السبت ٥ آذار (مارس) ٢٠٢٢

أنفة المنكسرين

محمد محضار

قلتُ لها:

 على رِسْلكِ، الحياة مبْتَسمةٌ لنا غداً، رغم أنفِ ما نحن فيه من ضنك وضيق حال

ردّت بصوت ساخرٍ:

 وهل يحق لمن تقطّعتْ به السُّبل، وسرقت الأيام من عمره الكثير، أن يحلم بابتسامة تجود بها الحياة.
ربما كان في كلامها الكثير من الصحة لكنك بطبعك الصعب تعشق التحدي، وتؤمن بأَنَّ الحياة تُعاشُ حتّى أخر نفس، وأن مُقتضى الحال يتطلب منك التحلّي بمزيد من الصبر، والتكيف مع سلوكيات غير سوية تَصدرُ عن كائنات المفروض أنها بشرية، كُل ذلك يدفعك إلى تقديم تنازلات تقودك إلى خانة المتسولين في زمن شحّت فيه المشاعر!، وطغت لغة الوضاعة، أنت تعلم أن الكثيرين سيدوسون على ناصية كرامتكَ، وينزلون على ظَهرِكَ بسياط نقمتهم، ورغم ذلك تراوغ وتُماري، وتكذب على نفسك، وتتعايش مع الوضع بأنفة المنكسرين، وتنتظر بعد أن وَهَن منك العظم واشتعل الرأس شيبا، أن تبتسم لك الحياة، ويَسْكُن وجع السنين.

كنا نجلس في باحة مقصف، بمواجهة الشاطئ، نتناول وجبة خفيفة،وعند أقدامنا كانت تتكور قطة عجوز، تشي سحنة وجهها الذابل، وعينيها الغائرتين، بوطء الأيام ،وكأنها أحست بالغريزة والفطرة، أننا نتقاسم معها ثقل الأعوام الجاثمة فوق كهولنا، فآنست لنا.

قلت لها:

 مَرّ عَام على أخر جلسة لنا بهذا المكان، عامً مُرٌّ مثقلٌ بالوجع والمعاناة...لعل القادم يكون أحلى.
حركت رأسها مؤيدة كلامي ،ثم استدركت قائلة:

-معك حق، مرّ عام بمرارته وَوَجعه، ولكنك كعادتك تفرط في تفاؤلك، وتنتظر غدا أحلى، رغم علمك بأنّ الوضع لا يبشّر بخير.

هي تعلمُ، أن الزمن كشّر عن أنيابه، في وجهيكما،وحطم جزءاً كبيرا من صرح أحلامٍ ظللتما تنسجان تفاصيلها على امتداد سنوات طويلة من عمريكما وتعلم أيضا، أنك كُنت قويّا وصبورا،في وقت انهارت فيه هِي ولم تقوَ على تحمل لسعات الغدر والخيانة، فبدأت رحلة حزن موسومة بكآبة رهيبة، تَسكن ملامح محياها وشح في الابتسام يلازمهُ.

وبين تشاؤمها وتفاؤلك الحَذرِ، تكبر الحيرة، ويضيق هامش المناورة، وتصبح غواية البحث عن مخرج، أمراً غير محبّذِ.

طلبتُ منها أن تلتقطَ لي صورة بهاتفي النقال،سخرت مني متسائلة:

 أتعني ما تقول؟ وهل مثلنا جدير بأخذ الصوّر؟

قاطعتها غاضبا:

 أخدُ صورة أمر عادي، كيفما كان الحال، نحن في حاجة إلى اقتناص لحظة استمتاع. سأطلب من النادل التقاط صورة لنا معا.

لم تعلق على كلامي، واكتفت بتحريك رأسها، أشرت للنادل، فتقدم مني مبتسما، أسررتُ برغبتي، قَبل دون تردد. ثم التقط لنا عدة صورِ، وانصرف إلى حاله.

ماءت القطة، تطلب أكلاً، ألقيت إليها بقطعة لحم صغيرة، أسرعت تلتهمها، قلت بصوت متأثر:

 دعمُ كائن ضعيفٍ، قَلّبتْ له الأيام ظهر المجن واجبٌ.

ردّت وهي تحاول الابتسام:

 لا اعتراض لي على كلامك، فكُلّ المخلوقات لها الحق في العيش الكريم.

ثم تابعت مستدركة:

 "ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها يعلم مستقرّها ومستودعهَا كلّ في كتابٍ مبينٍ" صدق الله العظيم
اكتفيت بالنظر إليها، وقلت في سري: "ونعم بالله"

محمد محضار

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى