الأربعاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

قضايا مغربية - القسم الرابع ـ الجامعة المغربية و الحركة الإسلامية

مند فجر تسعينات القرن الماضي، أصبحت الجامعة المغربية فضاءا للحركة الإسلامية، لاسيما فصيل جماعة العدل و الإحسان. و لا يخفى على أحد الصراع المرير بين مختلف فصائل الحركة الطلابية، و أحيانا عرف هدا الصراع أحداثا دامية سقط على إثرها ضحايا، و تم الزج ببعض الطلبة في السجون، و هكذا تحول جملة من الطلبة إلى مجرمين في نظر القانون.

و مند سنوات دخلت الفصائل الأخرى للحركة الطلابية بالمغرب في ردة فعل انتهت بانسحابها من الساحة أو على أحسن تقدير حاولت جاهدة الحفاظ على حضور باهت لا يكاد يبين.
في ظل هده الأجواء كانت التيارات الإسلامية تتقدم و تثبت أقدامها بالجامعة المغربية و كان صوتها يعلو و زحفها يمتد بعناية فائقة.

و مع هدا التصاعد بدأت تظهر إشارات محاولة تفجير هده القوة من الداخل بواسطة تيارات إسلامية تغاير الأولى في الخطاب و الموقف رغم اتفاقها على المرجعية، و أبرز هده التيارات طلبة التوحيد و الإصلاح، هدا من جهة، و من جهة أخرى بدأ تضييق الخناق على مناضلي فصيل العدل و الإحسان و منع أنشطته و سحق قيادته و اعتقالهم ادا اقتضى الحال دلك.

و في منتصف التسعينات أصبح فصيل العدل و الإحسان في مواجهة شبه يومية مع الحرس الجامعي، و هي قوة مسنودة بالأجهزة الأمنية السرية و قوة الأمن و قوة القانون. و تلى دلك حرب الشواطئ سنة 2000، و التي اعتبرها البعض تحديا للنظام المخزني، نتج عنها أن العدل و الإحسان عبرت على أنها قوة هادئة و لا تؤمن بالعنف و أنها لا ترفض الحوار. آنذاك أصدر الشيخ عبد السلام ياسين رسالته "إلى من يهمه الأمر" الموصوفة بخطاب أبوي صارم.

و هكذا أضحت الجامعة فضاء ميت بعد أن هجرها أغلب الطلبة النشيطين عندما كانت الجامعة تفضي بهم في أحسن الأحوال إلى غياهب السجون أو إلى التحاقهم باعتصامات المعطلين للمطالبة بحقهم في الشغل و في مكان تحت شمس وطنهم. و ظلت الوضعية إلى ما هي عليه إلى أن استفاق المغرب على الضربات الإرهابية ليوم الجمعة الأسود في 16 مايو 2003. و كانت فرصة سانحة للهجوم على الحركات الإسلامية و اتهامها جملة و تفصيلا.

و قد أدت هده الأجواء إلى تنازل حزب العدالة و التنمية عن الانتخابات الجماعية بعد تفاوضه مع الدولة. و كان لهدا الحدث بالنسبة للبعض عنوانا بارزا و عريضا لتشغيل آليات احتواء الحركة الإسلامية داخل البرلمان كخطوة أولى لتفعيل خطة الدولة للضغط على كل طيف الحركة الإسلامية بالمغرب في اتجاه التفاوض و تقديم التنازلات و التراجعات لتحقيق السلم السياسي. و في هدا الوقت شاهدت أكثر من كلية (فاس، المحمدية، تطوان، الدار البيضاء...) تحركات بارزة للعيان من طرف الحرس الجامعي تمحورت كلها حول عرقلة الإصلاح الجامعي و استعمال العنف و اتهام طلبة فصيل العدل و الإحسان. و حسب البعض فان هده الممارسات ما هي إلا معالم لخطة محكمة تسعى لتخليص الجامعة المغربية من هيمنة فصيل العدل و الإحسان.

و في هدا الإطار تتموقع أحداث 13 أكتوبر 2003 بكليات الحقوق بالمحمدية و العلوم ابن مسيك بالدار البيضاء و الحقوق بعين الشق بالدار البيضاء، حيث هجم الحرس الجامعي الذي ينعته طلبة المغرب بالأواكس على الطلبة لمنع مكاتب التعاضديات من تنظيم أيام التعارف الطلابي التي دأب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مند سنوات خلت على إحيائها و تنظيمها مع حلول كل موسم جامعي جديد. و في هده السنة تم اختيار شعر "تلاحم طلابي يؤطرنا نحو مستقبل دراسي يؤهلنا". و قد اتخذت مكاتب التعاضديات كل الترتيبات اللازمة لتنظيم هده الأيام. إلا أنه بمجرد الشروع في الاستعداد الفعلي لتنظيم تلك الأيام حاصرهم الأواكس و انهالوا على بعض الطلبة المنظمين بالضرب و الرشق بالكراسي، و أصيب على اثر دلك أكثر من طالب. و حاولت بعض الطلبات اللجوء إلى إدارة الكلية لطلب سيارة الإسعاف لنقل أحد المصابين، إلا أنهن منعت تحت التهديد من طرف عناصر من الحرس الجامعي من ولوج مبنى الإدارة التي كانت أبوابها موصدة و وجوههن. و في آخر المطاف اتصل استاد بهاتفه الشخصي بالإسعاف، فحضرت السيارة لنقل المصابين إلى المستشفى.

و جاء في محضر الشرطة أن الطلبة الضحايا أحدثوا هلعا و رعبا داخل المستشفى و أهانوا مسؤولا هناك، كما قاموا بإتلاف ممتلكات الدولة. إلا أن أحد الشهود أكد بصورة قاطعة أن ما جاء في المحضر مجرد افتراء لا أساس له من الصحة. فهل يعقل أن طلبة مصابين قاموا بما نسبته إليهم الشرطة؟. و يقول الشاهد أن ما وقع هو أن المسؤول عن الاستقبال و التسجيل بالمستشفى طلب من الطلبة ضحايا اعتداء الأواكس بأداء واجب الإسعاف، علما أن الخدمات الطبية يقال أنها مجانيا بالغرب بالنسبة للفقراء أو معدومي الدخل، أو على الأقل هدا ما يقره الخطاب الرسمي. و لما أخبروه بأنهم طلبة وأن إصابتهم كانت نتيجة لاعتداء من أشخاص محسوبين على الدولة (الأواكس) تجاهلهم المسؤول و صد الباب في وجههم ثم تلفن إلى الشرطة التي حضرت في الحال لاعتقال ثلاثة منهم، ثم قدمتهم إلى المحكمة زوال نفس اليوم في حالة اعتقال بتهم إهانة موظفين عموميين أثناء مزاولتهم لمهامهم و إلحاق خسائر مادية لمرافق مخصصة للمنفعة العامة و توجيه إهانات بالسب و الشتم بأعلى الأصوات إلى الجهاز الحكومي. علما أن اثنين من الثلاثة ما زالا صغيري السن.

و يوم المحاكمة عمت جماهير الطلبة إلى باب المحكمة التي كانت مطوقة بقوات الأمن و الحواجز الحديدية. و قد آزر الطلبة المعتقلين أزيد من 50 محاميا، و اعتبر الدفاع برمته أن المحاكمة تعتبر محاكمة رأي بامتياز، لاسيما و أن موقف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من الإصلاح الجامعي مناهض له. و هدا ما حدث بالنسبة لطلبة كلية الحقوق بعين الشق بالدار البيضاء.

أما الطلبة الأربعة أعضاء تعاضدية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بكلية الحقوق بالمحمدية، و هم كذلك من فصيل العدل و الإحسان فقد وجهت إليهم تهمة إهانة موظف أثناء مزاولته لعمله و العصيان و القذف، و تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 سنة آزرهم 18 محاميا. و قد وصف منسق الدفاع هدا الملف بأنه ملف سياسي و خصومة إيديولوجية ضد جماعة العدل و الإحسان، علما أن عميد كلية المحمدية قد عمل كل ما في وسعه و كل ما أوتي من قوة تعبيرية لإبراز صفتهم (انتمائهم إلى جماعة العدل و الإحسان) في الشكاية التي وجهها إلى وكيل الملك. و قد جاء في الشكاية المذكورة أن هؤلاء الطلبة ينتمون إلى فصيل العدل و الإحسان و يسعون دائما لتمرير خطابات و أفكار هده الجماعة المحظورة داخل صفوف الطلبة قصد إفشال الإصلاح الجامعي الذي انطلق في ظروف جيدة هده السنة.

و قد صرح جميع الطلبة المعتقلين أنهم تعرضوا للضرب و التعذيب و سوء المعاملة من قبل مصالح الاستعلامات العامة و جهاز الحرس الجامعي و في مخافر الشرطة.

و حسب هيئة الدفاع فان مجموعة من الطلبة قاموا بنشاط عادي يتكرر كل سنة للترحيب بالطلبة الجدد، و هدا عرف راسخ مند مدة في تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لمناقشة جملة من المشاكل التي تعيشها الجامعة كالإصلاح الجامعي و المنح وهدا من حقهم. إلا أن هناك إرادة مبيتة دفعت الحرس الجامعي إلى منع هدا النشاط و الهجوم على الطلبة و ضربهم على مرأى الأستاذ المحاضر.

و الأدهى في هدا الملف، حسب الدفاع، هو أنه جاء في محضر الشرطة، أن الضابطة القضائية استلمت الطلبة المعتقلين من عناصر الاستعلامات العامة و الحرس الجامعي، و هدا في حد ذاته تجني سافر و خطير جدا، اد أضحى بالمغرب- في ظل دولة الحق والقانون- عناصر أخرى غير التي صرح بها المشرع هي التي تقوم بهذا الأمر. و بعد دلك أكد المحامي أن المعتقلين تم اقتيادهم إلى مركز الشرطة و لفقت لهم محاضر وقعوها تحت الإكراه البدني و التهديد.

و قد صرح شاهد عيان لإحدى الجرائد أن الطلبة كانوا يقومون بحلقات عادية، و فجأة ظهر عدد من الحرس الجامعي رفقة الكاتب العام للكلية يتوجهون نحو الطلبة، و عندما اقتربوا منهم صاح الكاتب العام قائلا " من يريد أن لا يذوق طعم الهراوة عليه أن يخرج توا من الكلية".
و لازال الجميع يتساءل حول هدا الملف فيم هل هو دي صبغة سياسية ؟

و قد صرح أحد المحامين أن محاكمة طلبة كلية الحقوق بالمحمدية يأتي في سياق إعلان الحرب على الإسلاميين و محاولة منها في إلصاق تهمة العنف على كل دي لحية عمدت السلطة على إرجاع ملف العدل و الإحسان ليطفو على السطح من جديد. كما يأتي في سياق جامعي يتميز بتطبيق الإصلاح الجامعي الذي خلف ردود فعل سواء من طرف الأساتذة الجامعيين أو من طرف الطلبة على حد سواء. و حسب المحامي الأستاذ عصام الإبراهيمي تأتي هده المحاكمة لتكرس نهجا تعوده الطلبة مند التسعينات. و قد أضاف قائلا أن تفاصيل المحاكمة مند بدايتها كانت تندر بأن الحكم سيكون قاسيا، و دلك من خلال أن رئيس الجلسة كانت له إرادة واضحة في الإسراع بالمحاكمة، دلك أنه لم يعط للمحامين المنصبين الفرصة لإعداد الدفاع، كما أن الجلسة لم تتوفر فيها شروط العلنية اد عمد رجال الأمن و السلطة إلى تطويق المحكمة و منع الجمهور من حضورها. كما أن الدفاع تقدم بطلب استدعاء مصرحي المحضر لأن سلطة الاتهام في تسطيرها للمتابعة و تكيبفها للوقائع اعتمدت بشكل مباشر و أساسي على هؤلاء المصرحين (قيدوم الكلية، الكاتب العام للكلية، أعضاء الحرس الجامعي) باعتبارهم ضحايا، و دلك نظرا لأن المحكمة لا يمكنها أن تشكل قناعتها بناء فقط على تصريحات تدعي الضابطة القضائية على أنها تلقتها خلال البحث التمهيدي. إلا أن المحكمة رفضت هدا الطلب و دون الاختلاء حتى للمداولة فيه. و اعتبر الأستاذ عصام الإبراهيمي أن هده الممارسات الصادرة عن المحكمة لا تنم عن حياد القضاء و استقلاليته و لا تشكل و لو الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة.

و الغريب في الأمر أن الضابطة القضائية تؤكد أن إيقاف الطلبة المتهمين و اعتقالهم كان من طرف هيئة لا يخولها القانون دلك.

و قد اعتبرت الجمعيات الحقوقية و النشطاء الحقوقيون بالمغرب أن هده المحاكمة هي في واقع الأمر محاكمة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب و محاكمة فصيل طلبة العدل و الإحسان الذي يحتل مقاعد مهمة في هدا الإطار النقابي الطلابي، و هي تشكل حلقة أخرى من حلقات خرق القانون و العصف بأسس دولة الحق والقانون و ضرب عرض الحائط للمكتسبات الحقوقية حتى في أدنى مستوياتها.

و بالعودة إلى الوراء يتبين بجلاء الصراع القائم داخل الجامعات المغربية. فخلال الموسم الجامعي 1995-1996 منع طلبة العدل و الإحسان الجامعة الربيعية التي أراد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (حزب الأغلبية الحكومية) تنظيمها بمبرر أنه لا يمكن لأي حزب فرض نشاطه على الطلبة من غير اعتبار لأجهزتهم المنتخبة(مكاتب التعاضديات و الفروع) فيما اعتبر أعضاء الحزب الاتحادي أن هدا الفعل مصادرة للرأي و حرية التعبير.

و في الموسم الجامعي 1996-1997 تقدم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (فرع الدار البيضاء) ملفا مطلبيا عاديا ثم يتم إغلاق مقره بالحي الجامعي و الكلية و تحويله إلى مقر الأواكس و تقفل المساجد و تصادر المصاحف و الزرابي التي كانت مخصصة للصلاة. و ابتداء من يناير 1997 بدأ مسلسل من الاعتقالات شملت أزيد من 40 جلهم مسؤولو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ و ط م ) بجامعة الدار البيضاء. في نفس الشهر و في ظل تصاعد الاحتجاجات الطلابية وزير الأوقاف السابق- العلوي المدغري- يفتي بعدم جواز الإضراب عن التعليم في الجامعة خلال أولى الدروس الحسنية الرمضانية. و في ذات الشهر و السنة تستنكر النقابة الوطنية للتعليم العالي الوضع الأمني داخل الجامعة المغربية و تدين خرق حرمة الجامعة و اعتقال الطلبة بها. و كان رد السلطة صدور الدورية الثلاثية لوزراء الداخلية و العدل و التعليم العالي و التي جاء فيها أن الحكومة عازمة على السهر على حسن سير الجامعة و وضع حد للممارسات الهدامة ذات الأهداف المبيتة لمجموعة قليلة متطرفة و ظلامية تهدف إثارة الفوضى في الجامعة، و دلك عبر اتخاذ إجراءات صارمة كإضفاء دينامية أكبر على دور الحرس الجامعي. إلا أن هده الدورية لقيت إدانة و استنكار كل مكونات المجتمع المدني بكافة أطرافه و اتجاهاته الإسلامية واليسارية. لكن الدولة اجتهدت في التطبيق الدقيق للدورية الوزارية من خلال استمرار ملاحقة و اعتقال الطلبة و تفريق التجمعات الطلابية بالقوة و منع الصلاة بإقفال المساجد داخل الجامعات و الأحياء الجامعية. و رافقت هده السيرورة تعيينات لعمداء جدد للجامعات جلهم تدرجوا في سلك وزارة الداخلية. و في فبراير 1997 اتسعت موجة الاعتقالات الطلابية لتشمل جامعات فاس و وجدة و مراكش و أكادير و الجديدة.

و خلال موسم 1997-1998 اتسعت حملات الاعتقالات و القمع و الهجوم على الحرم الجامعي و تزايدت الاعتقالات في صفوف مناضلي ا و ط م الشيء الذي دفع الجمعيات الحقوقية إلى التنديد بهده الخروقات و المطالبة بإجلاء قوات الأمن عن الحرم الجامعي. و في نونبر 1997 تناقلت أنباء عن مقتل الطالب منصف المزوزي بجامعة فاس حيث فارق الحياة متأثرا بجراحه الخطيرة برأسه اثر تدخل قوات الأمن (فرقة التدخل السريع). و أعيدت الكرة في فبراير 1998 بشن هجومات على الطلبة و الطالبات مازال بعضهم يعاني من أثرها إلى حد الآن. و مند مارس 1998، مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي بدأ الترقب يسود الوسط الطلابي و الآمال معقودة على حكومة التغيير.

و في موسم 1998-1999 تم الإعلان عن تأسيس لجنة التنسيق الوطنية خلال الملتقى الطلابي السادس، إلا أن هده الخطوة لقيت معارضة كل التيارات الطلابية باعتبارها محاولة سطو العدل و الإحسان على ا و ط م.

و تميز الموسم الجامعي 1999- 2000 بالدعوة إلى شن إضراب وطني هو الأول من نوعه احتجاجا على مشروع الميثاق الوطني للتربية و التكوين.

و في الموسم الجامعي 2000-2001 صدر تقرير حقوقي وطني حول الأوضاع بالجامعة المغربية يرصد مختلف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و تشمل الاعتقالات التعسفية و المحاكمات الصورية و انتهاك حرمة الجامعة و مصادرة الحق النقابي و الحرمان من الحق في السكن و المنع من حق الصلاة و نزع الحجاب على الطالبات.

و خلال موسم 2001-2002 يتم تعليق عقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد ثلاث سنوات من التحضير.

و خلال موسم 2002-2003 يعود الهدوء النسبي للجامعات المغربية بعد سنوات طوال من القمع و التسلط. إلا أنه سرعان ما عادت حملات الاعتقال و الإدانة و الاعتداءات مع بداية الموسم الجامعي 2003- 2004.

الحرس الجامعي و حرمة الجامعة بالمغرب

إن وجود الحرس الجامعي يعود إلى بداية ثمانينات القرن الماضي، و هو يرتبط في ذاكرة الحركة الطلابية المغربية بالإصلاح الجامعي المنفرد الذي قامت به الدولة. و قد تزامن ظهور الحرس الجامعي مع فشل المؤتمر 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب و دخول ه في الحظر العملي.
و رغم أن السلطة العمومية تجتهد اجتهادا محاولة تقديم الحرس الجامعي كنوع من أنواع الشرطة الإدارية، فان الواقع يقر بأن الحرس الجامعي مكون من عناصر تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني ألحقت بالعمل بالجامعة، لكنهم تحت إمرة السلطة الإدارية و الرئاسية بإدارتهم ( الأمن الوطني). و تنعدم أية سلطة للجامعة على أفراد و جهاز الحرس الجامعي العاملين بها.
و قصد تحسين الصورة و التغطية على الطبيعة الحقيقية لجأت وزارة الداخلية إلى إيجاد حل توفيقي يجعل الحرس الجامعي تابعا لمدير الحرس الجامعي الذي هو موظف من موظفي وزارة الداخلية، و جعل تدخلهم يكون بناء على أوامر مدير الحي الجامعي بصفته رجل سلطة لا بصفته مدير مؤسسة جامعية و هنا تكمن اللعبة. لذا فالأمر لا يتعلق في الحقيقة بشرطة إدارية بقدر ما يتعلق برجال أمن عاديين يعملون في رحاب الجامعة و الخرم الجامعي تحت إمرة رجال سلطة يستمدون سلطتهم من وزارة الداخلية. علاوة على أن نعت الحرس الجامعي غير وارد في أي نص تشريعي أو تنظيمي، ما عدا المذكرة الثلاثية، و التي هي كذلك لا تؤسس لجهاز الحرس الجامعي و إنما تتحدث فقط عن تأهيل عناصره و إخضاعهم للتكوين و التدريب لأداء مهامهم. علما أنه لا وجود لأي نص قانوني أو تنظيمي يحدد مهام هذا الحرس، رغم أنه في حقيقة الأمر يمارس السلطات العادية لجهاز الأمن الوطني، بصفته قوة عمومية تتدخل لفرض احترام القانون. علما أن الشرطة القضائية في محاضرها لا تعترف لعناصر الحرس الجامعي بأي وصف رسمي. و هذا يدعو إلى التساؤل، لماذا يستمر الحرس الجامعي – كجهاز غريب عن الجامعة في ممارسته خارج نطاق القانون في ظل دولة الحق و القانون؟
و إذا كانت الدولة ترغب في التشبث بهذا الجهاز الدخيل على الجامعة المغربية عليها على الأقل، و احتراما لأسس و مبادئ دولة الحق و القانون أن تضفي عليه الشرعية القانونية الواضحة غير الملتوية و ذلك بواسطة نص قانوني واضح و صريح يؤسس له و يبين مهامه. علما أن عليها قبل ذلك التفكير في آليات إخضاعه للمبدأ المسطر من طرف الإصلاح الجامعي نفسه لسنة 1975 و الذي ينص بصريح العبارة و بدون لف و لا دوران على أن الجامعة المغربية مؤسسة مستقلة إداريا و ماليا و لها حرمتها التي لا يحق انتهاكها.
إن طلبة المغرب ينعتون الحرس الجامعي، منذ فرضه على الجامعة المغربية في الموسم الجامعي 1981-1982، بالأواكس على غرار طائرة التجسس الأمريكية.
فالواضح أن الأواكس جهاز دخيل على المنظومة التربوية للجامعة، و له تاريخ أسود في علاقاته مع الطلبة، لا سيما المناضلين منهم، و هذا أمر كاف للتساؤل حول استمرار وجوده. خصوصا و أنه من ناحية المبدأ تعتبر الجامعة فضاء للمعرفة و البحث العلمي من المفروض أن تضم نخبة من الشباب المثقف المدرك لحقوقه و واجباته.

و من باب النكتة قال أحد الطلبة أن وجود الأواكس بالجامعة المغربية ما هو إلا تكريس مبدأ تقريب الإدارة (السلطة) من المواطنين، باعتبار أن هراواتهم تظل قريبة و لاصقة بالطلبة، و بالتالي لا داعي لطلب تدخل قوات الأمن من خارج الجامعة لإطلاق العنان لهراواتهم على رؤوس الطلبة و الطالبات العزل.
إن اقتحام جهاز الحرس الجامعي لفضاء الجامعة في واضحة النهار و على هامش القانون في ظل التغني بأسس و مرتكزات دولة الحق و القانون و تكريس حقوق الإنسان يدعو بإلحاح إلى التساؤل خول الحركة الطلابية و دورها في المجتمع المغربي.

فلا يخفي على احد أن الحركة الطلابية شكلت إلى باقي مكونات المجتمع المدني رافدا من روافد الدفع للنهضة و التغيير في أفق بناء مستقبل أفضل و مجتمع قوامه الحرية و العدل و العدالة الاجتماعية و حرمة و كرامة الإنسان. و في سبعينات القرن الماضي راهن الكثيرون بالمغرب على الحركة الطلابية كبديل في ظل فشل الأحزاب السياسية المغربية في فرض التغيير المرتقب. آنذاك كانت المراهنة عليها و على الحركة العمالية لتوجيه المغرب نحو التغيير الجذري.

و لقد لعبت الحركة الطلابية آنذاك من خلال إطارها الشرعي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (ا و ط م) دورا فعليا و فعالا في النضالات التي خاضها الشعب المغربي من أجل إصلاح حقيقي، و قد أدى الطلبة المغاربة الثمن غاليا من اجل ذلك و قد استعملت السلطة المخزنية كل الأساليب الممكنة لمواجهة هذا المد النضالي بدءا باستصدار القوانين الرامية إلى تضييق الخناق على الحركة الطلابية و وصولا إلى القمع السافر حتى باستعمال ممارسات واقعة بجلاء على هامش القانون الجاري به العمل على علته.
و من بين الإجراءات التي قامت بها السلطة المخزنية إنزال جهاز الأواكس و فرضه على الجامعة المغربية. و قد أفادت التجربة أن هذا الجهاز كان سببا في اندلاع عدد من الأحداث التي أثرت تأثيرا بليغا على الحياة الجامعية و السياسية عموما بالمغرب، و يمكن ذكر منها أحداث مراكش و فاس و الدار البيضاء في 1989-1990 التي أدت إلى استشهاد جملة من الطلبة و إلى اعتقال الكثيرين منهم و كذلك أحداث 1996 و غيرها.
و يظل الجميع يندد بعسكرة الجامعة المغربية منذ ثمانينات القرن الماضي و ذلك في ظل المناداة بالإقرار بدولة الحق و القانون و تكريس الديموقراطية و حقوق الإنسان.
و يبدو أن المطالبة بجلاء الحرس الجامعي عن الجامعة المغربية أمر يدخل في إطار طي ملف الماضي و تطليق العقلية التي كانت سائدة على امتداد السنوات الرصاصية التي عاشها المغرب، و التي أدانها، جملة و تفصيلا، المجتمع المغربي قاطبة و برمته. علما أن اللجوء إلى إحداث الحرس الجامعي كان عنصرا من عناصر الاستراتيجية المخزنية الرامية إلى عزل الحركة الطلابية و حركة الشبيبة المدرسية و الجامعية عموما عن محيطها و منعها منعا و لو بالقوة من إنتاج و إعادة إنتاج شروط قيام فضاء جامعي عقلاني يساهم في تخريج أطر حزبية و نقابية فعلية. و هذا ما أصطلح عليه باستراتيجية مخزنة الجامعة المغربية. و الآن و الحالة هاته، فالمطروح على القوى الديموقراطية الفعلية أن تضع الجامعة المغربية في حسبانها و في برامجها النضالية لتمكينها من استعادة قوتها المعرفية و النضالية ما دامت الجامعة تظل أحسن و أفضل فضاء لتأطير أجيال المستقبل.

تاريخ الإرهاب ضد الصحافة المغربية

 لازالت الصحافة المغربية في محنة
الصحافة المستقلة بالمغرب تعيش محنة تذكرنا في جملة من جوانبها بالسنوات الرصاصية سيئة الذكر على لسان المغاربة قاطبة و التي عرفها المغرب بالأمس القريب علما ا، الرأي العام أذانها بشكل واضح لا غبار عليه، لاسيما بعد انكشاف فظاعة الانتهاكات الجسيمة للصفة الإنسانية و لحقوق الإنسان و انفضح الدوس على كرامة الإنسان على امتداد عقود من الزمن.
و الآن هناك جملة من الصحفيين فرض عليهم القبوع وراء الأسوار العالية و خلف القضبان الحديدية السميكة، إما باسم قانون مكافحة الإرهاب أو بتفعيل بطريقة من الطرق الغريبة لقانون الصحافة.

و من ضمن هؤلاء مدير جريدة الحياة المغربية الجهوية الصادرة بمدينة وجدة بشرق المغرب. ففي غضون شهر يوليو 2003 توصلت الضابطة القضائية بأمر قصد البحث في مضمون حوار صحافي أجرته الجريدة المذكورة مع محمد العبادي عضو مجلس الإرشاد لجماعة العدل و الإحسان( التي مرشدها عبد السلام ياسين)، و هو حوار تضمن حسب النيابة العامة مسا بالمقدسات و الاحترام الواجب للملك.
و في هذا الإطار توبع مصطفى مدير الجريدة إضافة لرئيس تحريرها بتهم الإخلال بالاحترام الواجب للملك و المس بالنظام الملكي و التحريض بواسطة مطبوعات على القيام بأعمال من شأنها المس بالسلامة الداخلية للأمن تبعا للفصول 39 و 49 و 67 و 68 من قانون الصحافة.

و قد حضر أكثر من 100 محام لمؤازرة المتهمين، كما حضر الحقوقيون و الصحفيون بكثافة للمحاكمة للتعبير عن سخطهم و استنكارهم للتهم الموجهة إلى الصحفيين المتهمين. إلا أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع حفظ الملف نطقت المحكمة بحكمها..
ادانت المحكمة الابتدائية بوجدة في بداية نونبر 2003 كل من مصطفى قشنني و محمد العبادي بالسجن لمدة سنتين حبسا نافذا و غرامة مالية قدرها ألف دولار ( 10 آلاف درهم) و على محمد بوطريكي و عبد العزيز جلولي بسنة و نصف و غرامة قدرها 500 دولار (5000 درهم).
و اعتبر الدفاع أن هذا الملف يدخل في إطار التضييق على جماعة العدل و الإحسان، لاسيما و أن الحوار المذكور لا يحتوي على السب أو القذف، اللهم ما اعتبرته النيابة العمة قذفا في حق الملك ( بفتح الميم و كسر اللام أي السلطان) حينما تحدث العبادي عن الملك (بضم الميم و جزم اللام و ليس بفتح الأولى و كسر الثانية) العاص و الجبري، علما أن هذا الوصف متضمنا في أكثر من حديث من الأحاديث النبوية الشريفة المرتبطة بالخلافة و منهاج النبوة.
و قد أكد الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أن التهم الموجهة لمدير جريدة الحياة المغربية و رفاقه غير محددة و لم تشمل جملا أو كلمات أو فقرات معينة، و إنما كانت من أجل الاستجواب برمته، و قد اعتبر هذا النهج تعسفا بارزا.

لازال قانون مكافحة الارهاب يسقط رؤوس الصحافيين

لقد عرفت عدة محاكم بالمغرب متابعات صحفيين استنادا على قانون مكافحة الارهاب أو قانون الصحافة، و للمثال لا الحصر يمكن ذكر مدير جريدة دومان و مدير جريدة الشرق الصادرة بوجدة و رئيس تحريرها و مدير جريدة الحياة المغربية الصادرة بوجدة و أحد أعضاء هيئة تحريرها و مدير جريدة الحدث الصادرة بالرباط و رئيس تحريرها و مدير جريدة أجراس و رئيس تحريرها و مدير جريدة القنطرة الصادرة بالقنيطرة.
و انضاف مؤخرا الى هذه اللائحة مدير جريدة الخضراء الجديدة الصادرة بمدينة طنجة الذي توبع بتهمة السب و القذف في حق مسؤولين أمنيين، و تعود هذه النازلة الى مقال بقلم مدير الجريدة الزميل أحمد افرازن تحت عنوان " بني مكادة (و هو حي شعبي بمدينة طنجة) تحت غطاء الارهاب، اعتقال أشخاص ابرياء، القضاء يصلح أخطاء "الآخرين"). علما أن قضية هؤلاء الأشخاص أحدثت ضجة كبيرة بمدينة طنجة. لاسيما و أنه تم تقديم هؤلاء في حالة اعتقال و قضت المحكمة ببراءتهم من جميع التهم الخطيرة المنسوبة اليهم ما عدا تهمة تأسيس جمعية دينية بدون ترخيص، و هي مجرد جنحة لا تتجاوز عقوبتها الغرامة المالية.
و قد تطرق مقال الزميل أحمد افرازن – كتعليق على الحكم- الى فكرة أن العدالة بطنجة مؤهلة فعلا لتصحيح أخطاء "الآخرين" ثم طرح تساؤلات حول دواعي اعتقال مواطنين لمجرد الاعتقال.

في حين اعتبر المسؤولان الأمنيان أن بعض ما جاء في المقال يعتبر قذفا و سبا في حقهما، بل طالبا بمتابعة مدير الخضراء الجديدة بتهمة تشجيع "جماعة زاغت عن الطريق بنشر أفكار هدامة كمطية لبلوغ مرامي مجهولة و تحريض الرأي العام ضد الجهاز الأمني خدمة لأهداف مشبوهة",
و قد اعتبر الكثيرون أن قصد المسؤولين الأمنيين هو نصب فخ لمدير جريدة الخضراء الجديدة، رغم أن موقفهما يعاكس على طول الخط حكم العدالة الذي قضى ببراءة المتهمين.
و يعتبر الزميل أحمد افزارن أنه تساءل لماذا يعتقل مواطنين أبرياء ؟ و هذا حق لأي مواطن مغربي، و بالأحرى أن يكون هذا المواطن يمتهن مهنة المتاعب . كما اعب. كما اعتبر أن المسؤولين الأمنيين لم يستوعبا مضمون المقال المنشور

ضريبة الجرأة الصحافية

لا يخفى على أحد أن شرط تطور الصحافة الجادة و تألقها هو الحرية، إلا أن هذه الحرية أضحت اليوم تقزم بالمغرب استنادا على خلفيات تارة تتقمص شكل المس بالمقدسات و تارة أخرى شكل الإشادة بالإرهاب.

و قد وصل تضييق الخناق على الصحافة المستقلة و الحرة بالمغرب درجة أصبح معها العام و الخاص يتساءل : لماذا كشرت الدولة عن أنيابها لافتراس الصحفيين؟ أم أن هذه الصحافة أضحت تهدد سيادة الدولة؟

و الغريب في الأمر أن الصحافة المستقلة و الحرة بالمغرب هي الأكثر استهدافا، خلافا لما كان في السابق، عندما لم تكن موجودة بعد، حيث كانت الصحافة الحزبية المعارضة هي المستهدفة.

و يبدو حاليا بالمغرب أن الصحافة المستقلة و الحرة الجادة هي التي أضحت تضطلع بدور المعارضة الفعلية للحكومة، و ذلك لكونها تلعب دور الفاعل المدني الذي يرصد مظاهر الانتهاك و الانتكاسة، رغم أن واقع هذه الصحافة في غالبيتها لازال مزريا مادامت، خلافا للصحافة الحزبية، لا تستفيد لا من الدعم
المالي الممنوح من طرف الدولة و لا من الإشهار أو من كل ما يساهم في تأهيلها ماديا و تطويرها و ضمان استمراريتها بطريقة مريحة كما هو الحال لبعض الصحف الحزبية التي تصدر منذ عدة سنين خلت رغم أن مبيعاتها لا تكاد تفت المائة أو المائتين من الأعداد. علما أن الدعم الممنوح لها يقتطع اقتطاعا من جوع أغلب فئات الشعب المغربي.
و لقد لعبت الصحافة المستقلة و الحرة الجادة، في السنوات الأخيرة، دورا حيويا و غير مسبوق في الكشف عن ملفات الفساد الكبرى التي عرفها المغرب، و قد يعود إليها الفضل في دعم اتجاه الكشف و تسليط الأضواء على مناطق الظلام إلى درجة أن أهمية الصحيفة بالمغرب أصبحت تقاس بمدى دورها و قدرتها على كشف المستور و جرأتها في تسليط الأضواء عليه.

إلا أنه لازال البعض يعتقد أن المغرب في حاجة لصحافة مواطنة تساهم في التربية السياسية للمواطن، لاسيما و أن الدولة مجبولة على محاولة تهميش كل من يسير في اتجاه معارضتها سواء كانت صحيفة أو حزبا أو جمعية، لذلك يبدو أن الصحافة المستقلة و الحرة الجادة بالمغرب ما زال عليها أن تتحمل ضريبة لجرأتها التي قد تصد بسهولة إلى السجن في انتظار غد أفضل.

إن تاريخ انتهاك حرية التعبير، والحق في الخبر (الذي لا ينص عليه دستوريا) والتصدي للصحافة ومعاقبتها حافل بالأمجاد. فمنذ الخمسينات إلى حدود سنة 2001، ظلت الصحافة الجادة مستهدفة، لاسيما الجريئة منها فكم من منبر صحفي منع ببلادنا ؟ وكم من صحفي حوكم؟ ففي منتصف دجنبر 1959 تم منع جريدة التحرير لسان حال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك بقرار من مجلس وزاري، علما أن الحكومة كان على رأسها آنذاك عبد الله إبراهيم الذي وقع على قرار إعدام جريدة حزبه. لكن لماذا منعت جريدة التحرير ؟ إنها منعت لسببين اثنين : السبب الأول هو نشر خبر بدون تعليق مفاده أن الأمير مولاي الحسن ( آنذاك) تعرض لمحاولة اغتيال ، وقد تم اعتبار نشر مثل هذا الخبر من شأنه المس بالأمن والاستقرار والدفع لإحداث قلاقل. علما أن نفس الخبر نشر في 1963 دون أن يؤدي لي منع. أما السب الثاني هو تسمية الصحافة في إحدى المقالات بصاحبة الجلالة وتم اعتبار ذلك مس بشخص الملك رغم أن المقال لم يتطرق للملك بتاتا وبالمرة. وفي غضون شهر أبريل 1967 ظهرت جريدة المحرر بالعربية وجريدة " ليبراسيون" بالفرنسية وهما ناطقتان باسم نفس الحزب، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد صدور العدد الأول تم منع المحرر بواسطة أمر شفوي صادر عن الجنرال أفقير ودون أي تفسير رسمي ومسؤول. وقيل أن الجنرال لم يستحسن ما جاء في إحدى المقالات التي أشارت إلى دور الموساد في اختطاف المهدي بن بركة. أما جريدة " ليبراسيون" فقد كان سبب منعها هو نشر استجواب مع الزعيم " شي غيفارا" لهذا تم منع الجريدتين المذكورتين في عهديهما الأول ولم ترى جريدة المحرر النور. والخروج إلى الوجود من جديد إلا في سنة 1974، أما " ليبراسيون" فلم تستأنف صدورها إلا في عام 1976.

وآنذاك كانت الرقابة تحسب أنفاس الجرائد. ، حيث كان من الضروري تقديم نسخة الجريدة قبل الطبع إلى مصلحة الرقابة التي عليها أن توافق على كل ما تحتويه وإلا فلا يمكن القيام بطبعها وبالأحرى توزيعها. وكان على القائمين بالجرائد الانصياع إلى أوامر الرقابة ( تغيير عنوان أو عبارة أو جملة أو صورة ..) وإلا فإن العدد لن يرى النور. وظلت هذه الرقابة سارية المفعول إلى حدود سنة 1977. وحتى بعد هذا التاريخ كانت وزارة الداخلية تحشر أنفها لتضييق الخناق على حرية الصحافة وترهيب الصحافيين، إما بإعطاء أوامر أو تحذيرات هاتفية، أو مطالبة الجرائد بعدم التطرق لقضية من القضايا، كما حدث سنة 1978 إذ أن الوزير اتصل بالجرائد لإخبارها بأمر مفاده عدم السماح بنشر أي شيء يتعلق بالانتفاضة التي كانت إيران مسرحا لها آنذاك. وفي غضون نفس السنة ( 1978) تعرضت كل من جريدة المحرر وجريدة " ليبراسيون" لمنع دام 15 يوما بسبب تطرقهما في إحدى المقالات بمناسبة المؤتمر الثالث لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للملكية البرلمانية.
في غضون شهر يونيو 1982 عرفت الدار البيضاء مظاهرات عارمة. ومساء ذلك اليوم تم حجز جريدة المحرر وجريدة ليبراسيون لمنعها من التوزيع بدون تفسير رسمي وعلني، وللإشارة فإن مصالح الأمن اعتقلت مصطفى القرشاوي رئيس التحرير لجريدة المحرر آنذاك بتهمة المشاركة في المظاهرة ورشق الحافلة بالحجارة. وخلال المحاكمة صرح الوكيل أن المفتشين ـ وهما شاهدا عيان على ما اقترفه المتهم ـ قم تم نقلهما إلى مدينة بعيدة وقد تعذر حضورهما للإدلاء بشهادتهما. أما بالنسبة لمنع الجريدتين فقد قيل أنهما قد دعتا إلى العصيان المدني، كيف ذلك؟ لأنهما بكل بساطة، نشرتا في عددهما ليوم 18 يونيو مقالات حول المقاومة وحول الإضراب العام، علما أن أحداث الدار البيضاء كانت يوم 22 يونيو.

وفي شهر يونيو 1989 صدر آخر عدد من مجلة " لاماليف" ( بالفرنسية ) بعد أن اضطرت مديرتها زكية داود لتوقيفها، لأنه على امتداد 15 يوما على التوالي كان يتم استدعاؤها من طرف وزارة الداخلية وتظل تنتظر ساعات عديدة، وفي الأخير يقال لها عليك الرجوع غدا صباحا. وفي الأخير عندما تمكنت من اللقاء مع إدريس البصري أفهمها بطريقة مباشرة بضرورة تخليها على إصدار المجلة.

وفي مارس 1988 جاء دور مجلة " كلمة " وكان آخر عدد لها آنذاك، وكانت مفارقة غريبة حقا إذ أن ملف ذلك العدد الأخير وموضع غلافه مخصصين لحرية الصحافة. فبعد ثلاث سنوات من الصدور المنتظم دون توقف، تم إلحاق ضربة قاضية بالمجلة. حيث أنه في مارس 1988 تم السطو على كل أعداد المجلة من الأكشاك ونقط البيع بالقوة لأنه تطرق لدعارة الرجال بمدينة مراكش. وهكذا تم استدعاء مديرها نورالدين عيوش من طرف وزارة الداخلية ، وبأمر شفوي منعت المجلة. وبعد مرور 6 أسابيع وبواسطة مكالمة هاتفية للكاتب العام لوزارة الداخلية آنذاك. عزيز حسبي، تم الإعلان شفويا كذلك على رفع المنع الصادر شفويا دون أي كتاب رسمي وشرعي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. إذ بعد مرور شهر واحد من رفع المنع تم حجز العدد الذي سبب لأصحابها خسائر مادية كبيرة إلى حد عدم تمكنها من الاستمرار.

وفي 2 دجنبر 2000 كانت قنبلة رسالة الفقيه البصري، والتي نشرتها كل من لوجورنال والصحيفة والتي علقت عليها لودومان، وتم الإعلان على منع الجرائد الثلاث بمقتضى الفصل 77 الشهير في زمن حكومة التناوب. والجميع لازال يتذكر وضعة " حيص بيص" التي عاشتها الحكومة من جراء قرار المنع هذا والتسويفات والمماطلات التي تلته فيما يخص رخص إصدار جرائد بديلة.

وفي 20 أكتوبر 2001 نشرت جريدة لدومان خبرا حول إمكانية عرض قصر الصخيرات للبيع، وعلى إثر ذلك توبع مديرها علي لمرابط وحكم عليه ب 4 أشهر سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 30000.00 درهم. وقد صرح الوكيل خلال المحاكمة أن حجر القصر الملكي مقدس. وقبل علي المرابط الحكم بصدر رحب ولم يطعن فيه إلا أن النيابة هي التي طلبت الاستئناف.

و في غضون 2000 و2001 و2002 و2003 برزت المضايقات و المحاكمات التي تعرض إليها الصحافيين مصطفى العلوي و خالد مشبال و علي المرابط, و لازال هذا الأخير موجودا بالسجن لقضاء مدة 4 سنوات.
هذه بعض محطات تاريخ إرهاب الصحافة ببلادنا.

اللوبي الصهيوني بالمغرب و اللوبي المغربي بإسرائيل ؟؟؟؟؟؟؟

من المعلوم أن هناك لوبيا صهيونيا مزروعا في الجسد العربي من المحيط إلى الخليج, وبلادنا كذلك لها لوبيها. وقد بدا اللوبي الصهيوني يرسي دعائمه بالمغرب مع بداية الترويج للكذبة الصهيونية الاستعمارية و تهافت المتشبثين بأهدابها و على رأسهم آنذاك "اندري شوراقي" الكاتب العام للرابطة الإسرائيلية العالمية الذي اهتم أكثر من غيره بدراسة يهود شمال إفريقيا و من ضمنهم اليهود المغاربة. وبفضله لعبت الجريدة الصهيونية "نوار" الصادرة آنذاك دور تسميم عقول الشباب اليهودي المغاربة في الفترة الممتدة من منتصف أربعينات إلى فجر خمسينات القرن الماضي’ في وقت سادت فيه روح التعايش و التسامح و التناغم و التفاهم "العضوي" بين المغاربة المسلمين و اليهود. ولعل المجتمع البدوي في سوس و الأطلس الكبير و تافيلالت و ميدلت و غيرها من المناطق القروية المغربية أكبر دليل على دلك. علاوة على مساهمة الحرفيين المغاربة اليهود في تسليح مجاهدي عبد الكريم الخطابي البطل الريفي الذي حارب ببسالة الاستعمار الأسباني. إلا أن اللوبي الصهيوني بالمغرب, والدي كان في طور التأسيس آنذاك عصف بكل دلك. و هو لوبي مكون من الصهاينة و المتصهينين’ و قد تقوى عبر صيرورة "تصهين" فعلت فعلها على امتداد سنوات خلت حتى استطاع بلوغ قيادة و مراكز و جرائد.

و كانت أولى هجمات هدا اللوبي بمناسبة صلاة "بيصاح" (أي السنة القادمة في القدس) حيث تم استغلالها بدرجة كبيرة للترويج للكذبة الصهيونية. وآنذاك بالضبط نشط أحد رسل الصهيونية و أبرز مؤ طيرها بالمغرب "بروسبير كوهن" الذي دعا اليهود للتخلي عن الأمل في المسيح و البشرية. ومند ئد بدأت تقوية قاعدة اللوبي الصهيوني بالمغرب للحرص على تحقيق كل ما من شأنه خدمة الصهيونية آنيا و مستقبلا. هكذا و بتمويل سخي من طرف ادموند دو رولتشيلد تأسست أولى المؤسسات التعليمية العصرية الخاصة باليهود في المغرب, ودلك لتوفير الشروط "لإنتاج" نخبة يهودية مثقفة بالمغرب تخدم القضية الصهيونية. ومند البداية تم استئصال جذور هده النخبة عن واقعها المغربي عبر إدماجها و دمجها في نمط عيش غربي و عبر ربط مصالحها بالثقافة الغربية حتى وجدت نفسها غير قادرة على بلورة "تصور وطني" فعلي لجماهير اليهود المغاربة. وبدلك عملت على توجيه هؤلاء في اتجاه واحد لا ثاني له وبدون أي خيار آخر, الصهيونية و لا شيء آخر إلا الصهيونية, لاسيما وأن النخبة إياها استفردت بكافة اليهود المغاربة في ظل بنية و منظومة اجتماعيتين مطبوعتين بالانعزال الثقافي. وهكذا فعل تأثير اللوبي الصهيوني فعله و لم يتمكن حتى أولئك اليهود المغاربة الدين ساهموا فعلا و فعليا في حركة الكفاح الوطني المغربي, فكرا و سلاحا, من مواجهة سواء النخبة أو اللوبي الصهيوني فتركوا جماهير اليهود المغاربة في قبضة الصهيونية تفعل بهم ما تريد إلى أن تم ترحيلهم إلى الكيان الإسرائيلي في بداية ستينات القرن الماضي.

و لا يخفى على أحد الآن الدور الذي لعبه اللوبي الصهيوني بالمغرب في مفاوضات "ايكس ليبان" المتعلقة بالاستقلال السياسي للمغرب, وهدا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على قوة هدا اللوبي الذي لم يتوقف عن تمتين دعائمه مند أربعينات القرن الماضي, ولازال تأثيره و فعله بارزين للعيان لحد الآن.
لقد عمل اللوبي الصهيوني العالمي على خلق صلات بين المغرب و إسرائيل حتى قبل الاستقلال. ولقد ألح المهدي بنبركة أكثر من مرة على تلك الصلات القائمة بين البلدين يهودا و حكومة. كما صرح أكثر من مرة أنها صلات قائمة على الأقل مند 1955. علاوة على أن بعض المؤرخين و المحللين السياسيين كشفوا عن دور يهود المغرب في تفعيل و تغيير موقف السلطات الفرنسية حول ما وقع بالمغرب في بداية الخمسينات, لاسيما فيما يخص رهان فرنسا- الذي كان خاسرا مسبقا- على تنصيب "بن عرفة" سلطانا على المغرب حيث كان الأولى هو عودة محمد الخامس إلى عرشه بعد ترتيب الأمور معه فيما يخص المستقبل. كما كشفوا أن قضية اليهود تمت إثارتها في المفاوضات المتعلقة بالاستقلال السياسي, حيث حصل الاتفاق على اعتماد ترتيبات وفق جدول زمني لتسهيل سفر أعداد كبيرة من يهود المغرب إلى إسرائيل في هدوء و دون دعاية و"شوشرة"... هكذا و على امتداد أقل من عشر سنوات وصل عدد اليهود المغاربة المهاجرين إلى إسرائيل ما يناهز ثلاثمائة ألف مهاجر في صمت تام و دون "هرج", كما سمح لليهود الباقين بالبلاد بربط صلات غير مقيدة مع أهاليهم و دويهم الدين فضلوا الهجرة.

و عاد المرحوم محمد الخامس إلى عرشه في نوفمبر 1955, في وقت كان فيه الشرق الأوسط يعيش توترا كبيرا و شديدا, و ظهرت فيه نوايا فرنسا للتعاون مع إسرائيل و الإنجليز للتصدي لمصر التي كانت تساند و تدعم الثورة الجزائرية.

ولولا دور اللوبي الصهيوني بالمغرب, يقول بعض المحللين ومن ضمنهم أبراهام السرفاتي لما نجحت صفقة فتح الباب لهجرة يهود المغرب إلى الكيان الإسرائيلي, لاسيما ادا علمنا طبيعة صلات الصهاينة آنذاك بفرنسا.

و يذهب بعض المحللين السياسيين إلى الاعتقاد أن طرح قضية تمثيلية الشعب الفلسطيني من طرف منظمة فتح دون غيرها, كانت بفعل اللوبي الصهيوني لأن إسرائيل كانت تريد التخلص من دور عاهل الأردن( الملك حسين آنذاك) في القضية الفلسطينية, لاسيما و أنه كان هو الوحيد الذي في استطاعته إحراج الكيان الصهيوني قانونيا على المستوى الدولي بالمطالبة بالعودة إلى خطوط ما قبل يونيو 1967 ارتكازا على مضمون نص قرار مجلس الأمن رقم 242 و الذي صدر كما هو معروف في وقت لم تكن فيه منظمة التحرير الفلسطينية قد ظهرت بعد. كما أنه من المحتمل جدا أن يكون اللوبي الصهيوني قد لعب دورا كبيرا في تمكين الموساد من الاستماع و التنصت على مؤتمرات القمة العربية المنعقدة في الستينات.

ولقد ورد في كتاب "المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل" أن الجنرال المغربي الدليمي حمل سنة 1976 أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين" إلى الرئيس المصري أنور السادات. كما جاء فيه أن اللوبي الصهيوني بالمغرب عمل جاهدا من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن(الجنرال موشي ديان) و مبعوث الرئيس السادات (حسن التهامي) في شتنبر 1977. ومن القضايا التي ساهمت في كشف قوة اللوبي الصهيوني بالمغرب أساليب و آليات الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل. فمن المعروف أن المغرب كان الداعي لأول مؤتمر اقتصادي بين العرب و إسرائيل سنة 1992 في الدار البيضاء. وكان هدا المؤتمر محاولة جريئة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية. وقد اعتبرها البعض من بصمات فعل اللوبي الصهيوني.

كما أن تتبع جملة من المواقف و الممارسات و المهام من شأنها توضيح وجود اللوبي الصهيوني بالمغرب.

لقد أكدت "ستيلا" و هي ابنة عم أبراهام السرفاتي أن الشخصيات و الأعيان اليهود المغاربة رفضوا التوقيع على عريضة الاستقلال بإيعاز من اللوبي الصهيوني. كما أن الكل يعلم أن "سيرج بيرديغو"(و هو وزير سابق للسياحة بالمغرب) تربطه علاقات وطيدة بحزب ميفدال الإسرائيلي و هو حزب يميني متطرف, كما أنه هو الكاتب العام للطائفة اليهودية بالمغرب و آنذاك عمل على إعداد العدة لتنظيم مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بمراكش. و هدا "روبير أصراف3 الذي كان صديقا حميما للجنرال أفقير و كانت تربطه به علاقات وطيدة أثارت أكثر من جهة علاقته بالمخابرات الإسرائيلية(الموساد) و دوره المتميز و الفعال في ترحيل و تهريب اليهود المغاربة إلى إسرائيل, وحضوره أكثر من مرة كمؤتمر بالمنظمة الصهيونية العالمية رغم أن الأمم المتحدة تعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية المنبوذة من طرف العالم بأسره.

ومن الأحداث كذلك عقد لقاء سري سنة 1999 بفندق "الميراج"(أي السراب) بمدينة طنجة جمع بين مسؤولين إسرائيليين و مسؤولين مغاربة و لم يعلم أحد ما دار في دلك الفندق الواقع خارج المدينة في منطقة منعزلة.

ومن بصمات اللوبي الصهيوني كذلك الحملة التي استهدفت الفنان الساخر المغربي أحمد السنوسي وكل من أحيوا يوم انتصار الشعب اللبناني على إسرائيل والدي نظم في غضون سنة2000. و ما هده إلا علامات لوجود هدا اللوبي و هدا ما دفع الدكتور المهدي المنجرة أكثر من مرة إلى القول بأن الصهاينة يتحكمون في أكثر من بلد عربي.

وهدا من جهة أخرى دفع البعض إلى التساؤل حول إمكانية وجود لوبي مغربي بإسرائيل. فادا كان من المعروف و المعلوم أن لليهود تأثيرا واضحا في العالم, لأنهم شكلوا ولازالوا قوة فاعلة و مؤثرة في الولايات المتحدة الأمريكية, فهل اللوبي المغربي بإسرائيل, في حالة وجوده فعلا, في استطاعته القيام بمثل هدا الدور داخل الكيان الإسرائيلي و بدلك تكون له إمكانية التأثير حتى في اللوبي اليهودي بأمريكا و بالتالي في العالم؟ فهل هده حقيقة أم مجرد وهم؟ وهل هناك فعلا ما يدعو للحديث عن إمكانية وجود لوبي مغربي بإسرائيل؟

يعرف الجميع أن وضعية اليهود بالمغرب في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي كانت مريحة و آمنة أكثر من أي بلد آخر في العالم, وربما حتى أكثر من أمريكا نفسها. آنذاك كان عصر ازدهار الجماعات اليهودية و حيويتها بالمغرب. فالآباء و الأجداد لازالوا يتذكرون أجواء حفلات "ملاح"(حي اليهود) بمدينة فاس و سلا و صفرو و ميدلت و مدن أخرى حيث تعايش اليهود المغاربة ضمن قبائل الأطلس و الجنوب وتافيلالت ودلك بالرغم من دسائس الاستعمار الرامية إلى التفرقة, وهو الذي لم يبخل بأي جهد على امتداد قرن من الزمن لبلوغ مراميه. آنذاك نشط أتباع الصهاينة كثيرا, لاسيما أولئك الدين تشبثوا بالكذبة الاستعمارية الصهيونية و تعلقوا بأهدابها حتى أضحت حقيقة أمر واقع مفروض. وتكفي مضامين مؤلفات "اندري شوراقي" لتبيان دلك.

لقد ظهرت أولى علامات تأسيس لوبي مغربي مند المفاوضات المرتبطة باستقلال المغرب اد طرحت هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل بحدة. وقد تم الاتفاق كما سبق الذكر على ترتيبات لتسهيل هجرة جماعية إلى الكيان الإسرائيلي. و التتبع لهده العملية لاشك أنه لاحظ في غضون عشر سنوات وصل عدد اليهود المغاربة المرحلين إلى إسرائيل قد فاق300 ألف شخص. كما حصل الاتفاق على السماح لليهود النازحين بإبقاء صلات مع دويهم, اد ظل بالمغرب ما يناهز200 ألاف يهودي مغربي. و قد قيل آنذاك أن المؤسسات اليهودية(ومن ضمنها الحكومة الإسرائيلية) قد تعهدت بالعمل على التعاون للحفاظ على استقرار الأوضاع بالمغرب. و عموما كانت هجرة اليهود من مراكز تجمعهم مقيدة بشروط معينة في باقي الدول, إلا أن التجمع اليهودي بالمغرب لعب دورا أساسيا في الهجرة و تعمير إسرائيل, خصوصا وأن يهود أمريكا تم يكونوا راغبين في الهجرة للاستقرار بالكيان الإسرائيلي رغم استعدادهم الكبير و غير المشروط للدعم المالي و السياسي و الدبلوماسي و الاقتصادي و العسكري, اد أنهم فضلوا المكوث بالولايات المتحدة الأمريكية. أما يهود وسط أوروبا و شرقها, نظرا لوقوعهم تحت هيمنة الاتحاد السوفياتي فقد كان من العسير عليهم أن يهاجروا جماعات جماعات بدون مضايقات. هكذا كان اليهود المغاربة مصدر الهجرة الواعدة آنذاك. وليس خاف على أحد أن يهود المغرب, في أغلبيتهم الساحقة, كانوا يتطلعون بشوق كبير و حماس عظيم للمشروع الصهيوني آنذاك بفلسطين المغتصبة, و دلك بفعل التأطير القوي لدعاة الصهيونية.

وقد يقول قائل أن التجمع اليهودي بالمغرب لم يكن هو الأهم في العالم من حيث العدد. فعلا, من المعروف أن اليهود انتشروا مند القدم حوت البحر الأبيض المتوسط الذي شكل بؤرة التجارة العالمية, و في هدا الإطار كان المغرب يعتبر من أكبر مراكز تجمع اليهود. إن عددا كبيرا منهم كانوا قد فروا من الأندلس للاستقرار بالمغرب, و حسب الإحصائيات المتوفرة كان المغرب يحتل المرتبة الثالثة في هدا الصدد بعد أمريكا(6 ملايين) و أوروبا الوسطي و الغربية قبل الحرب العالمية الثانية(3 ملايين من الأشكناز و هم يهود الغرب) ويأتي بعدها المغرب(700 ألف و معظمهم من السافرديم و هم يهود الشرق). وهده مؤشرات من شأنه تأكيد دور اليهود المغاربة بإسرائيل مند نشأتها إلى حد الآن. فالدارس لتاريخ اليهود المغاربة يعرف حق المعرفة مواقع تأثيرهم في إسرائيل, مجتمعا و دولة و حكومة, حيث أن لهم هناك حزب سياسي يعتبر من أهم الأحزاب ذات الثأتير رغم عدم بروزها بالشكل الواضح و الجلي( حزب الشاس), علاوة على أنهم يشكلون عمودا أساسيا في البناء السياسي الإسرائيلي. و لا يخفى على أحد أن الساسة الإسرائيليين يحسبون ألف حساب لعلاقة المغرب بيهوده و لدورهم في قلب المجتمع العبري. ومند كانت هجرتهم في أوجها بدأت تطفو على السطح عدة تساؤلات على صعيد الدوائر العليا للدولة بالمغرب فيما يخص الموقف من إسرائيل و كيفية النظر إليها و التعامل معها. اد ظهرت علامات مند مند الخمسينات و فجر الستينات تشير إلى أنه ظلت صلات بين المغرب و إسرائيل حينما برزت أهمية الجالية اليهودية بالمغرب نظرا لغناها و نفوذها بين يهود الولايات المتحدة الأمريكية و حتى يهود إسرائيل الدين كان من ضمنهم يهود من أصل مغربي هاجروا مبكرا إلى فلسطين. ومن الواضح أن اليهود المغاربة لعبوا دورا حيويا في الاتجاه الذي سارت فيه الدولة العبرية و حكوماتها. ويمكن استشفاف هدا الأمر انطلاقا من الدور الذي لعبه المغرب في تهيئ الشروط الحاسمة التي أعطت الانطلاقة لمسلسل السلام بالشرق الأوسط رغم التناقض الظاهر لمواقف حزب الشاس من القضية, وهو حزب ساهم في تقويته اليهود من أصل مغربي.

كما أضحى معلوما أن المغرب عمل على تأسيس منظومة من العلاقات بباريس اخترقت حتى أجهزة الأمن و المخابرات الفرنسية, و كانت هي الانطلاقة للوصول إلى اختراق الموساد. ومن المؤشرات التي تفيد بدلك مشاركة الموساد بدور نشيط في تتبع تحركات المهدي بنبركة و خطة إيقاعه ثم اختطافه, و هدا ما أوضحته وثائق ملف التحقيق في قضية اغتيال المهدي بنبركة بعد سقوط طابع سر الدولة عنها.

و اليهود من أصل مغربي يشكلون اكبر جالية يهودية وافدة على إسرائيل اد أن عددهم يناهز 900 ألف نسمة. وقد ساهموا في مختلف مجالات حياة المجتمع الإسرائيلي و ولجوا الوظائف الحكومية و السياسية و منهم نواب في الكنيست أو مناصب حساسة و استراتيجية, و على سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر دافيد ليفي الذي كان وزيرا للخارجية و هو المولود بالمغرب حيث قضى شبابه بمدينة الدار البيضاء و الرباط و عيره كثيرون في مختلف المجالات.

إن كل ما سبق يشير بقوة إلى احتمال كبير لإمكانية وجود لوبي مغربي بإسرائيل, ويبدو أن المغرب من بين البلدان القلائل الدين يتوفرون على هده الوضعية. فهل في امكان هدا اللوبي الفعل في اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه يخدم المغرب أم لا ؟ أم أن هده الوضعية تعتبر في واقع الأمر نقمة لأن العم سام و معه أوروبا لن يسمحا لأي بلد من الجنوب إن يتوفر على مثل هدا اللوبي الذي من شأنه الفعل على الصعيد الدولي سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة؟؟ و هدا مجرد تساؤل الداعي إليه هو الآتي :

إن اللوبي الإسرائيلي يلعب دورا مهما على الصعيد العالمي و هدا أكيد و لا نقاش بصدده. كما أن هدا اللوبي مرتبط ارتباطا عضويا بإسرائيل التي فيها لوبي مغربي لديه من الشروط للتوفر على قدرة الفعل, فهل يمكن لهدا اللوبي إن يخدم مصالح المغرب و القضية العربية بشكل أو بآخر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى