الخميس ٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٠

إحساس في زمن القحط

نادية بيروك

كانت فقط تود أن تسمع كلمة شكر واحدة. كلمة عرفان لقاء كل تلك السنوات الطويلة التي تحملته فيها والتي حاولت جاهدة أن تحبه وأن تحافظ على اسمه ونسله وماله.

بل كانت تساعده من مالها الخاص وكلما وقعوا في ورطة كانت الشخص الذي يجدف وحيدا لتنقذ البقية. كانت فقط تود أن تشعر أن لديها قيمة في عينيه. أن وجودها في حياته، كل تلك السنوات، كان يجب أن يترك أثرا أو علامة في جزء ما من قلبه. لكنه كان جافا، بعيدا، لا يدرك كيف تفكر ولاحتى كيف تشعر. حاولت مرات عديدة أن تحاوره عن ضرورة تبادل الحديث في أشياء أخرى غير ما إذا نفذ الخبز أو البطاطس... كانت تود أن تقاسمه كل شيء وكانت تحكي له كل شيء لكنها اكتشفت مع مرور الوقت، أنه لا يسمع مجمل كلامها وأنه لا يقاسمها شغفها وأنها حينما أدركت أنها أحبته فهمت أنه لم يحبها قط. هي زوجته وأم طفليه. الزوجة المصون، العاقلة الشريفة والرزينة التي ضمن وفاءها وولاءها وحبها ولكنه اعتبر كل ذلك حقا وواجبا ولم يبادلها سوى احتراما لشخصها دون أن يسبر غور مشاعرها ورقة إحساسها. حدثته يوما عن حبها للورد وعن رغبتها في شرائه.

 هل تعلم كم أحب الورد؟ لم تحضر لي يوما ولو وردة واحدة...

 نحن عرب. ليست لدينا ثقافة الورد. نحن لا زلنا نشتري الرغيف. لم نصل إلى ثقافة الورد بعد

لم يستوعب ما أرادت قوله. علمت أنها تزوجت من رجل خبزي. اشترت بعد ذلك نباتات وورودا بلاستيكية تقارب الطبيعية. زينت بها أركان البيت وكلما نظفت تلك الورود من الغبار. تدمع عينيها. ما الذي حدث؟ كان يزعم أنها حب حياته وأنه سيجعلها سعيدة رغم الداء والأعداء كما كان يقول.

لكنه جعلها مجرد زهرة ذابلة، مجرد جسد من غير روح. لا هي استطاعت تركه ولا هي تخلصت منه. كان عليها أن تحمي صغارها أمام ضعفه وجبنه وبخله. عملها كان يغطي نفقات عدة. نجاحها الباهر في عملها جعله يغار منها، ينافسها ويبتعد عنها. لم تكن تطلب الكثير. فقط كانت تود أن تشعر أن هنالك من يهتم لألمها، لمرضها، لحزنها.. أن تشعر أن زوجها يغار عليها، يحبها...

لم تحس بذلك إلا لماما. وكأن حبه لها لعنة. زمننا غير الزمن, وفاقد الشيء لا يعطيه.

كلما مر الوقت، اعتقد الزوج أن الزوجة من ممتلكاته. ينسى أنها إنسان. أنها كائن حي يموت كل يوم متى طاله الإهمال، متى انتحرت الكلمات، متى تحولت كل الحركات إلى روتين تافه يقتل رويدا كل الأحاسيس.

نادية بيروك

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى