الثلاثاء ١ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم مروة كريديه

الفكر في عصر الفيديو كليب

مؤتمرات و كرنفالات إعلانية و توصيات مباركة

لا يكاد يمرّ على الفرد منّا يوم، دون أن يُدعى لمؤتمر يُعقَدُ هُنا وموسم ثقافي هناك ، ينهال علينا المثقفين من خلاله , بوابل من المقالات والكتب والتحليلات والطروحات الفكرية واللافكرية , حتى أمست عروضهم الكلامية اليومية, شأنها شأن الحالة الفنية، وحال " الفيديو كليب " في الفضائيات التي تكاثرت في عصر اختزال الانسان الذي أمسى عاريًّا عن الروح، ولا يُشكل سوى رقمًا من أرقام المستهلكين المدرجين على قائمة الاقتصاد العالمي .

ذلك أن الفن هو احد مفردات الثقافة في المجتمعات الإنسانية, ولا يمكن أن ننعت معظم الفن الحالي "بالهابط " ونقدس المثقف ونصفه "بالراقي" ونهلل للعالِم ب "الفاضل"، فالبنية الثقافية كلّ متكامل, والفن وغيره من الممارسات المجتمعية, تدخل ضمن البُنى الانتربولوجية لمجتمع الكائن البشري شئنا أم أبينا , و تعكس صورته والمخيل المجتمعي الذي يحكمه، فعندما تشهد حضارة ما أزمة على مستوى معين فإن الأزمة تطال سائر المفردات الاخرى المكونة للحضارة .

ولست هنا في مقام الانتقاد من أجل الانتقاص، فالكل يسعى مشكورًا ، غير أن الفوضى الفكرية والغابة الاعلامية وأتون الاعلان في عصر المعلومة، يتطلب منّا أن نقف ونتروّى وننقد ذواتنا الفكرية وحالتنا الثقافية والفكرية والاعلامية في لحظتنا الحضارية الحرجة .

ويدخل علينا السادة المفكرون إلى الكرنفالات الثقافية التي اتفقوا أن يسموها "مؤتمرات", بأوراق بحثية يمطروننا بها, وبسيل عارم من المفاهيم المتنافرة والمتناقضة والمتناحرة و المُخَلّطة و الخليطة والمهجنة والمدجّنة والمولّدة ( ولا عيب في ذلك ), هذا عَدا الُمتَرجم والمنسوخ والمَسلوخ والمسروق , شأن هذه السلع الفكريّة شأن بقية السلع التجارية وغير التجارية التي أغرقت مستهلكي هذا العصر بكثرتها كمًّا وكيفا ومضمونا و أسلوبا؛و نخرج من هذه "المؤتمرات العظيمة " كالسكارى الخارجين من "نادي ليلي" عند انبلاج الفجر لا نعي شيئًا , مما طُرح وانْطرح حيث يعقب هذه الاحتفالات الفكرية والعروض " المؤدلجة " , ما يعرف ب "التوصيات " التي تقدم للحضور الكريم على "أنها نصوص "مقدسة " , هي " الحلول " الناجحة والناجعة " لأزماتنا الفكرية , وإنقاذ فريد من نوعه لثقافة البشرية بأسرها .

عادة ما تدخل هذه التوصيات الكريمة " المباركة " أدراج المكاتب في الوزارات الفخمة وتؤرشف في مكانز الأنظمة الالكترونية المتطورة غير انه و"الحمد لله القدير " لا ترى النور في معظم الأحيان على أرض الواقع .

يرافق كل هذه الوقائع " ضجة إعلامية " صاخبة ناحبة , فتنعجق الشاشات , وتحشر المقالات حشرا وتكثر" المقابلات " واللقاءات الجانبية التي تشبه "الرقص الثنائي " على قرع الطبول .

وغالبا ما كان يمارس المثقف دورًا نخبويًّا فوقيًّا في المراحل السابقة، واليوم مع عصر الصورة أصبح الاعلامي"الميديائي" هو الذي يعمد إلى ممارسة هذا الدور الذي مارسه المثقف النخبوي قبله؛ فيعمل الميديائي على تسويق الافكار التي يراها هو أنها الأفضل، أو أنه يكون ملزمًا بتوجيهات وسياسية المؤسسة الاعلامية التي يعمل بها، والتي غالبًا ما تكون خاضعة لسوق الاعلانات او لسلطة أصحاب رؤوس الاموال ، الامر الذي يجعلنا نضع الكثير من علامات الاستفهام حول حيادية العمل الميديائي او حيادية المؤسسات الاعلامية او حتى حيادية الفكر المطروح .

وفي ظلّ تلك الظروف يجد الفرد نفسه داخل سوق فيه، من كل ما هبَّ ودبَّ وعَرج , وكُلٌّ يُسوّق لفكرته وأفكاره عبر وسائل الاتصال والإعلام المتاحة والمباحة ......ويقدم لنا إبداعاته " الفكرية على أنها حلول ناجعة " فريدة من نوعها " ...
الامر الذي يحتم علينا الخوض في مسألة جدوى انعقاد المؤتمرات ، فالمؤتمرات مهمة جدّا ولكنها أصبحت في بلادنا بديلا عن البحث العلمي الجاد وورش العمل المنتجة ، فنحن لا نحتاج المعلومة بقدر احتياجنا الى اعداد الكوادر كلّ في مجال تخصصه، مع العلم أن هناك الكثير من المبدعين القادرين على التعاون ولكنهم بحاجة إلى توظيف ابداعاتهم الفكرية والعلمية من خلال مراكز بحثية جادّة ، والقرار في ذلك لا يكون علميًّا أو ثقافيًّا فحسب بل ولكنه قرارًا سياسيًّا قبل كلّ شيئ .

فمن الأجدى ان تتحول المؤتمرات من مجرد عروض بطلها "المثقف" أو الميديائي , الى بيئة خصبة للحوار تفتح آفاق المعنى و تساهم في تشكيل مساحات جديدة للمعرفة فيكون دور المثقف فيها وَسيطًا وسطيًّا بين المعرفة والسلطة, فيعمل على الإسهام في عقلنة السياسات والممارسات .. وتوظيف الابداعات من خلال مراكز الدراسات والابحاث العلمية منها والفكرية ، بحيث تنطلق القدرات الفكرية القادرة على التجديد الخلاّق في عالم المفاهيم واحداث تطوّر مجال التطبيق .

مؤتمرات و كرنفالات إعلانية و توصيات مباركة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى