الجمعة ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم خالد خميس السحاتي

االمحفظة

كنت في ذلك اليوم أجلس كعادتي في المكتبة العامة منهمكا في قراءة أحد الكتب الأدبية المسلية والمشوقة في آن واحد .. وكان في المكتبة ثلاثة أشخاص فقط وأنا رابعهم .. بعد لحظات قليلة دخل علينا رجل تبدو عليه علامات الهيبة والوقار وجلس على الطاولة المجاورة لطاولتي .. كان يرتدي قبعة رمادية وقفازين أسودين ذكراني بقبعة وقفازي جدي رحمه الله ، مع أن قبعته كانت سوداء وقفازيه كانا رماديين .. فتح ذلك الرجل كتابا أمامه حاولت جاهدا أن أتبين عنوانه ولكن دون جدوى .. هطل المطر بعدها بغزارة .. توقف الرجل عن القراءة .. ونظر إلى النافذة متأملا من مكانه في تساقط حبات المطر على الزجاج ليرسم أشكالا بخطوط متوازية لا تلتقي مهما امتدت وطالت الطريق إلى حافة النافذة ... أخرج في هذه الأثناء علبة سجائر .. فاستغربت عندها إذ أن هذا الفعل يدل على أنه لم يأت للمكتبة من قبل .. سارع أمين المكتبة في التوجه نحو صاحب القبعة الرمادية قائلا له : ألا تعلم يا سيدي أن التدخين ممنوع هنا ؟ لاعفوا … سأطفئها حالا … لاحظت بعد ذلك أن الرجل بدا مضطربا كأنه من ذلك النوع من البشر الذين لا يستطيع الواحد منهم فعل أي عمل دون التكيف والتلذذ بتدخين السجائر .. أقفل الكتاب وارتدى قفازيه الأسودين الذين كان قد خلعهما.. وقام مسرعا ميمما وجهه صوب باب المكتبة ..و خرج دونما أي كلمة ..

رمقت كرسيه الذي كان يجلس عليه بنظرة بعد ذهابه بقليل فرأيت عليه شيئا غريبا قد حجب الكرسي المجاور له بقية شكله .. حملقت فيه من جديد ..فتبين لي أنه .. يا الهي إنها محفظة الرجل ويبدو أنها مليئة بالنقود ..ماذا أفعل الآن ؟! كيف أتصرف ؟هل أسلمها لأمين المكتبة ؟ أم …أم آخذها لنفسي ؟ ففيها حل لكل مشاكلي .. سأسدد بها ديوني وأشتري بها لأطفالي كل ما يرغبون به من ملابس و لعب وأقلام ملونة .. و لكن .. أعوذ بالله .. ما الذي يحدث لي ؟ كل ذلك لأنني رأيت تلك المحفظة اللعينة !! اضطربت .. ارتبكت .. بدوت مشدوها ..والعرق يتصبب مني كأني أركض مسرعا فارا من قبضة وحش كاسر .. مضى الوقت بسرعة وتلاحقت اللحظات في انصرامها .. ولم يبق في المكتبة سواي .. بعد أخذ ورد قررت أن أتحقق من المحفظة .. عندها وبدون سابق إنذار أطلقت المحفظة نغمات متتالية فأسرع أمين المكتبة ليسكت صوتها .. ثم قال لي : انه هاتف محمول نسيه الرجل الذي كان يجلس هنا !! أدركت عندها كم كنت عجولا جهولا .. سيء النوايا .. بل أيقنت مقدار الطمع و الخوف و الشك و العجلة التي تقبع في نفوسنا وتأبى أن تغادرنا مادامت أرواحنا في أجسادنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى