الأربعاء ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٤
بقلم أشرف شهاب

أكرم سلمان.. فنان شاب من الزمن الجميل

أكرم سلمان واحد من المطربين المبدعين الشباب. استمعت إلى صوته للمرة الأولى فى إحدى السهرات بإحدى الخيمات الرمضانية التى تنتشر بكثرة فى هذا الشهر الكريم. كان يتألق على خشبة المسرح كطير مغرد، يحلق فى سماء القلوب بصوته، ويشدو بكلمات وألحان أعادتنا إلى زمن الفن الجميل. لذا، نود أن نذكركم بهذا الإسم لأننا نتوقع له مستقبلا باهرا فى عالم الغناء العربى. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود إلتقى أكرم سلمان ودار بينهما الحوار التالى:

ديوان العرب: نود أن نبدأ بأن تقدم نفسك لقرائنا الأعزاء..

أكرم سلمان: حضرت إلى مصر منذ 12 عاما على وجه التقريب. ودرست فى المعهد العالى للموسيقى. وبعد تخرجى تم إعتمادى كمطرب فى الإذاعة المصرية سنة 94. وقد أنتج لى التليفزيون المصرى أغنيتين. كما شاركت فى عدة حفلات منها "ليالى التلفزيون". ولى فى الأسواق شريط كاسيت واحد اسمه "طال البعاد"، وقريبا إن شاء الله سأطرح ألبومى الثانى.

ديوان العرب: كيف بدأت قصتك مع الغناء؟

أكرم سلمان: بدأت الموهبة عندى وأنا صغير فى الصف الخامس الإبتدائى.. وكانت ضمن النطاق الأسرى فى سوريا.. والحمد لله أن رزقنى بأسرة متذوقة للفن. ولكن والدى كان حريصا جدا على مستقبلى الدراسى فكان يشجعنى على الغناء، ولكنه رفض أن أتعلم العزف على العود حتى لا أنشغل به عن طلب العلم. فبدأت مغامرة التعلم على العود عند أحد أصدقائى من أبناء الجيران. وعندما شعر والدى بأن هناك موهبة حقيقية وليست مجرد "نزوة طارئة" قرر دعمى بكل السبل، وفعلا إشترى لى العود الذى كنت أريده فى الصف السادس الإبتدائى. ومن يومها بدأت بتطوير موهبتى، وشاركت فى فريق المدرسة، وفى الحفلات التى كانت تقام فى المدارس والجامعات السورية.

ديوان العرب: أنت من سوريا، وسوريا بلد من البلاد التى قدمت للفن العربى عمالقة فى فن الغناء.. فلماذا لم تفكر فى الاستمرار فى سوريا بدلا من القدوم إلى مصر؟

أكرم سلمان: بدأت قصة تفكيرى فى القدوم إلى مصر فى المرحلة الثانوية العامة، وكان لى أستاذ من خريجى "المعهد العالى للموسيقى" فى مصر. فقال لى: "يا أكرم.. سبيلك الوحيد للنجاح هو أن تسافر إلى القاهرة.. عاصمة الفن العربى".. وبالفعل فتحت لى هذه النصيحة أبواب النجاح.. وعلى الفور اتصلت بأختى المتزوجة من لبنانى وتقيم بالقاهرة، وطلبت منها أن ترسل لى تأشيرة دخول لمصر.. وفعلا.. جئت إلى القاهرة.. وبدأت مشوارى الفنى.. وبدأت الغناء فى مصر وأنا ما زلت طالبا بالمعهد بتشجيع من زملائى.. وغنيت فى العديد من الحفلات فى النوادى، والصالونات الثقافية. وبعد تخرجى من المعهد بدأت عام 1997 فى إنتاج شريط كاسيت بعنوان "طال البعاد". وبعد نزول الشريط للأسواق دعمته بعدة حفلات، وأغنية فيديو كليب.

ديوان العرب: من الذى أنتج لك هذ الشريط؟

أكرم سلمان: أنا الذى أنتجته لنفسى.. والسبب هو أننى وجدت أن المنتج أصبح تاجرا يريد أن يبيع سلعة وأن يكسب من ورائها.. ولم يكن هذا هدفى.. فقررت أن أنتج لنفسى حتى أحافظ على هويتى وشخصيتى الفنية.. كنت أفكر أن هناك العديد من النجوم الذين يملأون الساحة الفنية وبالتالى يجب أن أتميز وأن أقدم ما يعبر عن أكرم سلمان لا عن ما يريده المنتجون.

ديوان العرب: هل تعتبر إنتاج الشريط أحد عوامل نجاح المطرب؟

أكرم سلمان: عندما يستمع الجمهور إلى أكرم سلمان يتساءلون.. هل لديك شريط فى الأسواق؟ وبالتالى تكاملت فكرة تثبيت وجودى فى الوسط الفنى مع فكرة الشريط حتى يتذكر الناس أكرم سلمان عند عودتهم إلى المنزل... ومن هنا يعتبر الشريط الكاسيت من عوامل تثبيت نجاح المطرب.

ديوان العرب: ألا تشعر أن الفضائيات قضت على هذه الفكرة؟

أكرم سلمان: أنتجت الشريط عام 97، وحتى عام 98 لم تكن القنوات الفضائية قد أثرت بقوة على سوق الكاسيت. صحيح أن الفضائيات نجحت فى شد الجمهور ولكن لها جوانبها الإيجابية والسلبية. فمن إيجابياتها أنها تساهم فى نشر الفنان.. ولكن من سلبياتها أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام مطربين لا يستحقون التقدير. فبعض هؤلاء يسجل أغانيه فى الأستوديو، ومع صوته أربعة تراكات. ولكنه عندما يواجه الجمهور لا يستطيع أن يغنى. وبالتالى يلجأ إلى حيلة "البلاى باك". وهذا النوع من النجوم تنحصر موهبته فى الغناء فى الأستوديو وفى التليفزيون. وقد إنتشر هذا النوع من الحيل التى لا يقوم فيها المطرب سوى بتحريك فمه فقط مع الكلمات دون الغناء.. وإنتشرت هذه الحيلة فى أغلب البرامج.. وأصبح الناس يدركون هذه الخدعة عندما يجدون أن صوت المطرب فى واد وحركات فمه فى واد آخر، والموسيقى فى واد ثالث.

ديوان العرب: ذكرت أنه تم إعتمادك كمطرب فى الإذاعة المصرية.. فما أهمية هذه الخطوة لك كمطرب؟

أكرم سلمان: طبعا.. بعد قدومى لمصر تلقيت نصائح بالتقدم للاعتماد فى الإذاعة المصرية، ولجنة الاعتماد هذه تضم فى العادة فطاحل الغناء والموسيقى فى مصر والعالم العربى.. ووقتها كان فى اللجنة الفنان الكبير سيد مكاوى رحمة الله عليه، والفنان محمد الموجى، والفنان محمد سلطان، والموسيقار حلمى بكر. كل هؤلاء كانوا موجودين فى اللجنة إضافة إلى الموسيقار الكبير المرحوم أحمد فؤاد حسن. وكانت لجنة موحدة أى للاعتماد للغناء فى الإذاعة والتليفزيون معا. ودخلت أمام اللجنة وأنا ممتلىء رعبا.. أن أغنى أمام هؤلاء وهم علامات بارزة فى تاريخ مصر الفنى.. والحمد الله أكرمنى الله، وأديت أداء جميلا جدا.. وتم إعتمادى، ودخلت التلفزيون. وطلبوا منى بعض الأغانى.. ووافقوا على تصوير أغنيتين كانتا باللهجة المصرية هما أغنيتا "طال البعاد" و "إخترتك حبيبى". وكما هو معروف فإن التليفزيون لا ينتج إلا للمطربين الذين يقتنع جدا بموهبتهم. ثم دعانى التليفزيون لإحياء لياليه المختلفة. وبهذه المناسبة أود أن أشكر التليفزيون المصرى على دعمى وعلى وقفته معى، ومع الأصوات الجميلة. فالتلفزيون المصرى له تأثيركبير جدا فى نجاح المطرب.

ديوان العرب: ولكن التليفزيون المصرى يفرض قيودا على الفنان الذى ينتج له..

أكرم سلمان: هذا من حق التليفزيون، فليس من المعقول أن ينزلق إلى هاوية تقديم الأغانى التى تخدش قيم المجتمع وتقاليده.. الفضائيات مفتوحة للجميع.. هذا صحيح.. ولكنها ليست فى متناول كل أسرة فى مصر والعالم العربى.. والتليفزيون المصرى يلعب دورا هاما لأنه يدخل كل بيت.. وبالتالى لن اقبل أنا ولا كثير من المواطنين أن يطلع علينا التليفزيون المصرى بأغانى لا قيمة فنية لها، أو مصورة بطريقة مثيرة للغرائز بحجة أن التليفزيون يجب أن يتماشى مع مسيرة التحديث والتطوير.. هذه مقولة خاطئة، وحق يراد به باطل.

ديوان العرب: ولماذا لم تفكر أنت ايضا فى اللجوء لهذا الأسلوب؟ ألا تسعى للربح؟

أكرم سلمان: لا.. لا أسعى للربح.. الحمد لله أن حبى للغناء يجعلنى أتمسك بالقيمة الفنية أكثر من التمسك بالسعى وراء الربح.. وأنا مستعد لبذل المزيد من التضحيات فى سبيل أن أقدم فنا محترما يجعلنى أرفع رأسى فى أى مكان أذهب إليه، ويجعل الناس تطلبنى بالاسم حتى فى حفلاتهم العائلية. أصعب نقطة فى حياة الفنان هى أن يحدد شخصيته ولا يترك نفسه لأمواج السوق، ورياحه العاتية..

ديوان العرب: لماذا لجأت للغناء باللهجة المصرية؟

أكرم سلمان: كان من الضرورى لى أن أغنى باللهجة المصرية لأنها لهجة القاعدة العريضة من الجمهور على مستوى العالم العربى، كما أنها لهجة مفهومة فى معظم مناطق العالم العربى.. ومن هنا بدأت الغناء باللهجة المصرية كبداية بهدف تحقيق الإنتشار.. فى البداية كانت المسألة صعبة.. ولكن اللهجة المصرية كانت محببة إلينا منذ الصغر.. شاهدناها فى الأفلام والمسلسلات والمسرحيات المصرية.. وتأثرنا بها جميعا.. وعندما بدأت الغناء كانت هناك لكنة غير مصرية فى صوتى.. فتدربت كثيرا حتى أجدت الغناء بها.. وقدمت 7 أغانى باللهجة المصرية.. وبعدها بدأت فى تقديم ما يميزنى كأكرم سلمان.. قلت لنفسى: "يجب أن يعرف الناس أننى سورى".. وقدمت أغنية سورية لقيت نجاحا كبيرا.. وكانت هذه بداية جديدة.. أعجبت الجمهور والصحفيين الذين وقفوا بجوارى وكتبوا عنى أشياء جميلة.

ديوان العرب: ولكن هناك الكثير من الفناني العرب وبينهم على سبيل المثال الفنانان السعوديان محمد عبده والمرحوم طلال مداح.. جاءا إلى مصر ولم يغنيا باللهجة المصرية..

أكرم سلمان: صحيح.. ولكن لا يوجد مقارنة بين الجيل الصاعد وجيل العمالقة من أمثال الفنان الكبير محمد عبده أو الفنان طلال مداح رحمه الله. هؤلاء مطربين لهم وزنهم وثقلهم الفنى.. زمان الناس كانت تحب الإستماع إلى الطرب.. يعنى طلال مداح أو محمد عبده أو صباح فخرى.. وهناك نقطة ثانية أحب توضيحها.. الأغنية الخليجية ما زالت إلى الآن محتفظة بعذريتها.. بمعنى أنها مازالت محافظة على عمق الكلمة.. واللحن.. ولديها من الإمكانيات للصرف على الأغنية.. وعلى التوزيع.. ولهذا تجد الأغنية الخليجية ناجحة.. وبدأت تغزو العالم.. وأنا شخصيا أعتبر أنه لا توجد سوى لهجة واحدة فى الفن.. مفيش حاجه إسمها ده مصرى، سعودى، سورى.. لا.. لأن سلم الموسيقى عبارة عن 7 حروف نغنيها من المشرق للمغرب.. لكن القوالب هى التى تختلف حسب شكل وطبيعة البلد.. خذ على سبيل المثال لماذا أحببنا أغنية "مرسول الحب" رغم أنها مغربية؟ ولماذا نحب الاستماع للطفى بوشناق؟ وللمطرب الكبير أبو بكر سالم بلفقيه؟

ديوان العرب: متى تغضب من النقد؟

أكرم سلمان: أحب النقد البناء، وليس الهدام.. يعنى مثلا ممكن أشوف وجهة نظر أشرف، وأفكر فيها.. لأنك مثلا فاهم فى هذه النقطة.. وتقول كلاما صحيحا.. وفى أوقات أخرى أغضب عندما يأتى أحدهم وينتقدنى أو ينتقد اللحن بينما هو لايفقه فى الموسيقى شيئا.. هنا أغضب.. ولكن لو شعرت أن الناقد لديه وجهة نظر، ويفهم فى المجال الذى ينتقده فإننى أحترمه.

ديوان العرب: ما الذى يجعلك تستمتع وأنت تغنى أمام الجمهور؟

أكرم سلمان: شوف يا أشرف.. أنا متعتى أننى لو قلت ياليل أو غنيت موالا أن أسمع أحدهم يقول.. الله.. أو يا سلام عليك.. يعنى التصفيق ليس شرطا.. ولكن المهم أن يستمتع الجمهور وأن يتمايل.. عندها أشعر أننى دخلت إلى داخل إحساسه، وقلبه.. وتركت فيه تاثيرا إيجابيا. ولكن هناك بعض المطربين الذين نجدهم يطلبون من الجمهور التصفيق.. أو الرقص.. لا يمكننى أنا أن أفعل هذا الشىء.. يجب أن تخرج هذه الأحاسيس بشكل تلقائى، وليس بناء على طلب منى.. هذا ما أسميه القبول.. وأى مطرب يجب أن يكون له قبول عند الناس.. وإلا سيفشل.. لأنه لو عمل المستحيل بصوته دون أن يكون هناك قبول من الجمهور فلن ينجح.
والقبول موهبة من عند الله يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء.

ديوان العرب: الأغنية القادمة من لبنان استطاعت أن تجد لها مكانا كبيرا على خارطة الغناء العربى.. ألا يمكن لهذا أن يسحب البساط من تحت أقدام القاهرة كعاصمة للفن؟

أكرم سلمان: لا.. لأن التاريخ لا يمكن سحبه من أحد.. القاهرة ستظل الجبل الأكبر فى عالم الفن، والقلعة الحصينة المتينة.. فنحن ما زلنا إلى الآن نأخذ من أم كلثوم، ومن عبد الحليم حافظ، ومن محمد عبد الوهاب.. بل إن المطربين اللبنانين يأتون إلى مصر لتسجيل أغانيهم، وللحصول على ألحان.. الفارق الوحيد أن وسائل الإعلان عندهم مفتوحة جدا.. وهم منتشرون فى العالم كله.. فمثلا ذهبت مرة للغناء فى نيجيريا.. وجدت هناك لبنانيين.. ويتمتع الشعب اللبنانى بحبه للفن.. وهناك مطربين مصريين منتشرين فى الخارج ولهم جمهور كبير مثل عمرو دياب، إيهاب توفيق، هانى شاكر..

ديوان العرب: هل بقى أحد من جيل من نسميهم "السميعة"؟ أم راح هذا الجيل وبقى جيل الأغانى التيك أواى؟

أكرم سلمان: ما زال هناك ناس سميعه.. حتى فى وسط أجيال الشباب..هناك شباب لا يتعدى عمرهم 23 سنة.. ومع ذلك يحبون سماع "الحاجات الثقيلة". ومن واقع خبرتى فى الاحتكاك المباشر مع الجمهور.. أجد من يطلبون منى أغنية لعبد الوهاب أو وديع الصافى أو ناظم الغزالى.. ألا يدل هذا على شىء؟؟ فى إحدى المرات فوجئت بطفلة لا يزيد عمرها عن 7 سنوات تطلب منى غناء قصيدة "إغضب" لأصاله.. ولكن جيل الشباب يحبون أيضا الأغانى الحديثة السريعة.. وبالتالى يجب أن يكون لدى المطرب القدرة على التنويع.. يعنى يكون معاك السلطنه.. وتعرف كيف تطرب المستمع.. وتعرف أيضا كيف تفرفشهم وقتما يريدون الفرفشة. وهنا سيحترمك الناس.. عندما يشعرون أنك قادر على غناء الموال وغناء الأغنية الخفيفة ولست قاصرا على نوع واحد فقط.

ديوان العرب: هل تختلف أذن المستمع العربى من بلد لآخر؟

أكرم سلمان: الأذن هى الأذن.. لا تختلف.. ولكن الذى يختلف طبيعة البلد.. لكن كجمهور لا يوجد اختلاف. وفى مصر ستجد عربا من كل الجنسيات.. يعنى أنا غنيت فى مكان تتوافر فيه جميع الجنسيات العربية.. من الخليج للمحيط.. وغنيت بلونى الشامى..وباللون المصرى، والخليجى.. ووجدت ترحيبا من المستمعين.. هنا نجد أنه لا فارق فى الأذن، الموسيقى العربية هى الموسيقى.

ديوان العرب: فى مثلث العلاقة بين المطرب والملحن والمؤلف.. ما هو أهم عنصر لنجاح الأغنية؟

أكرم سلمان: العلاقة كما قلت أنت عبارة عن مثلث.. يعنى العناصر الثلاثة مهمة، ولا بد من التلاحم فيما بينهم لتنجح الأغنية.

ديوان العرب: لماذا نفتقد التنافس الشريف بين المطربين؟

أكرم سلمان: للأسف لم تعد هذه القيمة موجودة.. وأنا أزعل جدا عندما أجد فنانا يشوه صورة فنان آخر أمام الجمهور. يجب أن يتمتع الفنان بعقلية واسعة وقدره على التسامح والتنافس الشريف بهدف تقديم الأفضل وليس بهدف هدم الآخرين.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى