الاثنين ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم أميمة محمد عز الدين

الصندوق العجيب

منذ أن بدأ أيمن فى الادخار من مصروفه وهو يشعر بالسعادة ، فبمرور الايام تجمع لديه مال وفير من النقود الورقية والعملات المعدنية حتى ضاقت حصالته به، فاهتدى لشراء صندوق كان قد رآه من قبل لدى محل العم خليل بائع الاشياء القديمة، جذبه ذلك البريق الذى يشع من الصندوق والذى يشبه صندوق جدته والتي كانت تحتفظ فيه بكل غال ونفيس.

اطلق عليه الصندوق العجيب بسبب تلك الفصوص الحمراء التي تشبه الياقوت حيث تزين بابه الصغير، واعتبر الصندوق المخبأ السرى والآمن لمدخراته الوافرة التي لا يرغب فى التفريط فيها ابدا لأى سبب.

ذات يوم غير بعيد أعلن مدير المدرسة عن المعرض الخيرى السنوي للمدرسة لمساعدة الاطفال الذين بلا مأوى، لمن يريد التبرع ببعض الملابس او المال.

لم يتحمس ايمن للتبرع ببعض ماله المدخر رغم وفرته، وحدث نفسه قائلا: يكفى ما تبرعت به العام الماضي من ملابس حالتها جيدة ومعطرة.

فى كل ليلة قبل أن يآوى أيمن الى فراشه، تعود ان يفتح صندوقه العجيب المحبب لنفسه، يفرغ محتوياته من النقود التى تشكل هرما كبيرا، يطيل النظر اليه، ويزيد من تعلق قلبه بماله المدخر حتى اصبح مترددا فى انفاق ولو جزء بسيط منه، لقد تحول ذلك المال الذى ادخره الى كنز ثمين لديه. فى كل مرة يقوم بإحصائه يشعر انه حارسا (حارس) للمال الذى يستحوذ على اهتمامه وتفكيره، يلتهم وقته مثل وحش خيالي، لذلك لم يكن غريبا الا يشعر بوقع اقدام اخته رقية التي تصغره بخمس سنوات وهو يخبىء المال بالصندوق ويدسه بين طيات ملابسه فى الخزانة .

شهق ايمن فى دهشة واستنكار لما رأى رقية وهى تشير الى خزانة ملابسه:

ما اجمل هذا الصندوق يا أيمن ،هل يمكنني تفحصه جيدا؟

ظن ايمن ان رقية تبتغى ماله الذى بالصندوق فأجابها فى غيظ:

انه مالي المدخر ولن افرط فيه، فلقد ادخرته منذ فترة طويلة.

ضحكت رقية فى براءة: لا أريد مدخراتك،ما يهمنى حقا هو ذلك الصندوق المدهش والذى يشع الوانا مبهجة وكأن البحر قد لفظه من صدفة نادرة وثمينة.

اضطر أيمن لاخراج الصندوق من مكانه وناوله لرقية فى حذر وخيفة، والتى أخذته فى سعادة غامرة قائلة:
يا له من صندوق عجيب وجميل ،دعه معي لبعض الوقت.

رفض أيمن متعللا انه ليس لديه وقت حيث حان وقت النوم، ثم انصرفت رقية وهى غاضبة قليلا وتنهد أيمن وهو يعيد الصندوق لمخبأه( لمخبئه) بالخزانة. تذكر فى تلك اللحظة انه لم يتبق سوى يومان (سوى يومين) على انتهاء المعرض الخيرى بمدرسته، وشعر ان حملا ثقيلا على كاهله بسبب ذلك الصندوق، فهو يخشى فقدان صندوقه العجيب وما به من مال، تنتابه الحيرة والتردد بين التبرع ببعض ماله ،وعدم التبرع من الأساس.

فى اليوم التالى وبينما أيمن يتفقد الصندوق، اكتشف ضياعه فأسرع الى اخته رقية يسألها فى حنق :أين صندوقى يا رقية؟ فأنت آخر من رآه.

أجابت رقية: لا أعرف مكانه.

لم يصدقها أيمن وظل يبحث فى خزانة ملابسه وملابس رقية وفى كل مكان بالبيت حتى شعرت رقية بالغيظ وهى تراه يروح ويجيء فى غضب وقالت: لم آخذ صندوقك يا ايمن ،ولن آخذه دون استئذانك.

نام أيمن فى ليلته مهموما وحزينا بسبب عدم عثوره على الصندوق وندم على انه لم يعقد النية على التبرع ببعض ماله قبل فقدان ذلك الصندوق العجيب. وجد ايمن نفسه يرتجف من البرد فى مكان شبه مظلم والجوع يقرص بطنه ومن بعيد ظهر الكثير من الاطفال يرتجفون ويرتعدون والشحوب يبدو على ملامحهم، وآثار الجوع والظمأ تمكنت منهم، حتى اقبل بعض الناس وهم يحملون صناديق ممتلئة بالملابس والطعام والماء النظيف وقد اهدوها لأولئك الاطفال الذين سارعوا بارتداء الملابس الجديدة ويتناولون الطعام وذهب عنهم الظمأ. (؟)
استيقظ ايمن من نومه وهمس فى نفسه: يا له من حلم. لم يتبق سوى يوم واحد على المعرض الخيرى، وقد تمكن الندم من ايمن، يلوم نفسه لأنه لم يتبرع ببعض مدخراته منذ ثلاثة ايام وتمنى لو انه عثر على الصندوق ليتبرع بنصف مدخراته وبالنصف الاخر يشترى هدية لأخته رقية ليزيل عنها غضبها منه. وبينما يتناول فطوره فى وجوم، فاذا بيد امه تمتد اليه بصندوقه العجيب، فتهلل ايمن فرحا، عندها قالت الام:

من شدة حرصك على صندوقك سقط منك أسفل خزانة ملابسك ولم تنتبه لضياعه حينها، حتى عثرت عليه بينما أنظف غرفتك هذا الصباح.

قبل أيمن يد أمه فى امتنان وحمد الله كثيرا، وشكرها، ثم اعطى الصندوق لاخته معتذرا لها فى رفق. تلقفت رقية الصندوق فى بهجة وفتحت بابه بقوة حتى تناثر ما به من مال والذى اصبح مثل بقع ملونة ومتفرقة بالسجادة، لم تلتفت رقية للمال، فالصندوق هو ما يهمها حيث اسرها بتصميمه وشكله العجيب والبريق الذى ينبعث منه.

قال رقية: اعطنى هذا الصندوق يا أيمن لأحفظ فيه مدخراتى.

نصحها أيمن قائلا: اخشى أن يلتهمك الصندوق العجيب فى جوفه الصغير ويحبسك مع مدخراتك كما فعل بي حتى كدت ان يفوتنى التبرع فى حينه.

ابتسمت الام وقد فهمت مغزى حديث أيمن وقالت: يبدو أن الصندوق ومابه قد تحولا الى وحش او غول خرافي يلتهم من يحرص على المال دون انفاقه فى الخير، اليس كذلك يا بنى؟

هز أيمن رأسه بالايجاب واستطرد: سوف اتبرع بنصف مدخراتى لأولئك الاطفال الذين بلا مآوى اما النصف الآخر سأشترى به هدية مناسبة لأختى رقية.

فى سعادة ورضا قالت رقية: بل تبرع بمالك كله ويكفينى هذا الصندوق العجيب.

غابت الام قليلا وعادت ومعها صندوقا كبيرا (صندوق كبير) من الورق المقوى الملون وقالت: سأذهب معك غدا للتبرع بتلك الملابس الجديدة والتى اشتريتها خصيصا لمعرض المدرسة الخيرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى