الأحد ١٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

جدوى الكتابة

الجمعة عصرا أستريح قليلا من قراءة رواية الكاتب التركي (أورهان باموك) "ثلج"، وأصنع فنجانا من النسكفيه. أتابع موجز أخبار الجزيرة، لأعرف آخر ما يجري في لبنان. أرى سكان مخيم نهر البارد يتظاهرون من أجل العودة إلى منازلهم. كأنهم نسوا العودة إلى فلسطين، أو أنهم سيتظاهرون من أجل العودة إليها، حين يعودون أولا إلى مخيمهم الذي هجروا منه. وأشاهد ما يجري في مدينة نابلس وفي مخيم بلاطة. يحاصر جنود الاحتلال المدينة، وحين يقفلون عائدين يحاصرون المخيم فيقتلون ويقتلون. وحين أرى الشباب والأطفال يقذفون الدوريات بالحجارة، أتساءل من جديد: ماذا يجدي هذا؟

الجمعة عصرا أستريح قليلا من قراءة رواية الكاتب التركي (أورهان باموك) "ثلج"، وأصنع فنجانا من النسكفيه. أتابع موجز أخبار الجزيرة، لأعرف آخر ما يجري في لبنان. أرى سكان مخيم نهر البارد يتظاهرون من أجل العودة إلى منازلهم. كأنهم نسوا العودة إلى فلسطين، أو أنهم سيتظاهرون من أجل العودة إليها، حين يعودون أولا إلى مخيمهم الذي هجروا منه. وأشاهد ما يجري في مدينة نابلس وفي مخيم بلاطة. يحاصر جنود الاحتلال المدينة، وحين يقفلون عائدين يحاصرون المخيم فيقتلون ويقتلون. وحين أرى الشباب والأطفال يقذفون الدوريات بالحجارة، أتساءل من جديد: ماذا يجدي هذا؟ وسأتذكر ما قاله جندي إسرائيلي، ذات نهار، لشاب فلسطيني. طلب الجندي من الشاب أن يقذف سيارة (الهمر) بالحجارة، وسأله: ماذا فعلت الحجارة بالسيارة؟ وسيعطيه قطعة سلاح ويطلب منه أن يطلق النار على السيارة، ليقول له: لا الحجارة تؤثر ولا السلاح، فلماذا تمارسون هذا السلوك العبثي؟ (سيجرح في 28/6/2007 في نابلس ثمانية جنود).

سيقرع ابن أختي باب شقتي وسيسألني إن كنت أريد الذهاب إلى مخيم بلاطة، لأعزي في الشهيد هيثم جعفر حسن صالح الذي قتلته قوات الاحتلال صباح 29/6/2007. حين أفتح الباب أرى أخوتي مستعدين، وسيخبروني أيضا أن امرأة يافاوية ماتت، ولا بد من تأدية الواجب.

سأعتذر لأنني لست مستعدا نفسيا للذهاب، ولأنني ألزمت نفسي، منذ فترة، بإنفاق الساعات الثلاثة، ما بين الرابعة والسابعة، في القراءة. سيبدي أخي امتعاضه، ربما ساخرا، وسيقول لي: أكتب، أكتب. هذا يكفيك. وسيكرر عبارته ويكتب في الهواء. هل كان يقصد أن كتابتي ليست أكثر من كتابة في الهواء: لا تقدم ولا تؤخر. (سجن أخي خمسة عشر عاما. شارك في الانتفاضة الأولى وجرح جنودا، وخرج في أوج الانتفاضة الثانية. وهو أيضا لم يحرر فلسطين) ولا أدري أنا إن كانت السنوات هذه، مثل تضحياتنا الكثيرة، ذهبت سدى، فما زلنا، على الرغم من الثمن الباهظ الذي ندفعه، نسير إلى الوراء، فلم نحقق من أهدافنا وأمانينا أقل القليل.

وأنا أصغي إلى أخي، وجدتني أتذكر مقاطع من ديوان محمود درويش "حالة حصار" (2002). سأنقطع عن قراءة (أورهان باموك): "ثلج"، لأكتب. هل كنت ألبي دعوته أم أنني أردت أن أسخر من سخريته؟

لم أعرف الشهيد هيثم جيدا. ربما التقيته مرة، مرتين، حين كنت أزور ابنة أختي في مخيم بلاطة، فهو أخ زوجها. في "حالة حصار" يرد المقطع التالي على لسان الشهيد:

"الشهيد يحاصرني: لا تسر في الجنازة

إلا إذا كنت تعرفني

لا أريد مجاملة من أحد"

أعرف أخ الشهيد، ولا أعرف الشهيد، ولا بد من تعزية. نحن الآن في تموز. تموز الأسطورة. الأسطورة التي كان لها بروز في الشعر العربي الحديث، ابتداءً من السياب ومرورا بفدوى طوقان، وليس انتهاءً بمحمود درويش. كم تتكرر الأشياء. كم تتكرر الاجتياحات. كم يتكرر القتل، وكم تتكرر الجنازات. والشهيد يحاصرني:

لا تسر في الجنازة

إلا إذا كنت تعرفني

لا أريد مجاملة من أحد.

ونحن الآن في تموز. نحن الآن في تموز


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى