الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم حسن الشيخ

الحركة النقدية بين القبول والرفض

ظل الهدف النقدى وعلى امتداد تاريخه الطويل يبحث لايجاد أسس موضوعية ذات قابلية للتطبيق على العمل الابداعى لتقويمه , فجرى النقد منذ تلك البدايات في مجارى المذاهب النقدية المعروفة , كالنقد الجمالى , والتأثيرى , والحركى الذى يتسم بالدعاية الادبية , والنصي فى محاولة لاعادة اكتشاف النص , والنقد الصحفى .. وغيرها .. وفى اطار هذه المذاهب النقدية , بنيت اسس وقواعد النقد فيما بعد , وماتلاها من مذاهب نقدية ايضا كالبنيوية والسسيولوجية وغيرهما.

ولعل من أبرز المذاهب النقدية التى عرفها تاريخ الأدب الغربى قديما هو (النقد المطلق) الذى جاء عبر ابواب المذهب الكلاسيكى فى الادب , والنقد المطلق عبارة عن احكام مطلقة غير قابلة للانثناء , لذلك فهى قيم إلزامية على العمل الادبى .

ولا يعنى ان هذا المذهب لم يهتم بالجمال , بل انه اعطى الجمال كما اعطى الخير والحق قيما مطلقة ذات مفاهيم عامة واقام بينهما علاقات قوية لدرجة الاختلاط , لذلك فإن الحكم النقدى هو فى الوقت نفسه نظرية في الادب قد قررت بشكل مطلق .

وبعد انهيار النقد المطلق تحت ضربات (فيلمان) الذى نادى بالموضوعية و(تين) الذى حاول تطبيق الأسس العلمية على العمل الادبى .. بعد ذلك جاء النقد (البسيكولوجي) للتعرف على ملكة الإبداع الرئيسية عند الكاتب , فقد حصر هذا النقد نفسه فى اكتشاف ملكة الابداع فقط . وحاول (تين) مجددا أن يضع الأسس النقدية ليعيد لجذور المؤلف الادبية البسيكولوجية اهتماما كافيا .

اما النقد (السسيولوجي) فكان ذا نظرة شمولية أكبر بكثير من النقد البسيكولوجى .

فتناول النقد أبعادا ثلاثة ذات علاقة بالعرق والزمان والمكان باعتبار ان هذه العوامل الثلاثة عند (تين) ايضا الاساليب العامة فى التفكير والاحساس او كما أسماها (حالات الفكر)

ويقرر (كادلونى وفيللو) فى كتابهما (تطور النقد الادبى فى العصر الحديث) ان النقد (الاعتقادي) جاء ليحل محل النقد السسيولوجى والعلمى , فالآداب تحمل معتقدات الاديب وقيمه وآراءه , والاديب لابد ان يعبر بلسان الانسانية وقيمها وروحها .. لذلك يطرح النقد اشكال الدور الوظيفى للاديب فى اطار هذا المذهب .

ماهو دور الاديب الاجتماعى .. وهل ادى هذا الدور ام لا ?.
ولكن (التأثيريون) أرادوا العكس فاكتفوا بتجديد تلاقى المبدع والقارئ لكى يحقق الأخير التأثير , اى ان هناك لقاء مباشرا وساذجا بين النص والقارئ , واكتفوا بدراسة ونقد نتاجية التأثير فى ذهنية القارئ فقط , ولقد حاول العديد من كبار النقاد الاخلاص لهذا النقد (التأثيري) وعلى رأسهم جاء (إندريه جيد) الذى اخلص بالفعل لهذا المذهب النقدى .. إلا إنه اوقع نفسه فى العديد من التناقضات النقدية ابان دراساته النقدية لاعمال دستوفسكى .

إلا ان النقد تحول باتجاه (الثقافة الواسعة) كما اسمياه (كارلونى دفيللو) فى (تطور النقد) فأصحاب الثقافة الواسعة لم يثقوا كثيرا بالاحكام المطلقة السريعة فكان هدفهم يعتمد على تجميع المعلومة الموثقة التى تساعد على دراسة الاديب .. وحاولوا استخدام تلك المعطيات المعلوماتية دون اعطاء رأى مباشر من الناقد دون توثيق , وذلك حتى يحيطوا انفسهم بضمانات موضوعية . من هنا كان النقد الجامعى عبارة عن مؤلفات ضخمة مليئة بالهوامش والحواشى وتحتوى على قوائم طويلة بالمراجع ومؤلفات المبدع , ورغم التحفظ على هذا الاسلوب (الموضوعي) فان هذه الاعمال تظل ذات قيمة فنية عالية يعتمد عليها النقاد الآخرون .

وما يهمنا فى هذه القراءة السريعة لمذاهب النقد الغربية , الاشارة الى ان عملية النقد عملية ابداعية ايضا بها جانب ابتكارى , فالناقد الذى يعتمد على عناصر النقد الادبى واسسه .. لابد له من المغامرة واستكشاف رد الفعل الآني فى العمل الابداعى لا على القارئ فقط بل وعلى الواقع الاجتماعى المعيش ايضا .

واذا أراد الناقد الدخول للعمل الابداعى فلا بد له من التجرد من النظرة الاحادية لدراسة النص , والتعرف على مجمل مكونات العمل الادبى . فالجمال والتأثير والمقومات الفنية للشكل الادبى .. وغيرها - جميعها - ضرورية للحكم النقدى الصائب على هذا الابداع , بدلا من التقوقع فى ظل دائرة مغلقة على واحد من هذه المذاهب.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى