الثلاثاء ١٠ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم عمر يوسف سليمان

((أجواء عابثة))... بين التجديدِ العمودي والنصِّ الملتزم

صدرت عن دار كنعان للطباعة والنشر بدمشق المجموعة الأولى للشاعر الفلسطيني سامر سكيك، والتي ضمت بينَ دفتيها أربعاً وثلاثين قصيدةً ترواحت بينَ العمودية والتفعيلة وقصيدة نثرٍ واحدة أخذت عنوان المجموعة (أجواء عابثة).

بدأ الشاعر سامر سكيك بنظم القصيدةِ في وقتٍ مبكِّر، واستطاعَ أن يبزغَ بموهبتهِ الصادقةِ وعاطفتهِ الدافئة وخياله الخصبِ كواحدٍ من الشعراء الحقيقيين.

وقد بدى في مجموعتهِ شاعراً مُتقناً لأدواته، بأسلوبٍ بسيطٍ لا يعتمدُ الرمزية أو التعقيدَ اللغوي في شعره، مع تميزه بالصورة الفنية المُتقنةِ والخيالِ المجنحِ والعاطفةِ الدافئة:

إن كان سؤلي قد رماكِ بحيـــرةٍ
فجوابُك المبتورُ ضيَّعَ فكـــرتي
 
فبدوتُ مثلَ سحابةٍ مغبونــــةٍ
والريحُ تحكمُ سيرَها بالقـُـــوَّةِ

كما ظهرَ سامر سكيك -الشاعر المؤمنُ بالالتزامِ- متمسِّكاً بقضاياهُ الوطنية والقومية المختلفة، نلحظُ ذلكَ من خلالِ الكثيرِ من القصائدِ التي حملتْ الهمومَ الوطنية والقومية، فمنها ما كانَ يتحدث عن قضيةٍ معينة بشكلٍ مباشر،كما في قصيدتهِ (الله أكبر يا عراق)، التي نرى في بعضٍ من ملامحها:

ضربوا عراقْ
هتكوا الحضارةَ والأصالةَ والمساجد والإباء.
الله أكبر يا عراق.
لا تملكين عروبتي إلا الدعاء.
لا تملكين سوى القصيدة والرثاء

ومنها ما تحدث عن أحوالٍ وهمومٍ اجتماعيةٍ ووطنيَّةٍ عامةٍ دون تخصيص، كما في قصيدته الهادئة (عيد التضحيات):

يا عيدُ ما أدركتَ غُصَّتنا هنا؟!!
في ثالثِ الأعوامِ نحن الأضحياتْ..
يا عيدُ فارحم حالنا واهتف معي:
اللهُ أكبرُ يا بلاداً من خواءْ
وافتح لموتِ حيائهم باب العزاءْ

على أنَّنا لا نرى سامر سكيك بعيداً عن موضوعِ الالتزامِ الوجداني.. وأعني بذلكَ أنه لا يختلفُ كثيراً عن شعرائنا المعاصرينَ -لا سيما شعراء التسعينات- في إبرازِ مشاعرهِ الخاصة، وهو بهذا استطاعَ النجاةَ من مسألةِ الذوبانِ في بوتقةِ الطرحِ المباشر واللهجةِ الخطابيةِ البحتة، حتى لا تتحوَّلَ قصيدته إلى ما يشبهُ الخطابَ أوِ المقالَ السياسيْ...

فقد استطاعَ أن يمزجَ مشاعرهُ الوجدانيةَ بقضايا الوطنِ وهمومِ الناس، وأن يسترسِلَ عبرَ عاطفتهِ الخاصة ليسرِّبَ ما يريدُ الوصولَ إليهِ من القضايا المختلفة.

وهو ماوضَّحهُ في مجموعته ايضاً، فنرى في قصيدته "وطني والهوى" يقول:

قد تُهتُ يا وطني لأني شَاعــرٌ

والصِّدْقُ في الأشعارِ عنكَ لزيـمُ

فالشِّعرُ ليسَ بفكرةٍ موزونــةٍ

بل شَدْوُ قلبٍ قد حباهُ كريـمُ

بيدَ أننا-بالرغمِ من كلِّ هذا المزجِ- نجد أن سامر سكيك لم ينجُ من بعض الهفواتِ التي بدت في قطعٍ متفرقةٍ نقرؤها في مجموعته، وأعلل ذلك شخصياً بالاندفاعِ العاطفي أو الحماسيِّ الذي يسبب الخروجَ عن صوتِ القصيدةِ الخاصِّ إلى صوتِ الخطابِ المجرَّد.

أمَّا بالنسبةِ للغة، فلا نستطيعُ أن نقولَ إنَّ سامر سكيك قد جاءَ بجديد على التراكيبِ أو طريقةِ التعبيرِ عن الصورةِ الفنية، ولم يعتمد التقليدَ الأعمى كذلك، بمعنى أن لغتهُ كانت سلسةً بسيطة يظهر فيها صوتُهُ الشعري الجميلُ والمميز، فلو درسنا الأسلوبَ الذي اتبعه في صوتهِ الشعري فسوفَ نلتقي بلغةٍ استمدت بعضَ تراكيبِها من قصائد القدماء، وبعضُها الآخر يعتمدُ عباراتٍ متداولة، ولا أجدُ سبباً لذلكَ غيرَ حرصِ الشاعر الدائمِ على البساطةِ وعدمِ الخروجِ عن المألوفِ في شعره، مبرراً ذلك بأن يصلَ صوتُهُ لمختلفِ الفئات، وهذا ما نجده متزامناً مع بحرِ المتداركِ -الذي سيطرَ على سبعِ قصائدَ من ديوانه.

غير أن سامر سكيك لم يكن قديماً في مجموعته على كلِّ حال، بل جاءَ بجديدٍ مختلفٍ ولم يسبقْهُ إليهِ أحد، هذا الجديدُ يتمثَّلُ في موضوعِ بحرينِ جديدينِ وضعهما-أو اكتشفهما- الشاعر سامر سكيك قبل عدة سنوات، واللذينِ أحدثا ضجةً كبيرةً في الوسط الأدبي العربي، لاسيَّما الالكتروني منه.

تجسَّدَ البحران الجديدانِ من خلالِ أربع قصائد من ديوان الشاعر،كلٌّ منهما قد تفرَّدَ بقصيدتين، أحدهما أطلِقَ عليهِ اسم (بحرالسامر)، والآخَرُ اسم (بحر المؤتلف)...

استنبطَ الشاعر سامر سكيك بحريه من دائرة المؤتلفِ –والتي تحوي كلاً من الكامل والوافر-عن طريق مزج التفعيلاتِ ليتكوَّنَ بحراهُ الجديدان...

البحر الأول، وسُمِّيَ (السامر)، وهو على الشكلِ التالي:

مُتَفَاعِلُنْ مُفَاعَلَتُنْ

مُتَفَاعِلُنْ مُفَاعَلَتُنْ

وطبعاً يحتوي هذا البحرُ على جوازاتٍ متنوعة،نستطيعُ استخلاصها من جوازاتِ الكاملِ والوافر-باعتبارِ أن البحرينِ مُستمدينِ منهما-

جوازاتُ الضرب: (مُفَاعَلَتُنْ)، وتتمثَّلُ في العصب، وهو تسكينُ المتحرك الثاني من السبب الثقيل في آخر التفعيلة، فتصبح (مفاعلْتُنْ).

جوازات الحشو: في (مُتََفاعِلُنْ) يجوز الإضمار وهو تسكينُ الحرفِ الثاني من السبب الثقيل، في أول التفعيلة لتتحوَّلَ إلى (مُتْفَاعِلُنْ).

أما العروضُ فجوازاتها جوازاتُ الضربْ.

وكمثالٍ على هذا البحرِ نأخذُ بيتينِ من قصيدته (مري هنا):

مُرِّي هُنا على حُلُمي وتتَّبَعِـي خُطى أَلَمـي

/5/5//5 //5///5 /5/5//5 //5///5

مُتْفاعِلُنْ مُفَاعَلَتُنْ مُتْفَاعِلُنْ مُفَاعَلَتُنْ

أم أنَّ كِبْرَكِ استشرى في القلبِ بات كالوشمِ؟

/5/5//5 //5/5/5 ///5//5 //5/5/5

مُتْفاعِلُنْ مُفَاعَلْتُنْ مُتَفَاعِلُنْ مُفَاعَلْتُنْ

أما البحرُ الثاني، والذي أطْلِقَ عليهِ اسم (المؤتلف) فهو مثل البحر السابق من حيث تفعيلاته، ومشتقٌّ مثلهُ من دائرةِ المؤتلف، ولكن بصورةٍ مقلوبةٍ عنه.

مُفَاعَلَتُنْ مُتَفَاعِلُن مُفَاعَلَتُنْ مُتَفَاعِلُنْ

وجوازاتهُ مستمدَّةٌ من الكاملِ والوافرِ كذلك.

جوازاتُ الضرب: (مُتََفاعِلُنْ)، الإضمار وهو تسكينُ الحرفِ الثاني من السبب الثقيل، في أول التفعيلة لتتحوَّلَ إلى (مُتْفَاعِلُنْ).

جوازاتُ الحشو: (مُفَاعَلَتُنْ)، العصب، وهو تسكينُ المتحرك الثاني من السبب الثقيل في آخر التفعيلة، فتصبح (مفاعلْتُنْ).

العروض: جوازاتها جوازات الضرب.

ونأخُذُ مثالاً عليهِ بيتينِ من قصيدته (صدى ذكراك):

صدى ذكراكَ يُنَسِّـمُ على الوجدانِ ويرسُمُ

//5/5/5 ///5//5 //5/5/5 ///5//5

مُفَاعَلْتُنْ مُتَفَاعِلُنْ مُفَاعَلْتُنْ مُتَفَاعِلُنْ

أيا شيخاً يمشي بِنـَا إلى وطنٍ ، لا يَسْـأمُ

//5/5/5 /5/5//5 //5///5 /5/5//5

مُفَاعَلْتُنْ مُتْفاعِلُنْ مُفَاعَلَتُنْ مُتْفَاعِلُنْ

يُعتبر هذانِ البحرانِ خطوةً جديدةً تُسَجَّلُ للشاعر سامر سكيك،على أنَّ أهميتهما لم تنبثق من كونهما بحرينِ جديدينِ مُكتَشَفينِ مِن دائرة المؤتلفِ، ومستساغين عند القراءة مما يجعلُ السامعَ غير المتقنِ للعروض لا يُشكُّ في أنهما بحرانِ خليليان بحتان، بل تنبثقُ من كونهما فتحا باباً جديداً لاكتشافاتٍ جديدةٍ في عالمِ العروض،وسجَّلا تجديداً من نوعٍ آخر، فبالرغمِ من أنَّ البحرينِ على نمطِ البحورِ الخليليةِ إلا أنهما يُعتبرانِ جديدينِ بعدَ مئاتٍ من السنينَ مضتْ على وضعِ البحورِ التقليديَّةِ والتي لم تشهد أيَّ زيادةٍ باستثناءِ البحرِ الذي وضعه أبو العتاهية، والذي برره عندما سئلَ عن سببِ وضعهِ بأنه –أبو العتاهية-أكبرُ من العروض...

كما أنَّ هناكَ محاولةٌ أخرى للشاعر العراقي أحمد مطر في هذا المضمار، وهو نسجُ بحرٍ جديدٍ مُستنبطٍ من بحرينِ متشابهينِ في تفعيلاتهما، مما لا مجال لاستعراضهِ في هذا المقال.

وهناكَ محاولاتٌ عديدةٌ لم يُكتبْ لها النجاحُ والاستمرارُ عبر تاريخنا الأدبي العربي، فهل سيكتبُ النجاحُ لبحري سامر سكيك الجديدين؟

فقد استساغَ بعضُ النقادِ والشعراء البحرينِ الجديدين واعترفَ بهما بل وكتبَ الشعرَ وفقهما، وبعضهم الآخر نبذهما ولم يعترفْ بهما، ويبقى الأمرُ مفتوحاً أمامَ أهلِ الأدب، ذلك الأمرُ يتمثل بسؤالٍ مفاده: هل من الممكن إيجادُ بحورٍ جديدةٍ مُستنبطةٍ من الدوائرِ الخليليَّةِ المعروفةِ، ومستساغةٍ للنسجِ عليها، وتسيرُ على تفعيلاتٍ وجوازاتٍ كتلكَ التي تسيرُ عليها البحورُ الخليلية؟، هذا ما ستظهره لنا الآراء النقدية المستقبلية حول تجديد البحور الشعرية التقليدية!!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى