الخميس ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم عزيز مشواط

التصوف و الهويةأو الحب النرجسي للذات

تأخذ الهوية في التقليد الارسطو طاليسي مظهرين:هوية كمية و أخرى كيفية، إنها ما يبقى ثابتا في الفرد رغم مرور الزمان.لكن هل نظل على حالنا دائما ؟إن تغيير الاسم و التطور و التغير و العيش بشخصية مزدوجة يبقى أمرا واردا لعيش صراع الوعي و اللاوعي .

يتحدث ايريكسون ERIKSON في هذا الصدد عن غموض في الهوية فيما يتحدث ليفتون LIFTON عن ألانا المتعدد الهويات و الناتج عن الانفصال الناجم عن حدوث الانفصال ما بين الأفراد و التقاليد الرمزية الثابتة.

ما العمل إذن في موقف كهذا؟يمكن تعريف الهوية انطلاقا من تنضيد مجموعة من الأشياء، إنها مشروع ضخم يسعى إليه مجتمع الاستهلاك الذي أصبح يعرف الإنسان بمدى امتلاكه للأشياء، لكن ألا تصبح هاته الأشياء ما يسميه بونج Ponge الأشياء الذاتية وما الهوية المحددة للمستلب بالثبات ؟هل يتوفر على هوية خاصة أم انه ذلك الغني المستهلك الذي يحاول تقليده؟وفي هذا السياق يقول فرويد "لابد من الحسم مع النكوص و البحث عن سبل أخرى للتأسيس لهوية أخرى".

ومن هنا يأتي رفضنا تعريف الهوية باعتبارها نتاج الأشياء المادية التي تتوفر على قيمة حقيقية للاستعمال و التي ليست مجرد هلوسات ذاتيتنا.يقتضي هذا الفهم كبتا مكثفا للرغبات حيث يقول ماركوز Marcuse في هذا الصدد "لا يجب الخلط مابين مبدأ الواقعية و المر دودية و الكبت .

تساؤل أخر يفرض نفسه:لماذا هاته الرغبة الجامحة في التأسيس للهوية انطلاقا من عناصر خيالية أو غير خيالية متحركة أو ثابتة ؟و ما الدافع إلى هاته الرغبة في إقصاء الآخرين ؟للجواب عن ذلك يقول ميشيل تيفوز Michel thevoz:"إننا كلنا نساء أو مثليين ،يهودا أو ممارسين أحرار للجنس لايجب أن نسمح لأي كان بمنع هذا أو ذاك من خصائصه المميزة أو تجريده منها و الدفع به إلى زاوية الإقصاء"
إن موضوع الهوية لم يصبح مأزقا إلا لأنها كانت كذلك من قبل وهو نفس التصور الذي نجده لدى التصوف الإسلامي و الصوفية عموما، كما انه التصور نفسه الموجود لدى العديد من المفكرين الشرقيين و الغربيين.

يجب تعويض الفردية المبنية على المادة بتعال مستبطن /داخلي المؤسس لفردنة كيفية و كنفي لكل فردنة بمعنى من المعاني و في نفس الوقت في احترام أصيل لهاته لأنه إذا كان اللانهائي غير محدود بنهاية فان النهائي متضمن فيه بالضرورة.
إن النسبي, دون أن يتوقف عن كونه نسبيا ينتمي إلى المطلق و الكائن العالمي والمتعالي."أنا هاته الوردة, هاته السماء, هذا الكرسي, كنت هاته الجداول, هذا الريح, هاته الحرارة, ألا تعرفني بتخفياتي العديدة؟ انك تعتقد أنني قط لأنك تعتقد نفسك إنسانا".

إن كل كائن مهما كان لا يمتلك هوية عن طريق مكتسباته أو خصائصه أو اسمه لان وحدته هاته ليست سوى مظهريا. إن هويته الحقيقية هي أن لا هوية له انه في نفس الوقت ما هو عليه على المستوى الظاهري و ذاته على المستوى المتعالي, إن المطلق يخترق جميع الكائنات و يضمن بالتالي وحدتهم المتخفية.

إن هذا التعدد في الكائنات, يكتب ابن الرومي, هي موقف امتحان, إن هاته الخيالات شبيهة بالاحجبة ووراء الحجاب يوجد شخص ما متخف. و في كل مرة يختفي فيه الخيال تنكشف الحقائق من دون حجاب. انه انبعاث Resurrection: غير مأسوف عليه. و كل حقيقة تجذبك ليس سوى هاته الحقيقة و ليست أخرى إنها دائما هي هي. إننا نقول في الحقيقة إن كل شيء يجذب هو واحد و لكن يبدو متعددا.
إن هذا الحل لمشكل الهوية يتوفر على ايجابيات عديدة انه يتضمن التسامح المطلق و مهما اختلفت السبل فان الهدف واحد فالملحد الذي يبحث عن توحيد نظريات المجالات في الفيزياء يتوفر على درجة روحانية أعلى من المؤمن نفسه." " « L’impiété et la fois courent toutes deux sur le chemin de « Dieuأما الايجابية الأخرى إذا كان كل موضوع لا يرغب فيه إلا لذاته فما الذي يفسر الغم الذي يعقب فقدان شيء ما. و من هنا فانه لا يمكن الإحساس بالأسى عقب فقدان موضوع رمزي أو أن تتملكنا مشاعر الحداد بعد فقدان موضوع حب. إن موضوع البحث مستمر دائما. لذلك فان الأمر شبيه بمن يضع مصباحا أمام الشمس بحجة رؤية الشمس عن طريق المصباح؟ ما الحاجة إذن إلى المصباح؟ و ألا يمكن للشمس بدونه أن تبدي نفسها؟ يجد المحلل النفسي التونسي فلاح في هذا الحل نوعا من التسامي اللامحدود المحرك لكل الوظائف النفسية في الانا الأعلى المتعالي. لكن الأمر يصبح مشكوكا فيه بالنسبة لجلال الدين الرومي.

و هكذا فان الموضوع بالنسبة له ليس مطلقا و لا شخصيا بالبتة انه صورتنا المتجلية في الله و التي يسميها الله أو الصديق. من المهم فحص هذا المطلق المشخص عن قرب و من خلال العديد من المؤشرات يبدو أن الآمر يتعلق بازدواجية"مثلية" في التعبير (لدى المخاطب)(المرسل).
نقترح تسمية الفاليفوري ذلك الاستثمار السيكولوجي الذي يتم عبره التحييد
الجنسي للجنس و "جنسنة" الأخر الصديق. وبالمقابل فان الهستريا التي تجنسن الجنس تكتفي بجنسنة الجسد.إن المحب لجسده يرفض موضوعا أخر غير نفسه ذاتها. إن الهستريين و الانطوائيين ينغلقونعلىذواتهم. فيحمل "الفاليفوريك"Phyllephorique جنسه هنا و هناك و من هنا تأتي تسمية مصطلح الفاليفوري phyllephorie بالخصوص باعتبارها تفكرا متعاليا في الذات.

و كنتيجة لذلك فان اختلاف الصوفي الحقيقي باعتبار أن مبدأ المماثلة العكسية يعني التساوي الكبير بين كافة الكائنات أو على الأقل تحت إحدى المصوغات و بالتالي فان "الفاليفوريك" الذي حدد و شخص المطلق يبقى إذن عاجزا عن الاعتراف بهويته مع باقي الكائنات الأرضية المختلفة عنه بدءا بالنساء.
و من هنا تنبع ضرورة تحوير الأخر بجعله في توافق مع رغباتنا الذاتية و لو عن طريق شكل من أشكال التسامي.

يقول الرومي "إذا كنت عاجزا عن مقاومة نفسك الشهوانية توجه إلى نفسك بنفسك بطريقة عقلانية: تصور أن زوجتك ليست زوجتك بل عاهرة و كل مرة يستفيق فيك الشبق توجه إليها و بهاته الطريقة ستطرد من نفسك الغيرة, الإقصاء و التعصب,إلى أن تجد و بعيدا عن التفسيرات التي أعطيت لك , ستجد لذة في صبرك و في هذا المجهود".
من هنا يمكن التساؤل:هل الأمر يتعلق بتحليل نفسي حقيقي أم بانحراف باتولوجي و هل يمكن أن نعزو غياب العنف المرتبط بجنون العظمة إلى هاته العقلانية المحقرة للذات؟

إن "الفاليفوريك" يرفض منح الأخر هويته لأنه عاجز على التضحية بهويته الذاتية. و بعيدا عن طلب المطلق بتشتيت أناه و جعله متساميا مع الانا الجمعية إنها إذا أردنا طرق مختلفة لخلع الصفات البشرية على الله و من المؤكد أن الفاليفوريك يستمتع بحبه النرجسي لذاته لكن من المؤكد كذلك انه يعاني قلقا شديدا جراء ذلك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى