الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

نظام الحكم العسكري الإسرائيلي في الأراضي المحتلة ـ الحلقة الاولى

احتلت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، وهي القوات المسلحة لدولة إسرائيل مناطق الغربية وقطاع غزة وتقوم بإداراتها منذ عام 1967 وبموجب أوامر ظلت سارية المفعول منذ ذلك الحين أنشئت محاكم عسكرية في تلك المناطق لمحاكمة مدنيين فلسطينيين متهمين بجرائم تعرف في معظم الأحيان بأنها " جرائم " .

وقد حوكم عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين أمام مثل هذه المحاكم العسكرية منهم ما يزيد على 30 ألفا منذ بدأت الانتفاضة الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر 1987 واتهم معظمهم بجرائم تتسم بالعنف كإلقاء الحجارة .

على الرغم من أن بعضهم حوكموا على جرائم لا تنطوي إلا على التعبير دون عنف عن آراء سياسية . وادين كثيرون بعد اعترافات قهروا عليها – فيما زعم – بالتعذيب أو غيره من أشكال المعاملة السيئة التي تجري على نحو منظم أثناء الاستجواب وفي كثير من الأحيان يقضي أولئك الذين أدينوا عقوباتهم في إسرائيل ومنهم كثيرون يقضونها في ظل الظروف القاسية لمعسكر اعتقال " كتسيعوت " في صحراء النقب ويحتوي المعسكر على عدد يتراوح بين 5000 و 6000 من السجناء الذين تلقوا أحكاما بالإضافة إلى المعتقلين اعتقالا إداريا ولا يصرح بزيارات الأقارب .

إطار حقوق الإنسان ومباعث قلق منظمة العفو الدولية

أثار عدد من المحامين ومنظمات حقوق الإنسان بواعث قلق بشان نظام الحكم العسكري في الأراضي المحتلة وذلك قبل اندلاع الانتفاضة بوقت طويل وما لبثت بواعث القلق هذه منذ أن تعاظمت حدتها وعلى الأخص في ضوء العدد الكبير من المدنيين الفلسطينيين الذين قدموا للمحاكمة منذ كانون الأول/ديسمبر 1987 واستمرار إخفاق السلطات الإسرائيلية في كفالة احترام المعايير المعترف بها دوليا للمحاكمة العادلة، بما فيها تلك التي تتصل بمعاملة المعتقلين .

ومنظمة العفو الدولية تدرك الإطار الذي ظلت السلطات الإسرائيلية تعمل من خلاله في السنوات الأخيرة . فمنذ الانتفاضة في كانون الأول/ديسمبر 1987 انتهج الفلسطينيون في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة أساليب كثيرة للاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي لتلك المناطق . فكانت هناك على نطاق واسع وبصورة منتظمة إضرابات تجارية وإضرابات في وسائل النقل ومقاطعات منظمة للضرائب، وغير ذلك من أشكال الاحتجاج التي تتسم بالعنف كما وقعت أحداث شغب على نطاق عريض في بعض الأحيان وقد هوجمت قوات إسرائيلية ومدنيون إسرائيليون بالحجارة وبوسائل أخرى مثل الزجاجات الحارقة ومنذ وقت قريب قام بضعة فلسطينيين بهجمات بالسكاكين معظمها في إسرائيل وقد أصيب كثير من الإسرائيليين من المدنين وأفراد القوات المسلحة أو قوات الأمن على السواء في هجمات قام بها فلسطينيون واسفرت عن موت عدة أشخاص وقتل عشرات من الفلسطينيين – فيما يبدو – على أيدي فلسطينيين آخرين وكان مقتل الغالبية العظمى منهم بسبب الاشتباه في تعاونهم مع السلطات الإسرائيلية .

إن منظمة العفو الدولية، إذ تدرك هذا الإطار فإنها تعتقد أن السلطات الإسرائيلية في تعاملها مع الموقف في الأراضي المحتلة قد تغاضت، في حاصل الأمر، عن انتهاكات القوات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إن لم تكن قد شجعت عليها وفي السنوات الأخيرة، شعرت منظمة العفو الدولية بالقلق بشان نمط من أنماط انتهاكات حقوق الإنسان يوحي بان الحكومة الإسرائيلية ليست راغبة في أن تنفذ تنفيذا كاملا المعايير الدولية لحقوق الإنسان في المناطق التي تحتلها .

وقد تركزت تقارير منظمة العفو الدولية وإجراءاتها منذ بدء الانتفاضة على انتهاكات محددة لحقوق الإنسان تندرج ضمن صلاحيات المنظمة فمنظمة العفو الدولية تعارض معارضة كاملة اعتقال سجناء الرأي، أي أولئك الأشخاص الذين يحتجزون " بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية أو غير ذلك من المعتقدات التي تمليها عليهم ضمائرهم أو بسبب أصلهم العرقي أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم شرط ألا يكونوا قد استخدموا العنف أو دعوا إلى استخدامه " وفيما يتعلق بالسجناء السياسيين المتهمين باستخدام العنف أو الدعوة إليه، فان منظمة العفو الدولية تعارض اعتقالهم " دون محاكمة في غضون فترة زمنية معقولة، أو أية إجراءات خاصة بالمحاكمة تتصل بمثل هؤلاء السجناء ولا تتوافق مع المعايير المعترف بها دوليا. وتعارض منظمة العفو الدولية دون تحفظ التعذيب . وعقوبة الإعدام وعمليات الإعدام الخارجة عن نطاق القضاء .

وقد نشرت منظمة العفو الدولية عدة تقارير عن إسرائيل والأراضي المحتلة منذ بدأت الانتفاضة ففي حزيران/يونيو 1988 أثار تقريران مباعث قلق تتصل باستخدام القوات الإسرائيلية للذخيرة الحية، مما أسفر حتى ذلك الحين عن 160 حالة وفاة وتعمد إساءة استخدام الغاز المسيل للدموع وهو ما ورد انه تسبب في عدة حالات وفاة بين الفلسطينيين وفي آب/أغسطس من ذلك العام تناول تقرير آخر سياسة تعذيب السجناء وإساءة معاملتهم على أيدي القوات الإسرائيلية – ما اصبح يعرف "بسياسة الضرب " – وفي حزيران /يونيو 1989 أورد أحد التقارير تفاصيل عن بواعث قلق المنظمة بشان الاستخدام واسع النطاق للاعتقال الإداري، دون اتهام أو محاكمة لآلاف من الفلسطينيين .

وفي كانون الثاني/يناير 1990 ركز تقرير آخر بصورة تفصيلية على عمليات قتل المئات من المدنيين الفلسطينيين على أيدي قوات إسرائيلية تستخدم الأسلحة النارية . وما برحت منظمة العفو الدولية قلقة إزاء هذه الأنواع المتعددة من انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي تحتلها إسرائيل، على الرغم من أن مدى هذه الانتهاكات قد تفاوت بمرور الوقت . ولا تزال المنظمة تنظر فيما ينشا من حالات فردية حسب ورودها .

وهذا التقرير الأخير الصادر عن منظمة العفو الدولية يتصدى لباعث آخر من بواعث قلق المنظمة – وهو إجراءات نظام الحكم العسكري الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بما فيها إجراءات الاعتقال والاستجواب . وعلى حين تعارض منظمة العفو الدولية بصورة مطلقة استخدام نظام الحكم العسكري الإسرائيلي لحبس سجناء الرأي، وكذلك استخدام التعذيب أو سوء المعاملة لانتزاع اعترافات أو أدلة أخرى , فإنها لا تطعن في حق الحكومة الإسرائيلية بتقديمها مثل هؤلاء الأشخاص إلى العدالة ملتزمة بمقتضى القانون الدولي بان تكفل لهم محاكمات فورية وعادلة.

وقد شعرت منظمة العفو الدولية بالقلق في السنوات الأخيرة بسبب ما ابدي من انتقادات سواء داخل البلاد أو من مراقبين خارجين, إزاء إجراءات المحاكم العسكرية الإسرائيلية أو الفلسطينيون –قد نددوا مرارا بالإجراءات التي يقولون أنها تجحف إجحافا جوهريا بعدالة وقائع الدعوى وقد أشاروا إلى التفاوت بين سبل الحماية التي ينطوي عليها نظام الحكم الجنائي الإسرائيلي , وتلك التي تتاح للفلسطينيين في ظل نظام الحكم العسكري الخاص بالأراضي المحتلة.

وقد أصدرت جماعات محلية ودولية لحقوق الإنسان دراسات عن نظام الحكم العسكري . وتتضمن تلك الجماعات لجنة الحقوقيين الدولية ومقرها في جنيف ورابطة الحقوق المدنية في إسرائيل ومؤسسة الحق, وهي فرع للجنة الحقوقيين الدوليين في الضفة الغربية , وقامت بنشر مواد عن هذا الموضوع من جانبها وبالاشتراك مع مركز غزة للحقوق والقانون وهو الآخر فرع من فروع لجنة الحقوقيين الدولية وكذلك مركز بتسليم وهو مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ولجنة المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان ومقرها نيويورك.

أولا رصد منظمة العفو الدولية لنظام الحكم العسكري

يقوم هذا التقرير على معلومات جمعتها منظمة العفو الدولية على مدى عدة سنوات، وتتبعت فيها جوانب شتى من إجراءات نظام الحكم العسكري في الأراضي المحتلة . وخلال هذه السنوات قام مبعوثو منظمة العفو الدولية بزيارات منتظمة لإسرائيل والأراضي المحتلة من اجل جمع المعلومات، ومناقشة بعض الأمور مع المسؤولين المختصين ومراقبة المحاكمات وكانت تتاح لهم السبل دائما إلى ذلك، ويجدون تعاونا من قبل السلطات الإسرائيلية .

ومنذ عهد قريب راقب مبعوث من منظمة العفو الدولية جلسات محاكمات عقدتها المحاكم العسكرية، ومحكمة الاستئناف العسكرية في الأراضي المحتلة في أثناء وجوده في إسرائيل والأراضي المحتلة في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 1990، ولكي يحصل على أوسع واشمل قدر ممكن من الخبرة بإجراءات هذه المحاكم، فقد سعى لحضور جلسات محاكم في مواقع شتى . ففي قطاع غزة والآخر على الساحل ( ويسمى محكمة الشاطئ ) وفي الضفة الغربية، حضر جلسات محاكم عقدت في ثلاثة أيام منفصلة في رام الله وفي أيام أخرى في الخليل وجنين . وقد حاول حضور بعض جلسات المحكمة العسكرية في نابلس ولكن باءت محاولته بالفشل مرتين بسبب فرض حظر التجول في المدينة .

وفي كل حالة كان مبعوث منظمة العفو الدولية يصل دون سابق إعلان إلى المجمع العسكري الذي تقع فيه المحكمة ويطلب الإذن بالدخول إلى المبنى والى قاعة المحكمة مع مترجم يجيد اللغات الثلاث الإنجليزية والعبرية والعربية . وبصفة عامة، لم يكن من العسير الحصول على إذن بالدخول إلى المحاكمات، على الرغم من انه في ثلاث مناسبات أبدى الجنود الذين يراقبون الدخول إلى الساحات العسكرية إحجامهم أول الأمر عن منح الإذن بالدخول للمبعوث أو – على الأخص – لمترجمه، وهو فلسطيني من مواطني إسرائيل وفي كل حالة مع ذلك كان الجندي المعني بالأمر يرضخ بعد أن يصر المبعوث على حقه في حضور المحاكمات التي قيل أنها علنية وأبوابها مفتوحة للجميع .

وناقش مبعوث منظمة العفو الدولية خلال إقامته مسائل تتصل بنظام الحكم العسكري مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين ففي تل أبيب قابل العميد آيلان شف، وكان وقتئذ نائب المحامي العام العسكري التابع لقوات الدفاع الإسرائيلية، والعقيد دافيد ياهاف رئيس قسم القانون الدولي التابع لهيئة المحامي العام العسكري ( وقد شغل أولهما منذ ذلك الحين منصب المحامي العام العسكري – أي كبير المسؤولين القانونيين لقوات الدفاع الإسرائيلية، وشغل الثاني منصب نائب المحامي العام العسكري ) وفي رام الله أجرى مناقشات مع العميد يوري شوهام، رئيس محكمة الاستئناف العسكرية، الذي تولى المسؤولية الكاملة عن إدارة نظام الحكم العسكري، والعقيد اهاز بن اري، وكان حينذاك المستشار القانوني لقوات الدفاع الإسرائيلية لشؤون قطاع غزة . وقد التقى أيضا بمسؤولين من وزارة العدل في القدس، واجرى مناقشات غير رسمية مع عدد من المدعين العسكريين بالمحاكم العسكرية .

وعلاوة على ذلك قابل مبعوث منظمة العفو الدولية قرابة 30 محاميا فلسطينيا وإسرائيليا يقومون بالدفاع في المحاكمات التي تعقد أمام المحاكم العسكرية . واجرى مناقشات مع مسؤولين من نقابات المحامين بغزة ونقابة المحامين الإسرائيلية، وممثلين عن منظمات لحقوق الإنسان تعمل في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة على السواء . كذلك قابل أقرباء لأولئك الذين يمثلون أمام المحاكم العسكرية، كما لاتقى ببعض المدعى عليهم أنفسهم .

ثانيا موجز لبواعث قلق منظمة العفو الدولية وتوصياتها

يوجز هذا التقرير إجراءات المحاكم العسكرية في الأراضي المحتلة ( باستثناء القدس الشرقية ) مع التركيز على بعض الأمور الرئيسية التي يبدو أنها تحرم المدعى عليهم من حقوقهم الجوهرية في الحصول على محاكمة عاجلة وعادلة، ويتضمن ذلك مسائل تتصل بمعاملة المعتقلين . ويشتمل التقرير على توصيات مقدمة إلى الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى كفالة الاحترام الكامل للمعايير الدولية ذات الصلة بهذا الموضوع .

بواعث قلق منظمة العفو الدولية

  إن الأشخاص الذين يقبض عليهم لا يتم في المعتاد إبلاغهم بتفصيل كاف وقت إلقاء القبض عليهم بالأسباب التي دعت للقبض عليهم مما ينتقص من حقهم في الحصول على دفاع مناسب .
  يحتجز المعتقلون بعد إلقاء القبض عليهم، في اعتقال انعزالي يمتد فترات طويلة وهم في المعتاد لا يعرضون على قاض قبل مرور 18 يوما . وقد يحال بينهم وبين أي اتصال مجد بمحاميهم وأقربائهم لمدة طويلة بعد ذلك – حتى انتهاء الاستجواب على أي حال – قد تصل في كثير من الأحيان إلى 20 أو 30 يوما بعد التوقيف . واول اتصال بالعالم الخارجي بالنسبة لمعتقل تحت الاستجواب هو على الأرجح تلك الزيارة التي يقوم بها مبعوث من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهو ذو دور محدود، ولا يحدث ذلك قبل أن يكون المعتقل قد أمضى 14 يوما في عزلة تامة .
  مما يسهل الاعتقال الانعزالي إلى التأخير البالغ في إخطار الأسر بالقبض على أحد الأقارب وما يترتب على ذلك تأخير في توكيل محام وفي غياب إجراءات الإحضار القضائي للمعتقلين، في الواقع الفعلي، وهي الإجراءات التي من شانها أن تتيح للمحامين الطعن أمام أحد القضاة في مبررات اعتقال موكليهم فان المحامين يسعون للحصول على إذن فوري برؤية موكليهم عند مد فترة الاعتقال أو في الجلسات الخاصة بإطلاق السراح بكفالة ومع ذلك فان مثل هذه الإجراءات لا تتم على النحو الوافي، فالمحامون في كثير من الأحيان لا يتم إخطارهم وبالتالي لا يكونون حاضرين في مثل هذه الجلسات أو يحال بينهم للاتصال بالمعتقلين وهم في المحكمة .

  إن مثل هذه الممارسة المنظمة للاعتقال الانعزالي الذي يمتد لفترات طويلة هي عيب جوهري في نظام الحكم العسكري فهي تشجع على إمكانية القبض التعسفي وتحرم المعتقلين من الضمانات الحاسمة ضد التعذيب أو سوء المعاملة وهو ما يحدث عادة خلال الساعات والأيام الأولى من الاعتقال وكذلك الضمانات الخاصة بمحاكمة عادلة .

  الاعترافات التي يحصل عليها في ظروف الاستجواب إبان هذه الفترة من الاعتقال الانعزالي كثيرا ما تكون هي الدليل الأساسي ضد المدعى عليهم الذين يمثلون أمام المحاكم العسكرية ويزعم كثير من المدعى عليهم أن هذه الاعترافات زائفة وأنها انتزعت باستخدام التعذيب وغيره من الضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أثناء القبض والاستجواب .

  إن افتقار النظام للضمانات الواقية من التعذيب وسوء المعاملة إلى جانب الأدلة المتراكمة على مر السنين يضفي مصداقية على هذه الادعاءات بل إن مجرد وجود الصلاحية القانونية لاحتجاز المشبوهين في الحبس الانعزالي مددا طويلة يبدو أمرا مبيتا لتسهيل مثل هذه المعاملة مثله في ذلك مثل وجود سياسة حكومية رسمية لا تسمح فحسب بممارسة " الضغط النفسي دون عنف " بل كذلك بقدر معتدل إذا كان اعتراف ما قد انتزع بالإكراه أم لا ويسمح لهم باستبعاد أية اعترافات من هذا القبيل فالظاهر انهم يحجمون عن ممارسة هذا الخيار كما يحجم المدعى عليهم عن طلب مثل هذا الاستبعاد لأقوالهم ذلك أن التعذيب وسوء المعاملة من الصعب إثباتهما لانهما يحدثان بمعزل عن العالم الخارجي كما أن الطلب المقدم لاستصدار مثل هذا الحكم إذا مني بالإخفاق فمن المرجح أن يصيح المدعى عليهم عرضة لعقوبات ذات مدد أطول بكثير .

  توقع على المدعى عليهم ضغوط كثيرة غير لائقة لكي يقروا مذنبون ويسعوا لإحراز " صفقة " مع الادعاء قبل المحاكمة، وهو الحل الذي تنتهي إليه الغالبية العظمى من القضايا . فكثير من المدعى عليهم يكونون قد أدلوا بالفعل باعترافات لا يمكن الطعن فيها بصورة فعالة بحلول الوقت الذي تصل فيه القضية إلى المحكمة والمدعى عليه الذي يرغب في معارضة التهم يجد في كثير من الحالات أن محاكمته قد تأجلت لشهور وفي بعض الأحيان لما يزيد على عام والإجراء المعتاد هو إبقاء المدعى عليهم رهن الاعتقال حتى نهاية وقائع الدعوى في ظروف أسوا من ظروف السجناء الذين حوكموا وفي مثل هذه الحالات يقر كثير نم المدعى عليهم بأنهم مذنبون لكي يتجنبوا فترة اعتقال قبل المحاكمة من الممكن أن تتجاوز مدة العقوبة المحتملة إذا ما اقروا بأنهم مذنبون كما أن العقوبات الأشد وطأة بكثير والتي يحكم بها على أولئك الذين يدانون بعد محاكمة كاملة الأركان تردع كثيرين عن الاعتراض على التهم ومن الجلي أن الحق الأساسي بمقتضى القانون الدولي في الحصول على محاكمة عاجلة وعادلة لاثبات الإدانة أو البراءة يعتريه الإجحاف في ظل مثل هذه الظروف .

  ثمة حلقة مفرغة تنشا بين عملية التفاوض مع الادعاء للتوصل إلى " صفقة " قبل المحاكمة وبين التعذيب أو سوء المعاملة – فالضغوط من اجل اللجوء – إلى هذا الإجراء، وبالتالي من اجل عدم إثارة أية ادعاءات بالتعذيب أو سوء المعاملة، تشجع على استخدام التعذيب أو سوء المعاملة لانتزاع الاعترافات . وبهذا فان نظام الحكم العسكري يقر في الواقع الفعلي، التعذيب أو سوء المعاملة فضلا عن انتهاك الحقوق القانونية للمدعى عليه .
  على حين تستخدم " المحاكمات السريعة " فيما يبدو لتجنب بعض هذه المشكلات فان المدعى عليهم كثيرا ما يحاكمون دون معاونة قانونية، حيث أن محاميهم لا يعطون اخطارات كافية بمثل هذه المحاكمات أو لا يعطون أي إخطار على الإطلاق .

  يواجه المحامون العاملون في المحاكم العسكرية عراقيل شتى تعوق إلى حد خطير قدرتهم على توفير المعونة القانونية الوافية، فعلاوة على استحالة اتصالهم بموكليهم إبان فترة الاستجواب الحرجة فهم كثير من الأحيان لا يعطون إلا فرصة غير كافية للتشاور مع موكليهم خلال فترة الإعداد للمحاكمة . وكثيرا ما يصعب ترتيب زيارات للمعتقلين وهي تتم في ظروف لا تسمح عادة إلا بقليل من الوقت وبقدر محدود من السرية . ومن الجائز أن تكون الترجمة في وقائع المحكمة ركيكة لاقصى درجة مما يقوض أيضا من حق المدعى عليهم في الحصول على محاكمة عادلة . واخيرا فان توجيه بعض العبارات البذيئة للمحامين أو مضايقتهم من الأمور المعتادة وفي ظل الظروف يشعر كثير من المحامين انهم أشبه ما يكونون بالباحثين الاجتماعيين أو بتجار السوق لا بأناس مهنة القانون .

توصيات منظمة العفو الدولية

تدعو منظمة العفو الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ التوصيات التالية لكفالة حماية المدعى عليهم أمام المحاكم العسكرية في الأراضي المحتلة من التعذيب وسوء المعاملة، ومنحهم حقهم في الحصول على محاكمة عاجلة وعادلة .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تنفذ الحكومة الإسرائيلية نظاما يقدم بمقتضاه أولئك الذين يعتقلون في الأراضي المحتلة أمام قاض في غضون 48 ساعة مثلهم مثل المعتقلين في إسرائيل ويجب على القاضي أن يقيم شرعية الاعتقال وضرورته وكذلك المعاملة التي يتلقاها المعتقل وان يجيز أي استمرار للاعتقال .

وينبغي على الحكومة الإسرائيلية أيضا أن تكفل تخويل أي معتقل يواجه – أو من المحتمل أن يواجه – تهما أمام محكمة عسكرية الحق في أي وقت في المثول أمام قاض لديه الصلاحية ليقرر دون أي تأخير شرعية الاعتقال وضرورته وليأمر بإطلاق سراح المعتقل إذا وجد ذلك ملائما .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تنفذ الحكومة الإسرائيلية نظاما تخطر فورا بمقتضاه عائلات أو أصدقاء المعتقلين بإلقاء على أقاربهم المعتقلين وأماكن تواجدهم . وعلى نحو خاص يجب عليها أن تسعى لتنفيذ الاقتراح الخاص بان مثل هذا الاخطار حيثما تيسر ذلك، يجب ان يكون عن طريق الهاتف او وسائل اخرى مناسبة حيثما كانت الهواتف غير متاحة ولا بد من النظر في امكانية ايجاد وسائل سريعة بديلة لتقديم هذه المعلومات كانشاء مكتب استعلامات هاتفي مركزي .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تجري الحكومة الاسرائيلية مراجعة جوهرية للقانون والممارسة في الاراضي المحتلة فيما يتعلق بحق المعتقلين في الاتصال بمحام ولا بد ان يكون أي حرمان من هذا الحق حرمانا استثنائيا، بحيث لا يسوغه الا ملابسات خاصة جدا ولمدة زمنية محدودة جدا حسبما تقتضي المعايير الدولية . وكحد ادنى يجب الا تتجاوز هذه المدة الفترة القصوى لرفض منح هذا الحق كما يسمح بها القانون الاسرائيلي وينبغي الا يترك قرار حرمان المعتقل من هذا الحق في ايدي السلطات القائمة بالاستجواب بل يجب ان يكون هناك تخويل وان يكون تحت الاشراف المستمر لاحد القضاة .

كما توصي منظمة العفو الدولية بان تكفل الحكومة الاسرائيلية منح المحامين حق الاتصال على نحو واف وفي اطار من السرية بموكليهم للاعداد لقضاياهم في كل اماكن الاعتقال . ولا دب من اعداد قواعد مكتوبة عما يلزم كحد ادنى وتكون متسقة مع المعايير المعترف بها دوليا لمثل هذه الزيارات وان تعلن وتطبق في كل اماكن الاعتقال .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تكفل الحكومة الاسرائيلية ان يمنح المحامون الذين يمثلون المعتقلين اخطارا وافيا بجميع جلسات تمديد الاعتقال الخاصة بموكليهم وان يمنحوا الفرصة لحضور مثل هذه الجلسات وقبل مثل هذه الجلسات وفي اثنائها يجب ان يمنح المحامون وموكلوهم معلومات كافية بخصوص الاسباب التي دعت الى القاء القبض واستمرار الاعتقال وان يمنحوا حق الاتصال على نحو واف ببعضهم البعض بحيث تكون لديهم فرصة كافية لمممارسة حقهم في الطعن في الاعتقال واثارة اية شكوى خاصة بالتعذيب او سوء المعاملة .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تعلن الحكومة الاسرائيلية القواعد الارشادية المتصلة باجراءات تقديم طلبات الكفالة في المحاكم العسكرية وبصفة خاصة ينبغي لهذه القواعد الارشادية ان تكفل انه ما دام طلب الكفالة قد قدم بالنسبة لمعتقل القي القبض عليه حديثا فلا بد من عقد جلسة في غضون ثلاثة ايان على الاكثر مع منح المعتقل ومحاميه الاخطار الكافي والفرصة للحضور .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تتخذ الحكومة الإسرائيلية جميع الخطوات اللازمة التي تكفل عدم استخدام القوة الا حينما يكون ذلك ضرورة مطلقة للقبض على المشتبه فيهم ويكون ذلك عندئذ الى الحد الذي يتطلبه اجراء القاء القبض . ولا بد من انشاء نظام فعال للتحقيقات للتعامل مع اولئك المسؤولين عن القاء القبض الذي يزعم انهم انتهكوا مثل هذه المعايير بحيث يفضي ذلك الى تدابير فعالة جنائية او تاديبية ضد أي شخص تثبت مسؤوليته وينبغي ان تتاح التحقيقات بكاملها للجمهور .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تتعهد الحكومة الاسرائيلية تعهدا علنيا واضحا على اعلى المستويات بالالتزام بالمعايير الدولية ذات الصلة التي تمنع منعا مطلقا وغير مشروط استخدام التعذيب وسائر ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة وابتغاء هذه الغاية يجب عليها ان تعلن جميع القواعد الارشادية القائمة فبما يتصل باستخدام الضغط البدني والنفسي خلال الاستجواب وان تراجعها لتكفل ان تكون متفققة مع مثل هذه المعايير الدولية وينبغي اجراء تحقيقات عاجلة ومستقلة ومحايدة بشان ادلة الانتهاكات ولا بد من اتاحة النتائج باكملها للجمهور وتقديم أي مسؤول تثبت مسؤوليته الى العدالة .
  توصي منظمة العفو الدولية بان تشرع الحكومة الاسرائيلية في مراجعة مستقلة ومحايدة للاجراءات المطبقة في المحاكم العسكرية فيما يتصل باستبعاد الاعترافات التي يزعم الحصول عليها بالاكراه وعلى نحو خاص فلا بد من اتخاذ خطوات لضمان الا يعاقب مدعى عليه صدرت عنه مثل هذه الادعاءات بالاعتقال لفترات طويلة فيما قبل المحاكمة او بحكم تنكيلي لكونه مارس الحق في الاعتراض على جدارة الاعتراف بالقبول ويجب منع المدعين من الايحاء بان ما سيكون متاحا في نهاية الامر للافراد الذين يطعنون في امكانية قبول اعترافاتهم كادلة هو " صفقة " اقل ارضاء وينبغي على القضاة ان يحققوا بصورة صارمة في اية ادلة على تعذيب المدعى عليهم او اساءة معاملتهم مما يصل الى علمهم بغض النظر عما اذا كانت قد قدمت شكوى او لم تقدم كما يجب عليهم النظر في طلبات الكفالة بصورة اكثر ايجابية في الحالات التي يظن ان الاعترافات قد تم فيها بالاكراه .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تجري الحكومة الاسرائيلية مراجعة عاجلة لاستخاد اسلوب " المصافقة " ( التفاوض مع الادعار للتوصل الى " صفقة " قبل المحاكمة ) في المحاكم العسكرية ومع التسليم بان هذا الاسلوب عنصر من عناصر كثير من النظم القضائية، وانه الى حد ما يمكن ان يسهل معالجة اعداد كبيرة من القضايا فان منظمة العفو الدولية يساورها القلق من ان بعض سمات الاكراه المفرط المتعلقة بعملية " المصافقة " في المحاكم العسكرية تتضافر بحيث تحرم المدعى عليهم من حق فعلي في الحصول على محاكمة عاجلة عادلة ويجب لمثل هذه الامراجعة ان تتناول على نحو خاص فترات التاخير المفرطة التي يبدو انها شائعة في نظام الحكم العسكري والتي يسببه في كثير من الاحيان غياب المدعى عليهم وشهود الاثبات والملفات والمحامين ولا بد من ان تنظر الحكومة ايضا في مزيد من التوسع في منح الكفالة وعلى الاخص في الحالات التي قد تؤدي فيها فترات التاخير في محاكمة المدعى عليهم الذين يعترضون على التهم الموجهة اليهم الى فترات من الاعتقال قبل المحاكمة اطول من أي حكم قضائي يرجح صدروه واخيرا يجب ان تنظر فيما اذا كان يجري فرض احكام تنكيلية مجاوزة للحد على افراد بعينهم لانهم اختاروا ممارسة حقهم في الحصول على محاكمة عاجلة وعادلة بدلا من ان يقبلوا " صفقة " قبل المحاكمة .

  توصي منظمة العفو الدولية بان تكفل الحكومة الاسرائيلية انه متى استخدمت " المحاكمات السريعة " فلا بد ان يعطى اقارب المدعى عليهم اخطارا كافيا لاعداد التمثيل القانوني، ولحضورهم مثل هذه المحاكمات اذا ما رغبوا في ذلك ويجب الا تتم اية " محاكمات سريعة " ما لم يكن المدعى عليهم قد اتيحت لهم فرصة وافية للتشاور مع محاميهم مسبقا وكي يمثلهم محاموهم في الجلسات الفعلية وينبغي ان يمنح المحامون فرصة وافية لفحص ادلة الادعاء في وقت سابق على اية جلسة من مثل هذه الجلسات ولا تخاذ الترتيبات اللازمة لحضور شهود النفي .

ثالثا المحاكم العسكرية في الاراضي المحتلة

أ ـ القانون الدولي والمحاكم العسكرية

يشير هذا التقرير في المواضع المناسبة الى القوانين والاجراءات المعمول بها في اسرائيل والقدس الشرقية ( التي ضمتها اسرائيل في عاك 1980 ) وهذه توضح الكيفية التي حددت بها دولة اسرائيل مفهوم المحاكمة العادلة عند سعيها لان تكفل لمواطنيها وللمقيمين بالقدس الشرقية الضمانات التي يستحقونها بموجب القانون الدولي وفي كثير من الأحيان يختلف القانون والتطبيق في اسرائيل والقدس الشرقية اختلافا جذريا عن الموقف السائد في الأراضي المحتلة .

ومهما يكن من أمر المعايير الجوهرية الخاصة بالمحاكمة العادلة والتي تتخذها منظمة العفو الدولية نقاطا مرجعية بالنسبة لجميع البلدان هي تلك التي يتضمنها القانون الدولي ويتضمن هذا احكام قانون المسائل الانسانية ذات الصلة على وجه خاص بالاراضي المحتلة وكذلك قانون حقوق الانسان وينظر التقرير فيما إذا كانت مثل هذه المعايير التي تمثل الحد الادنى تحظى بالاحترام في نظام الحكم العسكري المتبع في الاراضي المحتلة .

قانون المسائل الإنسانية الدولي

إن المعايير الدولية الأساسية التي تتصل بالتحديد باجراءات المحاكم في الاراضي المحتلة واردة في متن قانون المسائل الانسانية المؤلف من النظم الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 الخاصة بقوانين واعراف الحرب البرية وواردة في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب .

وتقر الحكومة الاسرائيلية بان نظم لاهاي تشكل واجبا ملزما على جميع الدول بوصفها ايضاحا للقانون الدولي العرفي ( مجموعة القواعد الدولية التي تعدها الدول ملزمة حتى مع عدم وجودها في شكل معاهدات ) وقد صدقت ايضا على اتفاقية جنيف الرابعة في عام 1951 الا انها لا تعتبرها جزءا من القانون الدولي العرفي بل جزءا فحسب من القانون الدولي التقليدي ( القانون الدولي الذي تتضمنه المعاهدات )

وترى اسرائيل ان اتفاقية جنيف الرابعة لا تسري على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وحجتها الرئيسية هي ان الاتفاقية تهدف الى حماية حقوق دولة شرعية ذات سيادة احتلت اراضيها، وانه لم يكن لاية سلطة مثل هذه السيادة الشرعية على الاراضي موضع المناقشة عندما احتلتها اسرائيل في عام 1967 . وعلى حين ترى الحكومة ان الاتفاقية ليست ملزمة قانونيا لاسرائيل فيما يتعلق بالاراضي المحتلة، فقد اعلنت مرارا مع ذلك انها سوف تحترم من الناحية العملية " نصوصها الانسانية " من غير ان تحدد مثل هذه النصوص .

وقد اعتمدت المحكمة العليا الاسرائيلية، التي اكدت ومارست اختصاصها القضائي على الاراضي المحتلة منذ الايام الاولى للحكم العسكري هذا الراي الرسمي لقانون المسائل الانسانية واعتبرت نظم لاهاي صالحة للتطبيق مباشرة بواسطة المحاكم الاسرائيلية، بوصفها ايضاحا للقانون الدولي العرفي، ما لم تتعارض مع احكام اسرائيلية معينة، وفيما يختص باتفاقية جنيف الرابعة، فقد اعتبرت انها كقانون دولي تقليدي ليس من شانها ان تصبح قابلة للتطبيق في المحكمة الا اذا ادخلت في صلب النظام القانوني الاسرائيلي عن طريق قانون محدد ولم يسن مثل هذا القانون بعد على الرغم من اقتراحات متصلة بذلك قدمت الى الكنيست ( البرلمان الاسرائيلي )

لقد اقر المجتمع الدولي من فترة طويلة بان نظم لاهاي جزء من القانون الدولي العرفي مكما ان المجتمع الدولي يعتبر ان اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق تمام الانطباق على الاراضي التي تحتلها اسارئيل وذلك بصفة اساسية لان الاتفاقية تهدف الى حماية حقوق الاشخاص الخاضعين لاحتلال عسكري بغض النظر عن ادعاءات السيادة وقد اوضحت اللجنة الدولية للصليب الاحمر وهي صاحبة الولاية على تنفيذ اتفاقيات جنيفن وكذلك الجمعية العامة ومجلس الامن التابعان للامم المتحدة – اوضحت دائما ان الاتفاقية تسري بكاملها على الاراضي المحتلة وكثيرا ما ادانت جميعها اعملا للسلطات الاسرائيلية باعتبارها خرقا للاتفاقية .

وتتيح المادة 43 من نظم لاهاي للسلطة المحتلة ان " تتخذ جميع التدابير التي في امكانها لتستعيد، وتكفل بقدر ما تستطيع، النظام العام والامن، مع احترامها- ما لم تمنع من ذلك منعا باتا- للقوانين السارية في البلد " ولا تنص نظم لاهاي على اية احكام محددة لمحاكمة المدنيين بواسطة السلطة المحتلة .

وتوضح المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة ان على السلطة المحتلة-مع مراعاة اعتبارات الامن واحكام الاتفاقية ذاتها-ان تبقي على سريان مفعول " التشريعات الجزائية " القائمة في الوقت السابق مباشرة للاحتلال، وعلىالمحاكم السابق وجودها، والتي انشئت لتطبيق هذه القوانين وتخول الفقرة الثانية من المادة 64 السلطة المحتلة، في ظل ظروف بعينها ان تصدر مزيدا من النصوص القانونية لادارة الاراضي المحتلة :

" تبقى التشريعات الجزائية الخاصة بالاراضي المحتلة نافذة، ما لم تلغها دولة الاحتلال او تعطلها اذا كان فيها ما يهدد امنها او يمثل عقبة في تطبيق هذه الاتفاقية. ومع مراعاة الاعتبار الاخير ولضرورة ضمان تطبيق العدالة على نحو فعال تواصل محاكم الاراضي المحتلة عملها فيما يتعلق بجميع المخالفات المنصوص عليها في هذه التشريعات " .

" على انه يجوز لدولة الاحتلال اخضاع سكان الأراضي المحتلة للقوانين التي تراها لازمة لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها بمقتضى هذه الاتفاقية وتامين الادارة المنتظمة للاقلمي وضمان امن دولة الاحتلال وامن افراد وممتلكات قوات او ادارة الاحتلال وكذلك المنشآت وخطوط المواصلات التي تستخدمها "

وتخول المادة 66 من اتفاقية جنيف الرابعة دولة الاحتلال انشاء محاكم عسكرية غير سياسية مشكلة تشكيلا قانونيا لتطبيق القوانين التي تسنها السلطة المحتلة .

" في حالة مخالفة القوانين الجزئية التي تصدرها دولة الاحتلال وفقا للفقرة الثانية من المادة 64 يجوز لدولة الاحتلال ان تقدم المتهمين لمحاكمها العسكرية غير السياسية والمشكلة تشكيلا قانونيا شريطة ان تعقد المحاكم في البلد المحتل ويفضل عقد محاكم الاستئناف في البلد المحتل "

ويتفق مع هذه الاحكام انشاء محاكم عسكرية في الاراضي التي تحتلها اسرائيل واصدار اوامر عسكرية لتعريف المخالفات الامنية المعينة التي يحاكم مرتكبوها امام مثل هذه المحاكم ومع ذلك فليست كل القوانين والمحاكم المحلية، السابقة تاريخا على الاحتلال الاسرائيلي، قد ابقي عليها واما المؤسسات المحلية الباقية والخاصة بتطبيق العدالة فقد اصبحت ذات اهمية هامشية وازيلت المسائل المتصلة بالامن من اختصاصها القضائي بواسطة المحاكم العسكرية المذكورة في هذا التقرير وانشئت محاكم عسكرية اخرى لتتولى اختصاص المحاكم المحلية في المسائل المدنية .

ولئن كان قانون المسائل الانسانية الدولي ياذن بانشاء محاكم عسكرية في الاراضي المحتلة لمحاكمة مرتكبي المخالفات الامنية فهو يحدد كذلك معايير دنيا معينة لعملها، اذ ان المقصود من المحاكم " العسكرية غير السياسية المشكلة تشكيلا قانونيا " التي تجيزها اتفاقية جنيف الرابعة ان تكفل منح المتهم حدا ادنى معينا من الحقوق في كل المراحل، منذ القاء القبض عليه حتى الحكم النهائي الذي تنتهي اليه الدعوى القضائية . ويشار لاحقا في هذا التقرير الى النصوص ذات الصلة من الاتفاقية . وتوضح الاتفاقية ذاتها في المادة 147، ان تعمد حرمان الشخص المحمي " من حقه في ان يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقا للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية " وكذلك " التعذيب او المعاملة اللاانسانية " هي من " المخالفات الجسيمة " لهذه الاتفاقية .

القانون الدولي لحقوق الإنسان

ذكرت أيضا ضمانات تفصيلية للمحاكمة العادلة في عدد الصكوك الخاصة بحقوق الانسان، وهي تستقي مادتها من احكام الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي اقرته الجمعية العامة للامم المتحدة في 10 كانون لاول/ديسمبر 1948، باعتباره الدليل المعتمد الى تفسير احكام حقوق الانسان في ميثاق الامم المتحدة . واحترام الضمانات الاجرائية وغيرها من الضمانات الواردة في تلك المعايير امر جوهري اذا اريد للمحاكمة ان تكون عادلة .

ومما له اتصال وثيق بتلك المعايير المعترف بها دوليا المتضمنة في معاهدات حقوق الانسان مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، الذي بدا سريان مفعوله في عام 1976 . وقد وقعت عليه اسرائيل في عام 1966، ولكنها لم تصدق عليه . ومع ذلك فمبوجب القانون الدولي العرفي المقنن حديثا في اتفاقية فيينا بشان قانون المعاهدات فانها ملتزمة بالامتناع عن الاعمال التي من شانها ان تبطل هدف وغاية العهد الدولي الخص بالحقوق المدنية والسياسية . ومما هو ذو صلة كذلك مقتضيات مجموعة المبادئ الصادرة عن الامم المتحدة لحماية جميع الاشخاص الخاضعين لاي شكل من اشكال الاعتقال او السجن، وهي مجموعة معتمدة من المعايير المعترف بها دوليا اقرتها، باجماع الاراء الجمعية العامة للامم المتحدة في 9 كانون الاول/ديسمبر 1988 . والمبادئ الصادرة عن الامم المتحدةبشان استقلال السلطة القضائية التي اقرها مؤتمر الامم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1985 .

كما يشير هذا التقرير الى اعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة، الذي اقرته دون تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة في 9 كانون الاول/ديسمبر 1975 واتفاقية الامم امتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية المهينة، عام 1987، والتي هي الاخرى قد وقعت عليها اسرائيل ولكنها لم تصدق عليها ويشير التقرير الى معايير اخرى مثل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عن الامم المتحدة ومدونة قواعد سولك الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين .

ومن المهم في هذا السياق ابراز ما ذكرته اللجنة المعنية بحقوق الانسان، هي هيئة الخبراء التي انشئت بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لمراقبة تنفيذ ذلك العهد في نيسان/ابريل 1984 في تعليقها العام 13 (21) على المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيما يتعلق بمحاكمات المدنيين بواسطة محاكم عسكرية او خاصة :

" تنطبق احكام المادة 14 على جميع المحاكم الداخلة في نطاق هذه المادة وتلاحظ اللجنة انه يوجد في بلدان عديدة محاكم عسكرية او خاصة تحاكم المدنيين وقد يثير ذلك مشاكل خطيرة فيما يتعلق باقامة العدالة على نحو منصف وحيادي ومستقل وغالبا ما يكون السبب في انشاء مثل هذه المحاكم هو التمكن من تطبيق اجراءات استثنائية لا تتفق مع المعايير العادية للعدل . ومع ان العهد لا يحظر هذه الفئات من المحاكم الا ان الشروط التي ينص عليها تير صراحة الى ان محاكمة المدنيين من جانب مثل هذه المحاكم ينبغي ان تكون استثنائية جدا وان تجري بشروط تسمح اساسا بتوافر جميع الضمانات المنصوص عليها في المادة 14 "

ب‌- تشكيل المحاكم العسكرية

عهدت الحكومة الاسرائيلية الى قوات جيش الدفاع الاسرائيلي بكل من السيطرة العسكرية والادارية على الضفة الغربية وقطاع غزة منذ احتلت اسرائيل هذه الاراضي في عام 1967 وتخول اوامر عسكرية- صدرت اولا في عام 1967 . ثم جرى استبدالها في عام 1970، وجرى تعديلها عدة مرات منذ ذلك الحين- تشكيل محاكم عسكرية يمكن ان يحاكم امامها مدنيون في كل منطقة من المناطق. وتنظم الاوامر ذاتها ايضا اعمال المحاكم وتوجد اوامر عسكرية منفصلة بالنسبة للمنطقتين، وان كانت في واقع الامر متطابقة والامر العسكري المستخدم للرجوع اليه في هذا التقرير هو الامر المتعلق باحكام الامن رقم 387 لعام 1970 ( بتعديلاته التي تزيد على 50 تعديلا ) الصادر بالنسبة للضفة الغربية اما الامر العسكري الصادر بشان قطاع غزة فليس له رقم .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى