الجمعة ٢٠ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم فراس دهداري

التشبیه في بلاغة سورة یوسف (ع)

موضوع: التشبیه في بلاغة سورة یوسف (ع)

 الباحث: فراس دهداري
 الأستاذ المشرف:الدكتور جواد سعدون زاده
 الأستاذ المساعد: الدكتور ولی شجاعپوریان

المقدمة:

هذا المقال یدور حول التشبیه في سورة یوسف (ع) فنری أن التشبیه في السورة کان قلیلا ً ولکن الترکیز کان علی معاني الکاف في السورة المبارکة و کان الترکیز أیضا ً علی التساوي و التأکید و الایضاح.

التشبيه

يأخذ التشبيه في القرآن الكريم حيزة المتميز من بين سائر فنون البيان خاصة و البلاغة عامة، لما في ألفاظه من طاقة إيحائية و ما في تراكيبه من قدرة تصويرية معبرة و مؤثرة، إذ أنّه بتراكيبه التصويرية يخلق عملية التخيل لدى المتلقي فيجعله يتصور ما يقرأ أو ما يسمع و بهذا تحصل لديه متعة القراءة أو الاستماع.
و التشبیه بأبسط معانیه یعنی« الدلالة علی مشارکة أمر ٍ لآخر فی معنی».
 [1]

أی أن یجمع بین أمرین یشترکان بصفة أو أکثر فعندما تقول( أنت کالجبل) تکون قد أضفیت صفه الجبل و هي (الثبات) علی الموصوف به و هو (المشبه). فدلـّك التشبیه علی أنّ هناك صفة تعود للمشبه و هي مختفیتة وراء ذلك الترکیب. وبوصفك قارئأ علیك أن تلحظ بماذا یتمیز المشبه به، و في المثال الجبل تمیز بالثبات، و من ثمَّ تقارن ذلك بالمشبه، و بهذا تکون قد وصفت المشبه ولکنْ بطریقة غیر مباشرة. و علیك أن تلحظ بان التشبیه لا یکون إلاّ بین طرفین یشترکان فی صفه هی أقوی في أحدهما من الآخر فیأتی التشبیه لیقویّ وجودها في الطرف التي هی ضعیفة فیه، و عادة الصفة تکون اقوی في المشبه به ممّا هي في المشبه.

وللتشبیه أربعه أرکان هي المشبه، و المشبه به و هما طرفا التشبیه واداة التشبیه ووجه الشبه، و علی أساس هذه الأرکان یقسم علی أنواع مختلفة.

التشبیه الضمنی فی السورة المبارکه:

تمیزت سورة یوسف (علیه السلام) عن سائر السـور القرآنیـة بطابعها القصصي الممیز، و بندرة ألفاظها و تفرّدها بها عن غیرها، و کان للتشبیه فیها طابعه الممیز الخاص بها دون عن سائر السور القرآنیة. إذن فهي سورة لها طابعها الخاص في کل شیء و جاء التشبیه فیها مفهوماً من السیاق و لم یصرح به تصریحاً أي انه تشبیه ضمني إذ هو « تشبیه لا یوضع فیه المشبه و المشبه به، في صورة من صور تشبیه المعروفة، بل یلمح الشمبه و المشبه به، و یفهمان من المعنی، و یکون المشبه به دائماً برهاناً علی إمکان ما أسند إلی المشبه » و هذا یعنی أنَّ التشبیه یأتی خالیاً من الأداة و وجه الشبه. و هذا ما نجده في قوله تعالی علی لسان النسوة «... مَا هَذَا بَشَراً إن هذا إلاّ مَلـَكٌ كـَرِيمٌ » . فانظر إلی الآیه الکریمة لا تری فیها أيَّ رکن من أرکان التشبیه، فالأداة لا وجود لها و وجه الشبه مختفٍ و المشبه و المشبه به متداخلان.
لکنّ الترکیب یحمل في طیاته تشبیهاً لم یصرح به بل هو تشبیه واقع ضمــن الکلام. فلما رأین النسوة النبي یوسف ( علیه السلام) انبهرن بجماله ووقاره و حسن أخلاقه فشبهناه بالملك الکریم و لم یصرحن بذلك علی ادّعاء أنّ المشبه هو المشبه به نفسه تقویة للصفة التی یشترك بها مع المشبه به ( الملك) فیبدو المشبه کأنّه المشبه به نفسه للصفة في المشبه.
و إنّ هذا النوع من التشبیه الذي تحذف فیه الأداه و وجه الشبه ما هو إلاّ« التشبیه البلیغ و هو أعلی مراتب التشبیه فی البلاغة و قوة المبالغة، لما فیه من إدعاء أنّ المشبه به، و لما فیه من الایجاز الناشیء عن حذف الأداة و الوجه معاً، هذا الایجاز الذي یجعل نفس السامع تذهب کل مذهب، ویوحي لها بصور شتی من وجوه التشبیه».
 [2]

أی أنّ شدّة التداخل بین المشبه و المشبه به یدعو إلی الاستغناء عن الأداة لأنّنا لا نحتاج حینها إلی دلیل یدلنا علی ما اشترکا به، فضلأ عن أنَّ وجه الشبه المحذوف سیتضح بذکر المشبه به لقوة الصفة فیه، فعندما تذکر( ملک کریم) دلـّتنا علی وجه الشبه المحذوف هو الجمال و حسن الأخلاق. و عندما تذکر( بقرات سمان، و عجاف) تدّل الأولی علی أنّ وجه الشبه المحذوف هو الحیاة، فی حین الثانیة تدلنا علی أنّ وجه الشبه المحذوف هو الجوع.

وهکذا تبدو بلاغة القرآن و روعته في تصوير ما يريد عندما يقرّب بين المتباعدات بعقد التشبيه بينهما بالاعتماد على صفة يشتركان فيها و هي في المشبه به أقوى، و المراد اتضاح قوتها في المشبه فيُعمد الى هذا النوع من التشبيه وصولاً للغرض المراد.

معاني الكاف و اغراضها في السورة المباركة:

کان ورود الکاف فی السورة المباركة لأغراض تخدم سياق السورة، فالتشبيه فيها يكون واضحاً و لا يحتاج إلى عناء و تفكير فجاءت حاملة معاني رئيسة هي (التساوي و الايضاح و التوكيد ) و فیما یأتی تفصیل ذلك:

1) التساوی:

جاءت الكاف حاملة معنى التساوي بين المشبه و المشبه به و هذا ما يسميه السكاكي بالتشابه « و هو إذا تساوي الطرفان المشبه و المشبه به من جهة التشبيه فالأحسن ترك التشبيه إلى التشابه ليكون كلّ واحد من الطرفين مشبهاً و مشبهاً به تفادياً من ترجيح أحد المتساويين».
 [3]
و هو کما یری القزويني « إذا أريد مجرد الجمع بين شيئين في أمر، فالاحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه...».
 [4]

و إذا ما جاءت للتساوي فإنّها تهدف لغرض من ذلك التساوي ضمن أغراضها التي تحملها بهذا التساوي و هي:
أ. البشارة و تأمين النفس كما في قوله تعالى« قَالَ يا بُنَيَّ لا تَقصُص رؤياكَ عَلـَى إخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيداً إنَّ الشَّيطانَ عَدوُّ مُّبِين* و كـَذَلِكَ يَجتَبِيك ربُّكَ... ».
 [5]

فساوت الآية الكريمة بين الاجتباء للرؤيا و بين الاجتباء للأمور العظام لأنَّ كليهما يدلـّك على العزة و علو الشأن و لشدة التشابه بينهما ترك القرآن الكريم الی التشبيه البشارة إلى النبي (عليه السلام) و مُطمئناَ لنفسه التي ربّما خافت من الرؤيا أو روعت منها بأنّه سيُصبح ذا شأن ٍ في المستقبل. و مثله كما في قوله تعالى « وَ يُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيك
وَ عَلـَى آل يَعقـُوبَ كـَمَا أتَمَّهَا عَلـَى أبَوَيكَ مِن قَبلُ ».
 [6]

أي « إتمام كائن كإتمام نعمته على أبويك من قبل هذا الوقت أو من قبلك».
 [7]

فمثلما أتمَّ النعمة على أبويك من قبل بالنجاة و الخلاص و الاجتباء يتمها عليك في زمنك، و هو بذلك يبشره بأنّه سيكون له كما كان لأبويه : فقد جمع بين حالته و حالة أبويه (إسحاق وإبراهيم ) في النجاة و الخلاص و الاجتباء لغرض تبشيره بما سيكون عليه في المستقبل.و خلاصة القول أنَّ النعمة التي تُصاب بها على وجه الإتمام هي تساوي– و ليس تشبيه – النعمة التي أصابت أبويك قبلك، لكونك ستصبح نبياً كأبلئك، و سوف تمرّ بمحن و مآس إلاّ أنَّ الله سيُنجيك منها و يخلصك كما خلص أبويك من قبل، و يوصل لك نعمة الدنيا بنعمة الآخرة. و هذه كلُّها بشائر حملها إليه بذلك التشابه الجامع بينه و بين أبويه (عليه السلام) .

ب. و قد يساوي بين الشيئين لغرض الاستنكار كما في قوله تعالى « قَالَ هضل آمَنكُمُ علَيهِ إلاّ كـَمَا أمِنتُكُم عَلـَى أخيهِ من قبلُ...».
 [8]

أي أنْ حفظكم له سيكون مشابهاَ لحفظكم فيما سبق لأخيه و بهذا يكون قد أنكر عليهم الحفظ له فمثلنا فرّطتم بيوسف (عليه السلام) من قـبل لا غـرابة أنْ تفـرطوا بأخيه الآن.
ج . و قد يكون الغرض منه المواساة و التسلية لنبي محمد(صلى الله عليه و آله و سلم) كما في قوله تعالى« وَكـَذلِكَ مَكـَّنَّا لِيُوسُفَ في الأرض ِ يَتَبَوَّأُ مِنهَا حَيثُ يَشَاءُ...»،
 [9]

فلما أراد القرآن الكريم مواساة للنبي محمد(صلى الله عليه و آله و سلم) و تسليتة جمع بين حاله و حال النبي يوسف (عليه السلام) تشابهاً في المحن و المعاناة.

و إنّك لو حاولت أنْ تعقد تشبيهاً في الآية لما احتجت الى طول تفكير و لا عناء في البحث عن أركان التشبيه، ولكنَّ القرآن الكريم أراد انْ يجمع بين الحال النبيين في المعاناة و المحن لغرض مواساة للنبي محمد(صلى الله عليه و آله و سلم) و تسليتة فمال إلى تشابه ليبدو كل منهما مشبهاً و مشبهاَ به.
إذن ما الكاف هي هذه الآيات إلاّ وسيلة جمع بين شيئين يشتركان في امر واحد لحدّ التشابه الذي لا يميز فيه المشبه من المشبه به فيجمع بينهما بهذه الطريقة التي تبدو بأنّها تشبيهٌ. إلاّ أنّها ليست بتشبيه بل هو تشابه بين الطرفين لدرجة لا يمكن أنْ ترجح أحدهما على الآخر، و خرج ذلك التشابه الى أغراض أشير إليها فيما تقدم خدمة لسياق السورة و الآيات الواردة فيها.

2) الايضاح:

و قد تأتي الكاف لا للتشبيه و لا للتشابه بل بمعنى (مثل) و هي بهذا تكون وسيلة ايضاح لما تقدمها من كلام، و تأتي هي مع الآية بعدها بمثابة المثل على الكلام المتقدم لها كما في قوله تعالى« قـَالُوا فـَمَا جَزَاؤُهُ كـَذَلِكَ نَجزِي الظَّالِمين* فـَبَدَأَ بِأوعِيَتِهِم قَبلَ وِعاء ِ أخِيهِ ثُمَّ استَخرَجَهَا مِن وِعاء ِ أخِيهِ كـَذَلِكَ كِدنَا لِيُوسُفَ... ».
 [10]

ففي قوله تعالى(كـذَلك نجزي الظَّالمين) أيْ هذا هو جزاء السارق عندنا، بــ « أخذ من وجد الصواع في رحلة ــ و استرقاقه»،
 [11]

و لا يعقل أنْ يكون أنّنا نجزي السارق بجزاء يشبه جزاءه في حكم آل يعقوب باسترقاقه فالتشبيه يكون خالياً من الحركة و الحيوية. و القصد أنّه مثل ذلك الجزاء أيْ نفسه لا يشبهه. و مثله قوله تعالى (كـَذَلِكَ كِدنَا لِيُوسُفَ ) . أيْ « مثل ذلك الكيد العجيب و هو ارشاد الاخوة الى الافتاء المذكور باجرائه على ألسنتهم و حملهم عليه بوساطة المستفتين من حيث لم يحتسبوا ــ و(كِدنَا لِيُوسُفَ ) أي صنعنا و دبرنا تحصيل غرضه من المتقدّمات التي رتبها من دسّ السقايا و ما يتلوه »
 [12]
أي أفادت الشئ نفسه لا شبيهه، و أضحت وسيلة إيضاح لما تقدّم مع اشارة إلى الكلام المتقدّم لها لتُصبح هي و ما بعدها بمثابة المثل عليه.

3) التأكيد:

و قد تأتي وسیلة لتأكيد الأمر و تحقيقه، كما في قوله تعالى«...لـَولاَ أن رَّأى بُرهَانَ رَبـِّهِ كـَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ... »
 [13]

فجاءت تأكيداَ لعصمته (عليه السلام) و عفته. فكأنما تعني «أنْ المراد من الأمر هو ما أخبرت به».
 [14]

و ليس فيها من التشبيه شیء و التقدير« الأمر أو عصمته مثل ذلك»
 [15]

أيْ تحقيقاً لعصمته و تأكيداً لها أنّه يصرف عنه السوء و ليس هو الذي يصرف عن السوء.
و هكذا تأتي الكاف حاملة معاني مختلفة تهدف من ورائها لأغراض تخدم سياق السورة و تتممه.
و كما رأينا أنَّ للتشبيه في السورة المباركة أثراً في إضفاء لمحة فنية بلاغية على طابعها العالم، سواء أكان مصرحاً به أم ضمنيا أو بالاعتماد على أداته التي تجمع بين المتشابهين لغرض معين خادمة بذلك سياقها العام و متممة معانيها اللطيفة و الفاظها المتماسكة و سیاقها القصصي الرصين.

المصادر

  1. القرآن الکریم.
  2. ألوسی البغدادی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی في تفسیر القرآن العظیم و السبع المثالی(ج12/ج13)، دارالطباعة المیزیة، بیروت، لبنان، (د.ت).
  3. بدوی، أحمد أحمد: من بلاغة القرآن، ط3، مکتبة النهضة الفجالة، مصر 1950م.
  4. السكاكي، إبى يعقوب یوسف بن ابي بكر محمد بن على (ت 626هـ) : مفتاح العلوم، مطبعة مصطفی البابی الحلبی، مصر، (د. ت).
  5. عتقیق، عبدالعزيز: علم البیان، دار النهضة العربیة، بیروت، لبنان (د.ت).
  6. عتیق، عبدالعزيز: علم المعاني، دار النهضة – العربیة، بیروت، 1974م.
  7. القزويني، الخطیب(ت 739هـ ): الإيضاح في علوم البلاغة، تحقیق لجنة من أساتذة الأزهر، مطبعة السنة المحمدیة، القاهرة،(د.ت).
  8. الهاشمي، أحمد: جواهر البلاغة في المعاني و البیان و البدیع، ط12، المکتبة التجاریة الکبری، مصر، (1379هـ 1960م)

[1القزويني: الإيضاح، ج2، ص213

[2عتیق، عبدالعزیز: البیان العربی، صص104- 105

[3السكاكي، لإبى يعقوب بن ابي بكر محمد بن على : مفتاح العلوم، ص164

[4القزويني: الإيضاح، ج 1، ص242

[5يوسف/5-6

[6يوسف/6

[7الآلوسی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی، ج12،ص188

[8يوسف/64

[9يوسف/56

[10يوسف/74- 76

[11الألوسی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی، ج13،ص27

[12المصدر نفسه، ج13، ص29

[13يوسف/24

[14بدوي، أحمد أحمد/ من بلاغة القرآن، ص216

[15الألوسی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی، ج12،ص216


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى