الاثنين ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم أحمد سعد الدين أبورحاب

أنشودة البجعة

أحمد سعد الدين أبورحاب

( 1 )

تأتلق الأرواح

تتندّى

تتذهّب فى أضواء الموكب

تتلفّع بشعاع السفر الأزليْ ..

بحداء الرحلة للآفاق الغامضة المجهولة

السفر اليوميْ

للشمس الغاربة ، الغائصة الى اعماق البحر كيانا مشتعلا .. عاصفة من أضواءٍ تتبرقش فوق سحاباتٍ تسرى فى صَلَف
وهدوءٍ .. غطرسةً لونية

تستوعب عيناي الكون بدهشة

يتبعثر قلبى إرَباً وشظايا

أفرح بالنور المتراقص فى بؤرة ح

أحداق الكوْن

بالفجر المسحور

وبزقزقة يهمسها العصفور الى العصفور

بحكايا عن ست الحسن ، يناوئها الكره ويحميها الحب

شِعرى فى الغابات غصونا

فى الصحراء نخيلا

فى البحر سفينة

فى القلب حلاوةْ

وشوشة الموج نزيفٌ من ألحانٍ ناعمةٍ تصفق فى شوقٍ عارمْ

تجذبنى أطيافٌ وخيالاتٌ غامضةٌ لفتاةٍ لا أعرفها
تملؤنى عيناها بالحزنِ ، وشفتاها بالرغبة
أرسُمُها بقصيدة شعرٍ ، بغناءٍ بكرٍ ، بدموعٍ ساذَجةٍ حرّى
أدفنها فى أعماق القلب
منكسرا مندهشا متروكا استغرق فى النوم
 
( 2 )
 
للصمت حديث
فى قبلة عاشق
فى رعشة أم ثكلى
فى الرغبة
فى نظرات الطفل الجائع
فى ضوء البدر النعسان
فى ليل الحيران

نبرات غامضة تنشر فى الأعماق كثيرا من حزن ، وكثيرا من خوف ، وقليلا من فرحة

للطير حديث
من يرسم للأجنحة الواهنة طريقا للحرية ؟
من يتركنى أسبح وأرفرف كي أنفذ من خلل الأبدية ؟
من يطعمنى حبة قمح ؟
 
للنجم حديث
من يرسم للنور دروبا للتنوير ؟
 
للدمع حديث
للوطن المسلوب حديث
للقلب المهجور حديث
 
من يمنحنى حق العيش ؟
 
لن ينفعنى الدمعُ ولن ينفعنى البوحُ ولن ينفعنى الحبْ
لن ينفعنى الشِعرْ
للموت حديث

( 3 )

أمواج النيل الفضي تهسهس ببراءة
أدنو وأبلل أقدامى
واصفّق مسرورا ببراءة
تصطفق الأمواج برقة
تقفز سمكة
تطفر روحى فى بهجة
أرقص
أشدو
أبكى
ببراءة
 
( 4 )
 
أهواكِ
لا أرضى فى الكون سواكِ
لا أعشق إلاكِ
وفداكِ
ما كان وما سيكونْ
 
قلبى عصفورٌ يتخبط فى قفص الحب
قلبى أتعسُ قلب
يشرب من عينيك كئوساً لاذعةً ومريرةْ
تشنقه فوق غصون الشجرةْ
نظرةْ
وضفيرةْ
قلبى فردٌ من أسراكِ
أهواكِ
 
( 5 )

العمرُ الذاهبُ

ينفض عنى أحلاماً مطوية

ينفض عنى أفكاراً .. فلسفةً كاذبةً .. أطماعاً منسية

وعلى شاطئ بحر يتستر بضباب الفجر

أتحسس جدران الدنيا

وأريق شراب الذكرى فوق ترابٍ مغمورٍ بالأوجاع وبالآثام وبعض دماء

أرسل شِعراً يتلولب تحت لحاء الأدواح وفى المنحنيات ظلالا يصنعها الضوءُ الهاربُ من آخر قنديلٍ فى الشارع ، آخر
ضوءٍ فى الشرفاتْ

تتسكع أحزانى فوق دروب تصفعها أقدامُ العشاقِ وأقدامُ لصوص الليل وحافرُ عفريت الظلماتْ

العمرُ الذاهبُ ينفذ من أعقاب الأبواب كعطرٍ يتتبعُ سيدةً راقصةَ الخطواتْ

يسكن بوجومٍ بين فروع الأشجارْ
يرقبُ .. يتعجبُ .. يتناسى
ترتسم على الجدران علامات وخيالات وحكاياتْ
صخب الأرجاء .. لهاث الأمواتْ
أشباح القتلى وأنين المظلومين ودمع ثكالى الوطن المغدورْ
أفراح الشهداءْ
العمر الذاهب يبسمُ فى صمتٍ ، ويهزّ الرأسَ بحكمةْْ
 
( 6 )
 
تحت الشرفةْ
بين شجيرات الورد ( تجرّح كفيه الأشواك )
يجثم مهدود الخفقة
تنظر بنتٌ بضفائر
يرقب فى صمت
تصرخ لا أحد هنالك يا أمى
تقذف قبلة
يمضى كسرات

طيف صبايا .. يبسم للأم الجالسة جوار الموقد تحكى فى شغف قصصا قالتها عشرات المرات وتحيك دثارا أزرق .. ترفو جورب

تنهض متأوهة من مرض فى ركبتها وتعود بفنجال القهوة .. تشرب

يبدو الصمت دفيئا ولذيذا

يغفو الولد ويحلم
صمت فاغم
مرج منبسط ترعى فيه بقرات
لا اسمع غير تنهد نسمات
وطنين ذباب يرقص فى دفء الشمس
نبضات فؤادى
نحلة
زهرات وفراشة
يبكى مولودٌ .. تصرخ ثكلى
صمت مبهم
 
تحت الشرفة
ساعات تتثاقل
لبلابٌ يصّاعد فى شوقٍٍ ، لا يفتح أحدٌ شباك الأحلام
؛أ
 
( 7 )
 
ينتصب العالمُ فى قلب التيه بلا ظل
يتأمل بالأجفان الصخرية قلباً يأكله الحزن
روحاً فى أسر الحيْرةْ
دمعاً أحمرْ
 
غرفةْ
بعض مقاعد وأريكة
وستائر حمراء
وبساط أصفر
يتمطى قطٌ بجوار الموقد
وأبى يبسم فى صمت متأمِلْ
يسمع من مذياعٍ من خشبٍ بنيٍ محروقْ
بينى فى الحب وبينك مالا يقدر واش يفسده

شاطىء بحر

موج .. صخر

تغرَق أيامى وحنينى وبكائى الساذج وقصيدى الأول وغنائى الناعب فى ليل النجوى .. يغرق عمرى المبذول وحلمى
المتروك وبلدى المسلوبْ

كلب يعوى

طير يهوى

وسماء تتلبدْ

وقع الأقدام على الدرب الصخرى يردد نغماً ما

العمر الذاهب يسرى ممروراً فى درب الرُجعى

ينعَى

ينضو عن جسد الأيام رداء الزيف ، غطاء الخوف .. يغنى للصمت ، يعيش بلا حلم .. يذوى .. يفنى .. يتسرب .. يغدو أوهاماً .. أشباحاً .. أطيافاً .. أحلاماً، يبعث آخر صيحة شعرٍ ، آخر نفثة حبٍ ، آخر شجوٍ ، آخر بسمة طفلٍ ، ويغيب يغيب يغيب يغيب بلا ظلْ

( 8 )

تشتجر خيالات الشبق بصورة بنت منبهمة

لا أذكرها

أختى فوق فراش أبيض تشكو تتشبث كفاها بأصابع أمى .. أمى تبكى .. أختى تغمض عينيها وتموتْ

أمشى فوق بساط من ورق الشجر المسّاقطْ
كأسٌ تطفح هماً وخيالات مكتئبة
يفترش ضجيجُ الكون رصيف الشارع
تمرض أمى
وأبى
اتسمّع .. لا أسمع شيئاً
أمى تنظر نحوى فى حزنٍ ، وتموتْ ..
وأبى يتساءل عماذا يكون مصيرى ، ويموتْ ..
لا شىء سوى صمت الأيام المنطفئة
لا شىء سوى أعمار الناس الذابلة التائهة الحيرى
لا شىء سوى شِعرى الباكى
لا شىء سوى وطنى الضائع فى كون أحمق
لا شىء سوى حلمى الدامع
لا شىء
لا شىء
 
( 9 )
 
بلدى جُميْزة
زيتونة
رقصة دبكة
أغنية وقصيدة
بلدى دمع الشهداء
والغيطان المنتهكة
بلدى عصفورة
مظلومة
بلدى أغنية شاردة
ووحيدة
 
بلدى
مرح شقيقاتى ..
بلدى تحنان أبى ..
بلدى أمى .. وأخى ..
بلدى مدرستى .. شارعنا .. منزلنا .. وصديقى .. استاذى .. بلدى لغتى العربية
بلدى .. حبى الضائع .. حلمى الغائب ..
بلدى أشواقى وقصيدى
بلدى
بلدى
قلبى يأكله سفاح مجنون
بلدى قلبى
 
( 10 )
 
والآن ؟
يجدر أن نذهب للموت بصمت مملوء بالغيظ لأنا لم نفعلْ شيئاً
أو بالأحرى لم نفعلْ شيئاً يُذكرْ
سُدّت كل دروبى , وانبهمت كل نهايات الأشياء
لم يبق سوى المجهول
فلنذهب
بشجاعةْ
لا تأس على ما فات
لا تبك على خطط باءت بالفشل وبالإخفاقْ
أوهنها اليأسُ ، وبددها الإرهاقْ
لا تبحث عن شىء
ليس هناك مكان آخر
ليس هناك طريق أخرى
ليس هناك بحار تفضى لشطوط أخرى
لم يبق سوى المجهول
فلنذهب
فلنذهب
بشجاعة
ووداعة
وبراءةْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى