الأربعاء ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠١٦
(79) الإرهاب «الإسلامي»
بقلم حسين سرمك حسن

الأمريكي لتدمير الهند وبلقنة باكستان

ملاحظة: هذه السلسلة من المقالات مترجمة عن مقالات لكتّاب وصحفيين أمريكيين وبريطانيين مثبتة في خاتمة المقالة.

المحتوى

(تمهيد – المقدمة - هجمات مومباي: 26/11/2008 - تأكيد اللوم - عسكر طيبة (عسكر طيبة) The Lashkar-e Taiba - الإسلام المتطرف والاستخبارات الغربية: حالة يوغوسلافيا - يوغوسلافيا - قبل وبعد البلقنة - عسكر طيبة والاستخبارات الغربية - تفجيرات بالي ودور المخابرات الأمريكية - تفجيرات لندن 7/7/2005 - مؤامرة القنبلة السائلة - إرهاب الهند: تفجيرات بومباي 12 مارس 1993، تفجيرات مومباي، 11 يوليو 2006، تفجير السفارة الهندية في كابول، أفغانستان: 7 يوليو 2008 - وكالة المخابرات الباكستانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية - رئيس المخابرات الباكستانية الفريق "محمود أحمد" - المخابرات الأنجلو أمريكية الإسرائيلية والهند – لإرهابيون - الوسائل وطريقة العمل والدافع: الوسائل، طريقة العمل، الدافع:: خرائط أمريكية لباكستان مقسمة إلى أربعة أجزاء - خطّة صندوق النقد الدولي لتدمير وتمزيق باكستان- فرّق واحتل - قوس الأزمات - مشروع برنار لويس في "صدام الحضارات" وبلقنة الشرق الأدنى المسلم من خلال تدمير الدول المركزية - برنارد لويس يعيد رسم خريطة "قوس الأزمات" - خريطة الحرب على الإرهاب تتطابق مع خريطة منابع النفط والغاز - بلقنة الشرق الأوسط - استنتاج: الإرهاب "الإسلامي" الأمريكي لتدمير الهند وبلقنة باكستان - مصادر حلقات أمريكا والإرهاب الإسلامي في الهند - مصادر قسم اختراع الولايات المتحدة للإرهاب العالمي - ملاحظة عن موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية)

تمهيد

في دراسة مهمة أخرى أوسع وأشمل:

Creating an “Arc of Crisis”: The Destabilization of the Middle East and Central Asia - The Mumbai Attacks and the “Strategy of Tension”

يواصل الباحث أندرو غافن مارشال Andrew Gavin Marshall تحليله الموسّع والخطير للدور الخفي الماكر الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وتابعها الإنكليزي والدوائر الصهيونية في استخدام منظمات الإرهاب "الإسلامي" في الهند، ومن خلال "قناة" المخابرات الباكستانية، في تدمير الهند وتمزيقها وإعاقة نهضتها الاقتصادية العملاقة كجزء من مشروع كوني يهدف إلى بلقنة الشرق الأوسط وجنوب آسيا وآسيا الوسطى لاحتواء روسيا والصين ايضاً ومصادرة الثروات النفطية والغازية الهائلة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وتأمين أنابيب نقلهما، وهو المشروع الذي أشعل شرارته المؤرخ وضابط المخابرات البريطاني برنار لويس (صار مستشارا للرئيس جورج بوش الثاني بعد ذلك). وما هو أكثر خطورة هو الهدف المستتر من هذا المخطط الدموي الماكر والمتمثل في تمزيق باكستان نفسها إلى دويلات ضمن الحملة الإرهابية العالمية نفسها التي تقودها الدوائر الأنكلو أمريكية الصهيونية، خصوصا بعد ظهور خرائط أمريكية تُظهر باكستان مقسّمة إلى أربعة أجزاء.

المقدمة

الهجمات في مومباي، التي ألقي اللوم فيها على الجماعات المسلحة التي ترعاها الدولة الباكستانية، تمثل المرحلة الأخيرة في "استراتيجية التوتر" الأكثر تعقيدا والأطول مدى في المنطقة؛ والتي يجري استخدامها من قبل المحور الأنجلو أمريكي "الإسرائيلي" لتقسيم وغزو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. والهدف هو زعزعة استقرار المنطقة وتخريب دول المنطقة وإخضاعها، والسيطرة على اقتصادياتها، وكل ذلك باسم الحفاظ على هيمنة الغرب على "قوس الأزمة - Arc of Crisis".

الهجمات في الهند ليست حدثا معزولا، لا علاقة له بتصاعد التوتر في المنطقة. فهي جزء من عملية تكشف الفوضى التي تهدد بابتلاع المنطقة بأكملها، وتمتد من القرن الأفريقي إلى الهند: وهو "قوس الأزمة"، كما كان معروفا في الماضي.
الدوافع وطريقة العمل من المهاجمين يجب فحصها والتحقيق فيها، وقبل أن نلقي باللوم بسرعة على باكستان، من الضروري أن نعود خطوة الى الوراء ونراجع بعض الحوادث:

من يستفيد؟ من الذين لديهم الوسائل؟ من الذين لديهم الدافع؟ في مصلحة من تتم زعزعة استقرار المنطقة؟ في نهاية المطاف، يجب أن نخضع أدوار الولايات المتحدة و"اسرائيل" وبريطانيا العظمى لمزيد من التدقيق.
هجمات مومباي: 26/11/2008

في 26 نوفمبر 2008، وقع عدد من الهجمات الارهابية المنسقة عبر المدينة التجارية الرئيسية في الهند مومباي، والتي استمرت حتى 29 نوفمبر. الهجمات والحصار لمدة ثلاثة أيام الذي تلى ذلك خلفت مئات القتلى، وتقريبا 295 آخرين أصيبوا بجروح. وكان من بين القتلى بريطاني، وخمسة أميركيين وستة إسرائيليين.
تأكيد اللوم

الهجوم الذي استمر 60 ساعة واجتاح مومباي اضطلع به عشرة فقط، من المدربين تدريبا جيدا من "قتلة الكوماندوز"، وألقي معظم اللوم على مجموعة تُعرف باسم عسكر طيبة (لشكر طيبة).

في البداية، أعلنت مجموعة لم يُسمع بها من قبل، وتُعرف باسم مجاهدي ديكان Deccan Mujahideen، مسؤوليتها عن الهجمات الارهابية عندما أرسلت رسائل بالبريد الإلكتروني إلى العديد من وكالات الأنباء بعد ست ساعات فقط من بدء القتال. ومع ذلك، كانت هناك الكثير من الشكوك حول ما إذا كانت هذه المجموعة موجودة حقاً في الواقع.

ثم ادّعت الاستخبارات البريطانية أن الهجمات كانت تحمل "بصمات" تنظيم القاعدة لأنها استهدفت مواطنين غربيين، على غرار تفجيرات بالي عام 2002. وأشار مسؤولون في الاستخبارات البريطانية أن الهجمات كانت "للانتقام" من الهجمات الجوية الأميركية الأخيرة على واحد من معسكرات تنظيم القاعدة في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، والذي تم اختيار الهند كهدف لها لأن هذا هو المكان الذي يوجد لتنظيم القاعدة فيه "موارد كافية لتنفيذ الهجوم".

يوم 28 نوفمبر، قال وزير الخارجية الهندي ان المهاجمين تم تدريبهم "خارج البلاد"، في إشارة ضمنية إلى باكستان. كما اتهم رئيس الوزراء الهندي جماعات متشددة مقرها في باكستان، والتي يتم دعمها من قبل الحكومة الباكستانية.
ثم، تم وضع اللوم مباشرة على مجموعة، عسكر طيبة، المنظمة المتشدّدة التي تتخذ من باكستان مقرا لها والمسؤولة عن هجمات سابقة في الهند. وأشارت المخابرات الأمريكية في وقت مبكر بأصابع الاتهام إلى هذه المجموعة، وكذلك تحديد جهاز الاستخبارات الباكستاني كجهة تسندها.

عسكر طيبة (عسكر طيبة) The Lashkar-e Taiba

من المهم أن نتعرف على ما هيّة عسكر طيبة، وكيف عملت تاريخيا. تعمل هذه المجموعة من المناطق المتنازع عليها بين الهند وباكستان، جامو وكشمير. لديها علاقات وثيقة مع المخابرات الباكستانية، وكما هو معروف عنها فهي تستخدم الهجمات الانتحارية إلى حد كبير. ومع ذلك، وبصرف النظر عن صلاتها بوكالة الاستخبارات الباكستانية، فهي أيضا متحالفة بشكل وثيق مع طالبان والقاعدة. حتى يُشار إلى عسكر طيبة بأنها "أكبر المظاهر الواضحة" لتنظيم القاعدة في الهند. ولها فروع في معظم أنحاء الهند، وباكستان، والمملكة العربية السعودية وبنغلاديش وجنوب شرق آسيا، والمملكة المتحدة. ويأتي تمويلها في المقام الأول من رجال الأعمال الباكستانيين، ووكالة الاستخبارات الباكستانية والسعودية. كما شاركت جماعة عسكر طيبة في الحملة البوسنية ضد الصرب في التسعينات.

جميع الاتصالات المذكورة أعلاه تجعل عسكر طيبة أكثر جهة مرغوب في أن تكون المسؤولة عن هجمات مومباي، وصلاتها بتنظيم القاعدة وحضورها الدولي والسوابق التاريخية لهجماتها الارهابية تجعلها "هدف مثالي" يشبه إلى حد كبير ما حصل مع تنظيم القاعدة، حيث يمكن أن يُتخذ نطاق عسكر طيبة الدولي كأساس لشن حرب ارهاب عالمية جديدة تحت شعار "حرب ضد عسكر طيبة" في العديد من البلدان، وبالتالي زيادة خدمة المصالح الأنجلو أمريكية في "الحرب على الإرهاب".

الإسلام المتطرف والاستخبارات الغربية - حالة يوغوسلافيا

لم تعمل جماعة عسكر طيبة بشكل مستقل عن النفوذ والتمويل المالي الباكستاني. انها ذات علاقة وثيقة مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، ويجب أن ينظر إليها في السياق التالي: وكالة الاستخبارات الباكستانية لديها علاقة وثيقة مع وكالات الاستخبارات الغربية، وخاصة تلك التي لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة. عملت وكالة الاستخبارات الباكستانية بشكل فعال كقناة لعمليات الاستخبارات البريطانية الأمريكية في المنطقة منذ أواخر السبعينات، عندما تم إنشاء المجاهدين الأفغان بالتواطؤ مع وكالة المخابرات المركزية. نتج عن هذا التواطؤ وطوال الثمانينات وحتى نهاية الحرب السوفيتية الأفغانية في عام 1989، إنشاء تنظيم القاعدة، فضلا عن سلسلة من التنظيمات الإسلامية المسلحة الأخرى.

يُقال في كثير من الأحيان أن وكالة المخابرات المركزية أوقفت علاقتها مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، وبدورها، فأن المنظمات الإسلامية المتشددة قطعت العلاقة مع رعاتها في الاستخبارات الغربية وأعلنت الحرب ضد الغرب. ولكن، الوقائع لا تدعم ذلك. ظلت العلاقات كما هي، ولكن الاستراتيجية تغيّرت.

ما تغير هو أنه في بداية التسعينات، انتهت الحرب الباردة، وروسيا لم تعد "إمبراطورية الشر"، وبالتالي تراجع العذر لتعاظم ميزانية الدفاع ولممارسة السياسة الخارجية الإمبريالية. وكما أعلن جورج بوش الأول، فخلال هذا الوقت نعيش تشكيل "النظام العالمي الجديد". ولكن، لتحقيق ذلك، كانت هناك حاجة لعدو جديد، عدو مراوغ، وليس في شكل دولة، ولكن عدو غير مرئي وعالمي في الحجم، وبالتالي يمكن نقل الحرب ضده الى الساحة الدولية.

إذن، في بداية التسعينات، حافظت المخابرات الغربية على علاقاتها مع هذه الجماعات الإرهابية الإسلامية. ويوغوسلافيا هي قضية مهمة جدا للتحليل فيما يتعلق بالأحداث الجارية. كان تفكيك يوغوسلافيا العملية التي قامت بها المصالح السرية الأنجلو أمريكية بهدف خدمة طموحاتهم الإمبريالية في المنطقة (راجع الحلقة (46) الرئيس الذي يفاوض الرؤوساء في البيت الأبيض وعشيقته تمص قضيبه تحت الطاولة يدمّر يوغسلافيا ويخرجها من الحياة تحت شعار "التدخل من أجل الإنسانية".. مع نداء إلى العراقيين).

في بداية الثمانينات، أعدّ صندوق النقد الدولي المسرح في يوغوسلافيا عبر برامج التكيّف الهيكلي المدمّرة التي يفرضها، والتي كان لها تأثير كبير في خلق الأزمة الاقتصادية، التي خلقت بدورها أزمة سياسية (سنعالج موضوعة صندوق اللصوص الدولي هذا في حلقات مستقلة). وفاقم هذا من الخصومات العِرقية، وفي عام 1991، وبدعم من وكالة المخابرات المركزية، ساند الأمريكان تحرك الكروات من أجل الاستقلال.

في عام 1992، بدأت الحرب البوسنية، وبدأ إرهابيون تابعون لتنظيم القاعدة بالعمل مع الأقلية العرقية المسلمة في البوسنة لقتال الصرب. في المقابل، تم دعم هذه الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وتدريبها وتسليحها وتمويلها من قبل وكالات الاستخبارات الألمانية والتركية والإيرانية والأمريكية. مع دعم مالي إضافي من المملكة العربية السعودية. وفي عام 1997، بدأت الحرب في كوسوفو، التي بدأتها المنظمة الإرهابية التي تتاجر بالمخدرات وهي جيش تحرير كوسوفو التي شنت القتال ضد صربيا، مع تدريب وتسليح ودعم مالي من الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى. وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الألمانية، والمخابرات البريطانية MI6 والقوات الخاصة البريطانية (SAS) وفّرت التدريب والدعم لجيش تحرير كوسوفو (راجع الحلقة (55) كيف نقلت الولايات المتحدة الأمريكية إرهاب القاعدة إلى قلب أوروبا؛ البوسنة وكوسوفو ومقدونيا؟ تحالف الولايات المتحدة مع قادة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات).

يوغوسلافيا - قبل وبعد البلقنة

كان الهدف من تفتيت يوغوسلافيا، استخدام الخصومات العرقية لإشعال صراع إقليمي والحرب في نهاية المطاف، مما أدى إلى تفكك يوغوسلافيا إلى عدة دول، لتبرير وجود عسكري دائم للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في المنطقة. أن مشاركة جماعة عسكر طيبة في حرب البوسنة ضد صربيا، تم تمويله ودعمه من قبل مختلف وكالات الاستخبارات الغربية، بما يخدم مصالح الدول الامبريالية الغربية. في المقام الأول تلك التي لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة.

عسكر طيبة والاستخبارات الغربية

لعسكر طيبة تاريخ دنيء من التورط مع وكالات الاستخبارات الغربية، وخاصة تلك التي لبريطانيا العظمى.
في تفجيرات لندن الشهيرة [7 يوليو 2005] حصلت انفجارات بالقنابل في ثلاث محطات مترو وحافلة ذات طابقين. كان العديد من الإرهابيين المشتبه بهم في هذه التفجيرات لديهم صلات مثيرة للاهتمام بباكستان. على سبيل المثال، واحد من المشتبه بهم، وهو "شاهزاد تنوير"، كان ملتحقاً بمدرسة دينية تديرها جماعة إرهابية هي عسكر طيبة أثناء وجوده في باكستان. نظرا لعلاقات عسكر طيبة مع تنظيم القاعدة، فإننا نستطيع الاستنتاج بأن تنظيم القاعدة قد لعب دورا في تفجيرات لندن، التي نُسبت في البداية إلى منظمة إرهابية دولية. لدى عسكر طيبة أيضا علاقات وثيقة مع (الجماعة الإسلامية)، وهي منظمة إرهابية إندونيسية، القيت عليها مسؤولية تفجيرات بالي عام 2002، التي استهدفت السياح في إندونيسيا.

تفجيرات بالي ودور المخابرات الأمريكية

لكن، من المثير للاهتمام أن نلاحظ، أنه في أوائل عام 1990، عندما تأسّست "الجماعة الاسلامية" رسميا كمنظمة إرهابية، فأنها أقامت علاقات وثيقة مع أسامة بن لادن والقاعدة. وعلاوة على ذلك، لعب مؤسسو هذه المنظمة وقادتها دورا هاما في تجنيد المسلمين للانضمام إلى المجاهدين الأفغان في الحرب ضد السوفيات خلال الثمانينات، والتي كانت توجّه سرا من الولايات المتحدة وبريطانيا، ومختلف وكالات الاستخبارات الغربية الأخرى. "لا وجود للجماعة الإسلامية من دون العمليات القذرة لوكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان". هكذا ذكر الرئيس الاندونيسي السابق الذي أشار أيضاً إلى أن أحد الأفراد الرئيسيين للجماعة الاسلامية كان أيضا جاسوسا لحساب وكالة الاستخبارات الاندونيسية، وأن الاستخبارات الإندونيسية لعبت دورا أكثر مركزية في تفجيرات بالي من الجماعة الاسلامية نفسها.

الجماعة الاسلامية نفسها، مخترقة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، والموساد الإسرائيلي، وأن وكالة المخابرات المركزية والموساد، بمساعدة من شرطة العمليات الخاصة الاسترالية (SAP) والمخابرات البريطانية M15، يعملون جميعا من أجل تقويض المنظمات الاسلامية في محاولة لإضعاف المسلمين في العالم. وعلاوة على ذلك، فإن واحداً من المخططين الرئيسيين للجماعة الاسلامية في تفجيرات بالي، وهو "عمر الفاروق"، كان يُقال أنه من وكلاء وكالة المخابرات المركزية، وحتى كبار مسؤولي المخابرات الإندونيسية يعتقدون ان وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي التي تقف وراء تفجيرات بالي. وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي التي "وجّهت" التحقيق الاندونيسي في التفجيرات ووجدت أن الجماعة الإسلامية، والجماعة الإسلامية وحدها فقط، هي المسؤولة عن هذه الهجمات.

تفجيرات لندن 7/7/2005

تركز جزء كبير من الشبهات في تفجيرات لندن في 7 يوليو 2005 (7/7)، على ما سُمّي بـ "الصلة الباكستانية". كان المشتبه بهم في التفجيرات قد زاروا باكستان، وأقاموا على ما يبدو اتصالات مع جماعات إرهابية مثل جماعة جيش محمد وعسكر طيبة. ومع ذلك، هناك اتصال أقل معرفة وأقل حظا من الدعاية يتضمن بعض المعلومات المثيرة للاهتمام للغاية. العقل المدبر لتفجيرات لندن، "هارون رشيد أسود"، كان قد زار جميع المشتبه بهم قبيل الهجمات. وكشفت سجلات الهاتف أن هناك نحو 20 مكالمة بينه وبين عصابة 7/7، في الوقت المؤدي إلى تلك الهجمات. لماذا هذه المعلومة مهمة جدا؟
لأن هارون رشيد أسود، فضلا عن كونه أحد عناصر تنظيم القاعدة، كان أيضاً وكيلا لمكتب المخابرات البريطانية ـ MI6، أي يعمل لحساب الاستخبارات البريطانية. جعل هارون أيضا أول ظهور له على ساحة الإرهاب الإسلامي عندما كان في كوسوفو في عام 1990، حيث كان "يعمل لصالح المخابرات البريطانية".

مؤامرة القنبلة السائلة

كان هناك حدث آخر جلب "الصلة الباكستانية" إلى الواجهة في أغسطس 2006 في ما عُرف بمؤامرة لندن للقنبلة السائلة، والتي من المفترض فيها أن إرهابيين كانوا يخططون لتفجير ما يقرب من عشر طائرات تعبر الأطلسي متجهة الى المدن الكبرى في الولايات المتحدة. ويبدو أن المخابرات الباكستانية ساعدت في "كشف" مؤامرة القنبلة السائلة، وذلك بمساعدة البريطانيين في كشف المشتبه بهم، عن طريق "إبلاغ" الـ MI5. واحدة من الجماعات الباكستانية التي اتهمت ببعض التورط في مؤامرة القنبلة السائلة كانت عسكر طيبة. ومع ذلك، مرة أخرى، كان الإرهابيون المشتبه بهم قد "اخترقوا" وتجسست عليهم المخابرات البريطانية لأكثر من سنة. وعلاوة على ذلك، فإن الزعيم المفترض لمؤامرة القنبلة، رشيد رؤوف، يحمل الجنسيتين البريطانية والباكستانية، قد شُخّص كزعيم للمؤامرة من قبل كل من المخابرات البريطانية والباكستانية، وكان حلقة الوصل بين المؤامرة والقاعدة. لدى رؤوف أيضا علاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات الباكستانية، وكان على ما يبدو قد حصل على موافقة الرجل الثاني في قيادة القاعدة، أيمن الظواهري، الذي كان يعمل سابقا لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال الحرب السوفياتية الأفغانية. وكانت المخابرات الباكستانية قد ألقت القبض على رشيد رؤوف بعد "كشف" مؤامرة القنبلة السائلة، ولكن، في عام 2006، تم إسقاط التهم الموجهة إليه. وفي عام 2007، قيل انه هرب بشكل مثير للدهشة من المعتقل الباكستاني، بعد أن تمكن من فتح أصفاده والهرب من اثنين من الحرّاس من رجال الشرطة. ومن الواضح أنه إذا تم اكتشاف أن عسكر طيبة مسؤولة عن هجمات مومباي، فإن صلاتها بوكالات الاستخبارات الغربية ينبغي أن تدرس عن كثب وتخضع للتحقيق. وكالة الاستخبارات الباكستانية، طوال تاريخها، لم تكن لاعبا أساسيا في دعم المنظمات الإرهابية المختلفة، وإنما يمكن وصفها بدقة أكثر بأنها " قناة " لوكالات الاستخبارات الغربية للتمويل والدعم السري للمنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

إرهاب الهند

يجب علينا أن ندرس الهجمات الحالية مع مراجعة الهجمات الإرهابية الأخيرة في الهند.
تفجيرات بومباي 12 مارس 1993
في 12 مارس 1993، بومباي (اليوم، مومباي) شهدت 13 هجوما منسقا من الانفجارات، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصا. ومن المعتقد أن رجلاً له ارتباطات وثيقة بأسامة بن لادن والقاعدة، هو إبراهيم داود، هو الذي كان العقل المدبر للهجمات. وقد قام أيضاً بتمويل عدة عمليات لجماعة عسكر طيبة، وكان يُعتقد أنه يختبئ في باكستان، ويلقي الحماية والدعم من المخابرات الباكستانية، التي أعلنت في عام 2007، أنها ألقت القبض عليه.

تفجيرات مومباي، 11 يوليو 2006

قتل أكثر من 200 شخص في هجوم مومباي عندما انفجرت سبع قنابل تفصل 11 دقيقة من بعضها البعض في عدد من القطارات. وُضع اللوم في الهجمات على الحركة الطلابية الإسلامية في الهند وجماعة عسكر طيبة، وكلاهما له علاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات الباكستانية. اتهمت وكالة الاستخبارات الباكستانية في وقت لاحق بتنظيم هذه الهجمات، التي نفّذتها بالتالي جماعة عسكر طيبة وحركة الطلبة. وأدت التفجيرات إلى تأجيل محادثات السلام بين الهند وباكستان، والتي كان من المقرر أن تجرى في الأسبوع التالي.

تفجير السفارة الهندية في كابول، أفغانستان: 7 يوليو 2008

في 7 يوليو 2008، انفجرت قنبلة في السفارة الهندية في كابول، أفغانستان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصا، وإصابة أكثر من 100 آخرين. الحكومة الأفغانية ووكالة الاستخبارات الهندية ألقت باللوم على الفور على وكالة الاستخبارات الباكستانية، وذلك بالتعاون مع طالبان والقاعدة، في تخطيط وتنفيذ الهجوم. وأشارت تقارير إلى أن الهدف من التفجير هو "زيادة انعدام الثقة بين باكستان وأفغانستان، وتقويض العلاقات بين باكستان والهند، على الرغم من دلائل في الفترة الاخيرة تشير إلى ان عملية السلام بين اسلام اباد ونيودلهي تحقّق بعض التقدم.

في أوائل أغسطس، دعمت وكالات الاستخبارات الأميركية الادعاء بأن عناصر من المخابرات الباكستانية ساعدوا في التخطيط للهجوم على السفارة الهندية، واستندت إلى "اتصالات تم اعتراضها"، وأن "مسؤولين أميركيين قالوا إن هذه الاتصالات اعترضت قبل تفجير 7 يوليو، وأن مبعوث وكالة المخابرات المركزية، ستيفن كابس، نائب مدير الوكالة، قد أرسل إلى إسلام أباد، العاصمة الباكستانية، حتى قبل الهجوم. ومن المثير للاهتمام، أن مسؤولا كبيرا في وكالة الاستخبارات المركزية سافر إلى باكستان [في أغسطس] لمواجهة كبار المسؤولين الباكستانيين بمعلومات حول الدعم المقدم من قبل أفراد من المخابرات الباكستانية لجماعات متشددة. ولكن، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تعرف بهذه الاتصالات، لأنها تدعم بنشاط وتمول هذه الاتصالات السرية بين المخابرات الباكستانية والمنظمات الإرهابية. إذن، ما هو الغرض الحقيقي من زيارة هؤلاء المسؤولين الأمريكيين الكبار لباكستان؟

بعد تقديم وكالة المخابرات المركزية هذه المعلومات لصحيفة نيويورك تايمز بأيام قليلة، اتهمت الولايات المتحدة باكستان بتقويض جهود حلف شمال الاطلسي في أفغانستان من خلال دعم تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وأبعد من ذلك، مايك ماك-كونيل، مدير الاستخبارات الوطنية، ومدير الـ CIA، مايكل هايدن، طلبا من الجنرال برويز مشرف السماح لوكالة الاستخبارات المركزية بحرية أكبر للعمل في المناطق القبلية، وهدّدا بـ " الانتقام " إذا لم يمتثل لهذه المطالب.

وكالة المخابرات الباكستانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية

مرة أخرى، إذا كانت المخابرات الباكستانية هي من يستحق اللوم في هجمات مومباي الأخيرة، مثلما لعبت دورا في هجمات عديدة ودعمت الإرهاب طوال تاريخها، فمن المهم تحديد علاقتها مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
أقامت وكالة الاستخبارات المركزية علاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات الباكستانية في أواخر السبعينات، كما استخدمت وكالة المخابرات المركزية المخابرات الباكستانية كـ "وسيط" لتمرير دعم وكالة المخابرات المركزية للمجاهدين الأفغان. وكانت هذه العلاقة محورية أيضا في دعم تجارة المخدرات الأفغانية، وهي مرة أخرى علاقة مكشوفة ومتفشية أيضا. واستمرت العلاقة بين الوكالتين في جميع سنوات التسعينات، في مناطق مثل الشيشان ويوغوسلافيا والهند.

في الأسبوع السابق لهجمات 11/9 كان رئيس المخابرات الباكستانية في زيارة إلى واشنطن العاصمة، حيث التقى مع عدد من الشخصيات السياسية الرئيسية هناك، مثل نائب وزير الخارجية، ريتشارد أرميتاج، السيناتور جوزيف بايدن الذي سيكون نائب رئيس أوباما. ومع نظرائه في وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع، وعدد من المسؤولين الآخرين. كان في واشنطن قبل وبعد هجمات 11/9، وكان يعمل على عدة مشاورات رئيسية مع مسؤولين أميركيين، متعهدا بالدعم الفوري لحرب الولايات المتحدة على الإرهاب.

ولكن، الغريب هو أنه حصل أن نفس رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية هذا كان قد وافق في وقت سابق على منح 100,000 دولار للخاطف الرئيسي في هجمات 11/9، وهو محمد عطا، وهو الأمر الذي تأكد أيضا من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي. وهكذا، أصبحت المخابرات الباكستانية - فجأة - المُموِّل لهجمات 11/9. ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء ضد وكالة الاستخبارات الباكستانية وباكستان، وبصرف النظر عن رئيس المخابرات الباكستانية الذي تم الإكتفاء بإقالته من منصبه بعد أن تسرّب هذا الكشف إلى وسائل الإعلام.

رئيس المخابرات الباكستانية الفريق "محمود أحمد"

من الأهمية بمكان التذكير بأن تعيين رئيس المخابرات الباكستانية الفريق "محمود أحمد"، قد تم بموافقة الولايات المتحدة في عام 1999. ومنذ ذلك الحين، وهو على اتصال وثيق مع كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع ( DIA)، والبنتاغون.

لم يتوقف التعاون بين وكالة الاستخبارات الباكستانية ووكالة الاستخبارات المركزية مع هذه الفضائح المثيرة للقلق. في عام 2007، أفيد أن وكالة المخابرات المركزية تقوم بتسليح وتمويل منظمة إرهابية تُدعى جند الله، ومقرها في المناطق القبلية في باكستان، وذلك بهدف "زرع الفوضى" في إيران. وجماعة جند الله ليست فقط مُولت وسُلحت من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، ولكن لديها علاقات واسعة بتنظيم القاعدة، ووكالة الاستخبارات الباكستانية. ويتم تسريب الدعم المالي من وكالة الاستخبارات المركزية للجماعة الإرهابية هذه من خلال وكالة الاستخبارات الباكستانية، وذلك لجعل الأمر أكثر صعوبة في إثبات وجود صلة بين وكالة المخابرات المركزية والجماعة الارهابية.

وكما أشار الباحث البروفيسور ميشيل شوسودوفسكي في مقالته، "هند 9/11"، "في سبتمبر، ضغطت واشنطن على إسلام آباد، وذلك باستخدام ذريعة "الحرب على الإرهاب " لإقالة رئيس المخابرات الباكستانية الجنرال "نديم تاج"، وأن الرئيس الباكستاني "آصف علي زرداري" عقد اجتماعات في نيويورك في اواخر سبتمبر ايلول مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية "مايكل هايدن". وعقب هذه الاجتماعات، وافقت باكستان على تعيين رئيس جديد للمخابرات الباكستانية الفريق "أحمد شجاع باشا" الذي أُقرّ تعيينه من قبل قائد الجيش الباكستاني الجنرال "كياني"، نيابة عن واشنطن".

المخابرات الأنجلو أمريكية الإسرائيلية والهند

في منتصف أكتوبر، حذرت وكالات المخابرات الأمريكية الاستخبارات الهندية عن هجوم "من البحر ضد الفنادق والمراكز التجارية في مومباي". وحتى فندق تاج، الذي أصبح موقعاً رئيسيا للقتال، تم إدراجه بدقة كهدف محدد. وفي أواخر تشرين الثاني، " تسلّمت أجهزة الاستخبارات الهندية على الأقل ثلاثة تحذيرات دقيقة بأن هجوما إرهابيا كبيرا في مومباي على وشك الوقوع".

مباشرة بعد الهجمات، ذُكر أن "تعاوناً استخباراتياً غير مسبوق بمشاركة وكالات تحقيق ودوائر تجسس من الهند، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة وإسرائيل يجري للكشف عن الطريقة والدافع وراء مذبحة مومباي الإرهابية، التي يُلقى باللوم فيها الآن على نطاق واسع على الإسلاميين المتطرفين الذين يبدو أنهم قد وضعوا البلدان الأربعة جميعاً على قائمة ضرباتهم عندما وصلوا إلى شواطئ الهند.

على وجه التحديد، فإن المحققين والمحللين القانونيين وخبراء مكافحة الإرهاب والجواسيس من وكالات البلدان الأربعة التقوا في نيو دلهي ومومباي لوضع الأفكار والموارد والمهارات معاً لفهم الطبيعة المتطورة لـ "الوحش".

وعلاوة على ذلك، اقترحت واشنطن إرسال القوات الخاصة الامريكية للعمليات على أرض الواقع في مومباي لكن نيودلهي رفضت العرض، قائلة ان قواتها الخاصة يمكن أن تتعامل مع الوضع. واستند هذا التعاون الاستخباراتي الذي لم يسبق له مثيل إلى أساس أن "الطريقة التي استطاع بها الإرهابيون الذين هاجموا مومباي تشخيص الأميركيين والبريطانيين، إلى جانب الاحتلال الصارخ لمركز يهودي، قد كشفت عن أن جدول أعمالهم كان أوسع من إثارة السخط المحلي أو قضية كشمير فقط.
بعد وقت قصير من بدء الهجمات، أفيد بأن عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي FBI قد انتقلوا بسرعة جوّاً إلى مومباي للمساعدة في التحقيق في هجمات مومباي. كما عرضت "إسرائيل" أيضا إرسال "الكوماندوز إلى مومباي لانقاذ الرهائن "الاسرائيليين" الذين اعتُقلوا في المركز اليهودي، ولكن الطلب رُفض من قبل الهند، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام "الإسرائيلية" تنتقد رد فعل الهند على الهجمات وتصفه بأنه بطيئ، ومرتبك وغير فعال.

الإرهابيون

بعد ساعات من بدء الهجمات يوم 26 نوفمبر، أفيد أن اثنين من الإرهابيين قد قتلا وألقي القبض على اثنين آخرين. وفي وقت لاحق، ظهرت تقارير تفيد بأن الشرطة الهندية قتلت أربعة من الإرهابيين في مومباي واعتقلت تسعة منهم. امتلأت وسائل الاعلام الدولية بخبر إلقاء القبض على تسعة إرهابيين.

ومن المثير للاهتمام، أنه بحلول 29 نوفمبر، تغيّرت القصة تماماً. بشكل مفاجىء، أعلن أن شرطة مومباي ألقت "القبض" على إرهابي واحد. أصبح هذا الشخص المرتكز لإلقاء اللوم بشكل صارخ على باكستان. وفور إلقاء القبض على هذا الشخص أصبح يغرّد مثل الكناري ويقول إن "كل الارهابيين قد تدرّبوا على الحرب البحرية في باكستان جنبا إلى جنب مع دورة خاصة بإشراف عسكر طيبة. ومباشرة، تمّ تحويل طبيعة الهجمات جذرياً من هجمة إرهابية روتينية إلى غارة لقوات خاصة "كوماندوز" متخصّصة. وقال الإرهابي أيضاً أن زعماء عسكر طيبة جعلوا الإرهابيين يعتقدون بأنهم غير مُرسلين في هجمات انتحارية بل في هجمات اعتيادية وسوف يعودون سالمين. ثم قام بكشف اسماء رفاقه الإرهابيين وكانوا كلهم مواطنين باكستانيين !!.

وعلى نفس المنوال، ظهرت، في وقت مبكر، تقارير عن لغز آخر مثير جدا للاهتمام من مذبحة مومباي عن التورط البريطاني. بعد فترة وجيزة من اندلاع أعمال العنف، قالت السلطات الهندية ان "سبعة من الارهابيين كانوا بريطانيين من أصل باكستاني، وأن "اثنين من البريطانيين قد ألقي القبض عليهم، وكان خمسة آخرون من المشتبه بهم من المملكة المتحدة. وعلاوة على ذلك، وُجدت هواتف بلاك بيري على المشتبه بهم وتتضمن الكثير من المعلومات التي تكشف ارتباطهم بالمملكة المتحدة. وأعلن حاكم مومباي في وقت سابق ان "إثنين من الباكستانيين بريطانيي المولد بين ثمانية مسلحين قبضت عليهم قوات الكوماندوز الهندية التي اقتحمت المباني لتحرير الرهائن".

في 1 ديسمبر، ذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية أن "ما يصل الى سبعة من الارهابيين لديهم اتصالات بريطانية وبعضهم قد يكونون من ليدز وبرادفورد حيث كان يعيش الإرهابيون الذين قاموا بتفجيرات 7 يوليو في لندن". ونتيجة لهذه الفضائح، أرسلت سكوتلاند يارد مفتشي مكافحة الإرهاب إلى مومباي "للمساعدة في التحقيق". وكان هناك أيضا تكهنات بأن واحداً بعينه من المشتبه بارتباطهم بتنظيم القاعدة البريطانية قد ساعد في التخطيط للاعتداء، وحدث فقط أن يكون هذا الشخص قد قُتل قبل أسبوع من الهجمات في باكستان من قبل وكالة الاستخبارات المركزية. وكان هذا الشخص هو "رشيد رؤوف". وهذا هو نفس "رشيد رؤوف" الذي أعلن أنه كان العقل المدبر لمؤامرة قنبلة لندن السائلة، والذي تربطه علاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات الباكستانية والقاعدة، والذي ألقي القبض عليه في وقت لاحق من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية، ثم "هرب" بأعجوبة من السجن الباكستاني. وقبل أقل من أسبوع من مذبحة مومباي قُتل رشيد رؤوف في هجوم طائرة بدون طيار لوكالة المخابرات المركزية على قاعدة إسلامية متشددة في المنطقة القبلية في باكستان.

في وقت مبكر، كان هناك حادث انفجرت فيه سيارة أجرة في مومباي، وقُتل فيه السائق والراكب. بدأت سيارة أجرة بالتحرك وقت اشتعال الضوء الأحمر عندما انفجرت السيارة الملغومة، وهذا أنقذ حياة "المئات" من البشر، الذين كانوا سيُقتلون لو كانت السيارة قد تحركت وقت اشتعال الضوء الاخضر والتقاطع ممتلىء بالكامل.

كان الوحيدون الذين لقوا حتفهم هم الموجودون في سيارة الأجرة. وهذا أثار التحقيق في ما إذا كان السائق "كان على علم بأن سيارته كانت محملة بالمتفجرات أم لا".

لماذا هذا مهم؟

لأن هذا يشبه التكتيكات المستخدمة في العراق منذ الاحتلال الأنجلو أمريكي لهذه البلاد، التي تستخدمها كل من المخابرات والقوات الخاصة البريطانية وقوات الولايات المتحدة وذلك في محاولة لاثارة الفوضى في العراق وخلق الفتنة والحرب الأهلية (راجع الحلقة (70) كيف كان الأمريكان والبريطانيون يفجّرون السيارات المفخخة في العراق ليحصدوا أرواح المدنيين ويشعلوا الحرب الطائفية؟).

الوسائل وطريقة العمل والدافع

الوسائل

في حين أن احتمال أن باكستان والمخابرات الباكستانية (أو عسكر طيبة) هي المسؤولة عن هجمات مومباي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، فإن مراجعة السوابق والوسائل، تفرض علينا أن نفكر في احتمالات أخرى.
بينما الهند والغرب يضعون اللوم في الهجوم على المخابرات الباكستانية وجماعة عسكر طيبة، فإن الصحافة الباكستانية تحدّثت عن احتمال آخر.

يوم 29 نوفمبر، حسبما ذكرت صحيفة باكستان اليومية Pakistan Daily، مع جانب قاسٍ من الخطاب المعادي لإسرائيل، أن هجمات مومباي ستُستخدم "كمبرر لغزو الولايات المتحدة لباكستان". وذكرت أن الموساد الإسرائيلي "تحشد منذ عام 2000 في مقاطعني جامو وكشمير في الهند، حيث كانت الحكومة الهندية تلاحق قضية " الأمن " فيما يتعلق بالشعب الكشميري". ونقلت الصحيفة عن مقال لتايمز الهندية ذكر أن "خبراء مكافحة الإرهاب الإسرائيليون يجولون الآن في جامو وكشمير وعدة ولايات أخرى في الهند بدعوة من وزير الداخلية "لال كريشنا ادفاني" لإجراء تقييم للاحتياجات الأمنية لنيودلهي. ويضم الفريق الاسرائيلي برئاسة "ايلي كاتزير" من وحدة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية، مسؤولين من الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ومسؤولاً كبيراً في الشرطة. وكان هناك أيضا تقرير عن اتفاق قريب حول التعاون بين الهند وإسرائيل بشأن جميع المسائل الأمنية.

طريقة العمل

بعد وقت قصير من بدء الهجمات في مومباي، ذكر المبعوث الرئاسي الروسي لمكافحة الإرهاب أن "الارهابيين في هجوم مدينة مومباي الهندية، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصا وإصابة أكثر من 300، استخدموا نفس التكتيكات التي استخدمها المسلحون الإرهابيون الشيشان في شمال القوقاز". وأوضح، "وقد استخدمت هذه التكتيكات خلال غارات شنها القادة الميدانيون الشيشان المتشدّدون "شامل باساييف" و "سلمان رادوييف" ضد بلدات بوديونوفسك وبيرفومايسكوي. لأول مرة في التاريخ تروّع بلدات بأكملها، وتُحتل المنازل والمستشفيات. الارهابيون في مومباي قد تعلموا هذه التكتيكات بشكل جيد".
شامل باساييف، أحد قادة المتمردين الشيشان، وكذلك العديد من القادة الشيشان الآخرين، تم تدريبهم من قبل وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الباكستانية في أفغانستان، في معسكرات تدريب تديرها وكالة المخابرات المركزية أثناء الحرب السوفييتية الأفغانية في الثمانينات (راجع الحلقة (58) الولايات المتحدة الأمريكية راعية الإرهاب في الشيشان).

الدافع: خرائط أمريكية لباكستان مقسمة إلى أربعة أجزاء

في يوم 2 كانون الأول، صرح مدير المخابرت الباكستانية ISI الأسبق "حميد غول" أن "تفجيرات مومباي هي مؤامرة عالمية لتجريد باكستان من أسلحتها النووية. كان يتحدث إلى قناة تلفزيونية خاصة يوم الجمعة، وقال إن شمول باكستان بالحادثة يعكس نوايا بعض القوى لإعلان باكستان كدولة فاشلة تمهيدا لتركيعها ومن ثم تجريدها من قوتها النووية. وقال إن الولايات المتحدة تريد رؤية الجيش الهندي في أفغانستان كي يتم تمزيق البلاد، وأشار إلى خرائط أمريكية جديدة تُظهر باكستان مقسّمة إلى أربعة أجزاء، وهذه هي المقدمة كي "تركع" باكستان أمام "صندوق النقد الدولي" (ص ن د) الذي هو "جزء من خدعة مخطط لها مسبقاً" !!

أليس هذا الحديث غريباً؟

لكنه يأتي من مسؤول ليس سهلا في موقعه وتجربته وخبراته المتراكمة، ومن بلد حليف للوايات المتحدة. فكيف نفسّر ذلك؟
على الرغم مما تحمله هذه المزاعم من غرابة وإثارة للدهشة، فإن للولايات المتحدة سجلا طويلا في الانقلاب على حلفائها حين يصبحون مكتفين ذاتيا ومتطوّرين ومعتمدين على قدراتهم، كما حصل – على سبيل المثال - مع صدام حسين في العراق في بداية الستعينات. ومن الضروري الإنتباه إلى دور (ص ن د) والبنك الدولي في خلق الأزمات الاقتصادية، وبالتالي زعزعة الاستقرار السياسي – الاجتماعي – العرقي، والذي يقود دائماً إلى الحروب العرقية والطائفية والإبادات البشرية التي تجعل الولايات المتحدة تدعو إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن لتحصل على تفويض القصف او "التدخل الدولي" في البلدان التي ترتئي تدميرها مثل يوغوسلافيا ورواندا على سبيل المثال كما سنرى ذلك.

خطّة صندوق النقد الدولي لتدمير وتمزيق باكستان

تقوم المؤسسات المالية الدولية عادة بخلق الفوضى السياسية، في الوقت الذي تقوم فيه وكالات المخابرات الغربية السرية بمساندة الجماعات المتذمرة والمتطرفة وحتى الثورية بتوفير الوسائل للتمرد والعصيانات، والتي ستصبح سببا للتدخل العسكري الأجنبي، الذي سيؤمّن الوجود العسكري الاستعماري في المنطقة، وبالتالي السيطرة على موارد وثروات تلك المنطقة وموقعها الستراتيجي. وهذه هي القاعدة القديمة التي تُسمّى "فرّق تسد" أو ما يمكن التعبير عنه بالقول "مزّق.. واحتل".

ومن الضروري ملاحظة أنه في عام 2008، كانت باكستان تسعى للحصول على مساعدة (ص ن د). في 25 تشرين الثاني، حصلت على المواقة النهائية للحصول على قرض قيمته 7 مليارات دولار بعد أن انكمش الاحتياطي الأجنبي لديها من 74% إلى 3,5 مليار دولار خلال 12 شهراً انتهت في 8 تشرين الثاني. هذا القرض تمت الموافقة عليه بيوم واحد قبل هجمات وتفجيرات مومباي. في 4 كانون الأول، ظهر أن شروطا قاسية للصندوق قد بدأت بالظهور بعد أن اتفق الصندوق مع الحكومة الباكستانية على رفع الدعم عن النفط المستورد، وإلغاء الدعم عن مؤسسات الطاقة الكهربائية وعن ميزانيات المؤسسات الحكومية، كما اتفق الطرفان على التخلص من بنك الدولة الباكستاني الخاص بالتبادل الخارجي لاستيرادات النفط. كما اتخذت الإجراءات اتعزيز السياسة الضريبية. وكذلك إخضاع أسعار البنزين للأسعار العالمية الجارية. وكذلك وضع تصورات مشدّدة للسياسة المالية.

نتائج هذه الشروط سوف تكون معروفة: ستفقد باكستان كل أشكال الدعم؛ أسعار الوقود سترتفع بصورة انفجارية، وكذلك الغذاء، وأسعار السلع الضرورية. في الوقت نفسه، وضع سياسة نقدية مشدّدة، مع سيطرة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البنك المركزي الباكستاني وهذا سيمنع البنك من اتخاذ إجراءات لمواجهة التضخم؛ وسترتفع تكاليف المعيشة بصورة صاروخية مع انخفاض قيمة العملة. كل هذا سوف يحصل، مع رفع مستوى الضرائب على المواطنين بدرجة كبيرة جدا، مع تقليص أو إلغاء الوظائف في مجالات الوظائف الإدارية والتعليم والصحة وغيرها. ولكن الأموال تستمر بالتدفق إلى جهاز المخابارت الباكستاني والجيش الباكستاني، الأمر الذي سيشيع الإستياء بين الطبقات المحرومة في باكستان. ويكون وقوع انقلاب عسكري أمراً محتملاً، يلي ذلك عصيانات وتمرّدات جماعية،والتي بدورها ستهيج الجماعات العرقية ضد بعضها البعض الآخر. وهذا أما أنه سيقود إلى حرب ضد الهند، يوصل في النهاية إلى تعزيز قبضة الدولة الأمنية المتسلّطة كأداة لتنفيذ الأهداف الإمبريالية الأنكلو – أمريكية.، كما حصل في رواندا، أو، يمكن أن تؤدي إلى صراعات وحروب عرقية، تنتهي أخيرا بتمزيق باكستان إلى دويلات صغيرة حسب الخطوط العرقية، كما حصل في يوغوسلافيا. أو، يمكن أن تنتهي في مزيج من الحالتين، بلاد ممزقة متحاربة تبتلعها الأزمات.

تفكك باكستان ليست فكرة بعيدة المنال من ناحية الاستراتيجية الأنجلو أمريكية. في الواقع إن خطة لزعزعة الاستقرار، وفي نهاية المطاف، بلقنة باكستان، صارت مطروحة في الدوائر الاستراتيجية العسكرية الأنجلو أمريكية الإسرائيلية.

فرّق واحتل

هذا المفهوم تطور في دوائر التخطيط الاستراتيجي في أواخر السبعينات ردا على النزعات القومية الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فضلا عن تهديد محتمل من تنامي النفوذ السوفيتي في المنطقة. وكان الهدف الرئيسي من هذه الإستراتيجية كما حدّدها المفكرون الاستراتيجيون هو تأمين النفط في الشرق الأوسط واحتياطيات الغاز في آسيا الوسطى وخطوط أنابيبه تحت السيطرة الأنجلو-أمريكية. السيطرة على احتياطيات الطاقة الحيوية هذه هو أمر استراتيجي بقدر ماهو اقتصادي، ومعظم دول العالم يحصل على الطاقة من هذا المجال؛ وأولئك الذين يسيطرون على الطاقة، سيسيطرون على الذي يحصل عليها، وبالتالي، يسيطر على جزء كبير من العالم. الفوائد الاقتصادية للأنجلواميركيين من السيطرة على احتياطيات الطاقة في هذه المناطق لا يمكن تحليلها بمعزل عن المصالح الاستراتيجية، كما أنها هي واحدة ومتطابقة. شركات النفط الأنجلو أمريكية تقوم بالسيطرة على النفط والغاز، في حين تثبّت الحكومتان البريطانية والأمريكية الأنظمة العميلة لرعاية مصالحهما، والعمل كوكلاء في خلق الصراعات والحروب مع دول المنطقة التي تعمل في المصلحة الوطنية الخاصة بها، بدلا من أن تتصرف بتوجيه من الحلف الأنجلو-أمريكي.

قوس الأزمات

بعد الصدمات النفطية عام 1973، التي كانت، في الواقع، مفبركة ومدبرة سرا من قبل مصالح البنوك وشركات النفط الأنجلو- أمريكية، نمت الدول المنتجة للنفط وصارت غنية جدا، مثل إيران. فضلا عن هذا، دول مثل أفغانستان أصبحت أكثر يسارية وتقدمية على نحو متزايد. وخوفا من التحالفات الممكنة بين دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مع الاتحاد السوفياتي، وكذلك من أن تصبح هذه الدول مستقلة حقا، وتسيطر على مواردها الذاتية من أجل مصلحة شعوبها، تحوّلت الاستراتيجية الأنجلو أمريكية إلى ما يسمى "قوس الأزمات".

"قوس الأزمات" يصف "الدول التي تمتد عبر الجهة الجنوبية من الاتحاد السوفيتي من شبه القارة الهندية إلى تركيا، وجنوبا عبر شبه الجزيرة العربية إلى منطقة القرن الأفريقي". وعلاوة على ذلك، فإن "مركز الثقل من هذا القوس هو إيران. وفي عام 1978، قدم زبيغنيو بريجنسكي كلمة قال فيها، "قوس الأزمة يمتد على طول شواطئ المحيط الهندي، مع بنى اجتماعية وسياسية هشة في منطقة ذات أهمية حيوية بالنسبة لنا مهدّدة بالتفكّك والتشرذم. يمكن أيضا أن تُملأ الفوضى السياسية الناتجة من قبل عناصر معادية لقيمنا ومتعاطفة مع خصومنا".

مشروع برنار لويس في "صدام الحضارات" وبلقنة الشرق الأدنى المسلم من خلال تدمير الدول المركزية

ولهذا تغيّرت الاستراتيجية الأنجلو أمريكية في المنطقة في هذا الوقت، كما "كانت هناك فكرة أن القوى الإسلامية يمكن أن تُستخدم ضد الاتحاد السوفياتي. وكانت هذه هي النظرية: هناك قوس الأزمة، وذلك على شكل قوس من الإسلام سيتم تعبئته لاحتواء السوفيات. وكان هذا مفهوم بريجنسكي. برنارد لويس، عضو جماعة بيلدربيرغ التآمرية (سوف نتناولها في حلقة مستقلة)، قدم الاستراتيجية البريطانية الأمريكية إلى مجموعة بيلدربيرغ خلال اجتماع عام 1979، والتي وافقت على دعم حركة الإخوان المسلمين المتطرفة، من أجل تعزيز بلقنة الشرق الأدنى المسلم كله على أسس قبلية ودينية. وقال لويس انه يتعين على الغرب تشجيع استقلال الجماعات مثل الأكراد والأرمن والموارنة اللبنانيين، الأقباط الإثيوبيين، الأذربيجانيين، والأتراك وغيرهم. ان الفوضى سوف تنتشر في ما أسماه "قوس الأزمات"، وسوف تمتد إلى المناطق الإسلامية في الاتحاد السوفيتي. ولأنه يُنظر إلى الاتحاد السوفيتي كنظام علماني وملحد، ويقمع الدين في منطقة نفوذه، فإن صعود النفوذ والحكومات الإسلامية الراديكالية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيضمن عدم دخول النفوذ السوفياتي إلى المنطقة، كما ان المسلمين المتطرفين ينظرون إلى السوفييت بمزيد من عدم الثقة. أي أن الأنجلو-أميركيين سيضعون أنفسهم كأهون الشرّين.

كان برنارد لويس ضابط مخابرات بريطاني سابق ومؤرخ سيّيء السمعة من خلال تفسيره السخط العربي تجاه الغرب بأنه غير متجذر في ردة فعل نحو الإمبريالية، بل متجذر في الإسلام؛ وفي أن الإسلام لا يتفق مع الغرب، وأنه مهيّأ للتصادم مع الغرب، واستخدم مصطلح "صدام الحضارات". وعلى مدى عقود، لعب لويس دورا حاسما كأستاذ، ومعلم، ومتزعّم لجيلين من المستشرقين والأكاديميين وخبراء الاستخبارات الأمريكيين والبريطانيين، ومفكري مراكز البحوث، ومختلف المحافظين الجدد. في الثمانينات، كان لويس على تواصل مباشر مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع. ثم كتب لويس مقالا عام 1992 في مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs، مجلة مجلس العلاقات الخارجية، تحت عنوان "إعادة التفكير في الشرق الأوسط". في هذه المقالة، أثار لويس احتمال سياسة أخرى تجاه الشرق الأوسط في أعقاب نهاية الحرب الباردة وبداية النظام العالمي الجديد، والتي يمكن أن يضطلع بها الأصوليون، وهي التي ستصبح في وقت متأخر معروفة بمصطلح "اللبننة - Lebanonization". معظم دول الشرق الأوسط - مصر هي استثناء واضح – هي بنى "حديثة" ومصطنعة وعرضة لمثل هذه العملية. إذا ضعفت السلطة المركزية بما فيه الكفاية، لا يوجد مجتمع مدني حقيقي في هذه الدول يستطيع الحفاظ على نظام المجتمع موحّداً، ولا يوجد معنى حقيقي للهوية الوطنية المشتركة أو الولاء الأسمى للدولة القومية. ولذلك سوف تتفكك الدولة وتتحلل - كما حدث في لبنان - إلى فوضى من الطوائف والقبائل والمناطق والأحزاب المتحاربة المتناحرة.

برنارد لويس يعيد رسم خريطة "قوس الأزمات "

مقال مجلة الشؤون الخارجية لعام 1979، المجلة المعبّرة عن مجلس العلاقات الخارجية (CFR) القوي، ناقش قوس الأزمات: "إن الشرق الأوسط يشكل نواة مركزية لهذا القوس. موقعه الاستراتيجي لا مثيل له: فهو المنطقة الرئيسية الأخيرة من العالم الحر المجاورة مباشرة للاتحاد السوفيتي، وهو يحمل في باطن أرضه حوالي ثلاثة أرباع احتياطيات النفط العالمية المؤكدة والمقدرة، وهذا هو موضع واحد من أعظم الصراعات المستعصية في القرن العشرين: الصهيونية مقابل القومية العربية. "وأوضح أن استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة تركز على "احتواء" الاتحاد السوفيتي وكذلك الوصول إلى مناطق النفط.

وضمن هذا السياق فأنه في عام 1979، كما اعترف زبيغنيو بريجنسكي في وقت لاحق، "ووفقا للرواية الرسمية من التاريخ، بدأت مساعدات وكالة المخابرات المركزية للمجاهدين خلال عام 1980، وهذا يعني، بعد غزو الجيش السوفيتي لأفغانستان، في 24 ديسمبر 1979. ولكن الواقع، وهو أمر بقي سرا حتى الآن، هو تماما على خلاف ذلك، فالواقع هو أنه في 3 يوليو 1979 وقع الرئيس كارتر التوجيه الأول لتقديم المساعدات السرية لمعارضي النظام الموالي للسوفييت في كابول. وفي ذلك اليوم نفسه، كتبتُ مذكرة إلى الرئيس شرحتُ له فيها أنه في رأيي هذه المساعدات ذاهبة للحث على التدخل العسكري السوفيتي". وزعم أنه "لم نكن ندفع الروس إلى التدخل، ولكن رفعنا احتمالية أن يفعلوا ذلك ". يا له من مثال مكتمل على ما سمّأه جورج أورويل بـ " الكلام المزدوج "، فهو يقول إن الأمريكيين" لم يدفعوا الروس للتدخل " بل " زادوا احتمالية أن يقوموا بذلك"، أي بعبارة أخرى "دفعوهم للتدخل".

هذا هو ما حصل عندما تم إنشاء المجاهدين، ومن خلال ذلك، تنظيم القاعدة، ومجموعة متنوعة من الجماعات الإسلامية الراديكالية الأخرى التي باتت تؤرق الجغرافيا السياسية العالمية منذ تلك المرحلة. لا يمكن أن ينظر إلى الإرهاب، كما يحصل في كثير من الأحيان، بطريقة بسيطة مثل "جهات فاعلة غير حكومية" ردا على الجغرافيا السياسية للدول والشركات. في الواقع، العديد من الجماعات الإرهابية، وبخاصة الكبرى، والمنظمة تنظيماً جيدا والمتطرفة العنيفة منها، هي "جهات فاعلة بالوكالة عن الدولة"، تتلقى دعما سريا - من خلال التسليح والتدريب - عن طريق مختلف وكالات الاستخبارات الدولية. فهي ليست مجرد "رد فعل" على الجغرافيا السياسية، ولكنها لاعبون مهمون في رقعة الشطرنج الجيوسياسية. وهي تمثل العذر المثالي للمغامرات العسكرية الأجنبية والحرب، والاستبداد الداخلي في شكل الدول النامية البوليسية للسيطرة على الجماهير، وخنق المعارضة وخلق قاعد شمولية للاستبداد والسيطرة.

خريطة الحرب على الإرهاب تتطابق مع خريطة منابع النفط والغاز

وكما كتبت صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل في شهر أيلول من عام 2001، بعد وقت قصير من هجمات 911 أيلول:
"إن خريطة الملاذات والأهداف الإرهابية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى هي أيضا، وإلى درجة غير عادية، نفس خريطة مصادر الطاقة الرئيسية في العالم في القرن الـ 21. والدفاع عن موارد الطاقة هذه - بدلا من أن تكون مواجهة بسيطة بين الإسلام والغرب - ستكون نقطة الوميض الرئيسية للصراع العالمي لعقود قادمة ". علاوة على ذلك، أضافت الصحيفة قائلة: "إنه لا مفر من أن الحرب ضد الإرهاب سوف ينظر إليها كثيرون على أنها حرب بالنيابة عن أميركا شيفرون واكسون موبيل وأركو. توتال الفرنسية. شركة بريتش بتروليوم البريطانية، رويال داتش شل والشركات العملاقة المتعددة الجنسيات الأخرى، التي لديها مئات المليارات من الدولارات من الاستثمارات في هذه المنطقة ". في الواقع، حيثما يتواجد تنظيم القاعدة، يتواجد الجيش الأمريكي، ووراء الجيش، شركات النفط تنتظر وتدفع، ووراء شركات النفط، البنوك التي تنتفخ أرباحها.

بلقنة الشرق الأوسط

في عام 1982، عوديد ينون، صحفي إسرائيلي كتب تقريرا لنشرة المنظمة الصهيونية العالمية دعا فيه إلى "تفكيك سوريا والعراق إلى مناطق مستقلة عرقيا أو دينيا كما هو الحال في لبنان الذي هو الهدف الأساسي لإسرائيل على الجبهة الشرقية. عراق، غني بالنفط من جهة وممزق داخليا من جهة أخرى مرشح كهدف لإسرائيل. انحلاله هو أكثر أهمية بالنسبة لنا من سورية. العراق أقوى من سوريا. وعلى المدى القصير، فإن القوة العراقية هي التي تشكل أكبر تهديد لإسرائيل ".

في عام 1996، أصدرت مؤسسة بحثية إسرائيلية بالتعاون مع العديد من الأمريكيين البارزين من المحافظين الجدد، تقريرا دعا اسرائيل الى "العمل بشكل وثيق مع تركيا والأردن لاحتواء، وزعزعة استقرار، بعض التهديدات الأكثر خطورة عليها، ومن بينها إزالة صدام حسين من السلطة".

في عام 2000، نشر "مشروع القرن الأمريكي الجديد - New American Century"، وهو مركز بحوث فكرية للمحافظين الجدد، تقريرا بعنوان "إعادة بناء دفاعات أمريكا"، دعا علنا إلى إقامة امبراطورية أمريكية في الشرق الأوسط، مع التركيز على إزالة "التهديدات" من العراق وإيران.

بعد وقت قصير من الغزو الأمريكي للعراق، بدأ أعضاء بارزون في مجلس العلاقات الخارجية بالدعوة إلى تفكيك العراق إلى ثلاث ولايات على الأقل أصغر حجما، وذلك باستخدام يوغوسلافيا كمثال على كيفية تحقيق ذلك.

في عام 2006، نشرت مجلة القوات المسلحة مقالاً للفريق المتقاعد رالف بيترز، دعا فيه إلى إعادة رسم حدود الشرق الأوسط. ودعا أولا إلى تفكيك العراق، وأن "السعودية ستعاني بدرجة كبيرة مثلما يحصل عند تفكيك باكستان"، وأن "إيران، وهي دولة ذات حدود جامحة، سوف تفقد قدرا كبيرا من أراضيها لصالح أذربيجان موحدة، وكردستان الحرة، ودولة عربية شيعية، وبلوشستان حرة، لكنها سوف تربح مقاطعات حول هيرات في أفغانستان اليوم".

وبعد أن وصف باكستان بأنها "دولة غير طبيعية"، قال انه "سيتم جمع شمل القبائل شمال غرب باكستان على الحدود مع إخوانهم الأفغان"، وأنه "سوف تخسر باكستان قطاع البلوش لبلوشستان الحرّة. وان ما تبقى من باكستان "الطبيعية" سيقع تماما شرق الهند، عدا نتوء من ناحية الغرب قرب كراتشي". حتى انه قدم لائحة صغيرة مفيدة من "الخاسرين" و "الفائزين" في هذه اللعبة الجديدة الهائلة: من الذي سيكسب الأرض، ومن الذي سيفقد الأرض. من بين الخاسرين في هذه اللعبة أفغانستان، إيران، العراق، إسرائيل، الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية، سوريا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، والضفة الغربية وباكستان.

وقدم بيترز البيان المذهل بأنه غالبا ما يتم تحقيق إعادة رسم الحدود فقط عن طريق الحرب والعنف، وأنه "بعمل سر صغير قذر آخر يشتغل منذ 5000 سنة من التاريخ هو: التطهير العرقي".
لاحظ التشابه بين خريطة رالف بيترز لإعادة رسم الشرق الأوسط وخريطة برنارد لويس لإعادة رسم الشرق الأوسط:

استنتاج: الإرهاب "الإسلامي" الأمريكي لتدمير الهند وبلقنة باكستان

في نهاية المطاف، أهداف هجمات مومباي هي لتحقيق بلقنة باكستان. والسؤال عن من هو المسؤول - إما المخابرات الباكستانية، المارقة إلى حد كبير من الحكومة المدنية الباكستانية وتحت سلطة المخابرات الأنجلو أمريكية. أو الإرهابيين الهنود الإنفصاليين، الذين من المحتمل أنهم بُدعمون من نفس المجتمع الاستخباراتي الأنجلو أمريكي - برغم أهمية هذا السؤال، هو في نهاية المطاف ذو اعتبار ثانوي بالمقارنة مع سؤال الـ: لماذا؟

مَنْ، ماذا، أين، ومتى هو عرض للاستهلاك العام. مُغلّف بالارتباك وأنصاف الحقائق، ويهدف إلى إرباك وإحباط المراقب في نهاية المطاف بخلق شعور بعدم الارتياح والخوف من المجهول. سؤال الـ "لماذا"، من ناحية أخرى، هو السؤال الأكثر أهمية. لأنه بمجرد اكتشاف لماذا، فإن مَنْ، وأين، ومتى تبدأ في التكشّف وتخلق الصورة الكاملة.

إذا كان المقصود من هجمات مومباي إلقاء اللوم على باكستان، وبالتالي، إشعال حرب بين باكستان والهند - التي هي الآن حقيقة متزايدة - ما هي الأهمية القصوى لمعرفة ما إذا كانت المخابرات الباكستانية أو العناصر الهندية الانفصالية هي المسؤولة؟

باكستان هي نقطة استراتيجية محورية في المنطقة. باكستان على الحدود مع إيران وأفغانستان والهند والصين. كما انها تقع مباشرة تحت جمهوريات آسيا الوسطى من الاتحاد السوفيتي السابق، والتي هي غنية في مواردها من الغاز الطبيعي. مع حرب حلف الناتو في أفغانستان، والحرب الأنجلو أمريكية في العراق، ووجود القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية والكويت، فإن احتلال باكستان يضع الجيوش الإمبريالية الغربية حول إيران، الهدف المركزي في الشرق الأوسط. مع بلقنة العراق وأفغانستان وباكستان، فان قوى زعزعة الاستقرار ستعبر الحدود إلى إيران، وتخلق في نهاية المطاف شروط الانهيار السياسي والاجتماعي في البلاد.

ومن شأن النزاع بين باكستان والهند أن لا يؤدي فقط إلى تفكيك باكستان، ولكنه أيضا يعرقل بشكل كبير التنمية الاقتصادية والاجتماعية السريعة في الهند باعتبارها أكبر تجربة ديمقراطية في العالم، وستجبرها أن تقع تحت تأثير أو "حماية" القوة العسكرية الغربية والمؤسسات المالية الدولية. ونفس الشيء يمكن أن يحصل للصين، فزعزعة الاستقرار ستعبر الحدود الباكستانية إلى البلاد الأكثر اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض، فيفاقم الخلافات العرقية والفوارق الاجتماعية.

وجود عسكري أنجلو أمريكي كبير في باكستان، أو، بدلا من ذلك، قوة حلف شمال الاطلسي او الامم المتحدة، جنبا إلى جنب مع قوة حلف شمال الاطلسي الموجودة بالفعل في أفغانستان، ستكون موقعا استراتيجيا عسكريا ضخما ضد نهوض الصين وروسيا والهند في المنطقة. مع النفوذ الصيني المتزايد على نطاق واسع في أفريقيا الذي يهدّد الهيمنة الأنجلو أمريكية والأوروبية في القارة السوداء، فإن وجوداً عسكريا واسع النطاق على الحدود مع الصين يمثل تهديداً قوياً.

هجمات مومباي لا تساعد الهند أو باكستان أو أفغانستان، أو أي دولة في المنطقة. المستفيدون من مذبحة مومباي هم في لندن ونيويورك، في مجالس الإدارة والمساهمين من أكبر البنوك العالمية التي تسعى للسيطرة الكاملة على العالم. بعد أن سيطروا على أمريكا الشمالية وأوروبا لفترة طويلة من التاريخ الحديث، فإن هذه البنوك، الأنجلو أمريكية في المقام الأول، ولكن الأوروبية أيضاً، تسعى إلى ممارسة السيطرة الكاملة على موارد العالم، وعملاته، وسكانه. هناك العديد من الاستراتيجيات المتزامنة التي تُوظّف لتحقيق هذه الغاية: من بينها، الأزمة المالية العالمية، لكبح جماح والسيطرة على الاقتصاد العالمي؛ و "الحرب الشاملة" في الشرق الأوسط، التي من المحتمل أن تتفاقم وتصبح حربا عالمية مع روسيا والصين، هي أداة مثالية لضرب الخوف في نفوس سكان العالم بما يكفي لقبول إدارة عالمية عابرة للقوميات لضمان عدم وقوع حروب في المستقبل، ولضمان استقرار الاقتصاد العالمي ؛ رؤية طوباوية لنظام عالمي واحد. المشكلة مع اليوتوبيات هي أنها "مُثُل عليا مطلقة". وإذا كانت الإنسانية قد تعلمت أي شيء في تاريخها على هذا الكوكب. فهو أن الكمال أمر مستحيل، وسواء كان ذلك في شكل "الشخص المثالي" أو "الحكومة المثالية" فإن الإنسانية موبوءة بالعيوب والنواقص والعاطفة. قبول عيوبنا كنوع هو ما يمكن أن يجعلنا عظماء، وفهم أن اليوتوبيا مثالية من المستحيل تحقيقها هو ما يمكن أن يسمح لنا بخلق "أفضل مجتمع ممكن" يمكننا أن نحصل عليه. كل محاولات اليوتوبيا عبر التاريخ تحولت دائما إلى واقع مرير. يجب علينا أن نتعلم من تاريخ البشرية في العيوب الدنيئة. وفقط عندما نقبل بحقيقة أننا لا ندعي الكمال، ولا يمكن أبدا أن نصبح كاملين، في الأشخاص أو في السياسات، حينها سنصبح احراراً في ان نكون الإنسانية الأكثر تقدما والأكثر نبلا.
مصادر حلقات أمريكا والإرهاب الإسلامي في الهند

ملاحظة عن موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية

حلقات هذه الموسوعة تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ ومُقتبس ومُلخّص عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وموسوعات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية: ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي هي: (الربح فوق الشعب، الغزو مستمر 501، طموحات امبريالية، الهيمنة أو البقاء، ماذا يريد العم سام؟، النظام الدولي الجديد والقديم، السيطرة على الإعلام، الدول المارقة، الدول الفاشلة، ردع الديمقراطية، أشياء لن تسمع عنها ابداً،11/9، القوة والإرهاب – جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية)، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت، كتابا جان بركنس: التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية ويوميات سفّاح اقتصادي، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، كتب: الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط، وحفّارو القبور، والأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي، نهب الفقراء جون ميدلي، حكّام العالم الجُدُد لجون بيلجر، كتب: أمريكا والإبادات الجماعية، أمريكا والإبادات الجنسية، أمريكا والإبادات الثقافية، وتلمود العم سام لمنير العكش، كتابا: التعتيم، و الاعتراض على الحكام لآمي جودمان وديفيد جودمان، كتابا: الإنسان والفلسفة المادية، والفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، كتاب: من الذي دفع للزمّار؟ الحرب الباردة الثقافية لفرانسيس ستونور سوندرز، وكتاب (الدولة المارقة: دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم) تأليف ويليام بلوم.. ومقالات ودراسات كثيرة من شبكة فولتير.. وغيرها الكثير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى