الثلاثاء ٢٢ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم حبيب فارس

ثلاث صرخاتٍ خرساءْ

زكام الأرواح

عندما تصابُ الأرواحُ بالزّكامْ
تغدو عاجزةً عن الغناءْ ،
عن العزف على قيثارة الحُبِ ،
عن مداعبة جميل الكلامْ ،
لا نوافير السماءِ ترويها
ولا عبق الأرض يداويها ،
لا عناق حبيبٍ يُفرحها
ولا بسمة طفل ترضيها ،
لا برْدُ الجنوب يشفيها
ولا دفءُ الشمالْ
***
في ضيعته الجديدة
يتفشّى الزّكامْ ،
ينعدمُ الأمانْ ،
نِصْفهُ يعرفُ أنها سليبة
ونصفه الآخر مثلها سليبٌ ،
فوق تلك الرّابية الخضراء
انعقدت يوماً مراسم الأحلامْ ،
وفوقها اليومَ
حلّت الأغنامْ
ومراعيها
***
يبتهلُ لجفونه أن تحمي وجنتيه
من البَرَدِ الحارّ
الهاطل على الدّوامْ ،
فلا أخاديدها عادتْ تتسعُ
لسيولهِ
ولا نار براكينهِ ترحمُ
المسامْ ...
في ضيعته الجديدة
للقطط مآويها
وللكلاب مصحّاتها
ومشافيها
والناس فيها
أرقامٌ ...
مجرّد أرقامْ
 
***

هروبٌ نحو الذاتْ

من ذاته يهرب إلى ذاته ‘

في عتمتِها القاتمة يختفي ظلّهُ

خلف شجرة متصخّرة في واديها العميقْ ،

يختبىء من جيوش الندّابة براياتهم السوداءْ ،

يلتحف الصّمت الدافىء على شَخيرِ عشّ أخرسٍ ،

على موسيقى السّكون يراقص النّجوم المقنّعة بالغيومْ ،

تستريح ذاكرته عند أول مفرق باتجاه النّسيان العظيمْ ،

يستسلم الطاغوتُ الذي لا يفارقهُ أمام أول صيحة ديك ممعوط ،

تنام الأعشاب بعد أن تنسى يباسها ويجفّ العرق عندما يفقدُ حاسّة الّلمسْ ،

يشتمّ رائحة حياة مستحمّة لتوه بمساحيق وَأدِ الأرقْ ،

يلتقطـُ لسان أفعى بلعتْ سُمّها ويلامس معصمه عقربٌ لم يتعلّم اللّسْعْ ،

تتناوب عليّه نوبات برْدٍ دافئة وحرارة باردة

قبل أن يستفيق الطّاغوتُ من جديدْ .

***

منام
 
في المنامِ
رأى الجبلَ الجاثم
فوقَ قلبه
جزيرةً لا تعرف
الحُبْ
***
والصخرة المتدحرجة
على خدّه
قالت: " أنا فيءُ
شجرة البلّوط
الذي إستَقََلتَ منه ،
تَصخّرَ بعدما اخْتَطَفتَ
شمسنا
راكباً أجنحتها
باتجاه التَجَمّد ...
***
مذّاكَ قالت الصخرة:
"أصابتنا ظلمة أبدية
واكتئاب مزمنٌ
حادّ"
***
وفي المنام
جالس على مقعدٍ خشبي
في حديقة عامّة
يعبَثُ بوريقات زهرةٍ برّية
إنتصبَ أمامهُ عجوزٌ أبيضٌ
عرّف عن نفسه بأنه التاريخْ
نتفَ شعرةً فضّية من لحيتهِ الكثّة:
"كل منجزات غرباء الكون
لا تساويها":
قالْ .
***
أمطرته السماءُ الصّافية
بحزن يشبهُ الإختناقْ ،
إلتفتَ جانباً
لألتقاط بعض أنفاسهِ ،
إذا بقبيلة نمل خارجة للتموّنْ ،
أفرادها متماثلونْ
بنيّونْ ،
يتدافعونَ بجنونْ
في كل اتّجاه ،
قالت شيختُها:
"هذه أبجديتك
الجديدة".
***
مشتعل الرأسِ
هرع ليتفقّد أبجديتهُ ،
"جملة أو جملتين
قبل إضرابي المفتوح":
إشترط القلمْ .
"سأعودُ إلى شجرة البلّوط ،
سأعودُ
على جناح الشمس
التي اخْتَطفْتُها
سأعودْ".
قال: "عُد"
ثم نشِفْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى