الخميس ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم حبيب فارس

عزاءٌ للنّفس ، من نوع آخر

إليكِ... إليَّ...إليها

عفوكِ فراشتي الجميلة لإنفجارات بعض روحي الهائمة داخل سجنها داكن الظلمة. لا تسألي لماذا تختارك جراحي في أسفارها نحو البلسمة . فأنا لا سلطة لي على خياراتها . لعلَها تشتمّ من بعيد دفء المكان ، أو ربّما تمتّعت بحاسّة سابعة تهديها الى العواصف الإنسانية الموصوفة من الحكماء لتهدئة الأرواح الهائجة . ربّما أسررتِ لنفسِك عجزاً عن المطلوب وشكّاً في القدرة التي مُنِحَت لها من قبل الجرحى ، واعتقدتِ أن خللاً ما وضعك في مرتبة الأطبّاء .

لا تستطردي كثيرا سيدتي ، فالأرواح الضائعة لا تفتقد صوابها تماماً . لا أخفي سرّا عنك ، فأسفاري الصائبة وعثراتي على حد سواء ، لها نفس البوصلة . لا أدري ما إذا كان ذلك حسن أو سوء حظ . إن بوصلتي سيدتي تتجه دائما نحو المتناقضات، لقد عَشِقتها بالفطرة ، تمسَّكت بها ولا تزال . لستُ أدري لماذا اهتدت اليك بهذه السرعة ولماذا آثرت منذ اهتدائها اليك ألاّ تبارحك أبداً . المتناقضات ، أكاد أجزم بأنه سرّ رحيلي إليك حتى وأنت بعيدة .

أراك عزيزتي ، مثلي ، خيمة طرّزتها أنامل المسافرين من كلّ وإلى كلّ صوب ، أنامل بنعومة زغب الزغاليل وخشونة أحجار الصوّان ، من خيوط الشمس ، الأرض والنّجوم المتناغمة وغير المتناغة ، بعد أن بللّتها بعرق الصّباح ، دموع الصبايا الخائبات ومياه الورد والنعناع ، ثم وضّبتها بأنفاس العاشقين وآهات الحائرين . خيمة زاهية الأشعة والألوان ، وسط صحراء اللاّمكان واللاّزمان ، تستضيف العابرين نحو شواطىء اللاّ أمان . لا تسأليني كيف أرى فيك الطّفلة الضّاحكة الحابية وسط الأوهام والأم الرصينة المرضعة لكهل أمضى عمره يبحث عن الحنان . لا تسأليني كيف أراك تستطيعين الجمع بين الهويّة واللاّإنتماء ، الإنتماء واللاّهوية . لا تسأليني لماذا أجدك قد اختصرت كلّ الحضارات في شخص واحد يعجز عن العثور على حضارة تأويه .

رفيقة الروح ، عندما تركب أحزاني أجنحة النسيم لتسافر إليك إنّما هي تفعل ذلك هربا من نفسها إلى نفسها . عندما تنتفض أوجاعي من بين مخالب اللاّحلم لتلتقيك إنّما هي تبحث عن وحدتها في مرافىء وحدتك . لقد توقّفتُ منذ زمنٍ عن مساءلة النفس عن معنى المغناطيس النوعي الذي يستطيع فقط الجذب والإنجذاب نحو شبيهه . فمثلما أشياء كثيرة في هذا الكون لا تجد تفسيراً ماديا لها كلهيب النار وقدرة الجاذبية ، لا تفسير مادّي أيضا لهذا النوع من انجذاب الأرواح ، الجراح ، الأحزان والأوجاع بعضها للبعض الآخر .

عفوك سيدتي إن أخذتْكِ "هرطقاتي" على حين غرّة . فأنا وإن وجدت نفسي فيك أريد لك أن تجدي نفسك فيّ ولو من خلال "هرطقات" كلامية لا تعدو عن كونها مختصراً لهواء النفس الحزينة التي لم تعد تأبه بالكلام المدروس لشدّة ما تمعّنت في دراسة الكلام . إننا عندما نلجأ الى الشّعر الذي يستحسنون تسميته بـ"الهرطقة" إنما نفعل ذلك تلقائيا وكأن لسان حالنا يقول لهم "تعيثون في الأرض فساداً لأنكم غير شعراء ولا تفقهون كلام الشعراء".

سيدتي الملكة ، لا تيأسي ، ظلّي كما أنت في مملكتك النحليّة تمتصّين بحبك العظيم أريح الأزهار بلا كلل وتلقّحين بريقك الطيب براعم الثمار بلا تعب لتطعمي جائعي البطون وخاوييّ الأرواح الى أن تُسلمي النفس مطمئِنّتِها وإن أسلموها غير مطمئنين . فغداً ستلْتحقُ أرواحنا بالعالم الفسيح لمن سبقونا من الشعراء المعذّبين ، نرسم وإياهم لوحة أجملَ لهذا العالم الضيق الكئيب. وإلى حينه دعيني دائما ألملمُ من على وجنتيك الورديتين قطرات ندى حارّة حوّلوها من دموع فرح الى سحب حزن ، لربّما أشحذكِ بسمة وبعضاً من قوة تساعدك في إكمال الرسالة . دعيني أغوص في أعماق محيط عينيك الجميل لأصل الى قعر نفسي علّني أجد تلك السّمكة الصغيرة الطيبة التي اختطفوها مني على غفلة من الزمن . سأضمّها الى صدري بشدّة ، أقبّلها بأحرّ ما استطاعته شفتي وأودّعها من جديد قائلا : "لقد فهمت الرسالة فأنت ما زلت حيّة حبيبتي!".

فراشتي الجميلة ... طمئنيني عنك دائما ... طمئنيني عنها ... طمئنيها عنّي ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى