الاثنين ١٩ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم حسن الشيخ

قدوم الصراصير

دخل الحمام و علق الفانوس الصغير على الجدار الطيني بيد مرتعشة، بينما راح برد الشتاء القارص يجول في عظامه الدقيقة، بجنون معربد .

تحسس ( طشت ) الماء البارد بإصبعه، ففكر في تأجيل اغتساله الى يوم آخر . لا يدري متى . ربما بعد شهر , او ربما بعد انقضاء الشتاء . إلا انه عندما زحف الصرصار متسلقا أصابع قدمه، لم يبعده . بل حدق إليه في صمت، و ظل جالسا على ( دكة ) الحمام بهدوء . راودته أفكار حمقاء و هو يرى هذا الصرصار الكسول يتسلق ساقه الهزيلة ببطي .

اغترف غرفة من الماء . رش بها جسده. فا نتفض كطير صغير قد بلله المطر . قطرات الماء استفزت اعضاءه , التي ماتت منذ سنين , بعد ان انهكها سأم الانتظار .

الحمام لا يدفئه بألواح بابه المهترئه ، و لا رائحته تستهويه ايضا . و للحضة احس انه يمشي يطير مع سرب من الطيور المهاجرة الى أقاصي الشمال . إلا انه ظل الطريق . فانفجر ضاحكا . ثم غضب , لما نفخت الريح من جديد داخل عظامه .

قال عبود الأول و هو يحتضن كرشه الصغيرة المرتجفة :

 لماذا لا أستطيع الوصول , رغم إصرار أقدامي على المسير .

فأجابه عبود الثاني ضاحكا :

 كفى غباء و انظر الى الصرصار الآخر الذي بدأ في الدنو منك . ألا تشعر بالتقزز و الندم !

التفت عبود الأول الى الخلف دون مبالاة و ردد :

 الندم .. و لماذا الندم . ماهي جريمتي ! ان الدرب طويل .. والمسيرة شائكة ..هذا كل ما هنالك .

تحرك صرصار آخر , و تسلق جسد عبود من الخلف , بينما وصل صرصاران الى البطن , و إستقرا هناك , يحركان قرونهما بخيلاء وتكبر . أما في الركن الأيمن من الحمام , فقد استعدت كتيبة من الصراصير , في البدء بهجوم جديد .

صاح عبود الثاني محذرا :

 عبود .. أبعد زحف الصراصير الدنيء عنك !

نظر الى الخارج من بين فجوات ألواح الباب الواسعة . ثم ألقي بجذعه على الجدار . فأجاب بهدوء :

 تعني تلك المخلوقات التي تحيط بي , وترقص رقصاتها الجنائزية على جسدي ! دعها تشعر بالأمان و الطمأنينة .

أراد عبود الأول أن يضيف أشياء أخرى , إلا انه لم يفعل . فكر في الفائدة من النحيب . الصمت هو الأجدى . بضعة أسابيع و يقبل الربيع , صرصار يحيى و آخر يموت . لا . لن يكابر في ظل شتاء قارص . و ليدفئ الصراصير الكسولة في صدره .

أدار رأسه حوله مفتشا على عبود الثاني فلم يجده . رفع يديه الى الأعلى ثم أنزلهما سريعا . فهمس في خوف الى نفسه . منذ زمن طويل، قد أعطيتهم لحمي , لكي يتدفئوا به . أما دمي , فهو رخيص كماء مستنقع آسن .

حرك الماء بيديه و هو ينصت لرياح المربعانية الباردة . وتسائل . لماذا تتكاثر الصراصير هنا؟! ثم تغزو مطبخي، غرفة نومي وتندس بين أغطيتي .. وبعدها تنطفئ الحواس جميعا فجأة . هكذا كمصابيح شوارع قريتنا !

تأكد مرة أخرى من برودة ماء ( الطشت ) . فقرر أخيرا ارتداء ملابسه . تطلع حوله باحثا عنها . لكنه لم يجدها . إلا انه لاحظ إن الصراصير ترتدي ملابس شبيهة بها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى