الأربعاء ٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

ثقافة التسويق وثقافة التسويغ

تمارس الثقافة التغريبية سلطتها الحداثية المبهرة على المثقف العربي ،وثقافته ، فهو يلتهم مقولاتها انطلاقاً من مقولة كونية المعرفة، فيتعامل معها على أنها منظومة معرفية ،وبغض النظر عن جوانبها الحضارية والإيديولوجية فهو يتماها مع هذه الجوانب ويعكف على ترديد مفرداتها عبر الترجمة فيمثل على حد تعبير عبد الإله بلقزيز ( حالة انفعالية استسلامية أمام سلطة الحداثة الثقافية الغربية ) فيلجأ إلى تسويق هذا الانفعال باستكناه الموروث العربي الإسلامي ،وتجاهل المساءلة النقدية التي تتيح له إنتاج مقالة معرفية أكثر توازناً حول الثقافة العربية، كون الثقافة محكومة بقانون التراكم والمثقف مدعو للنهل من هذا التراكم المعرفي وكما هي محكومة أيضاً بقانون الاختلافية فالثقافة مختلف عليها .

ويشترط د . جابر عصفور على قانون الاختلافية ( تبدل واختفاء البطريركية المركزية للثقافة العربية ، تلك التي تعيق الحوار المفتوح وتؤدي إلى اتساع رقعة المسكوت عنه في الخطاب العربي ) تلك البطريركية التي أسميها سلطة الأقلام الكاريزمية المهددة بالانهزام أمام النشء الواعد ،ولا نختلف هنا مع مقولة الدكتور معن بشور بأزمة المثقف الذاتية التي قادته إلى التحوّل والسلبيّة لإحساسه بالتفوق فعكف على ترديد المقولات، وواظب على اجترارها من جهة وتسويق مقولات الثقافة الغربية من جهة أخرى دون أيّة التفاتة إلى أطرها الأيديولوجية الهدّامة ، ولكم تبدو هذه الحكمة صحيحة ( إن الفكر يتراجع إذا أخذ كل شيء من الفكر الآخر )

والتغريبية العربية تدعو من حيث تدري أو لا تدري إلى هذا النوع من الأخذ من الآخرعلى أنّه أخذ استلابي غير متكافئ وغير متوازن ،وهو ما سمي في الخطاب الثقافي العربي بالغزو الثقافي ودعاته للأسف من أدعياء الثقافة العربية، وليس من أساطين الثقافة الغربية كما يعتقد ويثارإن الغرب لا يغزونا والثقافة لا تملك القدرة على الغزو بذاتها إن لم تتوفر شروط الغزو وأرضه الخصبة ومستعمراته – إن صح التعبير- فمثقفو التغريب يشكلون هذه المستعمرات والركائز، وإن اللاتكافؤ هنا يعني عدم قدرة هذه الكاريزما الانبهارية على العطاء بقدر مقدرتها على الاستلاب فكثير من المنبهرين والمشوشين من كتابنا يلجؤون إلى تجميل كتاباتهم وتسويقها بالمزيد من أسماء أدباء وفلاسفة وكتاب غربيين حتى لو كان بعضهم لم يكن له قيمة فكرية أو فضل تدين له الإنسانية حتى يكون التوظيف مسوّغاً تحت عنوان كونية المعرفة كما يزعمون ويستبعد الاسم المقابل لكونه (محلياً )

أعتقد أن هذه الانبهارية وهؤلاء الانبهاريون هم الذين استجلبوا الغرب ذات يوم كاستعمار على الأرض،وهم الذين سيجلبونه كاستعمار على الثقافة ،ولا أنطلق من هذه المقولة من عقدة انكفائية بقدر ما هي دعوة تكافؤية قوامها الالتزام بأهداف الثقافة في :التنوير ،والتطوير، والإبداع، والتنمية ،لا بالتجهيل ( فنجهل فوق جهل الجاهلينا ) إن كثير من المقولات تتأبط شر المجاهيل التي تكمن في طياتها الدلالية وتخفي مشاريع مدروسة بعناية هي كالرموز والإشارات تتستر بها ،فيتجاهلها البعض أو يجهلها والأخطر من هذا وذاك من يتعمد تسويغ هذه المقولات عبر دسّها في غير مكانها فنشاهد ظاهرة استعمال المصطلح الغربي والتباهي في بعض الكتابات بالمزيد من المصطلحات التغريبية، فأنشأ هؤلاء أزمة حقيقية في الثقافة العربية لم تكن بحاجة إليها في يوم من الأيام بل كانت غنية عنها أصلاً ،هي أزمة المصطلح الذي استدرجته الترجمة الحرفية وما تسويق المصطلح في الثقافة العربية إلا تسويغاً لهذه الترجمة التي أفقدت الكلمة العربية روحها وهمّشت المرادف العربي وهو موجود بكثرة لكون اللغة العربية أثرى في هذا الجانب لكن الاستعراضية المزيفة أعمت المسوغين فتغافلوا عنها عنوة

إضافة، لما تقدم تبرز ظاهرة النحت اللغوي العشوائي غير المنظم والنحت ظاهرة معروفة في اللغة العربية كونها تقبل الدخيل والمولد والمشتق والتكيف النحتي ضمن قواعد الإعراب والصرف والنحو ، أما الفوضى في النحت فلا تقل خطورة عند الاستعمال من المصطلح الغربي والدخيل الفائض عن الحاجة ، لقد ركب العديد من كتاب ثقافة التسويق والتسويغ هذه الموجة واعتقدوا أنهم باستعمال الكلام الغريب يبهرون العقول ويأخذون الألباب ويزايدون على وعي القراء بنحت كلمات ما أنزل بها من سلطان فيوظفونها أينما شاءوا حتى وإن كانت لهم بمثابة الشتيمة

لقد ركب مثقفو التسويق موج استجلاب المقولات واللهاث خلف منتجات الغرب دون بذل أدنى عناء لتفهم غاياتها المتسترة ودلالاتها المخبوءة فسوقوها حشراً في مفاهيم الثقافة العربية حيث لا يتوانى هؤلاء عن إطلاق تسمية العنف على المقاومة وتسمية الإرهاب على النضال وتسمية الانتحار على الاستشهاد وأصبحت مقولات الصهيونية تتغلغل في مسامات ثقافة التسويق كمقولة التطبيع الآثمة والشرق أوسطية والعالم العربي بدلاً من الوطن العربي ، والشعوب العربية بدلاً من الأمة العربية الواحدة ، وبات كتاب ثقافة التسويق يبشرون بركب ثقافة العولمة ويزرعون الترويع من عصر عولمي قادم سيهدم القيم والتبشير بصراع الحضارات استعداداً لانتصار الأقوى وبقائه والدعوة إلى التماهي معه وفناء الشرق وحضارته في ثقافة وحضارة ( بني حمالة الحطب ) .

إن الثقافة العربية تواجه تحديات أخطرها تلك التي يمثلها سفراء الغرب من أبنائها فلندعو إلى إغلاق حوانيتهم وإسكات أبواقهم وبالتالي التأسيس لثقافة الحوار ومقارعة الحجة بالحجة وتعرية الداخل والدخيل .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى