الخميس ٣١ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم جميل نصر الله

من مذكرات لقيطة

قُتل السيّد إحساس وحَرَمه السيدة مشاعر ، وجدتُ نفسي في زوبَعة اللاّ إحساس ، اللاّ احترام.
لماذا ،، كيفْ،،متى ،، لا أدري..!
ولكني أتذكّرُ نهوضي يوما من فراشي الحقير ، بصَوْت يناديني: " استيقِظي يا بنت ألـ..."
حينها أدركتُ الحال،، واستَوْعبتُ أنني أصبحتُ خادمة في بيت سيدة تلاشتْ منها صِفات الرّحمة
وأشكال الأنوثة ...سيدة،، نعم إنها سيدة اللاّ إحساس اللاّ ضَمير.

خَضعتُ لحُكمها وسلطنتِها ثم صبرتْ ،، رأيت الدجَن في عينيّ كل صَباح ،،
رحلتْ!، إلى أينْ ،، لا أدري،
مَن أنا ؟ ابنة من ؟ ،،عذرا والداي ، لا وقتَ للعتاب،،
الناسُ ينظرونَ إليّ ،، تحولتْ كلماتُ السّلام إلى مصطلحٍ ينطلق من أفواهِهِم ,,
يشقّ أنوثتي : "لقيطة ،، لقيطة ..."
ضغائِن تنبتُ على رؤوسِهم الوثيرة ،،تَملّكني الرّعب بين ذئابِ النهار ،،
ابحث عن جواب لمعاناتي ، لا، لا بل أجوِبة ،،
سَبَر غَوري الموت ، نعم الموت ولمَ لا ؟
سأضعُ هذا الخيار جانباً لعلها ساحرة السندريلا تظهر مرةً أخرى ،، ولكن لمن تظهر للقيطة؟!
أيّ ذنبٍ اقترفتْ يَداي ،،.

أمضي وبصُحبتي قُبعتي البنفسَجيّة ،،
ثيابُ الرثّة وقبعة بنفسجية ،،
ابتعدت قدماي إلى زحامٍ،،
هذا وذاك ينظر إلي ، وينعتونني باللقيطة ، لا أهاب هذه الكلمة، فلتنبح الكلاب ،،
تسفرُ الشمسُ بالرحيل ، أتضوّر جوعاً، بل تعباً، بل نعاساً،،
ابحث عن عتبة القي بجسدي اليتيم على صدرها ، لربما يتيم ،،
يمر عجوز بلحية بيضاء، يمسك بفتات خبز ويلتهِمه كأنه اللحم المشويّ، اقتربتُ إليه ممغنَطة الجوعِ،ولكنّه لم يأبَه لي قائلاً :"ما أطيبه ...همممم "وسار في دربِه...
تأكدتُ حينها أنني أحيى ببلادِ اللاّ إحساس .

سَقَطتْ رمادية من السماء تغطي أطرافه، وبدأ المطرُ يذيبُ قبعتي شيئا فشيء ،،
أرتجفُ برداً ثم أرتَوي صقيعاً ,, أصرُخْ!! هلْ مِن مجيب ؟ ...لا،،
أبكي ثم أبكي ، تغرق دموعي بالغيث ، ويتلاشى بكائي.
قادتني قدماي المتخشِّبة إلى بيتٍ أو بالأحرى شبه بيت ،
بجانبه حظيرة حِمار صغيره وكومة قشْ ،إنها معجزة! ، أًلقيتُ بجسدي المُزرَورَقْ عليها ،
سريرٌ لليلة واحدة ، وما لبثت أن امتطيت الكومة حتى جرّني من شعري ذلك الرجل وقال لي
"سريرٌ جميل ودافئ لكِ لليلة واحدة مقابل ...! إجابتي له كانت":الهوان أرحَم"
أقسمت حينها أنني في وجار الذئاب ، هربتْ .

شعرتُ بسكين تُزرَع في خاصِرتي ، يتبعها خِنجر في معدتي ، يداي زرقاوان،
أصبحَ جسدي رماداً ،والرمادية تُكرِم بجودها وكأنها غيمة تركت العالم وتربّعتْ مستريحة فوق رأسي ،
استنجدتُ بشجرةِ كانت تعشقها الأوراق في الصيف ، ولكن كيف وأنا ابحث عن الأوراق أجدُها؟!
لم استطِع الحركة، ألقيتُ بجسدي بشكل لا إرادي تحت تلك اليابسة ،
وإذا بدوي صوت يناديني من بعيد : :"أين هربتِ يا لقيطة يا بنت الـ..."

كيف سُحِبتُ من شعْري على يدِ تلك عديمةُ الرحمة لا ادري ، عُدتُ أدراجي لتستوطنني
باللاّ إحساسْ،، ولكن سيأتي اليوم الذي تقتلعُ فيه تلك اللقيطة الخزامة من أنفِ سيدتها
لتجد نفسها لقيطةٌ طليقة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى