السبت ١٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

العرب والأعراب : خلط المفاهيم، وفوضى الدلالة ! ،

صورة الأعرابي في الكتابات العربية(1)

تداول الناس هذه الشخصية وتناولتها كتب التراث والأدب بكثرة مفرطة واختلف المؤلفون بل وتناقضوا في تقديم صورة الأعرابي ، فمنهم من عدّه حكيما ومنهم من عذّه ساذجا و والآخر عدّه ظريفا .مما خلط الأمر وجعل شواشا وغموضا يعتري القارىء . فما حقيقة هذه الشخصية التراثية ؟

في اللغة الأعرابي : البدوي وهم الأعراب والأعاريب: جمع الأعراب، وليس الأعراب جمعاً لعرب ، والنسب إلى الأعراب أعرابيٌ ،لأنهُ لا واحد له على هذا المعنى كونه اسم جنسٍ، قالَ الأزهري : ورجلٌ أعرابيٌ إذا كان بدوياً صاحبُ نِجعةٍ وانتواءٍ وارتيادٍ للكلأ وتتبع لمسا قطِ الغيثِ وسواءِ كانَ من العربِ أو من مواليهم ويجمعُ الأعرابيُ على الأعرابِ والأعاريبِ وجاءَ فـي الشعر الفصيح :

أعَارِيبٌ ذَوُ فَخْرٍ بإِفْكٍ

وألْسِنَةٍ لِطَافٍ في المَقَالِ

والأعرابيُ إذا قيل لهُ: يا عربيُ فرحَ بذلكَ وهشَ لهُ، والعربيُ إذا قيل له يا أعرابي غضب له. فمن نزل البادية أو جاور البادين وظعن ظعنهم وانتوى بانتوائهم فهم أعراب ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي إلى العرب فهم عرب وإن لم يكونوا فصحاء(2) و قال الفراء: ويقال رجل أعرابي : إذا نسب إلى أنه من أعراب البادية وعربي إذا نسبته إلى آبائه من العرب فإذا كان يتكلم بالعربية وهو من العجم قلت عرباني، وفي الحديث من بدا جفا أي من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب ، و البَداوَةُ :الإقامة في البادية وهو ضد الحضارة والنسبة إليها بَدَاوِيٌّ و تَبَدَّى الرجل أقام بالبادية و تَبادَى تشبّه بأهل البادية بذلك نثبت نتيجة بحثية مهمة تفيد بالتفريق في المعنى بين الأعراب والعرب لتصحيح خطأ متداول لا يستند كثيرا إلى مرجع يشفع له أو يدعمه لكنه استعمل هكذا بعشوائية كان للتواتر الشفاهي دوره في حمله وترسيخه في الثقافة والوعي الجمعيين ليس عند العامّة من الناس وحسب بل ليشمل الكتابات أيضا ، وأنّ زعمنا هذا لم يأت اعتباطا لكونه مدعّم بوسائل قبوله ومسوغات تناوله ، فعبارة قيل لأعرابي : تفضح وبشكل لا يدع الالتباس البتة بأنها عبارة موضوعة و في أحسن الظروف متسترة خلف حكمة أو ملحة أو نكتة أو طرفة ، تثير دهشة قارئها وابتسامته لكنها تغض الطرف عن كنهها وخلفيتها المرجعية . فمن هو هذا الأعرابي ؟ ومن الذي قال له ؟ لقد شكلت عبارة( قيل لأعرابي ) سندا قويا لرعيل من الكتاب ولا سيما مؤرخي الأدب منهم للتخلص من منهجية كان لا بد منها لتسويق وتمرير أفكارهم ونوازعهم وانطباعاتهم الشخصية ونافذة لعبور كتاباتهم على أنها تاريخية فلأنه لم يكن في موضوعاتهم ما يسوّغ ورود مثل هذه الملحات والطرائف فكان نسبها لشخصية الأعرابي الغامضة المبهمة طريقا للتمرير أسهل بكثير من تبنيها أو إدعاء تأليفها سيما وأن جلها آت بالطبع من الثقافة والمعارف الجمعية العامة التي لا يجوز تبنيها مثلها مثل الحكايات الشعبية والأساطير والخرافات . لقد عرفت شخصيات مرحة وتناقلت كتب التراث أخبارها كالشاعر أبي نواس وشخصية جحا التي أثارت الجدل ، وأبي العيناء محمد بن القاسم وأبي الحارث جمين ، ومزيد المديني ،وغيرهم دونت أقوالهم وطرائفهم ومواقفهم ، فلم يكن متسعا ولا مستساغا تماما نسب كل ما أبدعه هؤلاء الكتاب لهم ذلك لمحدودية المرحلة التاريخية التي عاشها كل منهم فكان الأولى تجيير هذه الأقوال إلى شخصية تتمتع بكل مواصفات أهل الطرائف ونسب نتاجهم وشطحاتهم لهذه الشخصية، فهو حكيم وطريف وسريع البديهة وغريب الجواب فضلا عن البلاغة المتناهية بما يتناسب عادة مع صفات أهل البادية ولكن هؤلاء الكتاب واجهتهم عثرة سرعان ما كان الحل جاهزا لها وهي طرائف لا يستحسن نسبها للأعراب بما أنها تناسب سكان المدن والقرى العامرة فكانت نوادر الشطار ونوار المعلمين والصبيان ، والجواري ونوادر البخلاء التي كان للجاحظ اليد الطولى في تدوينها ونقلها أما الأسلوب الآخر من تأليف الطرائف وتدوينها فلم يجد له شخصية محددة فترك لمجهول. أماالطرائف المتواترة فلا يجب حصرها بشخصية محددة فهي عامّة تنقل أخبار الفضيلة والكرم فلا أحد من العرب كان سببا في إشاعة فضيلة بعينها إلا و كتبت فضيلته له ولم يبخسه أحد حقه فيها ، فالكرم قبل حاتم كان معروفا عند العرب،والشجاعة لم يخلقها عنترة والحكمة أيضا لا صانع معين لها ، فإن كان الأعرابي شخصية مختلقة في الكتابات ،فإنّ ذلك لا ينكر تايخيتها ، ولربما كانت فعلا بعض الطرائف والحكم وردت على ألسنة بعض الأعراب حين قدومهم المدن والأسواق ولأن أهل الأسواق وسكان المدن لا يعرفون أسمائهم فأنهم اكتفوا بحفظ أقوالهم ومداورتها لأهميتها اللغوية وطرافتها وغرابتها فتواترت هذه الأقوال عبر الأجيال ونسي الناس قائليها ، ويعد الأصمعي : أبو سعيد عبد الملك 740/828 أشهر من نقل أخبار الأعراب ووصفهم كما يعد الوزير الكاتب أبو سعد منصور بن الحسين الآبي المتوفى/ 421/ للهجرة أيضا من دوّن أقوال الأعراب وأهتم بها وصنفها وبوّبها فضلا عن توثيق كلام الخلفاء والولاة والوزراء وحِكِمهم وخطبهم والطريف من أقوالهم وحياتهم لكنه خصّ الأعراب بفصول تتجلى فيها صورة الأعرابي مركبة أحيانا ومتناقضة أحيانا أخرى ونعزو ذلك بالطبع إلى تنوع ثقافات الأعراب وتعدد مصادرها ذلك لأنهم سكان البادية أما أعراب العرب فكانوا في الجزيرة العربية المترامية الواسعة ويخيل إلينا الاستنتاج أن مضارب هؤلاء كانت متباعدة ويشفع لزعمنا كثرة التناقض في طباعهم وتقاليدهم لكن العرف هو عرف البادية أينما حلوا أو رحلوا ، فهذه أعرابية تصرخ : الناس صعقوا عندما رأتهم يسجدون في الصلاة ، وذاك نقيضها يقول عندما سئل عن وجود الله : البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير . وصورت الكتابات الأعرابي مغفلا يرمي المرآة التي وجدها ونظر فيها وكان قبيحا فقال لشر ما طرحك أهلك معتقدا أن المرآة هي التي قبّحت صورته . وبالمقابل صورته على درجة عالية من الذكاء والدهاء والفطنة قال هشام بن عبد الملك : من يسبني ولا يفحش هذا المُطرف له فقال له أعرابي حضر: ألقه يا أحول فقال :هشام خذه قاتلك الله .وعن الفطنة وسرعة البديهه قيل لأعرابي : ما اسم المرق عندكم قال : السخين قيل: فإذا برد ؟ قال: لا ندعه حتى يبرد . ونحن ندرك أننا لا نتحدث عن الأعرابي وكأنه شخص واحد محددة فنزعم أن طباعه متقلبة ومتناقضة ، لكن الأعراب رغم اختلاف بيئاتهم الثقافية ومصادر معارفهم ومرجعياتهم فإنهم فضلا عن هذه الوصوفات يتجانسون في كثير لا يستهان به من الطباع وممالا يمكن إغفاله من الميزات والخصائص فلم يرد- على حد علمنا – في كتب التراث ما يشي أنهم يعرفون البخل أو أو الكسل ولم يكن منهم لصوص ولا يعرفون الفسق والفجور والجحود واللؤم والخ من صفات السوء والرذيلة فالأعرابي إنسان مسالم بسيط هادىء لكنه لجوج يحدث كلامه طرفة عند أهل الحضر وهو لا يتقصد اختلاقها ولا يدعي تصنعها لكن الفارق بين ثقافة الحضر وطباعهم وعاداتهم تجعل كلام الأعراب غريبا وطريفا . استفتى أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فلما أفتاه عنها قال له الأعرابي: أقدوة؟ فقال: نعم عن رسول الله . فقال: استسمنت القدوة فاء الله لك بالرشد. أما هم فلا يتناقلون فيما بينهم هذه الأقوال ولا يعلمون أنها طرائف ولا تثير لديهم أي انفعال لكونها مألوفة بالنسبة لهم . قال أعرابي : وقد سبق الناس إلى عرفة اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس ، إنما ينم قوله عن جهل بالنسبة لأقرانه وعن طرفة بالنسبة للعالمِين بحقيقة العبادة .

إن هذه الظاهرة معروفة في كافة الحضارات والثقافات فهذه شخصية الأوسكتلندي تثير الضحك وتحتمل المزاح وتلك شخصية الأمريكي يتقاذفها الظرفاء وينسج حولها الكتاب الساخرون المواقف والطرائف التي تفصح عن المعنى المقصود فكلمة( داغو)(3) التي تطلق على الأمريكيين من أصل أسباني تثير السخرية و(جون بول ) لقب ساخر يرمز إلى صفات الرجل الإنكليزي العنيد البليد ، وهكذا الأمم المختلفة ولا تخلوا أمة من أمثال هذه الطرائف وجلها بين سكان المدن والأرياف . وحتى على مستوى البلد الواحد بين سكان مدينة وأخرى أو سكان مدينة وريفها . وستستمر مادام الفارق الحضاري واضحا بين الريف والمدينة .

الأعراب في القرآن الكريم:

استندت هذه الكتابات في تكوين الصورة النمطية عن الأعراب من التأول الخاطىء أو المقتطع من آيات البيان الإلهي فزعمت أن الأعراب كفرة وفجار وجاحدين ونسبت لهم نعوت ما أنزل بها من سلطان اجتزئت من الآيات اجتزاء متعمدا لتوظِف فيما بعد هذا التأول لخدمة الصورة النمطية أثناء صياغة الشخصية التي ستحتمل مزيدا من التحميل ، والتشويه ، ودس التأليف في ثنايا كتب التراث وترويج ثقافة شفاهية لا مصدر لها .
.فقد ورد ذكر الأعراب في عشرة آيات لا تخاطبهم بذات الطريقة التي وردت في كتب التراث :

*وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم [ التوبة 90 ]
بين تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه ويبينون له ماهم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة أنهم نفر من بني غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله وقعد آخرون (من الأعراب) عن المجيء للاعتذار ثم أوعدهم بالعذاب الأليم
الأعراب أشدُ كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدودَ ما أنزلَ الله على رسولهِ والله عليمٌ حكيمٌ [ التوبة 97 ] أجدر أي أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني فقال زيد: ما يريبك من يدي إنها الشمال؟ فقال الأعرابي؟ والله ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال فقال زيد: صدق الله ورسوله ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا (الآية) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن .رواه أبو داود والترمذي والنسائي ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى ولما أهدى ذلك الأعرابي هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي قال لقد همت أن لا أقبل هدية إلا من قريشي أو ثقفي أو أنصارى أو دوسي لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن مكة والطائف والمدينة واليمن فهم ألطف أخلاقا من الأعراب لما في طباع الأعراب من الجفاء. عن عائشة قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أتقبّّلون صبيانكم قالوا نعم قالوا لكنا والله ما نقبّل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واملك إن كان الله نزع منكم الرحمة.

*ومن الأعرابِ من يتخذ ما ينفقَ مغرماً ويتربصُ بكم الدوائر عليهم دائرة السوءِ واللهُ سميعٌ عليمٌ [ التوبة 98 ]
* ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم [ التوبة 99 ] هذا هو القسم المحمود(من الأعراب) الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ( ألا إنها قربة لهم ) أي ألا إن ذلك حاصل لهم ( سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم )
*وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم [ التوبة 101 ]

يخبر تعالى رسوله أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقون وفي أهل المدينة أيضا منافقون
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين [ التوبة 120 ]
يخبر تعالى المتخلفين عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة فأنهم نقصوا أنفسهم من الأجر لأنهم ( لايصيبهم ظمأ ) وهو العطش ( ولانصب ) وهو التعب ( ولا مخمصة ) وهي المجاعة ( ولايطؤن موطئا يغيظ الكفار ) أي ينزلون منزلا يرهب عدوهم ( ولاينالون ) منه ظفرا وغلبة عليه ( إلا كتب لهم ) بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالا صالحة وثوابا جزيلا
*يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا [ الأحزاب 20 ]
أي ويودون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم ( ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لذلتهم وضعف يقينهم
*سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا ( الفتح 11)
الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتذروا بشغلهم بذلك وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك قول مبهم لاعلى سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة
*قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما [ الفتح16 ]
اختلف المفسورن في هؤلاء القوم الذين يدعون إليهم الذين هم أولو بأس شديد على أقوال أنهم هوازن أوأهل فارس وقال كعب الأحبار هم الروم قال سفيان هم الترك و قال ابن أبي عمر : حدثنا ابن أبي خالد عن أبيه قال نزل علينا أبو هريرة رضي الله عنه ففسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتلون قوما نعالهم الشعر قال :هم البارزون وقوله تعالى ( تقاتلونهم أو يسلمون ) يعني شرع لكم جهادهم وقتالهم فلا يزال ذلك مستمرا عليهم ولكم النصرة عليهم أو يسلمون فيدخلون في دينكم بلا قتال بل باختيار
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم [ الحجرات 14 ]

يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول مادخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد وتبين هذه الآية الكريمة أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك،فهؤلاء قوم من بوادي العرب قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طمعاً في الصدقات لا رغبة في الإسلام فسماهم الله تعالى الأعراب ومثلهم الذين ذكرهم الله في ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا ) فالذي لا يفرق بين العرب والأعراب ربما تحامل على العرب بما يتأوّله في هذه الآية مما يجعلنا نثبت بدليل البيان الإلهي أن الأعراب غير العرب وإن كانت كلمة( عرب) مشتقة من ذات المصدر اللغوي الذي اشتقت منه كلمة( أعراب) مادة عرب(4) : العرب ولد إِسماعيل والأعراب جمعه في الأصل وصار ذلك اسما لسكانِ البادية،إن جل الكتابات العربية تناولت شخصية الأعرابي بنمطية واجتزاء وحملتها مختلف الصفات ، وكان مسندها التأويل الخاطىء للآيات القرآنية . فما سبق ذكره لا يحمل خطابا للأعراب كجنس بشري ذلك هو شأن القرآن الكريم وخطابة فقد تكررت كثيرا عبارة( من الأعراب) ،حسما لكل تأول أو تقول على الله تعالى .

حياة الأعراب الإجتماعية والثقافية

يعرف الأعرابي من لباسه وهيئته فيرتدي ما يعرف باشتغال الصَّمَّاءِ وهو أن يجلل الرجل جسده بثوبه وهذه تدعى شملة الأعراب بأكسيتهم وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا ويقولون : هو أن يشتمل ثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه وتعرف هذه( بالتشمير ) فإذا قلت اشتمل فلان الصَّمّاء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تُعرف بهذا الاسم، ويضع الأعرابي عصاه على رقتبه من ناحية الكتف ويمسك بطرفيها وكلتا يديه عندما يعتزم المسير(5)كما يرتدون النَّمِرة أيضا وهي بردة من صوف تلبسها الأَعراب وتعرف اليوم باسم( الفروة) وهي من جلود الخراف الصغيرة ، وفي حديث الحديبية قد لبسوا لك جلود النُّمور هو كناية عن شِدَّة الحقْد والغضب تشبيها بأخلاق النَّمر وشراسته ـ وفيه فجاءه قوم مجتابِي النِّمار كل شملةٍ مخطَّطة من مآزر الأعراب فهي نمرة وجمعُها نِمار كأنها أخذت من لون النّمرِ لما فيها من السَّواد والبَياض وهي من الصِّفات الغالبة أراد أنه جاءه قومٌ لابِسي أُزُرٍ مخطَّطة من صوف، لبُرْدَةُ كساء أسود مربع فيه صغر تلبسه الأعراب(6) أما البُرقع بفتح القاف وضمها فلنساء الأعراب وفـي نوادر الأَعراب اللغوية : الشُّكْبانُ: ثوبٌ يُعْقَدُ طَرَفاهُ من وراءِ الـحِقوينِ، والطَّرفان فـي الرأس، يحشُّ فـيه الـحشَّاش علـى الظهر، ويسَمى الـحالَ(7)وهنالك لحوف وهي ثياب من سيور تلبسه الأعراب أولادهم.

نصل في نتيجة هذا البحث التراثي الى حقيقة تاريخية هي وجوب التفريق بين العرب والاعراب ،وعدم الخلط بينهما فالعرب أمة قومية والأعراب جماعات جغرافية منهم العرب وغير العرب فهناك أعراب فارس وأعراب الحبشة و أعراب من العرب .
والله من وراء القصد

المراجع والهوامش

1- نشر ت في جريدة الشرق القطرية العدد/5698/ت 22-كانون الثاني( يناير ) 2004

2 - لسان العرب ج1 صفحة 586

3 - سنة 501الغزو مستمر – نعوم تشومسكي ت مي النبهان دار المدى دمشق1996

4 - المفردات في غريب القرآن1\328

5 - مختار الصحاح 1/ 155) و(1/238)

6 - مختار الصحاح1/19)

7 - لسان العرب1/506)


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى