الاثنين ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم ميسون جمال مصطفى

يوم... أكثر حرية

يوم... كلمة من ثلاثة حروف، لكنها بالواقع تحمل الكثير من الأحداث والأخبار والذكريات بمضيه، وقدوم ثلاثة أحرف جديدة. أما اليوم عندي مختلف عن أيام الناس الآخرين ليس بالمعنى الحركي له، وإنما بشعوري نحوه... فهو صديقي منذ أن رأت عيني النور في التاسع من أيلول، القادم من أحداث سجلت في كتاب الزمن والتواريخ اليومية.

عندما يلامس نور الصباح ظلام عيني، أفكر بيومي القادم، اليوم الذي ودّعته البارحة ووعدته بموعد جديد مع فجر جديد وأكثر حرية... ولكن بصراحة أكرر روتينة ويكررني: الساعة السابعة موعد ساعتي بإصدار ضجيجها ودخولها عالم الحياة من جديد، لن أزعجكم بأموري البسيطة من غسل الوجه واليدين.... الخ، بل سأذهب بكم إلى عملي وشوارع المخيم التي ألفتني، ولكني إلى الآن لم آلف حفرها، ولا أشغال البنى التحتية فيها، لأنها تذكرني دائما بالوقوع على الأرض بعد "فكزة" قدم لا تشفى إلا بالدواء والملين العضلي...

هناك... في عملي يستقبلني الباب الأحمر الذي يحمل علم بلادي بألوانه الأربعة، فأفكر كيف لهذا الباب حمل علم قضية كبيرة عمرها 58 عاما لم تقدر أنظمة كبيرة على حملها، فيبدأ الحلم بأخذي إلى المستقبل ولكني أصحو من حلمي ما أن أتخطى عتبة الباب وأصعد الدرجة الأولى إلى ا. ل. ع .م. ل.

فيأتي اليوم إليّ مجددا حاملا روتينه، لا تجديد في العمل... بل هناك بعض التجديد مهنة التدريس ولحاجات خاصة أمر ممتع ومتعب... بذار تزرعها فتنبت بصعوبة... لا لأن الري قليل ولكن لأن التربة ليست زراعية.

في الثانية ظهرا تنتهي حركتي اللولبية في الصف، فتبدأ حركة جديدة لي من نوع مختلف- عمل اجتماعي- يقودني مجددا إلى شوارع المخيم وبيوت تعبق بحكايات وقصص أصحابها ،ذكريات مؤلمة عن موت معيلها ، شريان الحياة فيها، وضع اقتصادي صعب. فأعود أدراجي ونفسي تعتصر الما عليهم.

وتصرخ الساعة الثالثة مهددة بالانصراف، فيعود الحلم يرفرف فوقي ... فاستسلم له ويأخذني إلى المستقبل الذي أهدف إليه، ويلوح في الأفق حق لي: "حق العودة" إلى قريتي التي اقتلعت منها سنة 1948 ، وهناك يبدأ يومي الحقيقي في أرض وطني في قريتي "الجش" في قضاء صفد بالقرب من الحدود اللبنانية الجنوبية، فأجد نفسي وأنا أجوب شوارعها وأتنقل بين بياراتها ، فتضمني بحنان ، فأدخل إلى بيتنا وأجلس في رواق الدار قرب جدتي ، وأطلب منها أن تخبرني عن وطني... هنا ينسلخ الحلم من بين يدي فأجد نفسي أمام بيتنا في المخيم وأنا أسال: لماذا سألت جدتي عن وطني وأنا فيه، ولكن مع دخولي البيت أعرف أني لست في وطني وأنني كنت أهذي ، فتطرق رأسي كلمة لاجىء تمخر عظامي .

فيتبادر إلى ذهني سؤال: أليس من حقي العودة إلى وطني فلسطين؟! أوليس هو حق شرعي وطبيعي لي ولغيري من أبناء الشعب الفلسطيني، فأدخل إلى القانون الدولي وقرارات هيئة الأمم المتحدة ولا سيما قرارها الشهير 194 الصادر بتاريخ 11/كانون الأول عام 1948 والذي ينص على عودة اللاجئين كلّ إلى ممتلكاته الخاصة نفسها التي رحل عنها، ودفع تعويضات لهم وإعادة تأهيلهم اقتصاديا واجتماعيا وليس العودة أو التعويض، وقد أعيد تأكيد هذا القرار في الأمم المتحدة أكثر من 135 مرة خلال خمسين عاما، ولكن لا حياة لمن تنادي فأين القانون الدولي من تطبيق هذا القرار؟؟

كما أكدت الأمم المتحدة في قرارها رقم 3236 لعام 1974 "إن حق العودة من الحقوق غير القابلة للتصرف" بل وحثت الدول الأعضاء فيها على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني بما في ذلك السلاح للحصول على هذه الحقوق.

ولا ينحصر حق الفلسطيني في العودة والمطالبة به وإقراره فقط في هيئة الأمم المتحدة، بل هناك أيضا توصيات ومواثيق حقوق الإنسان الدولية، وعلى راسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان... إلى جانب العديد من المعاهدات والاتفاقيات الإقليمية وكلها تقر وتعترف بحق اللاجئين الفلسطنين بالعودة إلى ديارهم واسترداد ممتلكاتهم ، وتعترف بإعادة تأهيلهم على نفس تلك الأراضي.

ومن الناحية الدينيّة فإن حق العودة مقدس مكفول، وهذا ما تؤكده أكثر من سورة في القرأن الكريم ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ 39 ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ 40

بالرغم من كل ما جاء في قرارات هيئة الأمم وإعلان حقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات الإقليمية والقرأن الكريم إلاّ إن الصهاينة يضربون عرض الحائط بكل هذا، لا بل إنهم يسيطرون على رأس القرارات بالعالم، وذلك بمعاونة من تتغنى بالحرية وتحتضن تمثال الحرية الذي ليس من صنعها- أمريكا- أو كما نطلق عليها في الوطن العربي "رأس الحية".

فبأي غد مشرق سأحلم، و ما يحق لي وهو طبيعي لا أملكه، ولكن وبالرغم من ذلك فإنني أجد فسحة أمل في براءة وعيون طفل صغير يصر على الحياة وهو يحمل بيده شيىء صغير يرعب ويزرع الخوف في نفس العدو الصهيوني، إنه الحجر الفلسطيني الذي يستمر يوما بعد يوم مع استمرار الأجيال لندحض المقولة الصهيونية " الكبار يموتون والصغار ينسون" فالعدو الصهيوني نسي أن كبارنا أرضعونا حب الوطن مع الحليب وزرعوا فينا حيفا، يافا،غزة، صفد، أريحا، وكل الوطن.

فأنا دائما أضع نصب عيني القول المأثور"ما أضق العيش لولا فسحة الأمل". لذلك اطمح إلى نيل الدكتوراة في اللغة العربية لأعلم في المستقبل القريب البعيد في جامعات وطني ولانقل ثقافتي العربية للدول الغربية، وربما هذا أهم ما أطمح إليه حاليا لأن بناء العقل وتزويده بالزاد العلمي هو أقوى سلاح فعّال لمنافسة كل محاولات إلغاء الشعب الفلسطيني وطمس هويته التي يحافظ عليها بعلمه وليس بسلاحه فقط. ربما أجد نفسي بعد عشر سنوات أحمل دكتوارة في اختصاصي وأجوب به العالم لأغير وجهة نظر الكثيرين في العالم بأن الشعب العربي ليس شعب دموي وإرهابي، بل هو شعب يحب السلام ، شعب متاسمح يكره الظلم والاستبداد .

فأهم ما يتحلى به الشعب العربي – عندما أتحدث عن الشعب العربي فأنا أقصده به أيضا شعبي الفلسطيني لأنه جزء لا يتجزأ منه – هو الأخلاق الحميدة والكرم، والترابط الأسري الذي يوطد الحياة العربيّة ويمد جذورها إلى المستقبل لتشرق وتسمو في العالم، وتكون انموذجا يحتذى ويتعلم الأخر من تجربته التي تمتد بالعمر لسنين مرتبطة بعمر الزمن .

وهنا يكون يومي قد شارف على نهايته، ودخوله عالم الظلام فأشعل التلفاز فتنقل لي جميع شاشاته مشاهد القتل والتعذيب في وطني فلسطين، صور تغرق في الدماء وقتل الأطفال والأبرياء، ثم ينتقل المذيع إلى خبر آخر أشد دموية في العراق. مشاهد مترابطة ومتشابهة مع اختلاف المخرج، عذرا يا سادة فهم خريجوا جامعة واحدة قسم القتل والدم.

من هنا أتوجه للعالم اجمع بأن ينظروا نظرة موضوعية، وأن يرموا عن أعينهم النظارة السوداء والغشاوة التي تلفها ليروا الإرهاب الصهيوني والأمريكي كل يوم على أرضي - فلسطين- من قلع لغصن السلام، زيتوننا الذي ولدنا ووجدناه يشمخ عاليا، ومحاولات تدنيس المسجد الأقصى ومحاصرة كنيسة القيامة، ومحو حضارة العراق وسرقة متعلقاتها وتهريبها إليهم ،وتعذيب السجناء في أبو غريب، وعمل المجازر ودخول الجوامع وتلويثها بجنودهم وقصف وتدمير لكل شيء في فلسطين والعراق .

فمن يكون الإرهابي؟؟؟

فبعد نظرة سريعة لما تمر به المنطقة العربية، أتوقع أن تزيد أمريكا في طغيانها وسيطرتها بعد عشر سنين حتى على أوروبا ، إذا لم تجد من يقف بوجهها.

فأعود إلي يومي الذي هدته مشاهد القتل وذبحته حتى الصميم، فأعده مجددا بغد مشرق أكثر حرية.................. وعمر من الأمل والحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى