الخميس ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم حسن الشيخ

وظيفة جديدة للنقد العربي

الى اى مدى يبقى النقد يساير الحركات الابداعية , ويحدد مساراتها التاريخية ويؤطر مدارسها المختلفة ?.. هذا التساؤل الغريب هو ذاته هدف النقد الأول , لذلك فان مهمة النقد ستبقى تسعى لتحقيق أهدافها فى ملاحقة الابداع وفحصه وتدقيقه.
ولكن لماذا لايبدع النقد ?! ان النقد باعتباره آلية للعمل الابداعى يفترض ان يخرج من الدائرة التى رسمها النقد لنفسه الى دوائر أخرى أكثر اتساعا , فبامكان النقد ان يلعب دور (الرائد) الذى يسبق الابداع الى مواطن الكلأ , بدلا من تتبع آثار القطيع .
نحن نحتاج الى شعر والى رواية لا نعرف عناصرهما الفنية الجديدة , فلماذا لا يبدع النقد تلك النماذج لمحاكاتها , اى ان وظيفة الناقد هى وضع الآلية او النموذج فى بعض الاحيان للعمل الابداعى حتى يتمكن الادباء بعد ذلك من محاكاته , ونحن ندرك - الآن - كم هذا غريبا فى عالم الادب .. الا ان ارهاصاته موجودة فى ثنايا الحياة الادبية العربية.

كما ان النقد يقتضى - أحيانا - ان يرسم المسار المذهبى لابداعات لاتوجد على الساحة الثقافية بعد , ولكن النقد يبشر بها ويأمل فى وجودها . بل وقد يهيئ عددا من المبدعين لاتخاذ هذا المسار بناء على قدرات وملكات هؤلاء الأدباء دون غيرهم .
هذا التصور الجديد لوظيفة النقد ليس سهلا على الاطلاق , فهى وظيفة تعتمد بالدرجة الاولى على استنطاق المستقبل والتنبؤ به بناء على العديد من المسلمات الحاضرة على الساحة الادبية . لذلك فهى ليست رجما بالغيب بل مهمة نقدية تعتمد على الدراسة المتأنية للحركة الابداعية , ومن ثم التخطيط الدقيق للمستقبل الثقافى .

وبالتأكيد لم يأخذ النقد هذه المهمة المستقبلية اذا عمل النقاد - كما هى الحال - بشكل فردى وعشوائى .
فالنقد الموجه لاضرر منه اذا صدر بأسلوب مؤسسى بعيدا عن الشللية والاهواء الذاتية , فلابد اذن من تنظيم العملية النقدية أولا حتى يتمكن النقاد العاملون فى إطار تلك الاجهزة المؤسسية - جامعات , مراكز بحوث , أندية أدبية , من توجيه الابداع المستقبلى .

وعمل النقد هذا يجب ألا يكون فيه نوع من الوصاية الادبية .. بل هو عمل استشارى توجيهى بالدرجة الاولى لايلزم الاديب ولا يقيده ويبقى الادب حرا فى اختيار شكله ومضمونه .

اما عن التجارب التى حاولت طرح الوظيفة المستقبلية للنقد والتى جاءت بصورة فردية لا مؤسسية , فأهمها محاولة نازك الملائكة فى كتابها (فى قضايا الشعر) التى استطاعت عبر محاولتها تلك تعميق وتقنين تجربة الشعر الحديث فى ذلك الوقت .. وكذلك محاولة ادونيس لاستنطاق المفاهيم الجديدة فى شعرنا العربى القديم ومحاولة محاكاتها بشكل جديد , وتجربة (صلاح عبدالصبور) .. وغيرهم من الشعراء الذين مارسوا تجربة النقد الابداعى , اما جبرا ابراهيم جبرا وعبدالرحمن مجيد الربيعى فقد طرحا اشكالا فنية جديدة فى عالم الرواية والقصة كنماذج وعضدا نتاجهما بالمفاهيم النقدية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى