السبت ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١٧

«الحنين إِلى المستقبل» عنوان يليق برواية الأديب

نزهة أبو غوش

غمس الكاتب ريشته الأدبيّة في مداد الألم والقهر والمعاناة، ورسم لنا صورة فنيّة للإنسان الفلسطينيّ المغترب عن أرضه ووطنه. يفاجئنا الكاتب برواية جديدة من نوعها في الحقل الأدبي. هي رواية يمكن تصنيفها من أدب السّجون؛ لكنّها تختلف في محتواها عن أدب سجون المحتلّ ؛ حيث دخل بنا الكاتب مسارات ودهاليز جديدة في سجون أمريكيّة تختلف عن السّجون الّتي نعرفها – نسمع عنها- عندنا.
بطل الرّواية نعيم يعقد مقارنة بين سجنه الأمني في فلسطين، الّذي قبع فيه قبل سنوات وبين سجنه في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
هل اختلف معنى الانسانيّة في كلّا السجنين؟ هل اختفت العنصريّة؟ هل حضرت الأُلفة والمحبّة بين السّجناء؟ وهل أكل القويّ الضّعيف؟ وهل للمكان تأثير على معنوية السّجين؟ كلّ تلك الأسئلة أجاب عنها الرّوائي سالم على ألسنة شخصيّاته. نجد أنفسنا أمام رواية حقيقيّة مئة بالمئة، حيث لم يترك الكاتب فجوات يمكنها أن تشكّكنا بعدم صدقها، من خلال المكان والزّمان والانتقال من حدث إِلى حدث دون جهد، بل كان انتقاله سلسا وتلقائيّا يوحي بالصدق.
عندما تحدّث الكاتب عن سجنه الأمني في فلسطين على يد المحتلّ الاسرائيلي، لم يسهب في الشرح كثيرا؛ لأنّ هذا الحدث جاء من أجل أن يعزّز أحداث الرّواية، أي أنّه كان وسيلة لتوصيل الأحداث عن السجن الأمريكي، وأعتقد بأنّه لو أسهب في روايته عن السجن الأوّل لأفقد المعنى الّذي يصبو إليه.
إِنّ انحصار الكاتب، بمعنى تخصّصه بروي حدث معيّن في مكان معيّن أعطى – حسب رأيي- للرواية خاصيّة مميّزة.
هناك نقاط استطاع الرّاوي أن يوصلها لنا من خلال عقد مقارنات بين سجنه الأوّل وسجنه الثاني. بلغة سلسة بسيطة متدرّجة أدخل فيها إِلى عالمنا مصطلحات ومفاهيم جديدة وغريبة يستخدمها السّجناء بينهم.
كانت عاطفة الرّاوي مشوّشة ومتذبذبة لبعده عن أهله وأحبابه. شعر بالقهر والألم لمدى الظّلم الواقع عليه. في سجنه الأوّل حمل ظلم شعب فوق كاهله. شعب يعاني الاحتلال؛ بينما في سجنه الحاليّ يعاني ظلما فرديّا هدّه نفسيّا وماديّا.
المكان حيث سجنه الأوّل ضيّق ومظلم ومقرف، لكنّ إرادته ومعنويّته قويّة، يفتخر ويعتزّ بنفسه وبما يفعله؛ بينما في هذا السّجن فيختلف المكان، هو عبارة عن متنزّه حسب قول الرّاوي، لكن كلّ شيء يختلف، المشاعر هنا تختلف تماما،
لا إرادة ولا اعتزاز ولا معنويّة، بل خوف من أيّ طارئ من أيّ سجين. برزت العنصريّة بوضوح من السّجين الأبيض ضدّ العربيّ، وضدّ المسلم وضدّ الأسود. لم يستطع الانسان الأمريكي أن يخفي عنصريّته وخاصّة في مثل هذه المؤسّسة الّتي هي السّجن سواء كانت من خلال السّجين أو السّجّان أو المسؤول.
نقطة مهمّة في الرّواية جعلتني أقف عندها. ولّدت في داخلي كقارئة إحساسا بالقهر؛ تهمة الرّاوي نعيم تخلّفه عن دفع الضّريبة الحكوميّة، هذه التّهمة يمكن أن يكون حكمها أبسط بكثير لو وجّهت للرّجل الأمريكي، وربّما لم يحكم عليه بالسجن، بل بدفع بعض الغرامة؛ بينما هنا يلفّقون له تهمة التّآمر على الحكومة الأمريكيّة. لم أجد فرقًا بين تهمة نعيم هنا في فلسطين، حين سجن أمنيّا، وتهمته الآن. استطاع الكاتب عادل سالم أن يوصل لقارئه مدى الظّلم الواقع على الفلسطينيّ أينما وجد.
وقع بطل الرّواية في غربة داخل غربة داخل غربة: غربة المكان، وغربة الزّمان، وغربة المحتلّ وغربة المتسلّط. كلّها غربة أوقعته في شرذمة ليس لها نهاية. لقد تساءل الرّاوي: هل علينا أن ندفع ثمن غربتنا؟ هذا سؤال يجعلنا نقف أمام معضلة أساسيّة. الانسان الفلسطيني الّذي يغترب؛ من أجل أن يحسّن ويطوّر حياته، ويبتعد عن الظّلم المحيط به، تجده يواجه ظلما أكبر خارج بلده، فيظلّ السّؤال حائرا على الألسن.

أدرج لنا الكاتب عدّة روايات في روايته تظهر لنا مدى سخف الحياة الاجتماعيّة عند الأزواج، الّذين يتزوّجون من الأجنبيّات البعيدات عن الدّين والثّقافة العربيّة، وحالة الانحلال الّتي يعيشها الفرد هناك وتعاطيه وتجارته للمخدّرات، وشربه الخمر والنوادي الليليّة وغيرها.
أدخل الكاتب عادل سالم في روايته حيلا فنيّة أعادتنا إِلى الماضي وأرجعتنا إِلى الحاضر بأسلوب مشوّق سلس من خلال الذّاكرة والأحلام، والتّخيّل وأسلوب كتابة الرّسائل.
حضرت القدس بكلّ واقعها اليومي في الرّواية، حيث الحواجز والتّفتيش، والهويّة وخوف الأطفال ورعبهم من المحتلّ، وعدم الاستقرار، والحياة مجهولة المستقبل، وحضر الحبّ والشّوق، وحضر التآلف والتّآزر بين المظلومين حتّى داخل السّجن. إِنّ قصّة معاضدة الأسود للعربيّ نعيم على الأبيض العنصريّ، كانت مؤثّرة أشعرتني كقارئة بأنّ الكاتب قد فشّ غلّي، وإِذا لم تحضر تلك اللقطة لشعرت بأنّ شيئا نقص من الرّواية.
ماذا أراد الكاتب عادل أن يقول بعد تجربته الحياتيّة الصّعبة الّتي جعلته يتأرجح على خيط واه، في بلاد الغربة بعيدا عن أهله وأبنائه؟
قال إِنّ الماضي والحاضر لا لون له، فدعونا نلوّنه بأيدينا بألوان زاهيّة برّاقة تمنحنا الحبّ والدّفء والأمان؛ لذلك هو يحنّ إِلى هذا المستقبل " الحنين إِلى المستقبل" عنوان يليق برواية الأديب.
تمت المشاهدة بواسطة جميل السلحوت في 06:15 م
عادل

نزهة أبو غوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى