الأربعاء ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦
جولة مع:
بقلم فاروق مواسي

أعلمه الرماية كلَّ يومٍ

أعلمه الرماية كلَّ يومٍ
ولمَّا اسْتَدَّ ساعده رماني

هو من الأَبياتِ المشهورةِ الِّتي يُضرَبُ بِها المثَلُ فيمَن يُنكِرُ إِحسانَ مَن أَحسنَ إليهِ، ويُجازِيه بِالإحسَانِ إِساءةً، لنقرأ:

أُعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ
فَلمَّـا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمانِي
وَكَمْ عَلَّمْتُـهُ نَظْمَ القَوَافي
فَلَـمَّـا قَالَ قَافِيةً هَجـانِي

هذان البيتان منسوبان إلى مَعْن بن أَوس، ونجد ذلك في كتاب الحريري (دُرّة الغوّاص في أوهام الخواصّ)- تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ص 182، ويحيلنا المحقق إلى ديوان معن، ص 37.
يقول الحريري:

"الرواية الصحيحة فيه (استدّ) بالسين المبهمة، ويكون المراد بها السَّداد في الرمي، وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة التي هي بمعنى القوة".

المشهورُ في البيتِ الأَوَّلِ (فلمّـا اشْتَدَّ) بِالشِّينِ المعجَمَةِ، مِن الاشْتِدادِ والشِّدَّة، بمَعنَى: القُوَّةِ، يُقَالُ اشْتَدَّ الشَّيءُ، أيْ قَوِيَ وصَلُبَ، وشَدَّ عَضُدَه: قَـوَّاهُ.
هذا هو المشهورُ على ألسِنَـةِ النَّاسِ في هذا البَيت.

غير أن الرواية التي ترد في معظم كتب التراث- (اسْتَـدَّ) بِالسَّينِ المهمَلَة، مِن السَّدادِ بمعنَى: الاستِقَامة، والمرادُ: السَّدادُ في المرمَى، وقد نبَّه إلى هذا كثيرٌ مِن أهلِ اللُّغةِ في مصنَّفاتِهم ، كالخليلِ بنِ أحمدَ في (العَين)، والجوهريُّ في (الصَّحَاح)، وابنُ مَنظورٍ في (اللِّسان) وغيرُهم .
ورد في كتاب (العين) للخليل الفراهيدي:

"والسَّدادُ : مصدر ومنه السَّديد قال :

أُعلِّمُه الرِّمايةَ كُلَّ يَومٍ ... فلما استَدَّ ساعدُه رَماني"

في (لسان العرب) لابن منظور ورد أنَّ رواية (اشتدَّ) تصحيفٌ وليست بشيء.

قال ابن منظور :

" وأَما السَّداد بالفتح فإِنما معناه الإِصابة في المنطق- أَن يكون الرجل مُسَدَّدًا، ويقال إِنه لذو سَداد في منطقه وتدبيره، وكذلك في الرمي، يقال: سَدَّ السَّهْمُ يَسِدُّ إِذا استقام، وسَدَّدْتُه تسديدًا، واسْتَدَّ الشيءُ إِذا استقام وقال:

أُعَلِّمُه الرِّمايَةَ كلَّ يومٍ .... فلما اسْتَدَّ ساعِدُه رَماني

قال الأَصمعي اشتد بالشين المعجمة ليس بشيء".

قال ابن بَرَِي : هذا البيت يُنسب إلى معن بن أوس قاله في ابن أخت له، وقال ابن دُرَيد هو لمالك بن فهم الأزدي، وكان اسم ابنه سُلَيمة، رماه بسهم فقتله، فقال البيت.

قال ابن برّي: ورأيته في شعر عَقيل بن عُلَّـفة في ابنه عُميس حين رماه بسهم،
وبعده البيت:

فلا ظفِرتْ يمينُك حين ترمي
وشُلَّتْ منك حاملةُ البَنانِ"

انتهى كلام ابن منظور ...

أما الشاعر فالغالب في كتب الأدب -وهي كثيرة- أنه أوس بن مَعْن المُزَني، وهو شاعر مخضرم (ت. 683م)، وذلك من قصيدته التي يقول فيها :

فَيَا عَجَبًا لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً
ألقَّمُهُ بأطْراَفِ الْبَنَانِ
أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ
فَلَمَّا اسْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي
فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني
أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ
فَلَمَّا طَرَّ شارِبُهُ جَفَاني

وهناك من ذهب إلى أن الشاعر هو امرؤ القيس، وهو الصفدي في كتابه (تصحيح التصحيف وتحرير التحريف)، ص 133:

"ويقولون: اشتدّ ساعِدُه، والصواب: اسْتَدّ بالسين المهملة، المراد به السداد في المَرْمَى، وعليه قول امرئ القيس:

أعلّمُه الرمايةَ كُلَّ يومٍ ... فلما استدّ ساعِدُه رَماني

وقد رواهُ بعضُهم بِالشِّينِ المعجمَةِ، وأرادَ به القُـوَّةَ، والذي رواهُ أبو يعقوب بنُ خُرَّزاد وغيرُه مِن جِلَّة العُلماءِ بِالسِّين غير معجمَةٍ.

قالَ: وسَمِعتُ أبَا القَاسمِ بنِ أبي مخلدٍ العُمانيَّ يأخذُ على رجلٍ أنشدَه بحَضرتِه بِالشِّينِ، فقالَ: مَعنَى (اسْتَدَّ): صارَ سَديدًا، والرَّميُ لا يُوصَفُ بِالشِّدَّةِ، وإنَّما يُوصَفُ بِالسَّدادِ.

قلتُ : الرِّوايةُ الصَّحيحةُ لِلبَيتِ كما تبيَّن بِالسِّينِ المهملَة ، والمعنَى عليها أَبلَغُ".

ملاحظتي:

لم أجد البيت في ديوان امرئ القيس كما ذهب الصفدي، ولم أجد ذكرًا له في أي سياق للقصة التي تتحدث عن ابن قتل أباه.

أما الرواية الأخرى فالشاعر هو مالك بن فهم (ت. نحو 157م)، وإليك الخبر:
(قتل سليمة لأبيه مالك بن فهم)

اتخذ مالك من أولاده حرسًا له حيث كان يحرسه في كل ليلة واحد منهم، وكان يحب أصغر أولاده سليمة، ويخصه بالعناية ويعلمه الرماية.

حسده أخوته، فقام نفر منهم إلى أبيهم، فقالوا: يا أبانا إنك قد جعلت أولادك يحرسون بالنوبة، وما أحد منهم إلا قائم بما عليه ما خلا سليمة، فإنه اضعف همة وأعجز منّة، وإنه إذا جنّه الليل في ليلته يعتزل عن الفرسان، ويتشاغل بالنوم والغفول عما يلزمه، إلا ان مالك لم يقتنع بذلك، ورد الأبناء المحاولة حتى ملأ الشك قلبه.

قرر مالك مراقبة ابنه في نوبته، وقد كان سليمة على رأس الفرسان يحرس إلى أن جنّهم الليل، فبينما هو كذلك إذ أقبل مالك في جوف الليل متخفيًا لينظر فعل سليمة، فانتبه سليمة من صهيل خيله، وهي تصهل بقدوم دخيل، ففوّق سهمه في كبد قوسه، فأحس مالك بذلك[.....] فقال مالك قبيل موته جراء تلك الرمية:

فَيا عجبًا لمن ربَّيت طفلاً
ألقّمه بأطراف البَنانِ
أُعلّمهُ الرِّماية كل يوم
فلمَّا استدَّ ساعِدهُ رَماني
وكم علَّمْتهُ نظم القوافي
فلمَّا قال قافيهُ هجاني
أُعلّمه الفُتوَّة كل وقتٍ
فلما طَرَّ شاربُه جفاني
جـزاني لا جزاه الله خيرًا
سُلَيمة إنه شرًا جزاني

(صدر البيت الأخير ورد في رواية أخرى: جزاه الله من ولدٍ جزاء ........إلخ)

ولسليمة شعر قاله ندمًا على رمايته لأبيه.

يورد ابن دريد القصة في كتابه (الاشتقاق)، ص 497 وهناك قرأت شكل الاسم مختلفًا (سَلِيمة) بفتح السين، (وليس كما روى صاحب اللسان بلفظ= سُلَيمة)، وذُكر
في الاشتقاق أن مالكًا قتل أباه، وأضاف بعد البيت: "ويُروى اشتدَّ".

أخلص إلى القول أن الغالب في الروايات هو (استدَّ) بالسين، وأن الشاعر هو معن بن أوس، وأختم بما قاله الثعالبي في (لباب الأدباء) في مادة (معن بن أوس):
"ومن أمثاله السائرة...

أعلمه الرواية كل يوم
فلما قال قافية هجاني

وهذا من الحسن على ما لا خفاء به."

ولاحظنا هنا كذلك أن صدر البيت اختلف، فبدلاً من "وكم علمته نظم القوافي" ذكر الثعالبي: "أعلمه الرواية كل يوم".

إضافة في هذا السياق:

في الأمثال ورد:

سمّن كلبك يأكلك، جزاء سِـنِـمَّـار، يلاقي الذي لاقاه مجير أم عامر...
وفي الدارجة:

خيرًا تعمل شرًا تلقى. بدل المعروف لطّ كفوف ...إلخ


مشاركة منتدى

  • الرواية بالشين أقوى وأصح لأنه يصف الساعد ولا يصف الرمي ولا الرامي، وإذا ضبطناها من حيث الإعراب تبين لنا أن ساعده فاعل مرفوع للفعل اشتد ولا يقال استد للساعد، وقد تقال للرامي لكنها هنا تعود للساعد والهاء في ساعده ضميرعائدعلى الرامي
    وإني وإن كنت الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل

  • السلام عليكم استغربت لمن ينسب هاده القصيده لمعن ابن اوس
    وهي وواضحه وضوح ااشمس من هوا قائلها وهوا( مالك بن فهم)و قالها علا فراش الموت ودكر في القصيده كل الاحداث والحروب الي صارت من خروجه من اليمن حتا وصل (المزن) ا=عمان ودكر فيها اسم ابنه سليمه الي رماه ب السهم
    اقرؤ تاريخ مالك بن فهم
    اتمنا ممن قرا رسالتي ان يعدل الخطا ولا حاجه لنشر التعليق

  • مشكورون على ما تفضلتم به

  • لوغاب عني العشق وبقى ممنوع قولي ياعشيقتي مين حيسكن بين الضلوع خلي قلبي يعشق وأسمع أوتاردقاتو بالحب ترن نبضاتو ومايكونشي مخلوع تزهى القلوب لماتتلاقى وكل ممنوع عنديهايصبح مشروع <خواطرع ارف> 07/11/201

  • نبيك انا نبيك نحبك ونموت عليك
    ارحمي قلب حبيبك راهو راهو يبغيك
    ليش عملتي حكايه انت هواياوداية
    انت روحي غزالي ارجعي ربي يهديك
    نسيت لي عملتو معاك نسيت كلامي وياك
    اما انت تبقى حبيبتي وعمري اناماننساك
    حرقني الشوق و المحبة وانا قلبي فداك
    ارجعي لي يالعزيزة تزهى و نزهى وياك
    نبغيك انانبغيك نحبك وذايب فيك
    ارحمي قلبي ياحمامة رآه ڨتلوني عينيك
    <<خواطرع ارف>>🍁
    03/07/2017

  • قال القصيده هو مالك بن فهم الازدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى