السبت ١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

طير ابن بُطي ( مقال نقدي ساخر )

ابن بطي لقب لأعرابي لم يوفق كأقرانه في صيد الصقور أو لعله لا يفرّق بين الطير الحرّ وغيره، فاصطاد ذات يوم طيرا من الجوارح،له مخالب حادة ومنقار معقوف فظنّه خير من الصقور التي يتباهون عليه بها، ودرّبه على الصيد، كما يفعلون، ولما اشتاف طيره فرآه يستجيب للتدريب راح يشمت بهم ويتوعّدهم بالغلبة في الصّيد، الحقيقة أنّ الصّيادين قد توجّسوا خيفة من هذا الطائر الغريب الذي لم يكترثوا له، ولما انتهت التدريبات وأطلق كل منهم طائره للصّيد. ويا للأعراب من العقاب ، إنه طائر الجراذين وقد تدرّب كالصقور على الصّيد ، فراح يرمي على أهله مما اصطاد من الجرذان والحيّات، والهوام ، وكل ما وجد من الفطائس .

واسم العقاب الحقيقي( أله) وهو اسم أعجمي معناه بالعربية العقاب وقد قيل إنّ العقاب لا يوجد فيه ذكر بل جميعه أنثى وإنّ الذي يسافده طائر آخر من غير جنسه وقيل أنّ الثعلب يسافده وهذه من الظواهرالعجيبة التي يعرفها الجزريون ولابن عنين الشاعر في هجو شخص يقال له ابن سيده (ما أنت إلا كالعقاب فأمه معروفة وله أب مجهول)

أنظر : (وفيات الأعيان ج 5 ص153)

أما الأعراب ، فلم يظلمهم العقاب بن الثعلب المعروف بطير ابن بطي ،ذلك لأ نهم درّبوه بأيديهم ، فلا هم قادرون على التخلص منه ولا هو يكف بلاءه عنهم.

وراح طيرابن بطي مثلا يضرب بكل من ضرّّ أهله ،و تآمر على وطنه باسم المعارضة الكاذبة والمفتعلة والمشبوهة ، فولى يتسكّّع في العواصم ويقتات من فتات المخابرات وموائد الأحزاب هناك ورأى من مضيفيه ما لم يره في بيت أمه كالدولارات الخضراء والليالي الحمراء، والنسوة الصفراء ، ورقص الجاز، فأذهبوا عقله الذي هو بأساسه ناقصا عندما أدمنوه على مشاريبهم ، وأقضوا له وطره من كل حرام ،فراح يدلي بمعلومات وتقارير كاذبة عن بلده، وكل من يسترق السمع على بلده كالببغاء المخنث ليحظى بلفظة فيجترها ويجرّ بها منافع جلها خسيسة ، كطيرابن بطي ، يلقي بالأفاعي والجرذان على أهله في الوقت الذي كانوا يتوخون منه صيد الحبارى ،والحمام واليمام .

لقد كان العرب في مطلع عصر النهضة يوفدون أبناءهم النجباء إلى بلدان الاغتراب للتخصص في مختلف العلوم ويعودون سالمين غانمين تاركين سير يقتد ى بها ويحتذى حذوها ونقلوا إلى أوربا الشيم والقيم والدين والفضائل فضلا عن الشعر والأدب والآداب ، وعادوا بالعلوم والمعارف، والصّناعة ، والفن ، لقد أغفل أو تغافل هؤلاء الدور الذي لعبه نظراؤهم من المستشرقين في بلداننا، لم يكن أحد منهم كطيرابن بطي على بلده ، بل كانوا صقورا يصطادون حبارينا في عقر دارنا فمنهم من قضى عمره يدرس لغتنا ، وعاداتنا ، وتاريخنا ،وديننا ، ونبش قبور أجدادنا ، منقبا عن الآثار ، والمعادن ، والنفط ،ويرسم الخرائط والسياسات ، وطرق اختراق ثقافتنا ، وتسهيل السبل لغزونا ، فوجد بطيورابن بطي سبيلا إلى التأسيس لانزياح منظومة القيم والأخلاق لصالح منظومة ثقافة الخيانة والغدر والتجسس وزرع الريبة والشك في الرصانات والمبادىء العربية والإنسانية السامية ، وغذوا في نفوس ضعافنا هاجس النزوع إلى الإقتداء بتجارب ونظريات أثبتت فشلها في بلدانها ولا تصلح لأرض لم تزرع بها ، وهواء لم تتنفسه ، وحليب لم ترضعه .

فالواحدية ، والفردانية ، والبراغماتية ، والفوضوية ، والكلبية ، ونفعية السعادة باللذة ، وغيرها ممن يحاول كل طير لابن بطي التقاطها بمخالبه الحادّة ومنقاره المعقوف، ليرميها وبالا على أهله، وخير الكلام ما أغنى اختصاره عن إكثاره.
( واسمع يا شلَّ الصوف ).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى