الثلاثاء ٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

رؤية في ثلاثية الزمن من خلال الأدب

يعبّر الأدب عن ضمير الأمة ،ووعيها وكنه تفكيرها ،وربما أبعد من ذلك فهو يعبّر عن فكرة الزمن ،وذلك من خلال توصيف الراهن من جهة باعتباره الزمن المعاش وكشف كمائن المستقبل في هذا الراهن،وخمائره في الماضي من جهة أخر ،فارتباط الطموح الإنساني بالزمن يعني وجود هذه الكمائن الزمنية لوجود المستقبل في الحاضر بشكل مجازي غير مرئي أو ملموس، لكنه معبَّر عنه في التبئير غير المقصود،وهذا التبئير الاخفائي في الأدب من شعر وقصة ورواية لاينتج عادة عن معطيات معرفية محدّدة وواضحة على صيغة السبب والمسبب، لكنه ثمرة لخصائص أنتروبولوجية سيميائية تتوضع في الخفاء اللاواعي وتظهر بصيغ قد تختلف من حيث التوصيف الشكلاني، لكنها تحل كنتائج واعية في توضعات مختلفة شكلا ومتماهية مضمونا مع مكوّناتها أو معطياتها التاريخية .

وبعبارة أكثر وضوحا تكشف وظائف النقد الأدبي عن مكنونات متوضعة في النتاج الإبداعي لم يتقصّد الأديب إيرادها صراحة، لكنها تطفح من لا وعيه لتعبّر عن بيئته الثقافية ،وأمثال ذلك التوضع موجودة بكثرة في النتاج الإبداعي من الشعر إلى القصة إلى الرواية ،فسمة القصيدة من فرح أو حزن تقدم كشفا عن البيئة الثقافية للوجود الاجتماعي المنعكس في الإدراك والوعي التاريخي وكذلك الأمر في الأدب الروائي والقصصي حيث :الإلماح، والرمز ، والتبئير الإخفائي، والإشارة .

وهنا محور دراستنا عن علاقة الزمن بإضفاء سمات البيئة الثقافية في مرحلتها التاريخية على الإبداع ، والانعكاس المتداور أو المتبادل بين المعطى الإبداعي وتأثيره على تلك المرحلة،وهذه مهمة الأدب ، أو بالعكس أثر البيئة الثقافية التي أسمّيها بالزمن الثقافي ،ومدى تجسده في النتاج الإبداعي وانعكاسه فيه .

ونتناول أدب الدكتور المرحوم عبد السلام العجيلي نموذجا لدراستنا كونه عبّر بشكل واضح عن هذه العلاقة الزمكانية في الأدب، بين شروط البيئة وثلاثية الزمن وكانت المرأة هي المدخل إلى هذا التعبير، ذلك لأن المرأة كانت عبر التاريخ هي رمز الخصب والحياة والتجدّد والديمومة ،وهي الإلهة الجميلة التي تمنح الحياة سحر الألق والتفاؤل كما هو الحال في (إيزيس) و(ارتيميس) و(الإلهة أثينا )و(عشتار) و(عنات) و (نيت) و(إينانا )وغيرهن اللاتي صاغهن الفكر الانساني عبر التاريخ على هيئة إناث أسطورية لحاجته إلى الديمومة وحبه للبقاء.

فهذا الفنان الذي رسمها تحمل تفاحة وهي عارية ويدها تطاول السماء يرى فيها ديمومة العطاء واستمرار الحياة وهو رفض لا واعي للموت وآخر جعلها ذات أثداء كثيرة مكتظة باللبن لأنه يرى فيها النماء كرفض لواقع اجتماعي وسياسي واقتصادي ضاغط بمفردات مختلفة .

وهذا أديبنا المرحوم عبد السلام العجيلي جعلها عاقرا لا تلد في مجمل أعماله القصصية والروائية ،فهذه سلمى في قصة الخائن ، وسالي في قناديل أشبيلية ، وهدى وأختها ماجدة في قلوب على الأسلاك، وهيام وأختها باسمة في رواية باسمة بين الدموع ،وندى في ( المغمورون ) وحتى السويدية ماريا لينا في رصيف العذراء السوداء ،وغيرهن كثير كلهن عاقرات في أدب العجيلي وتراثه القصصي والروائي.

ثم نجد بعدا جديدا في هذه الثلاثية وهو بعد افتراضي يعنى بما بدأت بمقدماته ومعطياته ،وهو التعبير اللاواعي المكنون في الزمن العربي لكن العجيلي أوجده وهو الأديب الطبيب فكأنّي به يقول: كلهن عاقرات لأن الزمن العربي كان عقيما ولأن العرب سلفيون في الزمان

لكن المستقبل هو الزمن الموجود بالكمون في أحلامهم ومرتبط بحياتهم القبلية وبيئتهم الرعوية التي ترى الماضي وتنشدّ أليه بقوّة فإن قلم الأديب لا ينفك يعبّر عن هذا الارتباط .

لقد اتسم الزمن الذي عايشة العجيلي بعديد من الإرهاصات والنكبات التي حالت دون تحقيق الوحدة القومية والتقدم العلمي والثورة الصناعية وهذه مدعاة أخرى لخصي الزمن من خلال عقم النساء رغم دأبه لولوج زمن عربي خصيب من خلال تقديم الأسباب الرامزة إلى ذلك الخصب فنقرأ لديه زيجات شرعية كما هو الحال لدى سالي لكنه جعلها في قناديل أشبيلية كرمز للانكفاء إلى أمجاد الأسلاف وليس للمستقبل لأن سالي لم تلد صبيا يحمل اسم والديه ، أما هدى الزوجة الشرعية في قلوب على الأسلاك فقد جعل بعلها البرجوازي يهجرها ويهرب بأمواله إلى الخارج وهو تعبير آخر عن عجز البرجوازية العربية عن تحقيق الثورة الصناعية والتقدم كما عملت البرجوازية الفرنسية في إحداث انقلاب فكري غيّر وجه التاريخ

والمحاولة الثانية للعجيلي :هي الإباحية التي منحها لأبطاله مع نساء الآخرين كصفية، ونهاد، ونظمية ،وسامية ،وشاهناز، وهذه الإباحية أقرأ ترميزها وخلفياتها اللاواعية على أنها تعبير عن نزعة الاستهلاك عند العرب وما أريد لهم من قبل القوى الغربية المنتجة للتقنية فهي تسمح لهم باستيرادها واستعمالها لكنها لا تسمح بإنتاجها .

وفي النتيجة : فإن هذا الاجتهاد النقدي أقدمه بين أيدي النقاد والباحثين ولا أحسبة مجازفة نقدية بقدر ما هو قراءة متأنية وواقعية لحالة عقم الزمن العربي عن إنتاج أدوات المعرفة بدلا من اجترار منجزها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى