الأربعاء ٧ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

السرسريّة ( مقال ساخر)

السرسرية : مفردة تركية ، و تعني المتشردين ، وهم العيارون الذين يترددون بلا عمل ويخلّون النفس وهواها ، وفي العربية سرِس سرساً ، ساء خلقه، وهم صنف من الناس يكثر وقوع الشر منهم ،

وقد اقر مجلس النواب التركي في العام1909 قانونا خاصا لمكافحة السرسرية ، بالضرب بالأسواط التي لا يتأدب مثل هذا الصنف إلا بها ، والمفردة يستعملها الجزريون للدلالة على أهل الزعارة .

وفي اللغة الزعرور ، سيء الخلق ، وهما مسميان لخلق واحد من الناس، عرف في كل الحضارات الإنسانية القديمة والمعاصرة ، حتى غدت السرسرة والزعرنة ليس نمطا سلوكيا وحسب بل اسلوب حياة فئات من الناس ووسائل كسب وتعيش ، فنشأت على غرار هذا النمط عصابات وأحزاب، وباتت ثقافة السرسرة لها وجوه عديدة فلم تعد تنحصر في تلك الفئات الواضحة من العاطلين والمتسكعين ، بل غدت تتعشش في فئات اجتماعية جل ما يعرف عنها الملأ أنها محترمة .

وراح يمارسها في ا لسر غير المحترفين والمتخصصين في ثقافتها كوسيلة للكسب والنهب وأضفوا عليها مسميات تهذيبية وتجميلية تفاديا أن يقال لأحدهم أنت سرسري . فلا يليق بالمقام ، فتاه الناس عن معرفة السرسري الحقيقي ، هل هو ذاك المبتلي بعاهة سلوكية تربوية ، أم هو ذالك المسكين العاطل عن العمل ؟ فحملته الفاقة على الانحراف عندما سدت مكاتب التشغيل أبوابها في وجهه ، هل غدا السر سري الحقيقي متخفيا بثياب المحترمين ودخل على أهل الصنعة، ومن امثلتهم التي لاتحصى : كل من استخرج بوسيلة أو بأخرى كميات من الأسمدة والبذار واكياس التعبئة والادوية الزراعية من مصرف زراعي وباعها على الفلاحين أمام باب المصرف بأضعاف سعرها الرسمي ودلسها عنهم ، واختلق لها أزمة في أشد ضروراتها ليتضاعف سعرها ، هو سرسري في حقيقته ، وإن زينت عنقه أجمل الربطات ، أو دار بإسته على كرسي الدائرة ، ونظّر لمستقبل العولمة والعالم الثالث ، وذرف دموع التماسيح على شهداء فلسطين والعراق ، فهو في حقيقته سرسري ، يتسكع في النهار ويتمتع في الليل ، ودستوره في الحياة حلال على الشاطر ، فتجده يلهث ، إن تحمل عليه يلهث وإن تضع عنه يلهث ، كالمصاب (بالعواية )هؤلاء يتقنون ثقافة السرسرة جيدا ، فلهم طرقهم بالتعرف على كل مسؤول جديد والدخول في قلب كل غشيم ، أو بلفت الأنظار إليهم في كل مجلس ، وزاد طرقهم التقليدية سهولة ، الهاتف الخليوي ، جهاز تعليم الكذب الحديث ، فيكفي أن يضعه على أذنه ويخاطب لقبا وهميا ( أبو فلان أو علتان ) ويتفق مع مسؤوله الوهمي على مكان السهرة وقعدة السرسرة ، فيغش به من لا يمقته من البلهاء ، والبسطاء والمغفلين ، أو من لا يزدريه من الجبناء والمدانين والخائفين ، والحريصين على مواقع الهبش واللطش ، فينال ما يريد منهم بكذب أصفر ، إن لم يكن شريكهم ، فتجدهم المقربون والنافذون والواصلون ، فهؤلاء وإن زعموا قدرات استثنائية فلا خير فيهم وحليبهم حرام كحليب الجحشة لا يصلح إلا لكرّها والسعال الديكي ( العواية ) فخيرهم للناس كخير أخيهم بالرضاعة ، ولايمكن إصلاحهم إلا بموجب القانون التركي وسقى الله ذا الإصبع العدواني إذ قال :

هذكل امرىء راجع يوما لشيمته ................... وإن تخلّق أخلاقا إلى حين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى