الجمعة ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم هيثم جبار الشويلي

وصية الى زوجتي المنتظرة

في غرفة ينساب فيها خيط من الظلام ليحول الغرفة بعد ذلك الى ظلام دامس الظلمة في الغرفة العتمة تامة .... يتكئ على بقايا الاثاث الموجود في الغرفة ليشعل شمعة ، الشمعة بدورها تتكئ على منفضة السكائر ، وبقايا السكائر تملأ المنفضة ورمادها متساقط بكثافة على المنضدة وعلى أكوام من الاوراق التي تملأ المنضدة ، أوراق بيضاء وأخرى تالفة وممزقة .... وفي زاوية من زوايا المنضدة كأس ليس لشرب شيء ولكن تحشدت به مجاميع من الاقلام وكأس آخر للشراب ، تتوهج الشمعة لتبدد ذلك الظلام الدامس ولتقضي على خيوط الظلام المتبددة بخيوط انارة الشمعة ، يعلو الضوء رويداً رويدا وفي الركن المقابل للغرفة يبرز ظل كبيرُ له ، صوتٌ للفئران يتصاعد شيئاً فشيئا عند انارة الشمعة ، ويخفت بنطفائها … الاتربة تعشعش فوق الاثاث المقابل للمنضدة وفي الزاوية الاخرى من الغرفة رفوفٌ تعسكر مجموعة كبيرة من الكتب ، كتبٌ ومؤلفات كثيرة ومتنوعة في أسفل الرفوف ..كتب قديمة جداً وكان للفئران الحصة الكبرى فيها ، حيث تتقافز الفئران عليها او تحاول أن تتغذى من تلك المعلومات القيمة التي تحويها أغلب الكتب ، يمسكُ القلم بيده ليدون معلومات أو يكتب شيئاً ما … هذه المرة على غير عادته ، وظهر مختلفاً تماما عما كان عليه سابقاً ، حيث لم يحاول التمزيق أو اتلاف الورقة ليحولها بعد الى أكوام النفايات بل استقر هذه المرة على كتابة شيء ما ، حيث يمسك القلم بيده اليمنى واليد الاخرى كانت مسندة لذلك الرأس كثيف الشعر واللحية ، ينظر الى تلك الكلمات بعينيه الجاحظتين وكأنما يكتب بهما لا بالقلم ، بدأت افكاره بالاستقرار والوضوح وعلى ما يبدو لقد اتفق على شيء ما ، كتب بهذه الورقة وبالتحديد في أعلى الورقة “ وصية ٌ الى زوجتي” ودون بها ما يلي: الى زوجتي العزيزة لقد احببتك حباً كبيراً وقضينا معاً أجمل الايام ..حتى وصل بي ذلك الحب الى اتجاه عكسي بان لا أحب غيرك ِ ولن اتوسم بعدك ِ برؤية أيّ امرأة بعدك ِ ، لقد خلف فيّ ذلك الحب كرهٌ شديد لأيّ أمرأة أخرى أراها أو ألتقي بها ، لا أعلم هل هو قدري أم الاقدار هي التي شاءت ذلك ، لقد أصبحت أميل للعزلة والانزواء وراء ملذاتي التي يجسدها الحبر على الورق وقد بان في تخليدي في اغلب كتاباتي يومياً أنْ أكتب كل شيء ولكن في لحظة أخرى أمزق كل شيء ، حاولت أن أنسى كل شيء لكنني لم أقدر على فعل أي شيء ، حاولت أن ادون كل شيء وقد بان هذا في مذكراتي التي اسميتها “ مذكرات اثنين معاً “ حظيت مذكراتي بالقسم الاكبر من حياتنا معاً ولكني مزقتها بعد كل ذلك لأقضي على كل تلك الذكريات ذكريات جميلة ..وأيام أجمل من ذلك ، لكنني بدأت أسأم تلك الذكريات لانها بدأت تجعلني أعيش العزلة والوحدة لانني كرست كل وجداني لحبها ..لقد انقلب السحر على الساحر وبدأت أكرهُ كل شيء لانها وحدها تحتل عرش قلبي ، لكني سأفكر في أن أنزعها من قلبي ، لان القلب لكل جميل وليس فقط لزوجتي ، أريد بهذا أن أحب كل الناس ليس فقط زوجتي ، أريد أن أخرج من عزلتي ، أريد أن أرى العالم الخارجي ، أريد أن أرى النور ..جعلتني كالمشكاة التي تضم النور وبأستطاعتها أن تطفئ ذلك النور أو توقده حسبما تقتضيه هي لي ، فكرت يازوجتي العزيزة هذه المرة بأنني سأتحرر من سجنك لأرى كل شيء جميلاً من حولي ، أنا ذلك النور الذي سيخرج من مشكاتكي ليراه كل الناس ، انا ذلك النور الذي سيرى بعيون الناس لا بعيونك انت فقط ، لذا قررت يازوجتي العزيزة ان اتركك وارحل لانني قررت أن اجرب هذه المرة حبُ الجميع لا حبك ِ انت فقط فوداعاً لك ياعزيزتي ولكن ستبقين انت أول من أحببت وأنا على علم بأن لولاك ما عرفت طعماً للحب ، وداعاً اقولها لك مرة أخرى لكن تذكري بأنك لن تجدي رجلاً مثلي لان قلبي كان ملكك ِ والآن أصبح قلباً يتسع للجميع فحبي وتقديري لك والوداع هو ختام الوصية.

ضوء الشمس يخترق النافذة بكثافة ، ، بقايا الشمعة يملأ منفضة السكائر ، قطيعٌ من الفئران يملأ الغرفة ، وأغلبهن يتجمعن حول حزمة من الضوء التي تخترق الشق الطولي الموجود في جدار الغرفة ، والاخريات فوق المنضدة يداعبن يده التي اراد الكتابة بها ، رفع يده لتلك المداعبة على أمل أن يضعها على يد زوجته التي يريد أن يتركها لكنه أحس بهروبها منه وسط نشوة الاستيقاظ التي تسترق الصحوة منه لافاقته ليجد أن ما كانت تداعبه ليس زوجته ولكن ما كان يعتاد عليه من الفئران … الورقة حملت عبارات غير واضحة تماماً جاءت ممزوجة ببقايا النعاس المتراكم على جفون عينيه ليحول تلك الكتابات الى تضاريس فوق الورقة ...مزق الورقة ورماها فوق أكوام الورق المتناثر من بقايا كتاباته ، ولكنه سوف يدون تلك الوصية التي رآها في منامه الى زوجته المنتظرة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى