الثلاثاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم صلاح السروي

الثورة المصرية

الغايات ومحاولات الالتفاف

 حدثت المعجزة فى عصر خلا من المعجزات. هب الشعب المصرى عن بكرة أبيه على غير اتفاق سابق، ودون قيادة واضحة، من أقصى مصر الى أقصاها، رافضا نظام الفساد والعمالة والقمع. مجترحا من المآثر والبطولات الملحمية ما يقترب من حدود الخيال، فى مواجهة الأمن المركزى - آلة القمع العاتية المسلحة بأعتى وأحدث أسلحة التنكيل والبطش الوحشى المستوردة من أمريكا واسرائيل. بطولات نسيناها، أو حاول النظام أن ينسينا اياها، من أيام ثورة 1919، والصمود البطولى فى بورسعيد 1956والسويس 1974، ليطيح بآلة القمع تلك ويؤكد انتصار الارادة الشعبية وبسالة الانسان المصرى وقدرته الهائلة على التضحية والبذل والفداء. فتحلل جهاز القمع وتبدد بالضربة القاضية.

وفى محاولة منحطة للانتقام من الشعب جرى سحب كل عناصر الشرطة (من غير قوات الأمن المركزى) من كل المواقع فى مصرحتى حرس الآثار وخفراء الدرك ورجال المرور، لتقع البلاد فى الفوضى المقصودة المتعمدة. وأخذ اعلام النظام، المأجور، المفتقر لأية روح وطنية أو مهنية، فى الترويج لها عبر التوجيه طوال الليل بوجود عصابات تهاجم المنازل، فيشيع حالة من الهلع والرعب فى أوساط الشعب. فى اطار خطة يبغون من ورائها أن يتلهى الشعب فى هذا الرعب الوهمى ويعود الى منازله. وأظن أن ذلك كان أول أشكال محاولات الالتفاف على الثورة واجهاضها.

لقد طرحت الثورة من اللحظة الأولى هدفها على نحو محدد وبسيط وواضح: ألا وهواسقاط النظام، بكل مايعنيه ذلك من مؤسسات تشريعية مزورة ودستور يمنح صلاحيات الهية مطلقة للرئيس وقوانين مقيدة للحريات ورموز من الفاسدين والمزورين وترزية القوانين ومرتكبى جرائم التعذيب ومنتهكى كرامة الانسان، وقبل كل ذلك وبعده، رأس هذا النظام، أى شخص الرئيس نفسه. وهو هدف كبير وهائل وطموح بلاشك. ولكن الثورة الشعبية العارمة كانت بحجم هذا الهدف وعلى قدر المهمة، التى مثلت مطلبا مجمعا عليه من كل أطياف الشعب المصرى وطبقاته وقواه الاجتماعية والسياسية والدينية .

لقد قامت الثورة بدعوة من طليعة شابة غير ذات لون سياسى محدد، وكان فى هذا مصدر قوتها، وربما كان نقطة سلبية فى ذات الآن. فهو مصدر لقوتها لأن لاأحد من القوى السياسية المختلفة يمتلك الحق فى الادعاء بأنه مفجرها، أو صاحبها، انها ليست ملكا لأحد، بقدر ماهى ملك للشعب المصرى بأكمله، وهى تعبير عن سواده الأعظم وجمهوره الأكبر الذى ظل محجما وصامتا لأن لاأحد تمكن من اقناعه بالنزول والفعل السياسى المنظم. وبالطبع أسباب ذلك تتمثل فى فساد حزب الدولة وفى نفس الوقت ضعف وموالسة أحزاب المعارضة واستعدادها الدائم للدخول فى صفقات واتفاقات من تحت الطاولة والهرولة صوب الفتات الملقى اليهم من مائدة الفاسدين الرسميين، فغاية ما كان يطمح اليه اقطاب هذه المعارضة هو الحصول على مقعد بائس فى مجلس الشورى أو غيره، أو أن يحوز الرضا السامى فتتم استضافته فى أحد البرامج التليفزيونية أو أحد الأعراس لأبناء الحكام الفاسدين، أو أن يحصل على حصة من قرعة الحج ليمارس فيها السمسرة والمتاجرة حتى بالعبادات. هكذا تلوثت هذه المعارضة فأحجم الأنقياء والمخلصون عن الانخراط فى صفوفها، ومنهم هؤلاء الشباب.

 أما كون انعدام اللون السياسى الواضح وعدم وجود قيادة محددة والتلقائية والعفوية، نقطة ضعف، فهذا لأن الثورة قد افتقرت الى استراجيات واضحة فى فعلها الثورى ولم تمتلك بعد القدرة على المناورة وتوزيع الأدوار وامكانية تطوير أدائها حسب المستجدات. وهو ما أدى الى ظهور المخططين المدعين للتعقل والشرعية الدستورية ومتاهات القوانين والآليات الرسمية. ومرة أخرى ظهر هؤلاء الذين يرتدون أزياء المعارضة بينما يؤدون أدوارا تسهم فى استكمال عمليات الاستيعاب والالتفاف التى يمارسها النظام.

 وعندما قامت هذه الثورة بهذا الزخم وهذه العرامة وعلى هذا النحو المدهش، اذا بهؤلاء يهرولون بذات الطريقة السابقة، بحثا عن بعض الفتات لحسابهم هذه المرة. والفتات هنا ليس مقعدا فى مجلس أو حصة من قرعة الحج، بل محاولة لحجز مكان عند طرفى الصراع معا وفى نفس الوقت. وذلك بالقيام بدور الوسيط والمفاوض باسم الثورة التى لم يصنعوها ولم يكن لهم أدنى دور فيها. الأنكى هو أن هذا الدور الجديد يتم استخدامه للغلوشة على الثورة، وذلك من خلال الايهام بوجود حراك سياسى، وأن النظام يحاور المعترضين، ويتنازل عن كبريائه السامى ليتفاوض حول الحلول التى يراها هو مناسبة. بينما النظام لايفاوض فى الحقيقة الا نفسه.

ان الخطر الأول الذى يتهدد هذه الثورة اذن يتمثل فى محاولات الالتفاف حولها بادعاء الحوار معها عبر هؤلاء المدعين للمعارضة.

 أما الخطر الثانى فهو ذلك الذى يتمثل فى اتجاه النظام الى القاء بعض الفتات من الاجراءات الشكلية التى توحى كذبا بأنه قد استجاب الى مطالب التغيير. وهو خطر داهم لأنه يمكن أن يصيب قوى التغيير ذاتها، وأقصد بها جماهير الشعب التى قد ينخدع بعضها فى بعض هذه الاجراءات، فيفرح باقالة بعض المسؤلين أو تغيير بعض الوزراء. ويمكن أن يساعد هنا بعض مدعى المعارضة فى الترويج لهذا فيقولون بأن بارك الله فيمارزق وقد حققنا ما لم نكن نحلم به.

 أما الخطر الثالث فهو ذلك المتمثل فى اللكنة الاستعطافية والقائمة على الابتزاز العاطفى التى يقدمها النظام المتهرىء، عن طريق مغازلة المفاهيم الأبوية الريفية فى نفوس الجماهير، بأن لاداعى لبهدلة الرجل فى نهاية عمره، ويمكن الانتظار حتى رحيله الطبيعى. وللأسف تجد هذه الأساليب بعض الاستجابة.
 أما الخطر الرابع فهو يتمثل فى تحميل الثورة مسؤلية "وقف الحال" ومحاولة حشد الرأى العام الشعبوى حول هذه المعانى.

أخطار كثيرة مؤداها أن التغيير ليس سهلا ودونه صعوبات عدة، وأن النظام ماكر وخبيث ومتلاعب ولن يستسلم لاقتناعه المجرد بضرورة الرحيل، بل انه يلعب على موجة تغييره نفسها والادعاء بأنه هاهو قد تغير، وهذه هى اللكنة الجديدة فى الاعلام المأجور فى ماسبيرو.

 فلننتبه جميعا الى أن عدونا ليس سهلا، ولنقم بتفعيل ثورتنا بأساليب تبطل كيد الكائدين من النظام المتهالك وأذنابه من المعارضة "الملاكى" على السواء.

الغايات ومحاولات الالتفاف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى