الثلاثاء ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢١
بقلم عاطف أحمد الدرابسة

أسألُ عنِّي ..

قلتُ لها:

تتحاشدُ في مُخيِّلتي الظُّنونُ ، وتُحاصرني الأسئلةُ، أبحثُ عن ريشةٍ من بقايا جناحٍ لأَفِرَّ من زمانِ هذا الزَّمانِ، رُبَّما أمضيتُ العمرَ تائهاً مثلَ ذرَّاتِ الغُبارِ في رحمِ الرِّيح، ورُبَّما أفنيتُ عمري وأنا سجينُ الأسئلةِ، أحترقُ كلَّ لحظةٍ، ليصيرَ رمادي غذاءً لأغصانٍ قادرةٍ على مواجهةِ الخريف.

كيف أحيا في عقولٍ نصفُها ميِّتٌ، ونصفُها مخمورٌ؟ كيف أحيا في قلبِ امرأةٍ لا أرى فيها إلَّا مأتمي، وآفاقيَ الفارغةَ، وشحوبي ، واكتئابي؟ وأنا منذ أن فقدتُ ابتسامةَ أُمِّي ، لم أعُدْ أتنفَّسُ حُبَّاً، فقد أصبحتُ كطائرٍ يعرُجُ على جناحٍ واحدٍ، وكيف يُحلِّقُ مَن عصفَ بريشهِ الخريف، وصار وطنُهُ بيتاً من القشِّ، يصيرُ رماداً بإيماءةٍ، أو بنظرةٍ من عودِ ثقاب؟

لا تبحثوا عنِّي في تفاصيلِ رؤايَ، وأفكاري، اسألوا عنِّي رمادي، وحروفيَ الخوامدِ.

ما أقسى أن تمشيَ وحيداً على ضِفافِ الغباءِ، ما أقسى أن يتركوكَ مصلوباً على المرايا، تُحدِّقُ فيكَ وجوهٌ، نصفُها الأيمنُ شيطان، ونصفُها الأيسرُ سلطان، ما أقسى أن يتركوكَ ترتدي الخريفَ ثوباً، تحتسي الأفكارَ العقيمةَ، ترقصُ على مسرحٍ من دخانٍ عاقرٍ، لا نارَ فيه، ولا بقايا حطبٍ قابلٍ للاشتعالِ.

كلُّ المصابيحِ التي حولكَ حزينةٌ، كلُّ الشُّموعِ التي أوقدتَها تذبلُ على إيقاعِ الموتِ، وكلُّ المنازلِ التي حاولتَ أن تُعيدَ إليها الحياةَ مُشرَّعةٌ لريحٍ لا مطرَ فيها ، ولا تحملُ سحاب.

كم قلتُ لكَ يا صاحبي لا تبحثْ عن سيفٍ صادقٍ، كم قلتُ لكَ لا تبحثْ عن كتابٍ صادقٍ، فكلُّ سيوفِ الشَّرقِ كاذبةٌ، وكلُّ كتبِ الشَّرقِ زائفةٌ، وكلُّ قصصِ العشقِ خائنةٌ، وكلُّ البطولاتِ التي غصَّ بها التَّاريخُ حكايا خُرافيَّة.

أفنيتَ عمركَ تبحثُ عن اللغةِ المُطلَقةِ، أفنيتَ عمركَ تبحثُ عن امرأةٍ تُؤجِّجُ الصَّقيعَ في داخلكَ، أفنيتَ عمركَ تبحثُ عن وطنٍ، لا مكانَ فيه للقطيعِ، أفنيتَ عمركَ تستنبتُ الرَّبيعَ في الصَّحراءِ، فانتهيتَ بلا اسمٍ، بلا لونٍ، بلا ماءٍ، بلا وطنٍ، أمامكَ بحرٌ بلا موجٍ، وحولكَ رياحٌ عواقرَ، ووراءكَ جبالٌ من غباء.

هامش:

قبلَ أن تبدأَ الرِّوايةُ، ماتَ البطلُ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى