الجمعة ٢٣ آذار (مارس) ٢٠٠٧

التلمود تاريخه وتعاليمه القسم الأول من عشرة أقسام

الدكتور ظفر الاسلام خان

بسم الله الرحمن الرحيم

إن العدو وراءه تاريخ طويل . . وهناك مقومات واعتبارات يجب أن توضع كلها موضع الدراسة. وهذا يحتاج الى وقت طويل. وليس علينا أن نكتفي بتقارير سرية يكتبها الخبراء. لكن لا بد أن يكون هناك عرض حقيقي لأكبر قدر من المعلومات، حتى نستطيع أن نقول أننا نعرف العدو؛ ثم نخطط حرباً نفسية موجهة اليه، وقادرة على التأثير . .

أنا لا أعتقد أننا درسنا – مثلاً – الديانة اليهودية، وهي من المكونات الرئيسية للشخصية الإسرائيلية. واهتمامنا الجدي بهذه الحقيقة لم يبدأ، كما أعتقد، إلا بعد سنة 1967.

محمد حسنين هيكل

"أنا أعرف تمردكم وقلوبكم الصلبة. إنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم؛ ويصيبكم الشر في آخر الأيام".

موسى عليه السلام

"وبعض أقوال التلمود مغالٍ، وبعضها كريه، وبعضها الآخر كفر. ولكنها تشكّل في صورتها المخلوطة أثراً غير عادي للجهد الإنساني، وللعقل الإنساني، وللحماقة الإنسانية".

د. جوزيف باركلي

مقدمة المؤلف

(1) إن الموضوع الذي تتناوله الصفحات التالية ليس بجديد، في حد ذاته، لقراء العربية. ولكن الحقيقة المرة هي أن جميع هذه المؤلفات، تقريباً، تفتقر الى الموضوعية وروح البحث العلمي. وتكاد تكون كل تلك المؤلفات صورة طبق الأصل لكتاب قديم [1]، سواء أشار مؤلفوها إليه أم لا. ومعظم هذه الكتب يصبغها طابع التعصب والجهل، في آن واحد. والشوق الى معرفة حقيقة التلمود وتاريخه هو الذي قادني الى أن أعكف على دراسة هذا الموضوع في السنة ونصف السنة الماضية، تمكنت خلالها من وضع هذا الكتاب المتواضع الذي يبحث بإيجاز، في الفكر التلمودي العميق، بقدر المراجع التي تمكنت من الإطلاع عليها.

إن المكتبة العربية تعاني نقصاً شديداً في الدراسات الجادة التي تعالج القضايا العربية والصهيونية، بالموضوعية، بعيداً عن التعصب والأحكام المسبقة والأهواء. ولنا أن نعترف أن نجاح العدو الصهيوني ليس نتيجة مؤامرة سرية عالمية – كما يزعم بعض البسطاء، رغم بعض الصدق في هذا الزعم – بل لقد تحقق هذا النجاح المذهل والفريد من نوعه، لأن العدو وراءه تاريخ طويل من العمل الدائب المتصل، وله ركيزة متينة يتركز إليها داخل إسرائيل، يسنده تضامن يهودي مدهش خارج البلاد. ونجد عكس هذا في البلاد العربية، حيث المعارك الجانبية والعداءات "المذهبية" المزعومة، وتجار السياسة، والمتشدقون بشعارات مستوردة.

إن معرفة هذا الواقع، وإدراك أخطاره وأبعاده، من أهم المواضيع التي بدأ يتحدث عنها بعض القادة والمفكرين العرب بجرأة وصراحة، وذلك ما يدفعنا الى الاعتقاد بأن عصراً جديداً قد بدأ في عالم العرب بعد طول ضياع وخيرة.
فلتكرّس كل العقول والسواعد والأقلام خير جهودها المخلصة لإنهاض هذه الأمة – وبالتالي بعث الشرق من جديد – لإعطاء شعوبنا مكانها المناسب على خريطة الأرض، الذي لم تحتله، إلا في التاريخ البعيد.

والله ولي التوفيق، وهو المستعان.
بيروت – آب (أغسطس) 1971م

ظفر الإسلام خان

نشأة التلمود وأثره على اليهود

(1) ينقسم التلمود [2] الى جزئين هامين:

1- المشناه MISHNAH، وهو الأصل (المتن)
2- جمارا GEMARA، شرح مشناه.

ومشناه أول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم، بعد التوراة، جمعها يهوذا هاناسي JUDAH HANASI فيما بين 190 و 200م، أي بعد قرن تقريباً من تدمير تيطس الروماني الهيكل.

أما "جمارا" فإثنان: جمارا أورشليم (فلسطين)، وجمارا بابل.

جمارا أورشليم (أو فلسطين) هو سجل للمناقشات التي أجراها حاخامات فلسطين (أو بالأخص علماء مدارس طبرية) لشرح أصول المنشاه. ويرجع تاريخ جمعه الى عام 400م.

وجمارا بابل هو سجل مماثل للمناقشات حول تعاليم المشناه، دوّنها علماء بابل اليهود، وانتهوا من جمعه سنة 500م تقريباً.

فمشناه مع شرحه جمارا أورشليم يسمى "تلمود أورشليم"، ومشناه مع شرحه جمارا بابل يسمى "تلمود بابل". وكلاهما يطبع على حدة.

* * * *

(2) المشناه: هو خلاصة "القانون الشفهي" [3] ORAL LAW، الذي تناقله الحاخامات منذ ظهور حركة الفريسيين، التابعين لأهواء النفس، ونشطت حركتهم بعد ظهور عيسى ابن مريم، عليه السلام، مما أدى أخيراً الى تسجيل المبادئ الهدامة التي قامت عليها دعوة الفريسيين التي استنكرها المسيح.

* * * *

في مقدمة كتابه "شرح المشناه"، كتب الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون MAIMONIDES ما يلي، تعريفاً بالمشناه:

"منذ أيام معلمنا موسى حتى حاخامنا المقدس (يهوذا هاناسي) لم يتفق أحد (من علماء اليهود) على أية عقيدة من العقائد التي كانت تُدرس، علانية، باسم "القانون الشفهي"، بل كان رئيس محكمة كل جيل، أو نبيه، يضع مذكرة عما سمعه عن سلفه وموجهيه، لينقلها شفهياً الى شعبه. وهكذا ألّف كل فرد (من العلماء) كتاباً مماثلاً ليستفاد منه، حسب درجة كفاءته، إذا كان متمكناً من القوانين الشفهية وما توصل اليه السابقون من تفسير التوراة والقرارات التي أعلنت في مختلف الأجيال وقررتها المحكمة العليا (السنهدرين). وهكذا تقدم الزمن حتى أتى حاخامنا المقدس الذي جمع لأول مرة كل ما يتعلق بالسنّة والأحكام والقرارات، وشرح القانون المروي عن موسى – معلمنا – المأمور به في كل جيل". [4]

نشأة المشناه

(1) مشناه معناها بالعبرية "المعرفة" LEARNING أو "القانون الثاني SECOND LAW". ويزعم اليهود أنه أنزل على موسى، في طور سيناء. فيروي اليهود عن الحاخام ليفي بن شما CHAMA الذي يروي عن سيمون بن لاكيش LAKISH الذي قال مفسراً لما جاء في التوراة "إنا سنعطيك ألواح الحجر، وقانوناً ووصايا كتبناها، لتعلمها لهم": (الخروج 12:24)..إن المراد من الألواح: الوصايا العشر. والقانون: هو القانون المكتوب. والوصايا: هي المشناه. "وكتبناها" يعني الذي كتبه الأنبياء من كتابات مقدسة [يتناقلها اليهود]. "لتعلمها" معناه الجمارا. فهذا يعلمنا أن هذا كله أعطي لموسى في طور سيناء". [5]

وتتضح من هذا خدعة الحاخام لشعبه: كيف أنه يفرق بين ألواح الحجر والقانون المكتوب (وهما شيء واحد). ثم يخلط بين الوصايا والألواح زاعماً أن الألواح هي الوصايا العشر، وأن الوصايا هي المشناه، ثم يخدع شعبه مرة أخرى بأن يوهمهم بأن المراد من "لتعلمها" ليس تعليم التوراة وإنما تعليم الجمارا (وهو، كما سنوضح، يعتبر "الأهم" بين الكتب التي وضعها الحاخامات) بينما يفسر "كتبناها" على أنه (أي الضمير) يرجع الى الأنبياء بدلاً من الله!

ويضيف اليهود: أن المشناه تناقله عن موسى أربعون "مستقبِلون" RECEIVERS جيلاً عن جيل، حتى جاء الحاخام يهوذا هاناسي "المقدس". ولما كان الهيكل لا يزال قائماً، آنذاك، كمركز لليهود، لم يجز، شرعياً، كتابة هذه التعاليم. [6]

وأهم الكتب التي أُلّفت لتضارع المشناه كتاب الحاخام اليعاذر بن يعقوب ELIEZER BEN JACOB، ويسمى "بريثا" BRAITHA، ويعتبره البعض "نطيراً" للمشناه، لأنه 102 حكماً من أحكام الشريعة التلمودية هي من وضع الحاخام إليعاذر، رغم مخالفة المشناه لها. [7]
مباحث المشناه

يتكوّن "المشناه" من ستة مباحث تسمى "سيدرايم"، أي "أحكام" ORDERS. وهي كما يلي:

1) زيرائيم ZERAIM، (البذور: SEEDS)، ويتضمن اللوائح الزراعية. 11 رسالة TRACTATES .

2) موئيد MOED (الأيام المقررة: APPOINTED TIMES) يحتوي على لوائح الأعياد والصيام. 12 رسالة .

3) نشيم NASHIM (المرأة) يتضمن قوانين الزواج والطلاق والنذور والناذر. 7 رسائل، منها رسالة "عابوده زاره" الشهيرة، ومعناها "عبادة الأوثان" وتتناول علاقة الوثنين باليهود.

4) نيزيكين NEZEKIN (الأضرار) يشمل القوانين المدنية والجنائية. 10 رسائل.

5) كوداشيم KODASHIM (الأشياء المقدسة)، عن قوانين الصلاة. 11 رسالة.

6) توهاروث TOHAROTH (الطهارة) عن قوانين الطهارة والنجاسة. 12 رسالة.

ويبلغ عدد هذه الرسالة 63 رسالة، وكلها مقسمة الى فصول وجمل.

والتلمود يشار اليه أحياناً بكلمة شاس SHAS، وهي اختصار للكلمة العبرية SHISHAH SEDARIM أي "الأحكام الستة".

وبالإضافة الى هذه الرسائل الست، توجد رسائل تلمودية صغيرة MINOR TRACTATES، وهي كما يلي:

 سفر توراه SEFER TORAH
 ميزوزاه MEZUZAH
 تفلّين TEFILLIN
 تزيت زيث TZITZITH
 أباديم ABADIM
 كوثيم KUTHIM
 جريم GERIM

وهناك ست رسائل أخرى [8] تضاف الى طبعات التلمود الجديدة، وهي:

 أبوث الحاخام ناثان ABOTH DE RABBI NATHAN
 سوفريم SOFERIM
 سيماهوث SEMAHOTH
 كالاّح KALLAH
 درش إريتز إسرائيل DERECH ERETZ ISRAEL
 درش إريتز زوتا DERECH ERETZ ZUTA

(1) وهناك سفر مماثل للتملود تماماً يسمى ميدراش MIDRASHوهو يجمع الحكم والقصص والأحكام التي جمعها، أو اختلقها، الحاخامات بعد إتمام التلمود، فدوّنوها في هذا السفر مخافة أن تضيع. هذا، رغم أن التلمود نفسه استغرق تدوينه ما لا يقل عن ألف عام من الزمن. [9]

مهندسو المشناه

وقد جمع الحاخام "أكيبا" AKIBA المشناه وقسم فصوله. ثم جاء تلميذه "مئير" MEIR فأكمل المشناه ويسّره. وقد نهج الحاخامات الكبار على جمع وتأليف "المشناه"، كل بطريقته الخاصة، حتى قرر يهوذا هاناسي – الذي تقدم ذكره – أن يقضي على التشويش الناتج عن تعدد "المشناه" فدوّن نسخة معتمدة. وقد استفاد يهوذا من جميع النسخ الموجودة، خصوصاً نسخة "مئير".

أما العلماء الذين اشتركوا في تأليف المشناه (منذ وفاة هلّيل HILLEL سنة 10م حتى إتمامه سنة 200) فيسمون تنائيم (2) TANNAIM، والعلماء الذين اشتركوا في وضع شرحه "جمارا"، يعرفون باسم أمورائيم AMORAIM والذين أضافوا شروحهم الى التلمود في القرنين السادس والسابع يسمون سابورائيم SABORAIM أي العقلاء أو المناظرون (REASONERS) . والحاخامات الذين فسّروا التلمود يسمون جيونيم GEONIM، إذا كانوا رؤساء المجامع اليهودية، وإلا أطلق عليهم بوسيكيم POSEKIM أي المقررون والفاصلون (DECIDERS) .

وهناك خلاف فيما إذا كان يهوذا هاناسي هو الذي جمع المشناه أم أن العالم "سابورائيم" (في القرن السادس) هو الذي قام بهذه المهمة. ولكن من المؤكد أن يهوذا هاناسي هو الذي جمع المشناه، أما الذين جاؤوا بعده فاقتصرت مهمتهم على التهذيب والإضافة والتحسين والشرح.

وأحكام المشناه إما عامة، مجهولة المصدر، وهي أحكام مقبولة، وإما آراء الحكام SAGES (حاخاميم HACHAMIM) أو المعلمين. وآراء الحكماء (الحاخامات) هي المفضلة إذا وفع تعارض حول مسألة ما.

ولغة المشناه هي اللغة "العبرية الحديثة NEO-HEBREW" فيها أثر من اليونانية واللاتينية.

(2) وأحسن طبعة ظهرت للمشناه هي طبعة ROMM التي نشرت في فيلنا. [10]

وقد وضع "كاسوسكي" H. J. KASSOWSKY فهرساً للكلمات التي وردت في المشناه، نشرت سنة 1927، في مجلدين، من فرانكفورت.

وترجم هربرت داوبي H. DAUBY المشناه الى الإنجليزية، مع الحواشي، ونشره في أكسفورد سنة 1933.

* * * *

وهناك سفر هام آخر مماثل للمشناه، وهو "بريثا" BRAITHA، المشار اليه سابقاً (ص: 15)، الذي يضم تعاليم العلماء التنائيم الذين جاؤوا بعد الحاخام يهوذا هاناسي واضع المشناه. ولذلك يشار الى مشناه بـ MATHNITHAN (مشناهُنا OUR MISHNAH) للتمييز بينه وبين بريثا.

INTRODUCTION TO THE TALMUD AND MIDRASH, HERMAN L. STRACH, PHILADELPHIA: 1945, P. 4

* * * *

(1) والجمارا (بكسر الجيم) معناها الإكمال COMPLETION، بدأه، لأول مرة، ابنا الحاخام يهوذا هاناسي: الحاخامان جامالئيل GAMALIEL وسيميون SIMEON. واستأنف الحاخام آشي ASHI هذا العمل في صور SURA، وهي مدينة على الفرات، من 365 الى 425م. وأكمله الحاخام أبينو ABINO (الذي يسمى رابينا RABINA أيضاً)، ووضعه في صورته الختامية الحاخام جوسي JOSE سنة 498م تقريباً. وكان الحاخام جوسي آخر من سمي لدى اليهود بالملقن أو الآمر DICTATOR، والذين تبعوه من العلماء أطلق عليهم لقب "أصحاب الرأي" OPINIONISTS، حيث لم يعد من اختصاصهم الأمر بشيء وإنما كاانوا يستطيعون الاستنباط من الأحكام السابقة. وخلف هؤلاء: العلماء السامون SUBLIME DOCTORS ثم جاء أخيراً عهد الحاخامات العاديين RABBIS [11]

سنهدرين: SENHEDRIN

ومعناها بالعبرية "المحكمة العليا" وهو الباب الرابع من رسالة المشناه "نيزيكين"، ويعالج – حسب معناه اللفظي – موضوع المحكمة اليهودية العليا وقواعدها ودستورها. وهذا الباب مقسم الى أحد عشر فصلاً، وكل فصل يعالج حالة من الحالات التي يمكن للمحكمة العليا اليهودية أن تصدر حكمها فيها أو تتدخل.

أنظر للتفصيل: THE MISHNAH TREATISE SENHEDRIN DR. SAMUEL KRAUSS, LIEDEN: 1909 (SEMETIC STUDIES SERIES – XI) PP V – VI

وقد شبّه د. صموئل كروس في كتابه هذا "السنهدرين" بلائحة القاضي. وقال: "إن أهمية هذا الفصل تتوقف على ما له من مكانة في إجراءات المحكمة اليهودية العليا JEWISH SYNHENDRION "التي تعتبر آخر شعلة لحياة الدولة اليهودية، وهذا الفصل أثار اهتمام جانب كبير من الدارسين بسبب علاقته بحياة وموت اليهود". (IBID, P. VII)

* * * *

تلمود أورشليم (فلسطين) TALMUD YERUSHALMI

ويسمى أيضاً تلمود (أوجمارا) أرض إسرائيل ERETZ ISRAEL، أو تلمود (أو جمارا) بني مآربا (المغرب). تم جمعه سنة 400م، بعد الإجراءات الشديدة التي اتخذها URSICINUS سنة 351م في فلسطين، مما أقلق اليهود بضياع القانون الشفهي السري. [12]
والتلمود معناه بالعبرية "التعليم" (TEACHING).

والحقيقة أن علماء قيصرية هم الذين قاموا بتدوين تلمود أورشليم، وليس علماء أورشليم أنفسهم، ويذكر هذا الإسم مجازاً، على سبيل إطلاق الكل على الجزء: وكان الحاخام يوحنان على رأس القائمين بأمر تدوين هذا التلمود.

(1) وتلمود أورشليم – كما هو مطبوع الآن – لا يحتوي إلا على أربع رسائل (أحكام) من رسائله الست (التي مر ذكرها)، وعلى الفصل نيدّاه NIDDAH من الرسالة السادسة. وفي أيام موسى بن ميمون كان تلمود أورشليم مكوناً من خمس رسائل، وحذفت منه واحدة. [13]

وقد طبع تلمود أورشليم، لأول مرة، في البندقية (فينيسيا) في سنتي 1522-1523م وظهرت الطبعة الثانية في كراكوو فيما بين 1602-1605، مع بعض الحواشي والشروح، بسبب الاهتمام المتزايد بالتلمود في بولندا. وأعيد طبع نسخة كراكوو في كروتوتشين سنة 1886م، ثم ظهرت طبعة زيتومير في 1860 – 1867، ثم طبعتا Piotrkew (سنة 1899 – 1900) وروم في فيلنا سنة 1922. وقد طبعت هذه الأخيرة مع بعض الحواشي سنة 1929 باسم "تشلوم يروشلمي" وظهرت طبعة مصورة لنسخة البندقية (1523) في ليبزيج سنة 1925، تبعته طبعة برلين سنة 1929.

تلمود أورشليم اليوم

اعترف محرر دائرة المعارف اليهودية العامة أن الطبعات الجديدة لتلمود أورشليم تخلو من كثير من العبارات والفصول، وعزا ذلك الى عاملين:

1- حذفت هذه الفصول نتيجة لإهمال النساخ
Scribal Omissions.

2- تزييف متعمد Deliberate falsification.

وحيث أننا لا نستطيع قبول العامل الأول (الحذف بسبب إهمال النساخ) فنرى أن اليهود هم الذين قاموا بهذا التزييف والتمزوير المتعمدين، بعد أن رأوا أن أوروبا المسيحية التي يرتبط بها مصيرهم، ثارت ضدهم في العصور الوسطى عندما اطلعت على ما في كتبهم، ضد المسيحيين، من أحقاد شيطانية ودسائس جهنمية. أما لماذا لا نقبل الحجة الأولى، فسببه أنه لا داعي للنسخ من المخطوطات القديمة، لأن التلمود قد طبع – قبل ظهور "الطبعات الجديدة" – عشرات المرات في القرون الوسطى وأكثر هذه الطبعات أمانة وكمالاً هي طبعة البندقية التي اضطرت "الكنيسة" الى تطهيرها، كما سيأتي.

يقول محرر دائرة المعارف اليهودية العامة:

"النص الحالي لتلمود فلسطين في حالة فاسدة جداً. والنسّاخ الذين نقلوه لم يترددوا في تصحيحه كلما وجدوا أن المعنى بعيد عن إدراكهم. وقد تكرّر وقوع ذلك كثيراً بسبب أسلوب التلمود البليغ، وبسبب لغة النص غير المألوفة. ومشكلة النص هذه أدت الى زيادة هذه الأخطاء، التي يقع فيها النساخ، مثل وقوع التباس بين حروف متشابهة، وحذف حروف، وترك سطور وإساءة فهم الرموز" [14]

وتلمود فلسطين مكتوب بالعبرية أو الآرامية الغربية، ويشمل على ما يقرب من 750.000 كلمة، و15 بالمائة منها هاجّادا، أي القصص والحكايات اليهودية، وهذه القصص الخرافية هي أساس الإسرائيليات.

تلمود بابل

(1) اكتشف علماء اليهود، بعد موت يهوذا هاناسي، أنه قد ترك أشياء كثيرة دون تدوينها في "المشناه". ونصّ تلمود بابل أساسه مشناه يهوذا هاناسي مع الشروح التي كتبها الحاخام أبّا أريكا [15] في صور. وأهم الكتب التي ألّفت بعد موته هو "توسفتا"، وأهم محتوياته: هاجّاداه، أي القصص، ومنها تستنبط الأحكام.

وبعد أن زادت المناقشات والآراء التي اتفق عليها الحاخامت، خافوا من ضياعها في حالة عدم التدوين. وأول من قام بتدوين تلمود بابل هو آشي (المتوفي 427م)، بمساعدة رابينا، وكان هدفه أن تكون في أيدي اليهود لائحة قانونية معتمدة، وكتاب يدرسه الطلبة اليهود.

وقد أكمل الحاخام رابينا بارهونا (المتوفي 499م) عمل "آشي" الذي مات قبل استكمال مشروعه.

(2) وقد قام الحاخام سابورائيم (في القرنين السادس والسابع) بوضع الحواشي والشروح على نسخة رابينا، وفصل في الأمور المختلف في أمرها. ومما يجدر بنا ذكره هنا أن الكنيس اليهودي أو المذهب الحاخامي لم يوجد إلا أثناء السبي البابلي، وبذلك حل محل الهيكل. وسمي الكنيس باسم: "بيت التجمّع" ويتضح من الأسم نفسه الغرض الذي أنشئ من أجله الكنيس [16] وهو نفس الغرض الذي استهدفه تدوين التلمود.

طبعات تلمود بابل

وقد طبعت بعض فصول تلمود بابل سنة 1484، إلا أن الطبعة الكاملة نشرت في البندقية فيما بين 1520 و 1523، أما نسخة بازل، وطبعة أمستردام (1644 – 1648م) لم تشوه كثيراً رغم خضوعها للرقابة. والطبعة المعتمدة هي طبعة روم المنشورة في فيلنا سنة 1886 في عشرين مجلداً.

وأحسن طبعة لتلمود بابل نشرها ستراك سنة 1912 عن نسخة أعدت في ميونيخ في أواسط القرن الرابع عشر.

ويقول محرر دائرة المعارف اليهودية العامة: "إن أحد أهم الأسباب لعدم بقاء مخطوط كامل (لتلمود بابل) هو التعصب الديني المغالي للمسيحية في العصور الوسطى، الذي دفع الكثيرين الى إشعال النيران – أحياناً – في العربات المحمّلة بالتلمود المطبوع أو المخطوط".

وأول ترجمة كاملة لتلمود بابل نشرتها مطبعة سونكينو بلندن.

وقد ترجم أبراهام كوهين كتاب "براخوت" الى الإنجليزية سنة 1921. وظهرت عدة كتب تتناول ملخص تلمود بابل باللغات: اللاتينية والفرنسية والروسية والإيطالية واليديش، ولغات آخرى.

وتقول دائرة المعارف اليهودية العامة: كل الطبعات الجديدة لتلمود بابل تشمل رسائل صغيرة عديدة أضيفت في آخر البحث الرابع (نيزيكين).

وتلمود بابل يشمل 000ر500ر2 كلمة تقريباً، منها ثلاثون في المائة عن "الهاجاداه" أي القصص، والباقي "هلاكاه"، أي الأحكام.

الدكتور ظفر الاسلام خان

[1"الكنز المرصود في قواعد التلمود" للدكتور أغسطس روهلنج، ترجمة د. يوسف نصر الله، القاهرة: 1899

[2Jewish Encyclopedia نيويورك: 1948، ج 10، مادة "التلمود".

[3سنأتي على شرح القانون الشفهي وحركة الفريسيين في الصفحات التالية.

[4(1) Introduction, Hebrew Literature, pp V, VI ويمكن لنا استنباط الفوضى والنزعات الشخصية التي طغت على نفوس الحاخامت ويمكن لنا استنباط الفوضى والنزعات الشخصية التي طغت على نفوس الحاخامات الذين، حسب شهادة موسى بن ميمون، لم يتفقوا على أمر فيما بينهم حول القانون الشفهي، حتى جمعه يهوذا هاناسي. وهذه النزعات التي تغيرت من جيل الى آخر هي التي ظلت تحكم روح التلمود الذي يقدس اليهود تعاليمه أكثر من التوراة: "فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم، وجعلنا قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظاً مما ذكروا به، ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم". المائدة: 13.

[5كتاي الأدب العبري، مقدمة المترجم (دكتور جوزيف باركلي) ص 3. (Hebrew Literature, New York: 1901)

[6نفس المصدر السابق ص3

[7نفس المصدر السابق ص 11

[8دائرة المعارف اليهودية العامة Reading Guide and Index (ص 23).

[9الحاخام د. أ. فابيان: The Babylonian Talmud ص 5.

[10تنائيم جمع تنا، ومعناها بالآرامية "المعلم"، ويطلق هذا الاسم على العلماء اليهود الذين خلفوا هليل وشماي، أي منذ السنة العاشرة بعد المسيح تقريباً الى وفاة يهوذا هاناسي، أي الى السنة المائتين تقريباً. وعدد العلماء التنائيم يتجاوز المائتي عالم يهودي، وأكثرهم يلقب بالحاخام، أي المعلم أو الحكيم، وإذا كان العالم اليهودي بطريركاً للكنيس Patriarch فيسمى Rabbin أي حاخامنا أو معلمنا. أما "أمورائيم" فمشتقة من الكلمة العبرية "أمر" التي تعني "تكلم"، وتستعمل بمعنى الشارح والمتكلم.

[11فيلنا عاصمة شمال بولندا الذي يسمى بنفس الإسم أيضاً، وتسمى كذلك ويلنو في اللغة البولندية، وفيلنيوس في اللتوانية.

[12الأدب العبري ص 10 ، 11

[13هذا ما قاله محرر دائرة المعارف اليهودية العامة، أما دكتور جوزيف باركلي فيقول في كتابه "الأدب العبري":
إن الفترة التي ألف فيها تلمود أورشليم وبابل لهي من فترات السلام النسبي لليهود. فمنذ وفاة الحاخام يهوذا المقدس (بن هاناسي) حتى جلس قسطنطين على العرش لم تتعرض مدارس طبرية لأي تحرش أو مضايقة. (ص 12)
وأضاف دكتور جوزيف باركلي أيضاً: إن اليهود، أينما كانوا، نظروا الى طبرية (الشهيرة بمدارسها اليهودية) كصهيونيم وكانوا يفرضون على أنفسهم ضرائب – طوعاية – ليرسلوا الأموال الى المدارس الحاخامية فيها.

[14الأدب العبري ص 4

[15يتضح من هذا أن تلمود أورشليم على حالته الموجودة الآن، فاسد جداً وأن تلمود بابل ناقص جداً – كما مر من قبل – ولا يعني هذا أن اليهود تمكنوا من إخفاء تعاليم تلمودهم الهدامة عن أنظارنا، اما هم فيعتمدون على النسخ الأصلية التي طبعت في البندقية.

[16ولد في بابل سنة 175م ومات بها سنة 247.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى