الثلاثاء ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠٢٠
بقلم سمية العبيدي

الحفرة

ما برحت تلكم الحفرة تحفر بئرا في فؤادها تذهب وتعود تنظر اليها وتحلم أن تنمحي تماما من وعيها ومن ذاكرتها. هي أشبه ما تكون بعين مفقوءة ترقد أمام دارها مذ لا تدري كم من زمن ولى وانصرمت أيامه ولياليه. لا تعرف تماما متى وكيف حدثت هذه الحفرة اللعينة بل هي تذكر فقط بضع سنوات على فغر فمها أمام بيتها والمحاولات العقيمة التي جرت لردمها بلا جدوى إذ كانت تعاود الظهور مجددا متحدية من قام بردمها وتظنها تسخر منه ومنها أيضا. ظلت الحفرة تمتلأ بالماء القذر وبذا تتناوش بقذارتها شيئا ما حذاءها وربما ذيل ملابسها بعض الأحيان إضافة لبشاعتها وإزرائها بالمنظر العام. كان نوع من العداء بدأ ينسج لحمته بينهما فهي تكره الحفرة كره عمى والحفرة تكرهها تعاندها تسخر منها ظل ذلك ينمو بضعة أشهر كما جنين في بطن أمه غير إن الحبلى تأمل لتفرح بالوليد برؤية وجهه الصغير... بدفئه بين ذراعيها.. بالحنان الذي يولده لديها ضعفه وعجزه أما هي فماذا تأمل من حفرة مشاكسة لعوب ترتمي قدام بيتها كأمر مفروغ منه ولا نهاية لوجوده وبكل صلافة،وبعد أن لج بها وسواس الحفرة لعدة سنين أزمعت على أن تمحوها عن وجه الأرض محوا هذه المرة. فجاءت بعمال مختصين لردمها وأحضرت كما هائلا من مواد البناء وبقايا الدور المهدمة .... وبعد أن ظل العمال يطعمون الحفرة بكل ذلك يوما كاملا عادت للظهور كأن شيئا لم يحدث وهنا أمسكت بهم ربة البيت وقالت فلتحفروا إذن لعمق خمسة أمتار احفروا بئرا عمقه خمسة أمتار و لنر ما يحدث بعدها.

حفر العمال توغلوا في الأرض مترا بعد آخر صنعوا دائرة كبيرة استهلكت ثلث الشارع وظلوا يتناوبون الحفر نازلين صاعدين عطلوا سير المركبات في الفرع الساجي وجمعوا من الشتائم زكائب إثر أُخرى وأخيرا وصلوا العمق المطلوب قال كبيرهم وهو يلوح بيده بمقياس معدني ملفوف فوق بكرة ضخمة: خمسة أمتار لقد بلغنا عمق خمسة أمتار توقفوا وفجأة انبرى صوت من داخل الحفرة يقول يا أحمد أُنظر معي هل ما أرى صدقا قال العامل الآخر نعم ما هذا وفجأة تعالت أصوات من خارج الحفرة ماذا ترون أخبرونا غير إن الشخصين لم يفوها بكلمة سوى ضوء أعطونا ضوءا وبعد إن جيء بالضوء على عجل تعالى الصوتان من داخل الحفرة إنها يد.. يد آدمية قال الصوت من خارج الحفرة ماذا؟! أجاب أحمد هنا يد آدمية وهنا نزل كبيرهم ليتحرى الأمر بنفسه بعد نزوله بدقيقة سمعه من في الأعلى يقول أحفروا أيضا بحذر بالغ أحفروا حول اليد بأيديكم لا بالمجرف احفروا بحذر وروية وبعد دقائق كان الجسد المسجى في الحفرة - نصفه الأعلى - واضحا كالشمس لم يصبه من الضرر الا القليل, وإذ كان بعض أرباب الدور المجاورة يهطع برأسه نحو الحفرة التي لايزال الضوء يكشفها للعيون بوضوح كبير صرخ الرجل إنه سامي إنه جارنا سامي الذي فقد من أربع سنوات هذه ملابسه وتلك قيافته. أتم العمال حفر ما حول الساقين ليخرجوا الجثة من الحفرة المشاكسة بينما تطوع أحدهم مكرها ليضع الخبر المشؤوم في أُذن الجارة أم سامي والتي هرعت الى الحفرة لتتلقى فقيدها بين ذراعي جزعها المتنامي... والمفجوع.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى