الأحد ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم رندة زريق صباغ

أمجد ناصر... لروحك السلام من عيلبون

الزمان: تموز 1997

المكان: باحة فندق القدس الدولي- عمان، مقر الشعراء والأدباء

الحدث: مهرجان جرش الدولي للثقافة والفنون.

المتواجدون: الشعراء (زليخة أبو ريشة- الأردن)، (زاهي وهبه- لبنان)، (هنري زغيب- لبنان)، (جريس سماوي- الاردن)، (عمر الفرا- سوريا)، (عزة بدر-مصر)، (فدوى طوقان- فلسطين)، (قاسم حداد- البحرين)، (المتوكل طه- فلسطين) و المدرب والكاتب (ماهر سلامة). اضافة لهذه الكوكبة انضم الشاعر الأردني أمجد الناصر -الذي رئس تحرير الملحق الأدبي لجريدة القدس العربي الصادرة في لندن والذي ساهم بإنشائها عام -1987، لتتحوّل هذه الجلسة لصالون أدبي ثقافي بامتياز.

بما أنني الوحيدة من فلسطين الداخل/48/الخط الأخضر فقد لاقت مداخلاتي الاستحسان وزادت الجمع حب استطلاع ومعرفة عن وضعنا وحالنا ومعيشتنا في أرض الأجداد المحتلّة
كسفيرة الوطن، ذكرى التاريخ، ألم الحاضر وكناطقة بلسان والدي وجدي وعموم أبناء قريتي فقد جادت قريحتي بكل ما أعرفه وما حكاه لي أبي، فأصغى الحاضرون لما أسرد من وجع.
كان اهتمام الأستاذ أمجد ظاهرا خاصة أنه والاّخرين لم يسمع تلك الحكاية من قبل، ولم يلتق كغيره من الحاضرين بكثير من فلسطينيي الداخل إذ كنا بالنسبة لبعضهم كمتهم يبحث عن براءته حتى يثبت مؤكداً انتماءه الفلسطيني والعربي. وأما أنا فكانت هذه فرصتي التي استثمرتها أفضل استثمار.

بدأ رحلته مع الكتابة قبل نحو أربعين عاماً من عمان، وتنقل ما بين بيروت، وقبرص، وصولاً إلى لندن، التي استقر فيها في سنواته الأخيرة، بعد محطات من الهجرة، التي حملت معها محطات في الكتابة في الشعر والسرد، تشعبت بين الكتابة عن الأمكنة، أدب الرحلة والرواية، قرر أن يعود لمسقط رأسه في سنواته الأخيرة فهو الأصيل الذي لم تغيره المدن ولم تقتلعه الرحلات وبقي على العهد، نصير الفقراء والبسطاء، صديق الثوريين اليساريين الحالمين، لذلك ناضل مع الفلسطينيين وقاتل مع اللبنانيين، هو الزوج المحب الذي تبرع بكليته لزوجته هند ليثبت من جديد انسانيته العظيمة وتضحيته اللا متناهية.

له نحو عشرين كتاباً في الشعر والرواية وأدب الرحلات، وتم منحه في الأردن جائزة الدولة التقديرية في الآداب. كذلك نال جائزة محمّد الماغوط للشعر من وزارة الثقافة السورية.
كان لي شرف محاورته لصالح جريدة الاتحاد وراديو 2000، ورداً على أحد أسئلتي قال:- "صرت أمجد حين تركت المفرق وعمان والزرقاء نحو لبنان أرض الأرز. كنت كما كثيرون منتكسين وحالمين في الوقت ذاته وقد اعتقدنا أن المقاومة هي أضعف الإيمان.... بيروت كانت حلمنا لتحقيق ذلك في الرفض والحرية، كانت حلم الشعر والشعراء، أحلام الحياة والمجهول.
بدا لنا مثقلاً وتعباً لكنه متفائل ودمث الأخلاق، ليس مرحاً ولا جاداً بل عادي هو، عليك أن تقرأ قسماته لتفهم ما يجول بخاطره

قبل أن يتفرق الجمع قال لي الأستاذ أمجد ناصر:-"جريدتنا ترحب بمقالاتك وموادك خاصة تلك التي تتحدثين فيها عن تهجير قريتك والمجزرة التي راح ضحيتها جدك والرجال، اكتبي وانشري هذا التاريخ قبل أن يندثر".... وناولني بطاقة كتب عليها اسمه،هاتف ورقم الفاكس الجريدة.

وهكذا كان... كتبت ونشرت أول مقالة جدية ورسمية عن تاريخ عيلبون في 30/10 من ذلك العام نشرت في الاتحاد وفي القدس العربي بالتوازي، لأعي اليوم أن ذلك الأمجد كان أول من شجعني على هذا النهج السنوي, وها هي السنون تدور وتدور ليختار هو أن يموت في ذات التاريخ مذكراً ايّاي ومؤدبا لأنني لم أكتب هذه المرة عن مجزرة وتهجير عيلبون، فبعد رحيل والدي ظننت أنه لا قوة لي لذلك، وكنت قد ودعت تشرين وأيار في مقالتي الأسبوع الماضي.
ها هو الكون يعطيني علامات من جديد بأن انهضي وتابعي مشوارك، فإن توثيق التاريخ وايصال صوت من لا صوت لهم هي رسالتك في الحياة وإيّاك أن تتخلي عنها.

ها أنا ذا اقترف ذات الخطأ وأكتب عن الراحل بدل أن أكتب له في حياته، لست أفهم كيف ولماذا لم أنتبه لذلك قبل اليوم.

يحيى النميري النعيمات ويشتهر باسم أمجد ناصر (1955 - 2019) هو أديب وشاعر أردني مقيم بلندن، كان يعمل في صحيفة القدس العربي في لندن منـذ صدورها عام 1989. يعتبر من رواد الحداثة الشعرية وقصيدة النثر. صدر أول ديوان شعري له في عام 1997 بعنوان
(مديح لمقهى آخر). توفي في 30 أكتوبر 2019 بعد صراع مع المرض، وقد ناهز 64 عام.

لروحك الرحمة والسلام من عيلبون ومن حيفا ومن سائر فلسطين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى