الأحد ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم زكرياء أبو مارية

الحصار

أمام باب مكتب السيد رئيس المجلس البلدي للمدينة، كان الكلام جاريا، وذا شجون، عن الحيف البين في قرارات الأمم المتحدة لصالح الحصار الصهيوني المستمر بعدُ على لبنان، عندما تدخل الشاوش، قامعا حديث المنتظرين، ومحاولا تطبيق حالة حظر كلام عليهم.

لم يفلح مسعى الشاوش إلا بما يساوي نسبة خمسة من أصل تسعة، فلجأ إلى تصعيد أسلوب قمعه إلى مستوى المساومة، قائلا بأن أول من سيلتزم الصمت منهم سيكون أيضا هو أول من سيسمح له "بقضاء حاجته" (حسب تعبير الشاوش) بقرب جناب السيد الرئيس، ليعفى بذلك قبل غيره من التأخر والانتظار.

بِصمْت الجميع، فجأة ودفعة واحدة، وكأنهم كفَرة يبذلون كل وسيلة لنيل الرضا ودخول الجنة، شب في النظرات تساؤلها حول من "سيقضي حاجته" قبل غيره من ضمن كل الصامتين، وقد أحس الشاوش بحرج اقترافه لتكتيك خاطئ في محاولة إحلاله للصمت في قاعة الانتظار، ولذلك بادر إلى طرح حل عاجل لحبس فتنة كانت على وشك أن تندلع بسببه، ولجأ في هذا الصدد إلى تصنيف المنتظرين حسب السن والجنس، فكون ثلاث فرق، شكل الأولى من أربعة من الإناث، والثانية شكلها من اثنين من الشباب الذكور، والثالثة من ثلاثة من العجزة، ولحسن حظه أنه لم تكن بين هذه الفرقة الأخيرة امرأة، وإلا كان وقع في حيرة تصنيفها مع العجزة أم مع الإناث، ثم اتخذ قراره بأن يكون ترتيب "قضاء الحاجة"، على مستوى الفرق، كما قد يبدو منطقيا وإنسانيا في نظر أي شخص، العجزة أولا، ثم الإناث بعد ذلك، ثم الذَّكَران في الأخير، كل هذا وهم صامتون، مما أعدم أية فرصة أمام الشاوش لإقصاء أحدهم والتقليص بالتالي من مساحة حرجه، كما أن ذلك زاد أيضا من تردده بين مَن مِن أفراد كل فرقة من الفرق الثلاث سيكون سباقا لقضاء حاجته قبل غيره، فالعجزة كان الواحد منهم أعجز من الآخر، والذكران كانا بنفس الوهن الواضح على وجهيهما، والإناث بدا للشاوش أنهن كن بالكاد يتقبلن فكرة أنه لم يطبق في حقهن نظرية (السيدات أولا) وقدم عليهن العجزة، لحسن حظه مرة أخرى أن خلافا طارئا بين السادة نواب المجلس مع سعادة الرئيس حوْل نسبة عائدات كل منهم من ميزانية هذه السنة أوجب فجأة على هذا الأخير أن يقطع الاجتماع ويغادر، مخرجا الشاوش من مأزقه بإشارته له أن يصرف المنتظرين حتى موعد لاحق.

ويبدو أن الأمر كان لحسن حظ الجميع، فحاجةٌ أكثر إلحاحا كان قد تصاعد عندهم النداء لقضائها، بعد أن مر على انتظارهم من الوقت ما ليس دائما بالهين على مثانة أن تصطبر خلاله على تألمها، مما قلص في صدورهم قامات غضبهم، ليفروا من فورهم ملبين النداء، ومتنفِّسٌ أيضا كل منهم الصعداء كون أحد منهم لم تنجح حاجته في جعله يخسر تحديه الأكبر لصالح غيره من المنتظرين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى