الخميس ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

مقطع من رواية كرة الثلج

بقلم : باهي صالح

مؤخرا عن دار الهدى للطباعة و النشر بعين مليلة - الجزائر - رواية كرة الثلج للكاتب باهي صالح و هي من الحجم الكبير و تستحق عناء القراءة و هذه بضعة سطور منها

بدأ اهتمامه ينصبّ على أحد الملتحقين الجدد، لفت انتباهه حسن خلقه و هدوء طبعه و سرعة تكيّفه مع محيطه، لطالما آمن أنّ الصّداقة شيء عظيم و مطلب إنسانيّ و أن ّحياة الرّجل بدون صديق كالزّهرة بلا رحيق و كالنّهار بلا شمس، لكم تمنّى تذوّق طعم الصّداقة، كم حلم بشخص يتحدّث إليه دون نفاق أو مواربة و لا تربطه به غير رابطة المودّة و التّفاهم بعيدا عن أيّ مصلحة أو غرض دنيوي زائل، ميثاقها الثّقة و نبضها التّناغم و الانسجام، شخص لا يخيفه و لا يخاف منه و مهما امتدّ العمر و توالت الأحداث المفرحة و المحزنة فإنّه دائما بقربه و إلى جانبه، لا يتخلّى عنه في السّراء و الضّراء، لا ينقطع عنه و لا يفارقه مهما حدث، لا ينساه و لا يتناساه مهما حصل، مخلص في الحضور و الغياب و عند الشّدّة لا يتردّد أحدهما في الذّود بنفسه و ماله عن صاحبه و من سبق منهما إلى القبر فإنّ الآخر يعيش على ذكراه و يصاحب أهله و أولاده و يخلص صحبتهم و من مات أوصى عائلته بصحبة صديقه و العناية بشؤونه و طلب أن يكون قبره إلى جوار قبره..

كانت هذه المعاني تملأ قلبه و يرنو إلى تذوّق طعمها و لعلّ من انصبّ عليه اهتمامه يكون الأنسب لترشيحه لصداقته؟ بعد التّفكير مليّا و الأخذ و الرّد مع نفسه و تقليب الأمر على كلّ الأوجه قرّر أن يبادر و يبذل البرهان على أهليّته و كفاءته..؟
بعد الدّوام و بعد أن رصد الهدف و أيقن أنّه متيسّر و متفرّغ اتّجه نحوه و حين اقترب مدّ يده مسلّما: السّلام عليكم، أظنّ أنّنا تعارفنا سابقا؟

بلى هذا صحيح..جابر..إه؟ ردّ نصير مصافحا و في صوته دفء و هدوء. استشعر جابر من صاحبه الرّزانة و الثّقة و قوّة الشّخصيّة، ليس تعاليا و تكبّرا لأنّه لا يأبه كثيرا بالأشخاص من حوله بل لأنّها طبيعته و تركيبته ممّا أكسبه موهبة متفرّدة في التّأثير و الإيحاء..

سبقت خروجهما إلى المقهى القريب زخّات مطريّة خفيفة بلّلت الطّرقات و انعكست عليها أضواء الشّوارع و السّيارات و المحلاّت الّتي لا زالت مفتوحة و تكسّرت عن مهرجان من ألوان الطّيف المتراقصة المتلألأة المبهجة للنّفس و العين و مواتية لجلسة مأمولة من الأنس و المودّة، كانت السّاعة قد تجاوزت السّادسة و النّصف مساء، طلبا كلاهما مشروبا غازيّا، تناولا مواضيع مختلفة ، كانت فرصة للتّعرّف و الاستئناس شعر جابر خلالها بأنّه وجد من يبحث عنه و عليه أن يتشبّث بلقيته بيديه و أسنانه؟

أخيرا وجد ما يكسر و يخفّف من ثقل الرّتابة و الملل الّلذان لازماه منذ توظيفه و ربّما ستعرف حياته منقلبا جديدا و طعما مختلفا، ما إن استلقى فوق سريره حتّى وضع نصب عينيه مقاربة جديدة.. رأى أنّ حياته معتمة فارغة و أنّ صداقة حميمة ستضيئها و تملأها، شابك يديه تحت رأسه ليحلم.. انسابت الخواطر و الأحلام الورديّة كجدول الرّبيع الرّقراق، حدّث نفسه بأشياء عن الصّداقة و الأمل و المستقبل، شيء ما في نصير يسحره و يجذبه كالمغنطيس، قوّة غامضة يشعر بانبعاثها من خلاله تأسره و تسلب منه إرادته، شيء يذوّبه و يحيله إنسانا آخر، حركاته، إيماءاته ، طريقة حديثه، قدرته على الإقناع، هدوءه، لا مبالاته بمن حوله، كلّها أشياء لمسها و أذهلته و لم تترك لديه شكّ في أنّه الإنسان المناسب لكي يتّخذه صديقا..؟

بقلم : باهي صالح

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى