الأحد ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩
بقلم محمد زكريا توفيق

الديموقراطية هي الحل

من ينظر إلى عالمنا العربي اليوم يجد أن البلاد تغلي وتفور بالغضب. المظاهرات والمسيرات تندلع في كل مكان ضد الحكم الشمولي السائد، المصحوب بالفساد والخيانة والعجز والكذب والاستهبال.

منصب الرئيس الذي يحكمنا اليوم بالعافية، أو بالحق الإلهي، أو بالبخت المهبب، إما أن يكون قد أتى من خلفية عسكرية، أو من إمارة ملكية، أو من جمهورية وراثية.

وهي مناطق في حكم المحال، وخارج حدود الأمل والتفكير بالنسبة لعامة الشعب، المغلوب على أمره، والمنهوبة ثروته، والمنقور في رأسه، والمنتوف ريشه، بمناسبة أو بدون مناسبة. أما الديمقراطية، فهي مولود غير شرعي عليل. يتبرأ منه أهله ويبغي الحكام وأده.

في عالمنا العربي اليوم، النفاق والرياء هما طابع صحافتنا، والفكر الديني المظلم يشوه عقولنا. الأحرار في بلادنا شياطين ملعونة إلى يوم الدين. أصوات الحق ضائعة وسط الهبل والخبل وصراخ الجهال وضوضاء التطبيل.

فماذا تعنيه الديمقراطية بالنسبة لنا الآن؟ وهل هي حقا طوق النجاة الوحيد المتبقي لنا؟ وما مدى حاجتنا إليها، وسط هذا الضباب والجو الأسود الرهيب؟

ماذا تعني والإرهاب على الأبواب، والدكتاتورية المدعمة من الخارج تزاد قوة وشراسة وتوحشا يوما بعد يوم؟ وهل الديمقراطية شئ ضروري لنا؟ وما لها وما عليها؟

يتهم أعداء الديمقراطية أنصارها بأنهم مبهورون بمثاليتها الخادعة. لذلك هم لا يرونها على حقيقتها. إنهم يرونها في الصورة التي يريدونها أن تكون، لا الصورة الحقيقية لها.

يرى أعداء الديمقراطية أن السياسة في ظل النظام الديموقراطي ما هي إلا صراع أطماع فقط لا غير. مسموح فيه باستخدام كل المنابر، وكل الأساليب القذرة للوصول للحكم والبقاء فيه.

السياسيون نصابون بالفطرة، أسوأهم الثوار وأدعياء الإصلاح. الذين يخفون خداعهم وراء شعارات زائفة، شأنهم في ذلك شأن رجال الدين، الذين لا يقلّون عنهم سوءا. فهم خبراء في تضليل الأبرياء والبسطاء من عامة الناس.

ليس هناك سياسي يفصح عن حقيقة نواياه ومعتقداته، وما ينوي القيام به عندما يتم انتخابه، وعندما يتولى السلطة. الديمقراطية تطلب من السياسيين أن يكونوا مخادعين ونصابين وحواة.

الديمقراطية لا ترتقي بالأخلاق، إنما تساعد على انهيارها، وتبلغ بها الحضيض. شأنها في ذلك شأن الحكم الشمولي الديكتاتوري والحكم الديني. الفرق فقط في طول المدة التي تنهار فيها الأخلاق. فالديمقراطية تقضي على الأخلاق ببطء، بينما الحكم الشمولي وحكم رجال الدين يقض عليها بسرعة فائقة.

يقول أعداء الديمقراطية أيضا، ومنهم أفلاطون وأرسطو، إنها مبنية على فروض خادعة. لأن عامة الناس، وهي قوام النظام الديموقراطي، تفتقر إلى الحكمة. عامة الناس توصف في أحسن الحالات بالغباء الشديد وعدم الكفاءة.

أليست عامة الناس والدهماء هي التي حكمت قديما على الفيلسوف سقراط بالإعدام. عامة الناس تحكمها العواطف البدائية. فهي تسير خلف أي شئ يتحرك، وتلتف حول كل مهرج. تفرقها العصا وتجمعا الزمارة. ترتجف من الخوف أمام أية فكرة جديدة. تقدس القديم وتفديه بمالها وعيالها وحياتها.

عامة الناس لا تريد الحرية أو الديمقراطية. كل ما تريده هو الأمن والغذاء مثل العبيد والجواري والإماء. أو مثل الماشية في أحسن تقدير. هي تناهض دائما الأحرار وكل من يخرج عن الصف بفكرة جديدة أو رأي مخالف. التاريخ ملئ بشهداء البحث عن الحقيقة والفكر الحر بأيدي الغوغاء والعامة من الناس.

رجل الشارع لا يريد الحرية، فهي عبء ثقيل لا يستطيع تحمل تبعاته. رجل الشارع لا يريد المساواة في الحقوق والواجبات.لأن هذه المساواة تعطي المتفوق فرصة لزيادة تفوقه.

التفوق يكون غالبا على حساب الرجل العادي. لذلك يلجأ العامة إلى الاهتمام بالأخلاق، كنوع من التعويض عن فقدان الصدارة. في النظام الديموقراطي، كل قضية تتحول إلى قضية أخلاقية.

التظاهر بالتمسك بالأخلاق وحمايتها هو سلاح الضعيف في الهجوم على المتفوقين والمفكرين والفلاسفة والفنانين. ما يحدث للمخرج الموهوب خالد يوسف من تجريس واتهامات حاليا خير دليل على ذلك.

لكن أنصار الديمقراطية، ومنهم الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، يقولون إن الديمقراطية، بالرغم من عيوبها المعروفة، هي أفضل نظم الحكم التي عرفها الإنسان حتى اليوم، وأقلها ضررا.

الديمقراطية ليست مجرد طريقة لاختيار الحكومة فقط. إنما هي أسلوب حياة يصلح للأسرة والمدرسة والجامعة والنادي والحزب والدولة. يصلح لكل تجمع إنساني تتعدد فيه الآراء والأفكار، وتختلف فيه المشارب والأمزجة.

الديمقراطية تنمي الأخلاق، ولا تقضي عليها كما يقول خصومها. لأن الأخلاق تتطور مثل باقي الكائنات. هي تتغير باستمرار وفقا للزمان والمكان.

من ثم، تكون الديمقراطية هي الوعاء الأسلم، الذي يسمح بإصلاح عيوب الأخلاق والسير بها إلى الأفضل عن طريق كشف عيوبها. لأن الحرية في النظام الديموقراطي، هي حرية الرأي وحرية الفكر وحرية العقيدة.

يضيف الفيلسوف ديوي مدافعا عن الديمقراطية، أنه ليس هناك أحد، مهما أوتي من حكمة أو علم، ومهما بلغ إخلاصه وتفانيه، ومهما بلغ حجم زبيبة الصلاة في جبهته، يصلح أن يحكم الناس بدون رضاهم.

جمهورية أفلاطون، لا تصلح لنا اليوم. لأنه لا يوجد هناك شخص يمكن أن نصفه بأنه طبيب الفلاسفة وحكيم زمانه وفريد عصره وأوانه، حتى يمكننا أن نسلم له رقابنا، وندعه يقرر مصيرنا ومستقبل أولادنا بمفرده. بمعنى آخر، لا ولن يوجد حاكم، مهما يبلغ علمه وخبرته وإخلاصه، يمكنه أن يبرر لنا سلطته المطلقة في حكم الناس.

ثم أخبرني بالله عليك، كيف تصل أصوات الفقراء والضعفاء إلى الحاكم، إذا لم يكن هناك نظام ديموقراطي يسمح بذلك؟ النظام الديموقراطي، رغم عيوبه، هو النظام الوحيد الذي يجبر الحاكم على النظر في شكاية المظلوم والعمل على إزالتها.

بغير النظام الديموقراطي، يصبح الأمر مرهونا بمزاج الحاكم وميوله الشخصية. إذا لم يوضع الحاكم تحت الرقابة، وما لم تقيد سلطاته المطلقة، فإنه عاجلا أم آجلا، سوف يفسد بالسلطة، ويصبح ظالما فاسقا. التاريخ مليء بحالات تؤكد هذه المقولة. لأن السلطة فساد، والسلطة المطلقة فساد مطلق.

النظام الديموقراطي يعني أن تكون العصمة في يد الأغلبية، حتى لا تطغى الأقلية على الناس. العامة يجب أن تكبح جماح الخاصة، حتى لا تستغل الخاصة مكانها في الصدارة لمنفعتها الشخصية.

الديمقراطية، هي ثقة. ثقة في النفس وثقة في المجتمع. المساواة في الديمقراطية، ليست تعني مساواة في القدرات، بقدر ما هي مساواة في الفرص المتاحة لكل فرد، لإثبات ما يمكن أن يفعله لنفسه ولمجتمعه.

التعليم الجيد، هو أساس النظام الديموقراطي. لأن التعليم الجيد، هو الذي يغرس بذور الديمقراطية في نفوس التلاميذ. يعلمهم كيف يكونون ديموقراطيين داخل الفصل وخارجه. ويحارب النزعة الدكتاتورية الموروثة داخل عقولهم.

يساعد التعليم الجيد على تقبل الآخر وإعداد القادة الذين يقبلون النقد بصدر رحب. يستمعون للرأي والرأي الآخر. يختلفون مع بعضهم البعض، دون أن يكونوا أعداء ألداء. ثم يأتي بعد ذلك دور الأحزاب، في التدريب على السلوك الديموقراطي وإعداد قادة المستقبل.

فشل الديمقراطية في بلادنا اليوم، سببه فساد التعليم وفساد الأحزاب وفساد رجال الدين. لن تنجح الديمقراطية في بلادنا قبل إصلاح منظومة التعليم، وقبل تكوين الطبقة المتوسطة التي تم القضاء عليها في زمن مبارك وسيطرة العسكر على الحكم.

إذا أرادت هذه الدولة البائسة أن تنهض من سباتها العميق الطويل، الذي استمر أكثر من 1400 سنة، يجب أن تلغي مشيخة الأزهر. يا أخي بناقص. وتقوم بتحويل جامعته إلى جامعة مدنية.الدين يجب أن يدرس مع الفلسفة في كليات أو أقسام الجامعات المدنية.

كما يجب أن تلغى مدارس الأزهر الابتدائية والاعدادية والثانوية، ومع السلامة. ده كلام فارغ. المدارس الدينية تقسم البلد وتقضي على وحدتها الثقافية وروحها الوطنية. وتعطينا بتوع الإخوان والسلفيين والمتطرفين وأمثالهم من مخلوقات فرانكشتاين التي لا عقل لها ولا قلب أو ضمير أو انتماء وطني.

تعليمنا يجب أن يرجع إلى أسلوب رفاعة الطهطاوي وعلي باشا مبارك وأحمد لطفي السيد وطه حسين. التعليم المؤسس على الفكر الأرسطي. أي يجب أن نرجع إلى الفكر الهيليني الذي يمجد الحق والعدل والعقل والبطولة والفن والموسيقى والجمال والإنسان والحرية الفردية.

الدين علاقة بين العبد وربه، ولا يحتاج إلى مشيخة الأزهر أو وزارة الأوقاف أو دار الإفتاء. وهي مؤسسات لم تكن موجودة أصلا في بداية الإسلام. ووجودها مخالف للسنة. وده كلام من الآخر.

التعليم الجيد مع بناء طبقة برجوازية قوية، هما دعامتي النظام الديمقراطي الناجح. الديمقراطية هي الأمل الباقي لنا. أمل اليوم والغد. حصننا الحصين ضد غدر الزمان وسيطرة العسكر والمرابين ومافيا السياسة والمنتفعين.

الديمقراطية، هي النظام الوحيد الذي يجعل الولاء للوطن، وليس للجماعة أو للنظام أو للطاغي. الديمقراطية تجعل الإخلاص فريضة للكل، وليس حكرا على فئة معينة أو دين معين.

هي النظام الذي يساهم فيه الكل بقدر صغير أو كبير، ويسمح بظهور قيادات وكفاءات حقيقية تقود إلى التقدم والرفاهية. الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يسمح بانتقال السلطة سلميا دون إراقة الدماء، ودون تعريض الوطن للخطر والانقسام.

فهل الأفضل أن نتنازل عن حريتنا لكي نقاد مثل البعير بالقائد الملهم والفارس المغوار، عبقري زمانه وفريد عصره وأوانه، أم نشترك جميعا في حكم بلادنا وحل مشاكلنا وتخطيط مستقبلنا ومستقبل أولادنا؟

ملحوظة:

ألف مبروك لتونس الحبيبة بنجاح نظامها الديموقراطي، وعقبال السودان والجزائر.

يمكن تنزيل كتبي العشرة بالمجان من هذا الموقع

https://archive.org/search.php?query=zakariael


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى