يحصر شخصاً من عليه الزمن وعمل بمنصب في شعبة الحراسة، فمن لي هناك هم أبو محمد سعيد الموصلي ويعمل تاجراً صغيراً في سوق الذهب، وأبو أسعد محمد الفران ويعمل موظفاً في وزارة الداخلية، والحاج سمعان الذي يملك قبواً صغيراً في سوق الأقمشة.

لم أطل التفكير واستدعيت وردان الذي لم يأت، اجتاحني شعور غامض بالخوف، لماذا لم يأت وردان عندما طلبته؟! يبدو أن الأمر خطير.. وهنا بدأت هواجس الخوف تلاحقني تارة وهواجس الفضول تهاجم دماغي الضئيل تارة أخرى، ولكن في النهاية كان ذهابي هو قراري الذي لم أغيره.

يوم الأحد:

وضعت مفتاحي المتعرج الذي غلب على لونه اللون البني موضحاً قرب نهايته في فتحة باب مكتبي الذي يشكل بيتاً لي ناسياً وجود ثلاثة أولاد وأم في المنزل ينتظرون الراتب الشهري الذي لا يتواجد إلا بعد مناقصة تقدم لمدير الشركة الأستاذ برزان الناصح.

كانت آلام قدمي قد أعيتني، لونها يميل إلى الزرقة، مخيفة حيث أن ابنتي سناء تخاف النظر إليها، لم آبه إلى تلك النكرات التي تخترق حياتي اليومية المعتادة، ولكن ما كان يشغلني هو الخوف والفزع من المواجهة لأنني تذكرت التواجد الأمريكي اللعين الموجود على حدود بغداد.

المفاجئ أن وردان لم يحضر اليوم!، استغربت الموضوع ثم توقعت أن يكون مريضا أو به شيء، لكنني لم ألبث أن ربطت غيابه بحادثة الأمس.

***

يوم الاثنين:

منذ الخامسة فجراً، كنت مستقلاً سيارتي البيضاء التي تشبه في واجهتها القط المريض وعجلاتها الأربع تصدر صريراً كلما ضغطت على المكابح، كانت إذاعة صوت الجماهير تطرق أذني معلنة وجود أخبار جديدة، حسبت هدفي نزهة من نزه العائلة التي كانت تتابع قبل الاحتلال، أوقف شرود ذهني وتشتت الأفكار ذكريات الأب الحنون الذي طالما عطف علينا، كم من نزهة ترافقنا فيها؟!، جاءني خيال أمي ينادي كصدر حنون تباعد عني إلى أن تلاشى، ولدي عبد الله الذي أقسم على الثأر لعراق العرب و المسلمين، تذكرت التهاني التي ملأت ألسنة الجيران والأقارب عند استشهاد عبد الله، طيف هشام لاحقني فلم أسلم منه وهو أكثر ما أبكاني على طريق بغداد، تذكرت بسمته الناعمة وعيونه الغائرة في وجهه الأسمر الذي يفيض براءة ممتزجة بحياء وليس خجلاً، وهنا استرسلت أذهاني ذكريات "منى" هي أختي ولكني كنت أمثل لها أباً وأخاً وصديقاً، كانت في زهرة العمر عندما قصدها ملك الموت قابضاً، كانت فترة مرضها من أجمل فترات حياتها التي قضت، فقد وجدت نفسها بصورة لم تكن معهودة لدينا ولديها.

كل هذه الأفكار وأكثر أخذت تلوي روحي وكأنها تغلي على نار هادئة، بقيت أذرف دمعاً قلبياً لا عينياً إلى أن وصلت مشارف بغداد......

***

كانت الحدود البغدادية مكتظة بجموع جيش الاحتلال، وقفت عند أول حاجز عسكري، تلفت قليلاً... فوجدت رجلاً عظيم الجثة مكشراً عن ابتسامته الماكرة، يقترب مني وفي يده اليمنى بندقية كبيرة بدت عليها آثار التطور وفي يده اليسرى يحمل بطاقة لم أفكر في مضمونها، عفوياً؛ انطلقت يدي تبرم مقبض النافذة التي غلب عليها التعب أدخل رأسه من النافذة وابتسم ابتسامة عريضة وقال:

 "جوازك.."

ناولته جواز سفري الذي بدا وكأنني آكل أطرافه بجانب حساء ما، اطلع على الصفحة الأولى التي تضمنت اسمي وصورتي، وفجأة.... قال وعيونه منفتحة انفتاح عيون الليث:

 "أنت؟!"

ارتبكت بعض الشيء، وتمتمت قليلاً ! فقال: "أهلاً وسهلاً" و ناولني الجواز وانطلقت خائفاً إلى خارج المنطقة الحدودية، تذكرت الجواز وانطلقت يدي إليه مرتجفة، تناولته.. فتحته.. نظرت في داخله.. البطاقة، نعم إنها البطاقة التي لمحتها بيد ذلك الشرطي، قلبتها ثم قرأتها (في فندق البستان في شارع السلام...).

شعرت نفسي بالتعب عند قراءة هذه العبارة، ولكن ما هون علي هو تغيير مكان الموعد من شعبة الحراسة إلى الفندق.

من هو ذا صاحب الرسائل هذه؟!، أهو شخص أعرفه؟!، أم أنه مجهول المصدر والمصير؟!، كانت الأفكار تقوم على التضارب الذهني الذي لم يغادر إلى بعد أن أعياني.

وصلت إلى فندق البستان الذي قصدته من الموصل، دخلت.. واتجهت إلى موظف الاستقبال، ثم وقفت أمامه وكأني أبله لا يعرف لماذا جاء، حدق إلي بعينيه الزرقاوين، ثم قال:

 "الأستاذ مازن؟"

فبدا لي أنه على علم بالرسالة التي وصلتني، فقلت بصوت مبحوح يصبحه نشيج بسبب النخام المتعلق بجدران حلقي "نعم.. نعم، أنا من تقصد"

وهنا استقبلني وكأنني أعرفه وطلب مني أن أجلس على أحد المقاعد الفاخرة الموجود في ساحة الاستقبال، ثم تحدث إلي في أذني:

 "أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي يطلبك"

انحلت مفاصلي وخفت شديد الخوف، وقلت له:

 "ربما أنا الشخص الخطأ!"

فأجاب:

 "بل أنت هو"

أخافني جداً وبدأت أفكاري تستبعد احتمالات وتقرب احتمالات، ثم اتجه الموظف إلى السلم الطويل المتعرج الذي غلب عليه اللون الأبيض لامعاً لمعان الشمس، واختفى عن الأنظار.

هنا تذكرت ولدي هشام... تذكرت صغره الذي كان زهرة من زهرات الوجود، تذكرت ما انبثق عن يدي عندما لم أمنعه من الذهاب للجهاد، أصبح الناس يهنئونني باستشهاده قبل أن يعرف عنه أحد شيء، أهي شماتة الأعداء ؟، أم هي استهزاء بالشهيد الحي ؟، تراكلت أذهاني قصص كثيرة، وتواردت عليها خواطر غريبة عجيبة، كنت أخاف هذه الأفكار كلما دقت بابي، قلبي يرتعش كلما قصدتني هذه الأفكار، أخاف أن يصدقها الزمن ويحكم عليها بالوجوب على رأسي الأقرع الذي نمت في وسطه شعيرات ربما هي من الإرهاق العقلي.

ماذا يريد مني أحد أعضاء الكونجرس ؟!، هل وصلت خبرتي الهندسية إلى أمريكا؟، لا أعتقد.. ولكن يبدو أن أحد الأقارب في المهجر وجه إلي رسالة عن طريق هذا الشخص، وهذا ما هدأ من روعي.

جموع من الصحفيين الفرنسيين يلتفون حولي هنا وهناك، منهم من وقف بلا حراك ومنهم من يشرب عصيراً كان أو خمراً، ومنهم من يقف إلى جانب أحد المسؤولين يكتب ملاحظته.

ما هي إلا دقائق، فإذا برجل ضخم ضخامة نخلة في وسط الصحراء يلبس بزة سوداء حالكة وكأنها ليلة بلا قمر، على وجهه الاسطواني تربعت عدستان لونهما شديد السواد وعلى ثغره ارتسمت ابتسامة حسبتها خبيثة وحركت في نفسي شبح الخوف مرة أخرى.

اتجه نحوي.... وعندما وصل قال لي "أهلاً بك"، أشعرتني هذه الكلمات بشيء من الراحة، فقصصت له قصتي، عندها طلب هويتي فأبرزتها، مد يده إلى جيبه وأخرج ورقة صغيرة سجل عليها بعض الملاحظات وكأنه أحد أفراد المخابرات العسكرية، ثم انطلق إلى أعلى يتبع خطوات الموظف الذي لم يعد إلى الآن.

ثوان بسيطة، فإذا بشخص طويل القامة، يرتدي ملابس زرقاء، يتوسط صدره ربطة عنق بيضاء، ذو لحية شقراء خفيفة، يتأخر عنه شخصين ذوي نظارتين شمسيتان كالمرآة يعكس زجاجهما صورتي البريئة، يتوجه إلي مبتسماً فاتحاً ذراعية الواسعتين، لم أملك من حيلتي إلا أن اتجهت نحوه وفتحت ذراعي وعانقته معانقة الأخ لأخيه وأخذ يربت على كتفي كمضرب ينفض الغبار عن فراش امتلأ بالغبار، ثم قال بلهجة مصرية متقنة:

 "ماذا يا مهندس مازن، أنسيت جوزيف ناي؟"

فككت اشتباك الأيدي واشتباك الأفكار، ثم تمعنت قليلاً في وجهه، وابتسمت ابتسامة نبعت من القلب معبرة عن ارتياح نفسي كبير طالما انتظرته طوال هذه الرحلة الصعبة، قلت له:

 "أنا سعيد جداً بلقائك"

 "آه يا مازن... مر زمن طويل على افتراقنا، وربما بعد سنوات ستجدني رئيساً للولايات المتحدة"

أجبته مازحاً:

 "وعندها ستضطر إلى تحويل العراق إلى جنة خضراء"

قهقه بصوت عظيم رج أركان الفندق و أفزع من كانوا في ساحة الاستقبال، ثم أردف:

 "هذا ما لا أستطيع فعله"

اتجهنا إلى (الكوفي شوب)، لم أتوقع أن يبتسم لي الزمن مثل هذه الابتسامة الحقيقية، كيف انتقلت من مهندس مدني في شركة لشخص كبرزان إلى شخص مهم يعرف أحد أكبر أعضاء الكونجرس الأمريكي؟!، آه يا زمن كم أنت تسعد أحياناً وتخزي أحياناً أخرى.

منذ عشرة أعوام أرسلتني وزارة التخطيط العمراني إلى مصر لأحصل على الماجستير في الهندسة وهناك التزمت المشاريع البنائية الضخمة أبحث فيها عن أكبر قدر من الخبرة وخصوصاً أن المصريين قد برعوا في فن العمارة والتصميم، وأثناء وجودي هناك كان "جوزيف ناي" أحد أفراد الفرقة التي انضممت إليها وهو أمريكي الجنسية، وكنا سوياً في سكن واحد واستمرت علاقتي معه مدة ثلاث سنوات من الزمان، نشأت هذه العلاقة على أصول من المحبة وعبق من عطر التآخي وغلب عليها الحب الصادق الذي بقي إلى أن رأيته الآن.

أخبرني جوزيف أنه ترك القاهرة بعد سنتين من مغادرتي، وعاد إلى الولايات المتحدة وهناك أصر شديد الإصرار على تعلم اللغة العربية لما وجد فيها من معاني عريقة أصيلة، وكان هدفه من أسهل ما وصل إليه، حيث أجادها إجادة متقنة و كان السبب الوحيد لذلك هو إعجابه بالحضارة العربية الشرقية وميوله إلى العرب وحبه لهم.

اقتحم جوزيف المجال السياسي وبدأ الطريق بخطوات واسعة، أبديت له استغرابي الشديد ونحن نشرب العصير، وذلك لأنني طوال علاقتي معه لم يظهر أي اهتمام بالسياسة وإنما بقي اهتمامه منصباً على الإعمار والتعمير.

تبادلنا الأحاديث العشوائية وتراكلتنا الذكريات الجميلة في مصر، تذكرنا أيام الجامعة التي كم سعدنا بوجودنا مع سيد وحسني ويونس والبقية، تذكرنا رحلتنا إلى الصحراء وتخييمنا فيها، تذكرنا كثيراً مما رفض الزمن تذكيري فيه بمفردي.
اتجهت إلى فندق الرشيد بعد حجزي لغرفة فيه، أخذت حماماً دافئاً، بعدها أخذت فترة استرخاء للمفاصل التي تعبت اليوم من لقاء جوزيف، كانت ذاكرتي حينها تقلب دفتر الأيام وتنفض الغبار عن وجه فظيع، أبكتني الكثير من الذكريات واعتصر قلبي كثير من الهواجس، فكانت النهاية نوم طويل.

استيقظت في الخامسة والنصف، في السابعة كنت في طريقي إلى فندق البستان، انتظرت جوزيف في السيارة إلى أن أتى لابساً بدلة سوداء و يحمل على طرف خصره آله تصوير ويلبس نظارة كالتي ارتداها بالأمس.

 "اليوم أنت أمريكي، وليس مصرياً"

 "بل أنا عربي أمريكي، فسرها بنفسك..."

أردف:

 "إياك أن تأخذني إلى ملجأ العامرية!"

 "اجلس في السيارة وحسب"

انطلقت في السيارة إلى أن وقفنا على الإشارة الحمراء:

 "كيف كانت إقامتك في بغداد... أرجو أن لا تكون متعبة"

 "وكيف ستكون مريحة ومسؤولوكم لا يتركون مجالاً للتعاون"

 "جوزيف.. أريد أن أرى المهندس جوزيف وليس السياسي"

صمت برهة فأردفت:

 "سآخذك إلى مقهى شعبي لأريك قيمة النرجيلة العراقية"

فأجاب موافقاً و بدت أمارات البهجة على وجهه الأشقر المموه بلحيته الشقراء البسيطة، أوقفنا السيارة بعيداً عن الزحام المتدخل، وأكملنا الطريق مشياً على الأقدام إلى أن وصلنا إلى مقهى الزهاوي، شعر جوزيف أثناء الطريق بتوتري، فحاول أن يخفيه على نفسه، فأقبل يتفحص المحلات التجارية و يعلق على كل ما يراه ولم يفتح أي موضوع قد يخصني.

أثناء جلوسنا في ذلك المقهى الذي ينقل لي صورة الآباء والأجداد، ويرسم لي أزهى صورة عن العادات والتقاليد القديمة التي اعتاد الجميع على المحافظة عليها، ولم يخف عن جوزيف نظرتي السليمة لحفظ العادات، مما شجعه على انطلاق لسانه بصورة لم أعهدها عنه طيلة علاقتي الوطيدة به.

نفث دخان النرجيلة من أنفه الأفطس ثم قال بهدوء:

"سمعت أن ابنك قتل في الحرب"

هنا بدأ قلبي يرتجف وبدأت قدمي تعوي علي، ارتبكت مفاصلي وارتجف قلبي واتجهت أفكاري يميناً وشمالاً لم تعرف الهدوء، ثم ارتسمت على وجهي عقدة ربما أخافته وقلت:

 "لم يقتل... كلكم تقولون قتل، هو لم يقتل وسيعود يوماً من الأيام"

هدأ من روعي واستغل الموقف، ليبدأ السؤال عن العائلة، وكأنه تناسى الموضوع فقلت له:

 "كيف علمت بأمر ابني؟"

فأجاب وهو يغير من جلسته ويخلع النظارة عن وجهه:

 "حكاية طويلة سأحكيها لك لاحقا"ً

غيرت الموضوع وفتحت موضوع المطاعم الشعبية، فتحدثنا عن كثير من الأكلات التي اعتد أن أتناولها طوال فترة إقامتي في بغداد منذ خمس سنوات، ثم نصحته بأكل أكثر الأكلات فقداً عند غير العراقيين وهو سمك دجلة الملون الرائع الطعم، ثم استأذن جوزيف قائلاً:

 "غداً طائرتي إلى نيويورك في الساعة الحادية عشرة ظهراً، وأريد أن أتحدث معك في موضوع مهم جداً قبل أن أغادر"

اتفقنا على موعد في اليوم التالي، ولكنني أخفيت فضولي، فقد حركت آخر عباراته شيئاً في داخلي أخافني، فأنا منذ البداية لم أكن أتحرى المواضيع الغامضة خوفاً من الصدمة لكن يبدو أن ما شدني إلى الحضور لبغداد هو ما سيقوله لي غداً.

***

في اليوم التالي كان بانتظاري في ساحة الاستقبال في فندق البستان، رحب بي ثم اتجهنا إلى الحديقة الخلفية للفندق وأنا ألحظ وجود كلام في فمه لا يقدر على إخراجه، أخافني أن يكون شيئاً يؤذيني أو يؤذي شيئاً من أفكاري.
فقلت له:

 "جوزيف.. ألا تعتبرني أخاً لك؟"

فأجاب وقد كشر عن عقدة بريئة في جبينه:

 "بلى.. هو كذلك"

وقبل أن يبدأ بالكلام، قلت له:

 "أأنت من استقبلني في حدود بغداد؟"

 "أنا..! أه تقصد الجندي، فعلاً أنا من وضعه ليخبرك، وهو عراقي الأصل انخرط في سلك الحراسة الأمريكية، وكان وضعه على الحدود هدفاً لتوجيهك إلى الفندق لا إلى شعبة الحراسة"

ثم أردف:

"اسمع مازن.. قابلني القس هورنر، وهو رجل دين طيب جداً، وظف من قبل الكونجرس ليقوم بتطبيب الجرحى مع مجموعة أطباء، فاستطاع أن يحصل على كثير مما كان بحوزة جنودكم الذي قتلوا من هويات وأوراق وممتلكات، ومن بين ما وجدوا هذه الرسالة"

ثم أخرج من جيبه ورقة صفراء مربعة وتابع:

 "كانت هذه الورقة في مظروف كتب عليه اسمك وعنوانك"

أخذت منه الورقة ويدي ترتجف، و يتصبب من رأسي عرق بارد مخلوط بخوف حار جداً، ثم نهض وربت على كتفي وابتعد إلى أن تلاشى.

فتحت الورقة ثم كانت المفاجأة:

(أبي الحبيب أرجو أن تكون بخير وصحة جيدة قد تتأخر عودتي قليلاً.. أنا
بخير فلا تقلق، في الغد سيعود صديقي عزيز إلى الموصل وسوف يخبرك بكل شيء.

وأنا إن شاء الله سأكون بينكم في الأسبوع المقبل. أشواقي ومحبتي وقبلاتي
إلى أمي الغالية والعزيزة سناء.

ابنك هشام مازن الحمداني).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى