السبت ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمـــــد صبـــري غبـــاشي

معالي الوزير ، وأزمة "شفرة دافنشي"

بغض النظر عن رأيي في رواية ( شيفرة دافنشي ) وما أثير حولها من لغط وجدل أكثر من اللازم ..
وبغض النظر عن رد الفعل الساذج جداً الذي تمسك النقاد به عندنا في مصر لما قالوه عن تدني مستوى الفيلم ، وعن أن الضجة المثارة حوله هي ضجة فارغة لا يستحقها – كي يضفوا على المسألة طابعاً وطنياً تم إقحامه ظلماً في الموضوع ..
بغض النظر عن أشياء كثيرة جداً متعلقة بهذه الرواية الحدَث – وفيلمها – فإنني أجد أنه يجب الوقوف أمام موقف بعينه قد تم كحلقة من حلقات سلسلة الثورة المبرَّرة على هذا العمل ..
فآخر ما سمعناه في هذا الصدد أن الرواية والفيلم قد تم منعهما ( رسمياً ) حسب رغبة نواب مجلس الشعب الذين وافقوا - بالإجماع - على مصادرة الرواية ومنع عرض الفيلم ..

دعك من موجة التفاؤل التي سادت لأن نواب المجلس قد أجمعوا على أمرٍ ما أخيراً بغض النظر عن ماهية هذا الأمر .. !

رسخت أجهزة الإعلام الأمر على أنه رغبة شعبية عظمى قد تم الاستجابة لها ، ونصر ساحق قد عصم سوق الرواية والسينما في مصر من الاعتداء ( الغاشم ) الذي كاد يقع عليهما ..
وظهر البعض ممن أنعم الله عليهم بالفصاحة فجأة – وهم كُثر- كي يقولوا أن هذا شيءٌ مرفوض من أساسه ، وأن مثل هذه الأعمال لا يجب أن تدخل مصر مطلقاً ؛ ولتُعرض في أي مصيبة أخرى سواها .. الخ

لكني هنا أركز على موقف الوزير ( الفنان ) : ( فاروق حسني ) الذي أصدر القرار بمصادرة الرواية ومنع الفيلم .. ففي اتصاله الهاتفي مع الإعلامية اللامعة : ( منى الشاذلي ) في حلقة فائتة من حلقات ( العاشرة مساءاً ) راح يتكلم عن هذا الأمر ، وعن هذه الثورة ، وإيمانه بحرية الإبداع ، ورفضه لأي تجاوز زائد .. إلى آخر هذه الديباجات التي نعيها جيداً ..
ثم انتقل إلى الفيلم ووضعه وراح يتحدث عنه كناقد ومحلل خبير .. وهذا لا اعتراض مني عليه ؛ فالرجل – لا بد – خبيرٌ في مضماره .. لكن عندما سألته الإعلامية ( منى الشاذلي ) : هل قرأت الرواية ؟ .. أجاب بمنتهى الثقة والثبات أن لا .. وأسرعت هي بالسؤال العفوي الذي تلاه : هل شاهدت الفيلم ؟ .. فتمسك السيد الوزير بنفس الثقة والثبات وأجاب : لا .. ثم تابع مؤكداً أن " الرواية هقراها .. والفيلم هشوفه " ..

قالها في بساطة وكأنما يعتب على المذيعة لأنها سألت سؤالاً قد بلغ – لا شك – في نظره مبلغاً عظيماً من التفاهة ..
ووصف نفسه ، ووصف الأستاذة ( منى ) معه ، ومن مثلهما – على حد تعبيره – بأن هذه الفئة لا خوفٌ عليهم من الافتتان بمثل هذه الأعمال .. ووصفهم بالـ ( معصومين ) .. ولا تعليق ..

وهكذا اتخذ قراراً رسمياً تسبب في حرمان الكثيرين من التوّاقين لقراءة الرواية ومشاهدة الفيلم – مسلمين ومسيحيين – من مثل هذه الفرصة لمجرد تأثره ( بالسماع ) عن ضجة وصخب الرواية والفيلم .. ولم يهتم حتى بالقراءة والمشاهدة قبل أن يتخذ قراراً مسئولاً كهذا .. والمثير في هذا الأمر أيضاً استنكاره الشديد للاعتداء السافر والتطاول على شخصية المسيح أو النبي محمد ( ص ) على حد سواء ..

 هذا بفرض أن الرواية قد أساءت للمسيح أصلاً .. وأعتقد أن هذا لم يحدث على حد معلوماتي وباعتباري ممن قرءوا الرواية –
لكن ما علينا ..

فلنرجع بضع سنوات للوراء وقت صدور رواية السوري ( حيدر حيدر ) : ( وليمة لأعشاب البحر ) التي مثلت تطاولاً شديداً – بل وقحاً – على الدين الإسلامي والقرآن .. بل تطاولت في صفاقة نادرة على الذات الألهية ..

أين كان السيد الوزير ( فاروق حسني ) وقتها ؟! .. ألم يكن هو من سمح لرواية كهذه بالانتشار بين أيادي القراء المصريين ؟! .. لماذا لم تتم مصادرتها بمثل هذه الحماسة والإخلاص ؟! ..

قد تكون للسيد الوزير طرق تفكيره التي لا نعيها .. لكني في غاية الأمر فقط أتساءل ..

أعجبني للغاية رأي الأستاذ المسيحي : ( إكرام لمعي ) .. - هذا هو اسمه لو لم تخني الذاكرة - عندما ظهر على التلفاز ليقول بأنه ضد منع الفيلم وأنه يؤيد عرضه وإتاحة الفرصة للجميع كي يشاهدوه حتى يأخذ الفيلم بهذا حجمه الحقيقي .. ولا يُمنح أكبر من حقه .. لأنه طالما ظل هذا الفيلم بعيداً عن الجمهور – والكلام ما زال للإستاذ ( إكرام ) – فستحوطه هالة من الغموض والإكبار لا يستحقها في شيء .

أرى أن هذا الرأي يحوي الكثير من الحكمة والتعقل .. لكن الصوت المعارض له كان الأغلب ..

أما بالنسبة للرواية والفيلم وما حواه النص وتضمنته الأحداث من تجاوزات وسفور ؛ فهذا أمرٌ آخر !

أحمد صبري غباشي
Write4sunrise@hotmail.com


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى