الجمعة ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٢
بقلم الهادي عرجون

الرقص على أعتاب الماضي في رواية «ستون»

حين بدأت قراءة رواية (ستون ) للروائي عبد العزيز غزال، وضعت نصب عيني جملة من الأفكار المسبقة لمحتوى الرواية بأحداثها وشخصياتها من خلال العنوان الذي يمثل عادة مدخلا مهما لقراءة النتاج الإبداعي ومرآة تكشف خباياه، وهذا ما يجعل العنوان من أهم العتبات النصية التي يلج من خلالها القارئ إلى عوالم النص وكشف أسراره، ودوره في فك شفرات المحتوى بما فيها من وظائف، كالوظيفة التشويقية المراد بها تشويق القارئ وإثارة انتباهه، والوظيفة التعيينية وهي التي تعين النص وتحدد ماهيته بالإضافة إلى الوظيفة الدلالية التي تؤكد العلاقة الدلالية بين العنوان والنص، للوقوف على الرابط المنطقي بينهما وبين دلالتهما معا، خاصة وأن العنوان يساهم بدور كبير في تفسير النص من الداخل.

ولكن هنا بعد أن سرقتني الصفحات وانغمست في تفاصيل الرواية بأحداثها وتشعباتها قررت ألا أدخل في متاهات العنوان (ستون) والتي وردت في باطن النص عرضيا " لم يكن يومه هذا مختلفا عن بقية أيامه خاصة وقد أحيل على شرف المهنة" (ص12)، وتصريحا في إشارة أخرى إلى أن عمر الستين عمر الإبداع والتميز"...إذ يمكن أن تكون مرحلة خصب وعطاء فقد تمكن صديقاه من تأليف أكثر من خمسة كتب بعد أن أحيلا على شرف المهنة؟ ألم ينتصر تشرشل على الألمان في الحرب العالمية الثانية وقد تجاوز الستين؟ ألم يحصل البرتغالي خوسيه ماري سارماغو على جائزة نوبل للآداب عن روايته "العمى" فمن كان سيعرفه لو لم يتجاوز الستين كما قال؟" (ص13).

فلا غرابة أن تبدأ الرواية بفصل الخريف "الهواء ثقيل والرطوبة خانقة والسماء رمادية اللون إلا من بعض السحب المؤذنة بدخول فصل الخريف"(ص11)، لتنتهي كذلك في فصل الخريف،" ولم تكن السهرة مع العائلة أفضل لقد اقتصر فيها الحديث حول الطقس والاستبشار بنزول الغيث واشتداد الرطوبة بعد أمطار آخر الصيف وبداية الخريف"(ص285)، فببداية الخريف تبدأ معه ليالي الإبداع والتألق والفن والجمال والحب أيضاً، ولمن لا يعرف فإن أغلب الكتاب والشعراء يتوقفون تماماً عن الكتابة في فصل الصيف، وكان الأديب الكبير نجيب محفوظ يقضى شهور الصيف في الإسكندرية ويعود مع بداية الخريف لأوراقه ورواياته وأبطالها، ويسابق الزمن حتى يكتب كل ما بداخله. كما أن انتهاء الأحداث برسالة ورقية لتبدأ أحداث أخرى تطفو على السطح لتوقظ جبل الذكريات برسالة الكترونية.

فالراوي لم يعمد كغيره من الرواة إلى القارئ يوجهه وينير له مسالك وتشعبات الرواية بل ترك القارئ هو الذي يرسم جغرافية مروره عبر ثنايا الرواية يكتشف تفاصيل شخصياتها، ليكتبَ بعض ملامح سيرته أو جانب منها ليحدثنا عن همه فهذا تفرد. ولكن أن يكتب من خلال هذا هموم الآخرين فذلك إيثارٌ. أمَّا أن يجمع ألمه الذاتي وأفكاره إلى آلام الآخرين وأفكارهم، ليناقش قضايا اجتماعية وسياسية وابداعية ويجعلها موضوع روايته (ستون)، فهذه مشاعر واحاسيس انسانية بامتياز، رفيعة الانتماء، تساعد في حلِّ وثاق المعاناةِ التي يرزحُ بمداها الإنسان المعاصر وما يكبله من عادات وتقاليد ومحاولة الخروج من عنق زجاجة البيئة التي امتزجت فيها الرواية بأسئلة الانسان العربي داخل تاريخه الحديث المتسارع الإيقاع، المزدحم بالأحداث والهزات والتقلبات والعادات والتقاليد، ليمتزج التخييل بالوقائع والمتعة بالقلق. فلا نجد في الرواية أجوبة للأسئلة التي تطرحها، لكننا نعثر عند ضحاياها على عناصر الإجابة. ليحيي البطل في عالمٍ منفتح علىِ الحقيقية، والقيم النبيلة من خلال رؤية بسيطة بعيدة عن الموضوعية.

كما يمكن القول إن الكاتب عبد العزيز غزال كان في روايته على الأغلب كلاسيكيا إن صح التعبير في رصده للواقع الاجتماعي المعيش، وفي تناول قضاياه، من عادات وتقاليد. حيث اختار هذا الأسلوب، وهذا ليس عجزا أو تقليدا، فالكاتب (السارد) يريد أن يصنع نصه الروائي تحت أبصار قرائه ليحدد عملية السرد، ليصبح السارد هو عملية الوصل بين مختلف الأصوات والحكايات، وهو المنظم للاستطرادات والاقوال التي يوظفها بعناية. ويرسم ملامح الفضاء والزمان، لينهض بالرواية ضد إرادة السارد. لنجده يهتم بخبايا النفس العالقة بين غياهب الماضي، بآلامه وآماله وأبعاده الفكرية. ليجسد الواقع دون مساحيق أو تضمينات فهو يفضح الواقع ويفتح نصه لنقد المجتمع بعاداته وتقاليده. بعيدا عن المبالغة في التعبير عن آلامنا وأفراحنا لنميز من خلال هذه الرواية بين الحقيقي والمزيف والنسبي والمطلق وكذلك الخاص والعام الذي يعتمد في أحكامه على ما هو شامل وبسيط في الطبيعة الإنسانية فبرزت (ستون) التي بدت في ظاهرها سيرة ذاتية وفي باطنها رمزا للحديث عن التهميش والبحث عن الانتماء ونقدا لواقع المجتمع والحياة.

ليدفعنا الكاتب على الرغم من أنه ينقل سيرة ذاتية، تدور حول كاتبها، فيسرد ما مر به من صعاب، ومواقف تنشئته، وتعليمه، وهو في كل هذا يورد الحقائق، ويفسر الحوادث من جهة نظره،" أليس كذلك يا غزال"(ص77)، إلى التأمل والتعاطف مع شخصيات الرواية التي لم يكن تصميم شخصيّاتها قد أتى بعفوية بل جاء بعد خضوع هذه الشخصيات لجملة من الشروط منها أن هذه الشخصيات مستوحاة من عمق واقع الريف التونسي في سبعينيات القرن الماضي في شكلها ومضمونها وأفكارها وحتى تطلعاتها، ليجد البطل نفسه في صراع نفسي إما أن يتحدى المفاهيم والعادات والتقاليد والأخلاق أو أن يبقي على وقاره ويحفظ شيبته بأن يسلك طريق النجاة ومع هذا نجد القدر يتدخل من أجله وينقذه في النهاية من ذلك الصراع الداخلي الذي بدأ يدور في ذاكرته وتلك الأسئلة التي ما تنفك تغادر مخيلته " ...لكنه سيطر من عالمه العائلي لأنه خان؟ لكنه لم يخن، ...هل كان سيفعل ذلك مع أخرى لو لم تكن ذات مكانة في القلب، ولو، المهم ألا تكون هناك خيانة. وخيانة القلب؟ ماذا عنها؟ أليست خيانة؟"(102).

فشخصية (الصادق) شخصية تعيش في ثورة عذابات ملكت قلبه وجعلت عقله في حيرة لم تنته إلا بتوضيح ما كان يجب أن يوضح قبل أربعين عاما فهل هذا يعني أن الأنا يعاني ضيقا لا خلاص له منه إلا بنسجه على خارطة الكلمات ليولد الانفراج والتفريج عن النفس والذي من شأنه أن يخلصه من أوجاع الماضي لتكون رواية (ستون) هي صرخته التي بث فيها كل ما يختمر بذاكرته وأحاسيسه تجاه ما يحيط بيه، كاهتمامه بأسلوب الحياة في المجتمع وطريقة العيش والسلوك العام الاجتماعي. لأنها انعكاس للواقع الموضوعي لكل مجتمع بما فيه من ماديات ومعنويات بصفات خلقية وقيم اجتماعية، وكذلك الشأن بالنسبة لـ:(سامية) فتكشف بعضا من خبايا النفس العالقة بين غياهبها، وشيئا من آلامها وآمالها وأبعادها الفكرية، ليس هناك ما يدفعها إلى إخفاء ما هي عليه لتعلن ميلادها من جديد بعد أن فقدت لذة الحياة وقد صلت إلى هذه القناعة من خلال تعلقها بالماضي الذي أعادها لتستعيد لذة الحياة من جديد "هل اقتنعت أننا كلما عرفنا بشاعة الموت ازددنا تعلقا بالحياة"(ص95).

فـ (الصادق) حفظ الذكرى والذاكرة والوفاء والحب، وهو الرجل الشجاع، المُخلِص، الموافق، الناصح المُحِبّ، إنسان محب للاطلاع والمعرفة... منفتح على الناس وجريء فيما يطرحه من تصورات... شجاع في اتخاذ قرارته... يحب أن يتميز عمن حوله في أسلوبه وطريقة تفكيره...هو من النوع الذي يمكن الاعتماد عليه إلى حدٍ كبير

و(سامية) وهي المرأة ذات الشأن والمكانة العالية، وايضا التي تتمتع بالأخلاق القيمة، ويعني أيضا الرقي والعلو والسمو والرفعة، والتفاخر والتباهي، والمرأة العالية، والمتطلعة للأحسن والأفضل سمت بنفسها وبجسدها عن السقوط وبقيت وفية للصادق رغم مرور الزمن.

ولا يختلف القارئ في تحديد شخصية (الصادق) الذي بدا على طول فواصل الرواية رجلا مثقفا يجيد أسلوب الخطاب في مختلف المواضيع التي تطرأ عليه حيث يجيب عن أسئلة كثيرة حول العقل والعاطفة، كما يتحدث في مشاكل الدين والسياسة والفلسفة وهو ما يجعل هذه الرواية تطرح الكثير من الأسئلة مختلفة المشارب الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والدينية غيرها من الأسئلة التي تتعلق بالعادات والتقاليد والمفاهيم الغامضة. كما في قوله: "ألم تكن تردد على مسمعي أن الفلسفة هي فضح الأوهام اليومية وتكذيبها وهي فضح التظاهر بالعلم عوض العلم وفضح التظاهر بالخير عوض الخير وفضح التظاهر بالمعرفة عوض المعرفة، أليست الفلسفة فضح كل ما هو مزيف؟"(ص152).

حيث عمد الروائي عبد العزيز غزال إلى أسلوب الاستفهام البلاغي في جل صفحات الرواية نقدا لوضعية معينة عاشها أو لإثبات رأي مختلف أو استهجان لفكرة أو ثناء على شخصية من شخصياته، وقد وشح بها روايته ليزيد من متعة القراءة تارة وليثري نصه بجملة من الأفكار ظاهريا وليوهم القارئ أنه مجرد ناقل للأحداث وللآراء بوصفه القارئ الأول للرواية.

وقد عمد الكاتب عند استعماله لأسلوب الاستفهام لتنويع الأغراض البلاغية المتعددة التي تنبثق عن التعجب، والدهشة، والاستغراب، والتقرير، والإنكار، وهذا ان دل على شيء، فإنما يدل على معاناة الراوي من خلال بطله، والحالة القاسية التي ألمت به، فقد أخذ ينفس عن نفسه من خلال أدوات الاستفهام التي تثير في النفس التأمل والتدبر، وتجعل القارئ مشاركا في هموم البطل ومآسيه.

فالرواية العربية هي بنت الواقع العربي، بهمومه واهتماماته، بشؤونه وشجونه، بماضيه وحاضره ومستقبله. ولأنّه حافلٌ بالأسئلة الكبرى يكون على الرواية أن تعيد طرح هذه الأسئلة على طريقتها؛ فالأدب، لا سيما الروائي منه، معنيٌّ بإعادة إنتاج الواقع، فهذه الرواية التي بين أيدينا (ستون) كغيرها من الروايات العربية تطرح رزمة ملحوظة من أسئلة الواقع العربي، كسؤال السلطة والوجود وسؤال التاريخ والهوية، والسؤال الاجتماعي وسؤال المرأة والعادات والتقاليد وسؤال الدين والسياسة وأسئلة الحياة والموت. بالإضافة إلى طيف واسع من المشاغل التي يمكن أن تملأ الحيّز السردي بحيث تفتح أفقاً عريضاً أمام النصوص لطرح التساؤلات حولها.
فالرواية كما يصفها الدكتور محفوظ غزال في التقديم الذي خص به الرواية بقوله:" النص في حد ذاته ليس نص إجابات بقدر ما كان نص الأسئلة التي استبدت بالصادق"(ص7).

ليعبر عن هموم المجتمع وهموم الذات الشاهدة في ظاهرها على حقبة زمنية معينة ولكنها في الان نفسه شاعرة بهموم الواقع فلا تنأى عنها ولا تقوضها تجهر بالتمرد في شكل فلسفي وجداني يتجاوز التجربة المأسوية – ان صح التعبير-لتكون الكتابة عندهم محنة ولكنها في الان نفسه فيض للتأمل ولبناء العالم وتغييره إن أمكن في أذهاننا ومعرفته بمساعدة الخيال لأن الخيال الإبداعي كما يصفه المفكرين هو المسار الأسلم لبناء عوالم الكتابة الممكنة. ليكون الاستفهام لبنة يبحث من خلالها المتكلم عن إجابة، من خلال تصويره للأحداث، فيخرجها عن حقيقتها إلى مقاصد شتى، كما أنه، لا يتطلب جواباً وإنما يحمل من المشاعر أغراض بلاغية عديدة منها: التشويق-الإنكار-النفي-التمني –التقرير-التهكم والسخرية-التعجب – المدح والتعظيم – الاستبعاد – الأسى والحسرة-التسوية وغيرها من الدلالات التي تفهم من خلال السياق وتعرف من خلال الموقف الذي يقال فيه وحالة الأديب النفسية والجو الشعوري المسيطر على الحدث.

كما يستحضر عديد الشخصيات الفكرية والفلسفية والأدبية على مدى فواصل الرواية التي تختزن كما هائلا من الأفكار والتفسيرات التي تنم عن شخصية مطلعة حيث نجد ذكر أدباء أمثال: (جبران/شكسبير/ابن الرومي/ أحلام مستغانمي/توفيق الحكيم/ امرئ القيس/ كعب ابن زهير/ برنارشو/ دوستوفيسكي/ نزار قباني/ كافكا/ كامي...) وشخصيات تاريخية (أروى القيروانية/ جعفر المنصور/ حنبعل/ غاندي.....) وأسطورية (إيزيس/ فينوس/ أفروديت/ أوديسة العراق...) وفلاسفة (مانويل كانت/سقراط/أرسطو/هيقل/ماركس...)، كما عمد إلى أقوال لشخصيات تاريخية حين يقول، تذكر قولة حنبعل المأثورة: "إذا لم نجد حلا سنبتكر واحدا". (ص198)، وأدبية كبرنار شو بقوله:" لقد صدق برنار شو: حين قال عندما تتصرف ضد مصلحتك الشخصية فاعلم أنك عاشق" (ص65)، شخصيات تنتمي إلى ثقافات متباعدة، شخصيات أدبية وتاريخية تدور في فلك السرد. والتي جاء توظيفها توظيفا محكما خدم النص ورفع من قواعده وأسسه لينطلق في أبعاده ويأخذ من كل شيء بطرف.
(الصادق) يعيش غربة عن الذات والتي تعتبر من أصعب الأحاسيس التي يمكن أن يشعر بها الإنسان. فحينما نعيش غرباء عن أنفسنا وعن عالمنا نفتقد السلام الداخلي، والطمأنينة التي تمنحنا الأمان. على الرغم من أن الحياة تشغلنا بإيقاعها السريع، وتلهينا. لنعتقد لوهلة أن الحياة هي ما الذي نستطيع أن نحققه فيها، وليس كيف نعيشها. لتصبح المعادلة غير مكتملة والصورة عندنا ناقصة رغم وضوحها "لست الأول ولا الأخير الذي يفقد أحلامه دفعة واحدة. كم هو مؤلم أن تقبر جنينا فلا هو رأى النور ولا هو بقي في الظلمات ...أحلامنا كثيرة ومتعددة والعمر قصير...ستصاحبني أحلامي إلى الرمق الأخير فإن مات واحد ابتكرت آخر. هكذا سأكون في سجال دائم مع الزمن تلك هي عبثية الحياة...عليك يا صادق أن تتسلح بعناد على ودهاء معاوية وصبر أيوب وعبثية كامي وكافكا وبيكيت... لتنتصر لتتحدى العجز والشعور بالعجز"(ص171). ليطرح من خلال كل هذا سؤال فيه الكثير من فلسفة الوجود والحياة:" هل ما نعيش فيه ونسميه مجتمعا وما يحويه من قواعد وعادات وتقاليد هي منظمة أم هي فوضى...؟"(ص194).

كما أشار إلى الثورة وقد اختار بعناية الكلمات والعبارات للحديث عنها رغم ما فيها من مساوئ في مواضع عدة مما يجعل القارئ أمام موضع شك أمام هذا الواقع وما يحمله من زخم المتاعب الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية والذي نلمس من خلال كلامه الكثير من النقد وعدم الرضى كأنه يقرأ مستقبلا مجهولا عن الثورة " كيف تتحدثون عن الثورة ونحن نستورد الغذاء والدواء. كيف تتحدثون ونحن غير مستقلين في قراراتنا... مصير أمة يدبر داخل غرف مظلمة... هناك شعور عام باليأس والضبابية وبفقدان شهية الحلم والتفكير في المستقبل..."(ص71).

(ستون) رواية تطرح جملة من الأفكار تخضع في مجملها لعدة انفعالات وجدانية تعبر عن الذات وعن الهوية والبيئة التي تميز المنجز الفني التي يمكن اعتبارها بمثابة لغة تعبر عن الواقع المعيش ليتحول الزمان والمكان إلى رمز تعبيري المقصود منه الإنسان والوجود بالإضافة إلى الهوية والتراث والبيئة والأفعال اليومية المعيشية ليتداخل الذاتي بالجماعي ليعبر في ذات الوقت عن هموم تلك الحقبة وتطلعاتها.

فالرواية تعري الواقع بكل ما فيه من متناقضات تعالج قضايا اجتماعية من عادات وتقاليد ابتعد بها كاتبها عن نزوات الخيال، ليطفو على السطح الحقيقي الجميل والطبيعي الممتع فيها رغم ما تحمله من آلام وأحزان وهو ما جعلها رواية مستوفية الشروط لاهتمامها بداخل الإنسان ليطرح من خلالها جملة من الأحوال الإنسانية كالحُبّ والعاطفة والعقل والواجب والعادات والتقاليد.

وفي الختام يمكن القول أن هندسة وتصميم هذه الرواية يختلف عن المألوف كما يفصح عن امتلاك واضح لناصية الكتابة الروائية لا تتوفر لغير المتمرس عميق الاطلاع على التجارب السردية العالمية فأغلب الروائيين يحرصون على إبقاء نهاية القصة مبهمة تائهة في أنفاق التخمين والافتراضات متشحة بعباءة الغموض لشد القارئ إلى متابعة الأحداث ومع ذلك استطاع الكاتب باقتدار ملحوظ أن يشدنا إلى نهاية الرواية ويجعلنا نتابعها بشغف كبير. وأنا بذلك أضم صوتي لصوت أميرة ولكن للحديث عن الرواية وليس عن الأمسية حين تقول:" كانت رواية رائقة جمعت بين روعة السرد وطرافة الأحداث وقسوتها أحيانا شكرا مرة أخرى سي عبد العزيز"(ص230).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى