الأربعاء ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم وائل وجدي

امتثال ...

الوظيفة، لم تكن من أحلامك.. تمقت القيود.. تعشق الحرية.. لا تحب الشكليات..

يربت خالك كتفك:

 " لا تحتاج إلى التفكير. "

تضغط على شفتك السفلي :

 "لا أحب الروتين والرتابة الوظيفية. "

يقول خالك، بحيرة:

 " إن التعيين في بنك من الأمور النادرة، هذه الأيام. "

تنظر إلى سقف الحجرة، تقول بهدوء :

 " إ نها فرصة ، ولكن لا أتصور نفسي موظفًا. "

تلوح ابتسامة ، على ثغر خالك:

 " المهم أنك موافق على الفكرة. "

يجفوك النوم - في الليلة السابقة لذهابك إلى العمل – أيكــون تعيينك في البنك ، هو الذي تسعى إليه ؟ . أم هي تجربة ، تتبعها تجارب أخرى ؟ .. هواجس كثيرة تضاربت في رأسك وتداخلت الدوائر.. تجلس تتأمل الفراغ ، تستنشق نسمات الهـواء – الشتوية - التي تنساب من خصاص نافذة حجرتك، مع ظـلال النور الخافت، الساقط على الحائط.

يقطع السكون السادر رنين " المنبه " . تغلقه ، تنظـر إلى عقارب ساعتك.. تلفاها تقترب من السابعة.. تهرع مسرعًا ، ترتدي ملابسك .. تنثر وجهك بالماء البارد، المندفع من الصنبور ، تخرج من شقتك .

تقفز في أتوبيس ، متجهًا إلى ميدان التحرير.

لم تكن تعلم، ما هي وظيفة خالك – بالضبط – كل ما تعرفه : أنه في درجة وكيل وزارة.

تسأل عنه: موظف الأمن .. يرحب بك ، تقول: الدور الرابع... تقف أمام المصعد – الأوسط – المخصص للأدوار الزوجيــة .. بعد دقائـق تدخل فيـه ، تطلـب الـنزول في الدور الرابع..

تخرج من المصعد.. تطالعك: لوحة إرشادية ذهبية اللون: "قطـاع التخطيط والتنظيم والتدريب "، وسهم يتجه إلى الجهة اليمــنى .. تتجه خطواتك ، عبر ممر قصير، مفروش بسجادة قانيـــة الحمرة.تدلف إلى مكتب ، مدونًا على بابه:" مكتب رئيس القطـاع" . قبل أن تسأل عن خالك ، تجد في انتظارك " عباس " - الذي يعرفك بنفسه - أسمر البشرة ، ذو شارب دقيق ، وأنف حــاد ، نحيف القد.. يرتدي قميص أزرق ، وبنطلون أسود ، ورباط عنق ، تتداخل ألوان الطيف في نسيجها .. يقول بتودد:

 " خال سيادتكم في اجتماع طاريء، ولقد كلفني بأن أنهى إجراءات تعيينك. "

تقف حائرًا، تردد:

 " شكرًا .. "

.. تمكث في إدارة شئون العاملين : تملأ أوراق التعيين ، بعد تقديم مسوغا تها ، وتوقع على أوراق ، وأوراق ...
تقابلك ابتسامة الموظف المختص ، والمديح في شخص خالك .. وإصراره على الترحيب بك ، بطلبات : الشاي والقهوة.. لكنك لم ترتح لتلميحات بعض الموظفين ، وتحيتهم الباهتة..

تجلس - في مكتب خالك - تتأمل عالمًا جديدًا ، لم تألفه من قبل ..
بعد ساعة تقريبًا ، يفتح باب الحجرة ، يدخل " عباس" وخالك - مبتهجاً - يسلم عليك :

 " كنت في اجتماع رؤساء القطاعات ، ولعل عباس قام بالمطلوب.."

 " لقد قمت بالانتهاء من إجراءات التعيين."

قال خالك ، وهو يجلس على مكتبه:

 " فورًا ، يتم تخصيص مكتب له في حجرة إدارة القضايا..
ولا تنس أن توصي عبد الخالق سعيد، وأن يعتني بابن شقيقتي."

يهز - عباس - رأسه :

 " في الحال ، ستنفذ أوامرك ، يا سعادة البك.."

يأخذك " عباس" إلى الدور السادس ، تدخلا - آخر حجرة - الباب مفتوحًا .. وبادر " عباس " بتعريفه بك لـ " عبد الخالق سعيد " .. تلفاه يهم بالوقوف من وراء مكتبه .. يشد على يدك بحفاوة :

 " أهلاً بك في إدارة القضايا ، وإن شاء الله ، نكون عند حسن ظنك."

تقول ، بارتباك:

 " شكراً .. "

تجلس على الكرسي ، الملاصق لمكتبه ، يأخذ نفسًا عميقًا مـن سيجارته ، يشير بيده ، كي تقعد ، يردد:

 " سأعرفك بزملائك ، وبعد ذلك نتحدث عن العمل."

يلتفت وراءه ، يضغط على مفتاح .. ينبعث رنين متصل .. يدخل ساعي المكتب :
 " أ يوه يا فندم .. "

ينظر إليه ، وبنبرات حازمة:

 " بلغ المحامين إدارة القضايا الحضور لدى فورًا.."

يقوم " عبد الخالق سعيد " ، يزيح كرسي مكتبه .. يقعد عليه ، يسحب أحد الملفات - المتراصة أمامه - يقلب في أوراقه ، يقرأ صفحاته بتركيز .. ينظر إليك سارحًا ، ثم يعود مرة أخرى إلى الأوراق..

نقرات ، متتابعة ، ومنتظمة على باب الحجرة ..يدخل ثلاثة من زملائك .. يقفوا قبالة مكتب " عبد الخالق سعيد " .. يضع نظارة القراءة أمامه ، يأخذ رشفة من كوب الشاي:

 " والآن يا خيري ، سأعرفك بزملائك. "

يشير بيده :

 " عماد.. سامي .. نرمين.."

يهموا بالتسليم عليك ، والبشاشة والترحاب ، تطلان من عيونهم.. ينظر إليك " عبد الخالق سعيد " .. يزوى ما بين حاجبيه:

 " من قرار تعيينك يتضح ، أنك معين أخصائي شئون قانونية ، ولست فنيًا .."

تقول :

 " أرجو الإيضاح ."

يضيف :

 " وفقًا للائحة البنك ، وقانون الإدارات القانونية ، واللائحـة التنفيذية. لا يكون التعيين في وظيفة محام إلا بإجراء مسابقة ، يعلن عنها في جريدتين رسميتين .
على العموم .. ستوزع عليك ملفات القضايا المنتهية ، لكي تتعلم من قراءتها . بإشراف زميلك عماد.. وأي معضلة .. أنا تحت أمرك. "

.. لم تنبس بكلمة ، تخرج مع زملائك من الحجرة ..

تجلس على مكتبك – الصغير – لصق الحائط الأوسط لحجرة القضايا ..على يمينك " عماد" .. أمامك " نرمين" .. وفى الجانب الأيسر " سامي " .. يبادرك عماد، ً :

 " أجدك شاردًا .."

بنبرات خفيضة:

 " حديثي مع مدير الإدارة ، أقلقني . "

 " لا تهتم بكلامه كثيراً..أنت حاصل على ليسانس حقوق مثلنا.."

بحزن ، تقول :

 " لقد أصابني بالحيرة ."

يقوم " سامي " من مكتبه ، يدنو من مكتبك ، بصوت جهوري :

 " سيادة خالك ، مشرف على قطاع الشئون القانونية .. لا تقلق.. "

بضيق :

 " صحيح خالي ، هو الذي عينني في البنك ، لكن لا أحب أن
تكون معاملتي على هذا الأساس .."

تبتسم نرمين:

 " سامي ، لم يقصد ذلك .. المهم لا تتأثر بكلام عبد الخالق سعيد.."

يفتح " عماد " ، أحد أدراج مكتبه ، يسحب ملفًا ، وبنظرات ودودة:

 " اطلع عليه ، وسنتناقش فيه ، وأي استفسار . لا حرج في الأمر .."

.. ترنوإلى عقارب ساعتك .. الثالثة تمامًا .. تتوقف عن قراءة الملف ، تضعه في أحد أدراج مكتبك ، كي تقوم بالتوقيـع في دفتر الانصراف ..

لم تنتظر المصعد ، تهبط على السلم .. الزحام خانق .

.. تخرج إلى شارع " قصر العيني " ، تستنشق هواءً ، عابقـًا برائحة الانفلات من الروتين...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى