الثلاثاء ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٢١
بقلم فرغلى هارون محمد

أمنيات «ابن محروس» لأبناء العرب!!

الكتابة للأطفال مهمة شاقة لا يتصدى لها إلا أولي العزم في الكتابة، خاصه أولئك الذين يحملون على أكتافهم هموم أمتهم وقضاياها المؤرقة، ويرنون بأبصارهم إلى مستقبلها ومستقبل أبنائها، مستشرفين بعقولهم وإبداعاتهم غدها الأجمل.

ويعتبر الأديب المصري (رضا محروس حفني) أحد هؤلاء المبدعين الذين لم يكتفوا بالتميز في مجال القصة والرواية والشعر، وإنما حاول اقتحام الميدان الأصعب، ميدان الكتابة للأطفال، لتأتى مجموعته القصصية (أمنية للشمس) الصادرة في مارس 2021 عن المركز القومي لثقافة الطفل بمصر، لتعلن بوضوح جدارته ككاتب لأدب الطفل، بعد أن أثبت جدارته في ميدان الكتابة الإبداعية للكبار.

حيث فاز بجائزة سوزان مبارك لأدب الطفل عن قصة (بطل من قريتي)، والمركز الأول لمسابقة اقرأ الثقافية، كما صدر له من قبل (البنت ذات الضفائر) و(للموت أسباب أخرى) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، كما نُشرت قصصه وأشعاره في العديد من الدوريات المصرية والعربية.

أما هذه المجموعة الموجهة للأطفال، فتعرض لخمس قصص مختلفة، في أسلوب سردي سلس، يناسب عقلية الطفل، ويستميل قلبه إلى كل قصة يقرأها أو تُقرأ له، ليُعايشها بخياله وكأنه بطلها التي كُتبت القصة لتروي عنه وتصف حاله وتدلي بمقاله.

وخلال ذلك تسعى كل قصة لغرس قيمة أساسية وهامة في نفوس أطفالنا وعقولهم، في زمن انحسرت فيه من النفوس كثير من القيم، بل وأحياناً مفهوم القيم ذاته!!.
بداية، تأخذنا قصة (عقرب الثواني) في سرد مترقب لمصير هذا العقرب المتمرد على عمله وواجبه، لينتقل الطفل عبر سطورها بين حجج عقرب الثواني الذي تعب من كثرة الحركة والعمل المستمر، ويريد أن يخلد للراحة، أو على الأقل يتحرك بمقدار حركة أخيه الأكبر عقرب الساعات، وبين محاولات أخويه عقرب الدقائق وعقرب الساعات لإقناعه بأهمية دوره وضرورة عمله لاستمرار عمل الساعة ككل، ولكن عقرب الثواني يرفض كل محاولاتهما لإعادته إلى سيرته الأولى من النشاط والجد في العمل، فينتهي به المطاف إلى أن يُلقى في سلة المهملات، بعد أن تم نزعه من الساعة، واستبداله بغيره، لأنه كما تختم القصة: "لا مكان بيننا لكسلان"، فالعمل هو ما يعطى لحياتنا قيمة ومعنى، وعندما نرفض القيام بواجبتنا، ونركن إلى الكسل والراحة، فإن وجودنا نفسه يصبح بلا قيمة أو جدوى.

أما قصتي (المئذنة) و(النخلة) فتؤكدان على قيمة الاستمرارية في الحياة رغم العقبات والصعوبات، بل ورغم الموت نفسه، فالحياة لا تقف على أحد، والعمل الصالح يظل مستمراً ومثمراً حتى وإن غاب مصدره، فسرعان ما سيخلفه امتداده، مصدر آخر يكمل المسيرة، ويواصل العطاء.

وفي قصة (حكاية قبل النوم) يحاول الكاتب غرس قيمة الصبر وعدم التعجل في نفوس قراءه الصغار، فما يراه الطفل اليوم بعيداً، سيكون غداً أكثر قرباً، حتى يأتي اليوم الذي يحصل فيه على ما يريد، ويحقق فيه ما يتمنى، فقط عليه تعلم فن الصبر وعدم الاستعجال.

وأخيراً، تأتي قصة (أمنية للشمس) التي جعلها الأديب عنواناً لمجموعته، لتعيد التأكيد بشكل أكثر وضوحاً على قيمة العمل والنشاط ورفض الكسل، وتبرز أهمية المثابرة والاستمرارية من أجل الوصول إلى الهدف الذي نريده، ليس هذا فقط، وإنما لفت نظر الطفل إلى أن تغيير عاداته السيئة كالسهر والنوم والاستيقاظ متأخراً، واستبدالها بعادات جيدة كالنوم والاستيقاظ مبكراً، كفيل بأن يغير من نفسيته وعقله ورؤيته للعالم من حوله، فيفتح عينيه على أشياء لم يكن يدركها من قبل، أو لم يكن يعلم بوجودها أصلاً!!.

تلك هي أمنيات / قيم الأديب رضا محروس التي يحلم أن يغرسها في نفوس كل أبناء العربية وأطفال العرب، من خلال مخاطبة خيالهم ووجدانهم عبر حكاياته الجميلة، وقصصه الرائعة. ولكن الأجمل والأروع حقاً، أن تتحول هذه الأمنيات إلى حقائق؛ فيكتسب الطفل قيمة من الحكاية، ويتعلم حكمة من القصة، وفوق ذلك وقبله، أن يرى الطفل نفسه، بمشاعره وأفكاره وسلوكياته، فيما يقرأ من حكايات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى