الاثنين ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٤
بقلم زياد مشهور مبسلط

اذهبوا للجحيم... لا تشرّفني معرفتكم...

(1)

في ليلة مظلمة هجرها القمر ....غابت عنها النجوم ..... جلس ذلك الرجل العجوز يسترجع الماضي ، ويتذكر أيامه الخوالي عندما كان شابا يافعا مفتول العضلات .... لايقوى أحد على مخاصمته لسببين : قوته الجسدية وشجاعته في قول الحق والمجاهرة بالحقيقة لدرجة أن أهالي قريته اطلقوا عليه عدة القاب ، ومنها (( فارس القرية ، القاضي ، الهمام ، الصديق الصدوق ، الشهم ، الكريم ، الحكيم ... الخ )) ، حصل على كل هذه الألقاب دون أن يشعر بالغرور والكبرياء ..

ابتسم شيخنا العجوز كما لو كان شاهد صورة من صور شبابه في تلك اللحظة .. حاول ان ينهض لكنه لم يستطع ذلك ... ذرفت عيونه الغائرة الصغيرة دمعة رغما ً عنه كأنها برقية عزاء ومواساة أو احتجاج واستنكار لواقعه الحالي ؛ واقصد هنا العجز الجسدي ....

المكان مظلم سوى ضوء خافت ينبعث من مصباح صغير يكاد ينير ماحوله فقط ...

كلاب ٌ تنبح في الخارج ..... ربما شخص غريب يقترب من المكان ... نعم ، صوت أقدام تقترب من البيت .. اش! خاص يتكلمون بلغة غير مفهومة لشيخنا الطيب القابع في بيته الصغير ....

يكابر العجوز على نفسه وينهض مستعينا بعصاه التي ورثها عن جده .... يتجه نحو الباب ... يقف صامتا ليستجلي حقيقة الأمر ....

شخص يقرع الباب .....

(2)

هل أنت الحاج / أحمد ..... ؟؟؟
ساله أحدهم ....
افهم انكم تعرفون اسمي ، ومادمتم كذلك ، فبكل تأكيد تعرفون كل شىء عني ، وهذا دليل قاطع أن قدومكم يحمل مايحمل من الأسباب .. ماذا تريدون ...؟؟؟

قال شيخنا هذه الكلمات بنبرة التحدي والرفض لمثل هذه ( الزيارة ) المشؤومة ...

نعم ، نعرف كل شىء ، لكننا لانريد سوى شيئا ً واحدا ً ..... وقبل ان يدعوه يتكلم ، واصل احدهم معلّقا ً باسلوب خبيث لايستطيع الكلام المعسول إخفاءه :

" ... انت رجل طاعن في السن ... ليس لديك زوجة ولا أولاد ... تعيش وحدك في هذا البيت الصغير الحقير دون أن تتمتع بحياتك و ثروتك ... لذا دفعتنا مشاعرنا الأنسانية أن نساعدك ونقف الى جانبك مقابل شىء بسيط للغاية .. لاتسأل ماهو .. دعنا نكمل ... وبعد وفاتك ستذهب ثروتك الى غيرك ...
العجوز : ومنذ متى كنتم دعاة خير وتعرفون معنى الأنسانية والمشاعر النبيلة ؟؟؟ !!!!! ... لو كنت اجهل حقيقتكم لربما صدقت خداعكم .. الأفعى لاتنفث الا السموم رغم ملمسها الناعم .... عرفت الان ماذا تريدون مني ...

أحدهم : لانريد شيئاً بالقوة والعنف ايها الرجل العجوز .. كل شىء بالتفاهم ... كل شىء بثمن .... والثمن أكثر و أكبر مما تحلم وتتصور ... المطلــوب منك كلمة ( نعم ) فقط . نريد أن نشتري ارضــك بالثمن الذي تريد .........

العجوز ( مبتسما بسخرية ) : ألأمر في غاية البساطة ، نعم وألف نعم .. وليس عندي مانع أبدا ً .
(( يصاب جميعهم بالذهول والأستغراب .. لايكاد أحدهم يصدق مايسمع .. اذن الموضوع ابسط مما كانوا يتصورون ... !!!!!! )
يواصل العجوز قائلا ً : ولكن عندي شرط بسيط جدا جدا جدا ، فهل توافقون عليه :

جميعهم : ماهوووووووووووووووووووووووووووو ؟؟؟؟؟؟!!!!!!
العجوز : أن تحضروا لي الموافقة الخطية من جميع أبناء فلسطين في الداخل والخارج ... الكبير والصغير .. الرجل والمرأة .... وبعد الأنتهاء منذ ذلك ، اذهب! وا واحضروا لي موافقة جميع الأموات من شعب فلسطين منذ أن نشات الحياة على الأرض ... وبعد ذلك ... أحضروا لي كل ذرة تراب من ارضي دون ان تلامس ذرة اخرى واعطوني مقابلها ذهبا ً يغطي الأرض حتى يصل الى عنان السماء ... فهل تستطيعوا فعل ذلك ....

الكل مندهش الى درجة الذهول و اللاوعي : هل أنت مجنون أيها العجوز ؟؟؟؟
يتهامسون فيما بينهم .. يبتسمون ... فيقول احدهم : نعم موافقون ، ولكن تعهد لنا خطيّا ً بأن تبيعنا الأرض لو فعلنا ذلك .....
العجوز : لو فعلتم ذلك ... (( ضاحكا بصوت عال ٍ ) ... اقول لكم حينئذ ... اريد من كل ذرة تراب أن تتكلم بلغة عربية وتعلن موافقتها على بيعها لكم ....

احدهم ( ساخرا ً ) : لو تكلمت كل ذرة تراب وقالت بلغة عربية : نعم .

العجوز : اقول لكم عندئذ :

اذهبوا للجحيم ... لاتشرّفني معرفتكم ......
يطلقون النار عليه فيسقط شهيدا وهو يقول : أموت وتحيا أرضي .
أموت وتحيا ارضي

اذهبوا للجحيم .. لاتشرفني معرفتكم .

=========

فهل من كلمة لهذا العجوز ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى