الثلاثاء ٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٣
مذكرات المناضلة سهى بشارة المحررة من سجن الخيام في جنوب لبنان
بقلم سهى بشارة

الحلقة الخامسة عشرة - حنــــــان

ما أن استعادت صديقتي "كفاح" حريتها، في العام 1994، حتى عدتُ لأغور ثانية في عاديات السجن وهمومه.

وكان يقتضي ذلك صراعاً، كل لحظة، ضد هذا العالم الحابس، وضد قواعده التي فرضتُ علينا. للجدار شقوقه ونقاط ضعفه، وعليه لم يكن للصراع وجهة وحيدة. وبمقدار ما جهد أبو نبيل في تحطيم جبهة المعتقلات ضد التجسس الداخلي، رأيتنا ساعيات إلى أداء الأدوار المقيتة التي يمكن أن تجابهنا بها الحارسات. حتى انتهيت إلى نوع من التواطؤ مع إحداهن، وهي تدعى "جمانة"، على الرغم من كونها الأشد في معاملتها للنساء. وهي كانت تكره جو التشكيك المعمم في السجن، والذي طالما رغب أبو نبيل في إشاعته، وأبدت امتعاضاً من تصرف زميلاتها. وكانت الحارسة الوحيدة التي تأنف من إدخال الحراس إلى القسم المخصص للنساء، من المعتقل، ولألف سبب وسبب. ولما كانت لا تؤثر صداقة زميلة من زميلاتها الحارسات، صرت أنيستها وحافظة أسرارها. فوجدتني، هكذا، من دون أن أطرح أي سؤال عليها، مطلعة على أدق التفاصيل حول الآلية التي يسير بها المعتقل. حتى أن المرأة الشابة جعلت تسمح لي، بالخروج من زنزانتي، خفية عن عيون الأخريات، لتسر لي بما عندها.

وكان هذا الهامش من الحرية، المسروق من أبي نبيل، يسرني سروراً بالغاً، حتى أنني، جهدتُ بالمقابل في حض المتعاونات على البقاء في معقلهن، إذ أثرت في نفوسهن الشكوك فأكدتُ لهن أن قائد معتقل الخيام إن هو إلا مخادع، وأن ظروفهن لا تختلف بشيء عن ظروفنا، وأنهن المرميات في الزنازين شأننا، كلما دعت الحاجة قائد معتقل الخيام إلى طلب بعض المعلومات منهن، يأخذنها عنوةً من شفاه السجينات من زميلاتهن. ونجحت هذه الجهود إلى حد كبير، للقدرة الإقناعية التي انطوت عليها، حتى أمكنني أن أشيع نوعاً من التسوية، تقوم هؤلاء بموجبها بنقل تفاصيل مجردة من الأهمية للمستجوبين، راضيات على السكوت على اهتماماتنا السرية الكبرى والصغرى.

ذلك أن إبداعيتنا لم يصبها الكلل، على الإطلاق. إذ أقمنا نظاماً للاتصالات فيما بين السجينات الأخريات كان أكثر تقدماً وفعالية من صندوق البريد الذي جعلناه في الحمامات. وقد توصلنا إلى ربط الزنازين المتجاورة بعضها بالبعض الآخر بخيط، جعلنا نمرره ليلاً، عبر الكوى التي تعلو كلاً من هذه الزنازين، وبهذا أمكننا أن نمرر الرسائل أو أشياء صغيرة كالسجائر وعلب الكبريت، التي تسعى إليها بعض المعتقلات سعياً حثيثاً. وكان نظام اتصالاتنا هذا، الذي دعوناه "المصعد" أو "الحمار"، شاهداً على إدارتنا وقدرتنا علىبناء حياة موازية لمعتقل الخيام، والتي أراها استمراراً للمعركة التي يخوض المقاتلون غمارها خارج المعتقل.

وكان أن ثبتتني في هذه القناعة وصول معتقلة جديدة إلى معتقل الخيام عام 1996. فقد اكتشفت في "حنان" صديقة جديدة ومناضلة بكل ما في الكلمة من معنى. وإذا كانت رفيقتي الأولى "كفاح" مؤتمنة على حكاية كفاح الفلسطينيين ضد إسرائيل، فإن شخص "حنان" يبرز قيام حركة سياسية جديدة وصاعدة، في المجتمع اللبناني، عنيتُ بها "حزب الله".

ولقد بات هذا الفريق الجذري، المنغرس في صفوف الطائفة الشيعية، يوماً بعد يوم من أعتى أعداء الجنود الإسرائيليين ومرتزقتهم من اللبنانيين، حتى أنه، أي هذا الفريق، وعد بدحر الإسرائيليين وفعل.

إذاً، كانت حنان قد اعتقلت بحجة واهية، في العام 1996. فلما كان أخوها، معتبراً من قبل جهاز الأمن مسؤولاً في حزب الله، أراد أفرادها هؤلاء من حبسها أن يحصلوا منها على معلومات ثمينة في ما خص عمل هذه الميليشيا التي راحت تحصد انتصارات عسكرية الواحدة تلو الأخرى، ولدى وصولها، راحت حنان تروي لنا تفاصيل عملية "عناقيد الغضب" التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، شمعون بيريز، قبل الإنتخابات التشريعية للعام 1996، بأسابيع قليلة. وكانت الغاية من عمليات القصف المدمرة والعنيفة، التي عاودت ضرب لبنان، تحطيم بنية حزب الله. غير أن هذا الجيش الأعظم قدرةً في المنطقة عجز عن زعزعة المقاومين المنغرزين في صفوف شعبهم اللبناني، أو زحزحة قواعدهم العاملة، وكانت رشقات صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها الحزب تصيب شمال إسرائيل وتبث الرعب في صفوف سكانه. والحق أن وابل النار الذي كنا نسمع أصداءه في معتقل الخيام أدى إلىهدف معاكس تماماً، ولا سيما بعد المجزرة المرتكبة في قانا، داخل مركز للأمم المتحدة في جنوب لبنان، إلى حيث كان المئات من المدنيين قد لجؤوا إليه. وكان لاتفاق الناقورة، الذي وضع حداً للأزمة، أن خرج بما سمي "بتفاهم نيسان". وأهم ما في هذا التفاهم أنه يقر بحق المقاومة في التصدي للاحتلال، بشرط أن تتجنب المدنيين من كلا الطرفين.

ولما بلغت حنان إلى معتقل الخيام، كنت المرأة الوحيدة الباقية فيه. كانت زميلاتي قد أطلق سراحهن، لحظوتهن بالعفو من دوني. ما دام أنطوان لحد يرفض رفضاً قاطعاً، ويدعمه الإسرائيليون في موقفه، شملي بهذا العفو. وراحت هذه السجينة الجديدة تتبع الدروس العادية التي يمنحها السجن لكل داخل إليه فمن الحبس الإنفرادي ، إلى جلسات الاستجواب، ومن ثم إلى جلسات التعذيب، حلقات في مسار المعاناة الواحدة. وبعد طول غياب، قررت التحري عنها، فجندت كل صلاتي بالحارسات حتى أمكنني التعرف إلى هويتها، وبوقت وجيز. فعرفت اسمها كاملاً، وتبين لي أنها مناضلة في صفوف حزب الله، وأجريت أول اتصال بها، إذ فاجأتها متمسكة بقضبان الزنزانة الانفرادية، شأني لسنوات عديدة خلت.

فأبلغتها، بالإيماء أن من مصلحتها غلق النافذة بأسرع ما يمكن لئلا تثير حنق الحراس. ولكن فاجأني ذكاء هذه المرأة الشابة التي تفهم الوضع بطرفة عين. وفيما بعد، أمكنني الاتصال بها، متوسلة الأغاني الدينية التي رحتُ أدندنها بصوت منخفض.

كنا نقدر الأمور، عن بعد.

وسرعان ما رسخت الثقة بيننا. وإذا ما باغتتنا مقاديرنا في السجن، رأيتها لم تتوان عن المخاطرة لإبلاغي رسائل تتعلق بالمناقلات الجارية على وقع الاستجوابات. وحالما أتيح لي الاتصال باللجنة الدولية للصليب الأحمر، أبلغت أفرادها بوجود "حنان"، وكانت إدارة المعتقل أغفلت ذكر المعتقلة الجديدة.

وفي هذه الأثناء وصلت معتقلتان اثنتان، ولم يبق في معتقل الخيام إلا ثلاث نساء في مقابل عشرات السجناء من الرجال.

أفادت "حنان" سريعاً من تقنية الاتصال الحديثة التي كنا أقمناها في الزنازين الحديثة، المبنية لذر رماد العناية بالسجناء في عيون الزائرين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وكانت مجاري المغاسل لأشهر كثيرة خلت بمثابة قنوات للاتصال، نتبادل خلالها أكثر الأحاديث سرية، في حين بدت اليوم على هيئة من الرفاهية لا تصدق، إذ كان يكفي إحدانا أن تتكلم، بصوت خافت، فوق فوهة المجرى، ثم تصيخ السمع لتتلقى الجواب من الصديقة المقصودة. وإضافة إلىالرسائل الموجزة التي كنت أبعث بها إلى "حنان"، وقد واريتها بأغان ذات طابع محايد، جعلتُ أنبئه بالفخاخ المنصوبة حول معتقل الخيام، ورسمتُ لها صورة سريعة عن المستجوبين الذي تصدت لهم بقساوة شديدة.

ولم يلبث هؤلاء أن اقتنعوا بأن المرأة الشابة هذه ليس قريبة لقائد عسكري في حزب الله فحسب، إنما هي كذلك مناضلة نشطة، وقد استخدمت كساعية بين فرق المقاومين. ومن جهتها، لم تكن حنان لتتراخى حيال مستجوبيها، فيأخذ بها الغضب الشديد من جلاديها، كلما ذكروا اسم الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"، مجرداً من لقبه المهيب "السيد"، الذي يؤكد نسبته إلى سلالة النبي، مما كان يطلق غضبهم العارم من عقاله.

وبفضل الأحاديث التي جرت لي معها، أمكن هذه المرأة الشابة أن تتجنب إثارة مستجوبيها. وهكذا، أنبأتها بهوية أحد هؤلاء المستجوبين، وهو مسلم، في حين ظل مصراً على ادعائه الانتماء إلى المسيحية، كلما كانت في حضرتهم. ولما أخبرته أنه في حقيقته، ينتمي إلى قرية ذات أغلبية مسلمة، بعد أسابيع من حوارنا، ظل مسمراً في مكانه وقد تملكه الذهول والارتباك.

ثم إن "حناناً" نجحت في تدبير مقلب آخر، طريف، يوم وُضعت في حضرة إحدى المعاونات، وقد حاولت هذه الأخيرة إدعاء المعاملة السيئة من قبل جلاديها في إحدى جلسات الاستجواب. ولما كنتُ أفضيت إلى"حنان" بالكثير من مجريات التحقيق. الاستجواب والتعذيب ومن قوام المتعاونات أيضاً، فقد تبينت على الفور بعض معالم التطرية على شفتي محدثتها. وسرعان ما رحات تكيل لها الإطراء تلو الإطراء على جودة المسحوق العالية، فأخذ الإضطراب المعاونة، وأكدت لها أن ذلك هو لون بشرتها الطبيعي. ولم تقف حنان عند هذا الحد، بل راحت تسأل محدثتها عن ظروف استجوابها أسئلة دقيقة، لتعود فتسجل الأخطاء الكثيرة في وصفها الأمكنة والأشياء التي جاورتها ساعات طوالاً. ثم وجهت إليها سؤالاً مفاجئاً عن لون الدلو الصحية المستخدمة في الزنزانة التي يتدعي الخيرة ارتيادها. فتولى الذهول هذه المتعاونة، وقالت وهي متلجلجة، أن لونها مائل إلى الفوشيا. عندئذ لم تتمالك هذه الفتاة عن إطلاق فرحتها (بهذا الكشف الميسر للكذب)، وهي الفتاة الشيعية التي لا تني تذكر بأن هذه الدلاء إنما هي مصنوعة بالأساس لتكون صفائح للزيت وأنها لا تعرف أنواعاً من الدلاء تستخدم هذا اللون الأقل شيوعاً، على الإطلاق. وفيما بعد، حثثت حناناً على الكشف عن "ميكرو"، يحتلم أن يكون مخفياً في زنزانتها. وبالفعل، فقد أمكن لها أن تكشف عن وجود أحدها، بعد ساعات وساعات من التفتيش والتنقيب الدقيقين، وسرعان ما عملت على تعطيله بأهدأ ما يكون.

حتى أن أبا نبيل نفسه، لما أدرك أن أول عمل قامت به حنان هو رفعها المرآة المعلقة في قاعة الاستجواب للتأكد مما إذا كانت تخفي وراءها آلة للتنصت، لما علم بهذا الأمر تهيب هذه الفتاة، وحياها مؤكداً لها أن اختباراً كهذا لا يمكن أن تأتي به شابة بعمرها. غير أن حناناً لم تكن مبتدئةً في الواقع. فهي باشرت نضالها منذ طفولتها، إذا صح التعبير. إلا أنها ارتكبت خطأ في مواجهة قائد معتقل الخيام، إذ أبلغته باسمها الحركي في المقاومة: زهرة. وكان هذا الاسم ضالة جهاز الأمن، الذي اكتشف رجاله في وثائقهم أن خططاً في نقل الأسلحة وفي غيرها، كانت سُرقت فنُسخت، ورُدت الأصلية منها، وقد مهرت برسم "زهرة" وتوقيعها، التي لم تكن سوى حنان، وكانت في الرابعة عشرة من عمرها، ليس إلا.

وكان مصيري شبيهاً بمصيرها إلى حد بعيد، وما أدرانا أن القدر سوف يلعب لعبته، لدى كل منا. وتقلبت الظروف، فرأيت حناناً موضوعة في زنزانتي. وكانت هذه المرة الأولى التي أقاسم فيها زميلة لي في الاعتقال مدة طويلة من الزمان، بعد أن عشتُ ثماني سنوات في ما يقارب العزلة. وظللنا نتقاسم الآلام والتجاري عينها، طوال ثمانية أشهر، إلى أن رُدت إليّ الحياة، في كانون الثاني / يناير من العام 1998.

لقد كانت طباع كل منا مختلفة، كانت حنان امرأة شابة جازمة في الأمور، ولا تميل إلى التنازل، إلا قليلاً. ذات قامة طويلة، وجميلة للغاية بحيث تثير حسد الحارسات، هي المتأنقة طبيعياً، ولها مزاج حزين في طبيعته. ولئن كانت بطبعها هادئة، فهي سرعان ما تشتعل غضباً. وإذا أثارها المستجوبون ولكزوها، وجدتها وقد ردت على التحدي بمثله، ما دامت غير قادرة على إخفاء مشاعرها الصادقة. ومع كونها مغتصبة، من قبل جلاديها، فقد ظلت معتصمة بإيمانها اعتصامها بحزبها. بيد أن ذلك لم يحل دون انفتاحها على الأخريات من الطوائف والمثل المختلفة عما لديها. كذلك، لم تجد فيها أي أثر من التبشيرية.

أما أنا، المعتبرة شيوعية ومسيحية فلم أجد أي صعوبة في إقامة علاقة متينة وعميقة مع هذه المناضلة الثابتة في عزمها. فكان أول ما يهمها في الدنيا مقاتلة المحتل الإسرائيلي. وإذا ما لمست في محدثتها ظلاً من الشك أو عدم التقدير، أمكنها أن تعود أدراجها وتحفظ حرمتها المأمونة. كانت حنان في نظري، امرأة نشطة، مستعدة للبذل أيا تكن الظروف، في حين ظللتُ مستعدة طوال الزمن المنقضي لانتظار الزمن والوسيلة الذين يتيحان لي النضال.

في واقع الأمر، كنا نتقاسم الرؤية نفسها في مقاومة ضد جيش الاحتلال، مقاومة حيث يجد كل لبناني مكانه ودوره الفاعلين. وفضلاً عن ذلك، فقد كنت أعد لوحة كبيرة تختصر في الرقم 425، وهو رقم القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة وسبق أن اعتمد في العام 1978، وهو يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من المنطقة المحتلة من جنوب لبنان دون قيد أو شرط. وقد احتطت لجعل هذا الرقم مرئياً من رجال المعتقل. وبالطبع، كان مجرد ذكر هذا النص في معتقل الخيام، محظوراً.

ومرت الأيام إلى جانب "حنان"، نقضيها في حديث السياسة والغناء والقراءة. عرّفتها بمارسيل خليفة وأغانيه الملتزمة. وبالمقابل جعلت تعلمني أناشيد حزب الله العسكرية. وفي البدء، كنا نحيا حياة ملؤها الحماس والفرح. وفي خلال الزيارات المأذون لها، غالباً ما كنا وعائلتانا متواجدين، جنباً إلى جنب، ما كان يسرنا ويمض الحراس ويغيظهم.

وجعل أفراد عائلتينا يطلبون من كل منا أن تهتم لشأن الأخرى، ويلح كل منهما على هذه الصلة، ما دامت الصورة الراسخة في أذهان الجلادين عنا، أننا امرأتان مغامرتان.

ولم تمض أسابيع حتى تملك المرض حنان، فكان ألما ماكرا يجتاح معدتها. وسرعان ما ساء وضعها، والمرض في معتقل الخيام لا يرحم. وها هي تبصق دماً والالتهاب الذي بات ممتداً إلى بطنها لا يمكن مداواته في هذه الأمكنة، وفي غياب الممرضين الأكفاء. إذاً، توجب علي إقناع إدارة المعتقل بإخراج "حنان" مخفورةً إلى مستشفى مرجعيون. وبعد صراع مرير حظينا بالموافقة. فخرجت حنان، يداها مقيدتان وعيناها معصوبتان، إلى المستشفى لإجراء الفحوصات الضرورية لها.

ولكن نتائج التحليل التي أجريت في المستشفى، لم تتح تشخيصاً حقيقياً. ومنذ ذلك الحين ، توالت زيارات حنان إلى المستشفى، حتى صرتُ قلقة على حالة صديقتي، وكلما أتى أهلها لزيارتها أنكرت كل إشاعة حول صحتها، وطمأنتهم إلى أنها في حال جيدة. من جهتي، صرتُ أخشى أن تحمل الأيام لي أخباراً سيئة عن صحتها.

وماذا لو كان المرض شكلاً من السرطان؟

وكلما تكاثرت زيارات حنان وطالت إقامتها في المستشفى، ازددتُ قلقاً وخوفاً عليها. وبات غيابها شديد الوطأة علي. رغم أن المستشفى لم يكن مكاناً مجهولاً لي، إذ أُدخلت إليه في حالة طارئة للاستفسار عن أسئلة تتعلق بالأسنان. وكان الطبيب الذي داواني على قدر قليل من المهارة. وكنت أعرف أن سجناء معتقل الخيام، النازلين على حساب جهاز الأمن الذي يخشى فرار سجنائه، كانوا يٌيدون بأسرتهم طوال إقامتهم فيه. وما كان الاستشفاء يوماً ليحول دون ممارسة القسوة في حق هؤلاء المرضى. ففي إحدى الاستشفاءات الكثيرة، خضعت "حنان" لاستجواب من شخص حليق الرأس، وراح يسألها، من نافذة غرفتها، إن كانت تريد شيئاً، وألح في سؤاله. ولكن صديقتي ظلت ممانعة، ولا تلين، وأدركت أن في الأمر فخاً، يؤول إلى تبرير عدم السماح لها، من قبل أبو نبيل، باستشفاء آخر.

وبعد أسابيع طويلة من القلق والألم، أطلق سبيل "حنان" أخيراً، بناءً على ملف طبي متراكم. ذلك أن حناناً باتت عبئاً على جهاز الأمن ، الذي راح ينفر من تحمل هذه المعتقلة التي تكثر من روحاتها وجيئاتها إلى مرجعيون.

وها أني أضيع ولمرة أخرى، صديقة غالية، ولكن على يقين من أنها سوف تلقى العناية الصحية الأسلم خارج معتقل الخيام.

وها هو معتقل الخيام يُحبط، للمرة الثانية.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى