الجمعة ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
أدي ولد آدب:
بقلم حسن الخباز

أطروحة دكتوراه.. في ميزان المناقشين

شهدت قاعة محمد حجي بجامعة محمد الخامس كلية الآداب آكدال يوم: 2 نوفمبر2011 مناقشة أطروحة دكتوراه بعنوان: «المفاضلات في الأدب الأندلسي الذهنية والأنساق»، قدمها الباحث الموريتاني أدي ولد آدب، أمام لجنة من صفوة أساتذة الأدب العربي، ممثلة في:

  1. الأستاذ: الدكتور: محمد مفتاح، رئيسا.
  2. الأستاذة الدكتورة:حياة قارة، مشرفة ومقررة.
  3. الأستاذ الدكتور: سعيد يقطين، عضوا.
  4. الأستاذ الدكتور: عبد الحميد الهرامة، عضوا.

وذلك بحضور جمهور خالف المألوف: كما وكيفا، وقد استهلت المناقشة بتقديم رئيس اللجنة ملخصا مقتضبا لسيرة الباحث، مكتفيا بما قل ودل، مانحا إياه ـ بعد ذلك ـ فرصة لتقديم تقرير مختصر عن أطروحته، حيث عرضه ارتجالا في حدود عشرين دقيقة ، محرزا إعجاب الأستاذ محمد مفتاح، الذي اعتبر ذلك دليلا على التحكم في الموضوع.

وقد توقف الباحث في البداية عند عتبة العنوان، معتبرا: المفاضلات ـ الأدب الأندلس، هي الوحدات الأساسية، التي جاءت ـ في ثالوثها ـ مطلقة، مما جعلها أكثر أهلية لتجلية ذهنية المفاضلات المبتغاة أطروحة، باعتبارها حالة متحكمة في تفكير الأندلسيين وسلوكهم، تتقمص (مجموعة من القضايا المرتبة في نظام معين) تعلن عن نفسها عبر جميع الأنساق بيانا ومكانا وزمانا وإنسانا وإيمانا وعرفانا، لتمثل هذه الأطروحة محاولة إعادة تركيب للذهنية الأندلسية بكل خصائصها المائزة، لآن المفاضلة ذهنية عابرة ومخترقة لجميع هذه الأنساق، والأندلس لا تصدق إلا على جميع هذه العناصر في إطلاقها.

وقد تحكمت خطية وحدات العنوان، وترتيبها المنطقي - من الأخص إلى الخاص إلى العام - في بناء أبواب البحث، حيث تمحض الباب الأول للمفاضلات تأسيسا للأطروحة، وانفرد الباب الثاني للأدب مضمار العبقريات، بينما خصص الباب الثالث للأندلس فضاء الهويات المتفاعلة، وكأن في ذلك إيحاء بأن المفاضلات ثمرة يانعة، والأدب غصنها النضير، والأندلس جذعها الراسخ، الذي يمدها بالخصوبة والنماء.

وقد اندرج تحت الأبواب الثلاثة أحد عشر فصلا، توزعت على سبعة وأربعين مبحثا، كل عنوان منها يمثل أطروحة مستقلة، إلا أن شتات هذه الأطاريح الصغرى قد تناغم وتساوق في محيط أطروحة المفاضلات الأم، رغم صعوبة التحكم منهجيا في هذا الفضاء المترامي الأطراف.
وبما أن الباحث حاول التنكب عن المألوف في اختيار الموضوع وعنونته وعرضه، وحتى في إهدائه وكلمة شكره للأساتذة، فإنه يفضل أيضا ـ على غير المألوف ـ أن يترك أصوات الأساتذة المناقشين تتولى عرض الموضوع من منظورهم الخاص، حيث رأت الأستاذة المشرفة د: حياة قارة ـ في تصورها العام للبحث ـ أنه (مشروع غطى مساحة أندلسية واسعة.. يقدم تصورا واضحا، ينم عن جهد جهيد بذل في إنجازه...

وقد جاء امتدادا لقراءة فاحصة للتراث الأندلسي، حيث سبق له (أدي ولد آدب) أن قدم أطروحة لنيل ماجستير في موضوع: الإيقاع في المقامات اللزومية للسرقسطي، أبان فيها عن علو كعبه في الإبداع والتحليل والمناقشة لمنظومة الإيقاع في المقامات، واستطاع أن يخترق أسوارها، ليختبر الإيقاع الذي هو معناها وهيأتها.

وقد هيأته هذه الخطوة الأكاديمية الجادة للدرج في مدارج البحث الأكاديمي، ليخترق فضاء أندلسيا آخر هو المفاضلات الأدبية.

ولا يخفى على القارئ أن هذا الفضاء يم لا ساحل له، (خاض فيه الخائضون، وميدان ركض فيه الراكضون )، حسب عبارة أبي القاسم الكلاعي الأندلسي.

ويأبى الطالب ادي (ولد آدب) إلا أن يركض مع الراكضين في هذا المجال، ولكن في اتجاه مختلف، ليكشف عن آلية ومقاييس بها يختبر مضامين وحدود المفاضلات في الأدب الأندلسي.. بها استطاع أن ينفذ إلى عمق المفهوم... مما سمح له بصياغة شبكة من العناصر المتفاعلة، ساعدته على تأويل المفاضلات من خلال تصور عوالم ممكنة، تمتد في سلسلة من التناظرات، لتشمل مساحة واسعة من الثقافة الأندلسية.. ثم خلق حوارا بينه وبين هذه النصوص الممتدة في الزمان والمكان، عمد فيه... إلى تشييد معمارية للمفاضلات، وبناء أنساق لها، حيث حاول اكتشاف أفكار في التراث الأندلسي، وإعادة صياغتها وبنائها، وفق تصور يقرأ مثل هذه الأفكار، قراءة لا تنحصر في استنساخ ما راج قديما وحديثا حول المفاضلات، وإنما سعى إلى وضعها في بنية نظرية منسجمة، وإعادة ترتيبها وتنظيمها على أساس معرفتنا المعاصرة، والأسئلة التي يطرحها الوقت الراهن...

لأجل ذلك اعتمد على مناهج متنوعة، ليمتلك القدرة على التحليل والتفسير والتجديد في الرؤية).

أما الأستاذ د: سعيد يقطين فقد أكد في مستهل نقاشه أنه مسرور بالجهد الذي بذله الباحث في هذا العمل، الذي لا يمكن لقارئه إلا أن يخرج بخلاصات تؤكد المجهود الذي بذل في الإنجاز، وبالذكاء، وبالقدرة على تمثل الموضوع، وعلى إخراجه على الصورة التي اطلعنا عليها في هذا العمل.

فادي(ولد آدب) مثقف واسع الثقافة، إلى جانب كونه شاعرا متمكنا، وباحثا جادا يسعى دائما إلى التميز، وستظهر كل هذه العناصر في هذا العمل، لذلك جاءت الأطروحة ذات مميزات عدة: أولها: الشمول، لأنها حاولت أن تغطي الموضوع من كافة جوانبه الأدبية والثقافية، وجوانبه المتعلقة بالمرجعيات، وتحديد المفاهيم، إضافة إلى الإطلاع الواسع في هذا الموضوع الذي جعله تحت عنوان: المفاضلات

وأخيرا القدرة على لملمة هذه المادة الغزيرة التي حاول ـ بذكاء الباحث ـ أن يقدمها لنا من خلال أبواب ومباحث.

وقد أعرب الأستاذ يقطين عن إعجابه ـ على العموم ـ ببناء الأطروحة، ملاحظا أن القلق المعرفي الذي تحكم مركزيا في الباحث خلال إنجازها هو هاجس الإضافة العلمية إلى ما أنجزه السابقون، وقد حقق العمل جمع مادة لم تتأت للآخرين ـ حسب وجهة نظره ـ إلا أنه لاحظ غياب الالتزام الصارم بالمناهج الأكاديمية في هذا العمل، معتبرا ذلك آفة البحث الجامعي في لعالم العربي بأسره، مؤكدا ـ في الوقت نفسه ـ ثقته في جرأة الباحث وقدرته على الاستمرار.
وفي الأخير خلص إلى أن الموضوع واسع متشعب، وله علاقة بالمشاكل التي صارت تطرح في الوقت الراهن، مثل: إشكال الهوية ثقافيا وسياسيا وفكريا، وقضية الانتماء، فهو إضافة نوعية للأعمال التي تجيب عن الأسئلة الراهنة.

وقد رحب الأستاذ سعيد يقطين بالباحث ( المناقًش) بين هذه الزمرة من الباحثين (المناقشين)، معتبرا أن الجامعات بحاجة إلى أستاذ مثله، ولاسيما في بلده موريتانيا، قائلا- في شيء من الدعابة-: ( فما دام الشعراء يقبلونك بينهم ويجيزونك، فنحن كذلك نقبلك ونجيزك).

أما الأستاذ الليبي د: عبد الحميد الهرامة الخبير في الإيسيسكو، فقد ركز في بداية نقاشه على مزايا الأطروحة، معتبرا أن ( هذه الرسالة مفعمة بالحسنات:

وأولها: اطلاع صاحبها الواسع على تراث الأندلس، فليس من السهل أن تَسْتخَْرجَ هذه المعلومات الموزعة في ثنايا البحث من مجموع المكتبة الأندلسية دون أن تمر على غيرها من المعلومات المتعلقة وغير المتعلقة بموضوع البحث، وهو ما فعله الباحث ادي ولد آدب، بكفاءة مشكورة فقد كان له من الوقت والجدية ما يكفي لمطالعة مصادر تلك المكتبة ومراجعها، وتوظيف معلوماتها في أبواب محددة، وهي محمدة نشكرها له، ونشجعها في الباحثين الشبان الجادين.

وثاني هذه المزايا: الأسلوب الأدبي الجميل الذي صاغ به رسالته، وما يسنده من خيال واسع، واختيار موفق للألفاظ غالبا، وقد سبق أن عرفناه شاعرا فأضاف إلينا بهذه الأطروحة أنه ناثر مجيد أيضا.

أما ثالث هذه المزايا: فهي محاولته البرهنة على أحكام جريئة ساقها، وخالف بها بعض الباحثين أحيانا، فالجرأة على إطلاق الأحكام مذمومة من الباحث، ولكنها حين تكون مدعومة بالأدلة والحجج المقنعة تستوجب التقدير والثناء).

وقد قدم الأستاذ الهرامة مسردا طويلا لمجمل الأخطاء التي لاحظها في العمل، معتبرا أن الهدف منها هو محاولة استكمال جوانب النقص التي لا يسلم منها عمل بشري، وأنها لا تقلل من أهمية هذه الأطروحة القيمة، حسب رأيه.

وفي الأخير تدخل الأستاذ محمد مفتاح رئيس اللجنة، شاكرا الأستاذة المشرفة على دعوته للاحتفال بهذه الأطروحة، قائلا: إن ـ <الأستاذ الباحث الشاعر (ادي ولد آدب) ينتمي إلى مجوعة من الباحثين الموريتانيين، الذين أكرمهم الله بكثير من اللوذعية، والذكاء، والقدرة على التحصيل، وميزة الإنصات، واستطاعة الإنجاز، والأطروحة التي نناقشها خير برهان على ما أقول، فهي:

ـ أطروحة بكل معنى الكلمة، حيث حددت إشكالا، ثم بينت كيف تسلك الطريق التي ستحل هذا الإشكال.

ـ الأطروحة ليست ادعاء، وإنما قدمت البراهين عليها، وأنها مبوبة تبويبا جيدا، حسب ما ارتآه الباحث.

ـ أنها مصوغة بتنسيق وبأسلوب عربي مبين.

ـ أن القارئ يدرك بكل سهولة ويسر خصائص أخرى في الأطروحة، من بينها شساعة الحقبة التي تناولها الباحث.

ـ الأطروحة - أيضا - قد بينت سعة الإطلاع، التي هي لازمة عن هذه الشساعة، بحيث إنها تشير إلى عناوين تكون مكتبة ضخمة.

ـ لغة الباحث فيها أدب واحترام، وثقة بالنفس، والثقة بالنفس إحدى المكونات الأساسية للباحث المجيد.

ثم عرج بعد هذه الشذرات على بعض الملاحظات المنهجية، التي أخذها على البحث، متقاطعا - في أغلبها - مع الأستاذ سعيد يقطين، ومواطئا له أيضا في تعليل ذلك بتمرد روح الشاعر والمثقف على الرضوخ لصرامة المناهج الأكاديمية، مشيدا في الختام ( بهذا البحث المحقق للإمتاع والانتفاع).

وقد تكللت المناقشة بحصول الباحث على تقدير:

مشرف جدا،مع تنويه اللجنة بالجهد المبذول في الأطروحة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى