الجمعة ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم مرضية آزمودة

ابن الأنباري، وأسرار العربية

ملخص
عبد الرحمن ابن الانباري، عالم نحوي زاهد شافعي، اشتهر بکتبه خاصة کتاب «أسرار العربیة» التي ذکر فیها کثیرا من مذاهب النحویین المتقدمین والمتأخرین من البصریین والکوفیین ورجع فیها کلها الی الدلیل وأعفاها من الإسهاب والتطویل وسهلها علی المتعلمین غایة التسهیل.

الکلمات الدلیلیة: ابن الانباري، أسرار العربیة، النحو، التسهیل.

الحمد لله وسلام علی عباده الذین اصطفی.
وبعد فقد هممت الی الدراسة والتعرف علی آثار ومؤلفات ابن الانباري النحوي، مرتکزا علی کتاب «أسرار العربیة»، وعللت ذلک بان کثیرا من أبناء المسلمین قد رغبوا عن اللغة العربیة الی اللغات الأخری بما وجدوا من تسهیل في قواعدها، وتذلیل لصعوباتها، ویسر في التخاطب بها.
حیاة ابن الانباري
]وفیات الأعیان، ابن خلکان،ج1، ص350. فوات الوفیات، ج1، ص262. الکامل لابن الأثیر، ج11، ص215. البدایة والنهایة لابن کثیر، ج12، ص310. طبقات السبکي، ج4، ص448. الشذرات لابن العماد، ج4، ص258. بقیة الوعاة للسیوطي، ص301. الأعلام للزرکلي، ج2، ص508.[
امام الحجة والعالم الثبت کمال الدین ابوالبرکات عبد الرحمن بن محمد بن ابي سعید الانباري النحوي المتفنن الزاهد، المولود في سنة 513 ه ، والمتوفی في سنة 577ه، کان من الائمة المشار الیهم في علم النحو، وسکن بغداد من صباه الی ان مات، وتفقه علی مذهب الشافعي بالمدرسة النظامیة في انبار بلدة قدیمة علی الفرات، بینها وبین بغداد عشرة فراسخ؛ سمیت الانبار لان کسری کان یتخذ فیها أنابیر الطعام، والأنابیر جمع الانبار، جمع نبر بکسر النون، وتصدر لاقراء النحو بها، وقرأ اللغة علی ابي منصور الجوالیقي النحوي اللغوي (م539ه)، وصحب الشریف ابا السعادات هبة الله بن الشجري (م 542ه)، وتفقه علی سعید بن الرزاز (م476ه) وصار معیدا للنظامیة وکان یعقد مجلس الوعظ، ثم قرأ الادب؛ وحدث بالیسیر، لکن روی الکثیر من کتب الادب، ومن مصنفاته، وکان اماما ثقة صدوقا، فقیها مناظرا غزیر العلم، تقیا عفیفا، لایقبل من احد شیئا، خشن العیش والمأکل، لم یتلبس من الدنیا بشیء، ودخل الاندلس فذکره ابن الزبیر (م708ه) في الصلة، قال الموفق عبد اللطیف (من فلاسفة الإسلام، م 629ه): لم أر في العباد والمنقطعین أقوی منه في طریقه ، ولاأصدق منه في اسلوبه، جد محض لا یعتریه تصنع، ولا یعرف السرور ولا احوال العالم، سمع الحدیث من ابي منصور محمد بن عبد الملک بن خیرون (م539ه)، وابي البرکات عبد الوهاب بن المبارک الانماطي (م538ه) وغیرهما، وحدث بالیسیر. وروی عنه الحافظ ابوبکر الحازمي (م584ه) وغیره. وکان نفسه مبارکا، ما قرأ احد علیه الا تمیّز؛ وانقطع في آخر عمره في بیته مشتغلا بالعلم والعبادة، وترک الدنیا ومجالسة اهلها، ولم یزل علی سیرة حمیدة، وکانت ولادته في شهر ربیع الآخر، سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. وتوفي لیلة الجمعة تاسع شعبان سنة سبع وسبعین وخمسمائة ودفن بتربة الشیخ ابي اسحاق الشیرازي (م576ه) وله اربع وستون سنة.
زهده وتقشفه
کان له رحمه الله دار من ابیه یسکنها، ودار وحانوت مقدار اجرتهما نصف دینار في الشهر یقنع به ویشتري منه ورقا، وسیّر له المستضیء (م575ه) خمسمائة دینار، فردها، فقالوا له اجعلها لولدک، فقال: ان کنت خلقته فانا أرزقه! وکان لا یوقد علیه ضوء، وتحته حصیر قضب، وعلیه ثوب وعمامة من قطن یلبسهما یوم الجمعة، فکان لا یخرج الا الجمعة ویلبس في بیته ثوبا خلقا، ولسان حال الامام الانباري یجیب عن زهده في الدنیا، وبعده عنها بانه سلک طریق العلم فبلغ مطلوبه منه، ولو أراد المال لسلک سبیله.
مؤلفاته
لزم هذا الامام داره وانقطع عن الناس واشتغل بالعلم والعبادة، وأقبل علی تصنیف الکتب النافعة، في اصول الفقه وفروعه، وعلم الکلام، وطبقات الأدباء او النحاة، واللغة، وفن الجدل و المناظرة، وفي فنون العربیة.قال السبکي في الطبقات الشافعیة: ومن تصانیفه في المذهب: هدایة الذاهب في معرفة المذاهب، وبدایة الهدایة، وفي الأصول: الداعي الی الإسلام في علم الکلام، والنور اللائح في اعتقاد السلف الصالح، واللباب، وغیر ذلک، وفي النحو واللغة ما یزید علی خمسین مصنفا، وله شعر حسن کثیر. وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات: وله مائة وثمانون مصنفا في اللغة والأصول والزهد، وأکثرها في فنون العربیة. وکتب الانباري من المولفات النافعة التي تربي ملکة الذوق في الإعراب والبیان، وتجعل دارسها بامعان واضح الحجة ساطع البرهان.
قال ابن قتیبة في کتابه مشکل القرآن: «وللعرب الإعراب الذي جعله الله وشیا لکلاما، وحلیة لنظامها، وفارقا في بعض الأحوال بین الکلامین المتکافئین، والمعنیین المختلفین، کالفاعل والمفعول لا یفرق بینهما اذا تساوت حالاهما في إمکان الفعل ان یکون لکل واحد منهما الا بالإعراب، ولو ان قائلا قال هذا قاتل اخي (بالتنوین) وقال آخر هذا قاتل اخي بالإضافة، لدل بالتنوین علی انه لم یقتله، وبحذف النون علی انه قتله؛ ولو ان قارئا قرأ: «فلا یحزنک قولهم، انا نعلم ما یسرون وما یعلنون» وترک طریق الإبتداء بانا، وأعمل القول فیها بالنصب علی مذهب من ینصب ان بالقول کما ینصبها بالظن، لقلب المعنی علی جهته، وأزاله عن طریقته، وجعل النبي محزونا لقولهم: ان الله یعلم، وهذا کفر ممن تعمده، وضرب من اللحن لا تجوز الصلاة به.»
ذکر السبکي ان للانباري في النحو واللغة ما یزید علی خمسین مصنفا، وأوصلها السیوطي في بغیة الوعاة الی السبعین، وذکر أسماءها، وقال في الشذرات: وله مائة وثمانون مصنفا. اما المطبوع من مؤلفاته قلیل، وأولها کتاب «نزهة الألباء في طبقات الأدباء» (ای النحاة) وهو مطبوع بمصر (في سنة 1294ه) بدأه بالامام علي بن ابي طالب بانه أول من وضع علم العربیة، وأسس قواعده وحد حدوده، وأخذ عنه ابو الأسود الدؤلي بن بکر بن کنانة، وکانت وفاة ابي الأسود (سنة 67ه). ثم سمی الانباري بعض من تعلم العربیة من ابي الأسود کعنبسة الفیل، ومیمون الأقرن، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هرمز، ویحیی بن یعمر، وترجم لکل منهم، ثم ترجم لمن أخذ العربیة عنهم، وهکذا ازدان کتابه بتراجم من اشتهر باللغة والنحو والادب، وأشهر من تعلم منهم، الی ان انتهی الی أساتذته، فترجم لکل منهم.
والثاني کتاب «أسرار العربیة» وهو المطبوع في لیدن سنة 1886م 1303ه.
و الثالث «الإنصاف في مسائل الخلاف بین النحویین البصریین و الکوفیین» وقد طبع في مدینة لیدن سنة 1913م ثم طبع بمصر عام 1364ه-1945م.
والرابع کتاب «اللمعة في صنعة الشعر».
والخامس کتاب « الموجز في علم القوافي» وهي رسالة مشتملة علی ثماني صفحات.
وهذه هي أسماء الکتب و الرسائل التي سردها السیوطي في بغیة الوعاة: «الإنصاف في مسائل الخلاف، بین النحویین البصریین والکوفیین» من کلام مؤلف «الإنصاف» في وصف کتابه: «کتاب لطیف، یشتمل علی مشاهیر المسائل الخلافیة بین نحویی البصرة والکوفة، علی ترتیب المسائل الخلافیة بین الشافعي و ابي حنیفة»]ابن الانباري، الإنصاف، 1428ه، ج1، ص5[، «الإغراب في جدل الإعراب»، «میزان العربیة»، «حواشي الإیضاح»، «مسألة دخول الشرط علی الشرط»، «نزهة الألباء في طبقات الشعراء»، «تصرفات لو»، «حلیةالعربیة»، «الأضداد»، «النوادر»، «تاریخ الانبار»، «هدایة الذاهب في معرفة المذاهب»، «بدایة الهدایة»، «الداعي الی الإسلام في علم الکلام»، «النور اللائح في اعتقاد السلف الصالح»، «اللباب»، «المختصر»، «منثور العقود في تجرید الحدود»، «التنقیح في مسلک الترجیح»، «الجمل في علم الجدل»، «الاختصار في الکلام علی ألفاظ تدور بین النظار»، «نجدة السؤال في عمدة السؤال»، «عقود الإعراب»، «منثور الفوائد»، «مفتاح المذاکرة»، «کتاب کلا وکلتا »، «کتاب الالف واللام»، «کتاب في معفون لمع الأدلة»، «شفاء السائل في بیان رتبة الفاعل»، «الوجیز في التصریف»، «البیان في جمع أفعل»، «أخف الأوزان»، «المرتجل في إبطال تعریف الجمل»، «جلاء الأفهام في متعلق الظرف في قوله تعالی: «أحل لکم الصیام»]بقرة: 187[، «غریب إعراب القرآن»، «رتبة الانسانیة في المسائل الخراسانیة»، «مقترح السائل في ویل امه»، «الزهرة في اللغة»، «الأسمی في شرح الأسماء»، «حیص بیص»، «حلیة العقود في الفرق بین المقصور والممدود»، «دیوان اللغة»، «زینة الفضلاء في الفرق بین الضاد والظاء»، «البلغة في الفرق بین المذکر والمؤنث»، «فعلت وأفعلت»، «الألفاظ الجاریة علی لسان الجاریة»، «قبسة الأدیب في أسماء الذیب»، «الفائق في أسماء المائق»، «البلغة في أسالیب اللغة»، «قبسة الطالب في شرح أدب الکاتب»، «تفسیر غریب المقامات الحریریة»، «شرح دیوان المتنبي»، «شرح الحماسة»، «شرح السبع الطول»، «شرح مقصورة ابن درید»، «المقبوض في العروض»، «الموجز في الوافي»، «اللمعة في صنعة الشعر»، «الجوهرة في نسب النبي (ص) وأصحابه العشرة»، «نکت المجالس في الوعظ»، «أصول الفصول في التصریف»، «التفرید في کلمة التوحید»، «نقد الوقت»، «بغیة الوارد»، «نسمة العبیر في التعبیر».
وکان رحمه الله تعالی ینظم الشعر، ومما أورده في فوات الوفیات قوله في العلم والعقل:
العلم أوفی حلیة ولباس والعقل أوقی جنة الأکیاس
ومنه:
والعلم ثوب والعفاف طرازه ومطامع الانسان کالأدناس
ومن شعره في بغیة الوعاة هذه الأبیات:
اذا ذکرتک کاد الشوق یقتلني وأرقتني أحزان و أوجاع
وصار کلي قلوبا فیک دامیة للسقم فیها وللآلام إسراع
فان نطقت فکلي فیک ألسنة وان سمعت فکلي فیک أسماع
أسرار العربیة
کتاب أسرار العربیة بین ما في القواعد النحویة من إحکام في الوضع، وإتقان في الترتیب والتبویب، وحکم ولطائف في الأحکام؛ وقد وصفه مؤلفه بقوله:
«وبعد فقد ذکرت في هذا الکتاب الموسوم «بأسرار العربیة» کثیرا من مذاهب النحویین المتقدمین والمتأخرین، من البصریین والکوفیین، وصححت ما ذهبت الیه منها بما یحصل به شفاء الغلیل، وأوضحت فساد ما عداه بواضح التعلیل، ورجعت في ذلک کله الی الدلیل، وأعفیته من الإسهاب والتطویل، وسهلته علی المتعلم غایة التسهیل.»]ابن الانباري، أسرار العربیة، ص1[
ان هذا الکتاب في أبوابه وعناوینه کسائر کتب النحو، فیه مباحث المعرب والمبني، والمذکر والمؤنث، والجموع الثلاثة، والمبتدا والخبر، وسائر المرفوعات والمنصوبات والمجرورات بالحروف وبالإضافة، والمجزومات؛ وانما یمتاز من غیره بامرین اثنین: أولهما ان المؤلف رتب العلل والأسباب، في علامات الإعراب، علی طریق السؤال والجواب، کالرفع بالضمة والالف وثبوت النون، وکالنصب وعلاماته، والخفض وعلاماته، والجزم وعلاماته، سواء اکانت العلامات حرکات ام حروفا، وسواء اکانت علامات الإعراب ثبوت الحرکة ام الحرف، ام الحذف. والثاني قرب المأخذ و کثرة الفوائد، مما لا تکاد تجده في کتاب واحد. وهذا مثال من تعلیله ودلیله من الباب العاشر الذي هو باب الفاعل:
«ان قال قائل: ما الفاعل؟ قیل اسم ذکرته بعد فعل وأسندت ذلک الفعل الیه، فإن قیل: لم کان إعرابه الرفع؟ قیل: فرقا بینه وبین المفعول، فإن قیل: فهلا عکسوا وکان الفرق واقعا؟ قیل لخمسة أوجه» وعدها معللا مستدلا، وهذه طریقته في کتابه من أوله الی آخره. وقد أنشد في عدم جواز تقدیم الفاعل علی الفعل في الباب العاشر قول الشاعر:
فأصبحت کنتیا وأصبحت عاجنا وشر خصال المرء کنت وعاجن
وعلق علیه بما یأتي: الکنتي والکنتني والکوني: الکبیر العمر، کانه نسب الی قوله کنت في شبابي کذا وکذا، وعجن الرجل: نهض معتمدا بیدیه علی الارض کبرا او بدنا، فهو عاجن، یقال فلان عجن وخبز، ای شاخ وکبر وقول المصنف في باب «التحذیر»: «فإن قیل: فلم انتصب قولهم: ایاک والشر؟ قیل: لان التقدیر فیه: ایاک أحذر، فایاک منصوب بأحذر، والشر معطوف علیه، والأحسن في التقدیر ان یقال: تقدیر ذلک: ایاک أعني، وأحذرک الشر».
نسخ الکتاب
الأولی، المطبوعة، وقد طبعت بمطبعة بریل في مدینة لیدن (عام 1886م و1303ه) والنسخة الثانیة برلینیة متأخرة، والثالثة والرابعة مغربیتان محفوظتان بالمکتبة الملکیة التي بالقصر المشهور بأسکوریا بدیار الاندلس.جاءت هذه النسخة مائة وسبعین صفحة من القطع المتوسط، في کل صفحة اربعة وعشرون سطرا، وفي کل سطر 11-14 کلمة.
الثانیة، من مخطوطات المکتبة الظاهریة بدمشق، ومجموع أوراقها اثنتان وتسعون ورقة من القطع المتوسط، في کل ورقة صفحتان، وفي کل صفحة خمسة عشر سطرا، في کل منها احدی عشرة او اثنتا عشرة کلمة، ومساحة الورقة (15×12 سم) ومساحة الکتابة فیها (12×9 سم).
الثالثة، من مخطوطات المکتبة الظاهریة ایضا، وقد بلغت تسعین ورقة واشتملت کل ورقة علی صفحتین، وأسطر الصفحات یختلف عددها في هذه النسخة، ولکنها تزید علی العشرین سطرا في کل صفحة، وفي کل سطر عشر کلمات وقد تبلغ اثنتی عشرة کلمة، ومساحة الصفحة (21×15 سم) ومساحة الکتابة فیه (5/15×5/11 سم).
النتیجة
1- ابن الانباري، عالم نحوي، له مولفات کثیرة، اشتهر بکتابه الخاص«اسرار العربیة»
2- ذکر في الکتاب، کثیرا من مذاهب النحویین المتقدمین والمتأخرین من البصریین والکوفیین ورجع فیها کلها الی الدلیل وأعفاها من الإسهاب والتطویل وسهلها علی المتعلمین غایة التسهیل.

المصادر و المراجع

  • ابن الانباری، عبد الرحمن، الإنصاف في مسائل الخلاف بین النحویین البصریین والکوفیین، دار الحجة للثقافة، طبعة أولی، قم، 1428ه.
  • ابن الانباري، عبدالرحمن، أسرار العربیة، تحقیق محمد بهجة البیطار، مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق، بلاتا.

Islamic Azad University Karaj Branch
عنوان المقال:دراسة في مؤلفات ابن الانباري مرتکزا علی کتاب «أسرار العربیة»
Title: analysis of books written by Ibn-Al-Anbari specially Asrar-Al-Arabia


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى