الثلاثاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم سلمان ناطور

العجز العربي. سبب أم نتيجة؟

تأملات في الحالة العربية (2)

العجز العربي نتيجة للتاريخ العربي الذي تحتار
من أين يبدأ، من الجاهلية؟ من حمير وسبأ ومدنيات
شبه الجزيرة العربية أو من ابراهيم الخليل،
من الواقع أم من إلآسطورة؟ من الصحراء أم من النهر؟
من الهزيمة أو من النصر؟ من أين نبدأ؟ وأين كنا يوم بدأت الانسانية جمعاء؟

كلما تحدثنا عن حالنا حديثا إنسانيا بسيطا طيبا أو بناء ـ بلغة السياسيين ونقاد الأدب ـ فإننا نخلص إلى القول بأن العجز العربي هو مصيبة العرب. نحن أمة عاجزة عن النهوض وعن الفعل وعن الحركة وعن الإنتاج الاقتصادي والتكافل الاجتماعي وعن وعن... إلآ عن فعل إلآنجاب البيولوجي، فاننا الأقدر بين الأمم ، كيف لا ونحن نعتز بالفحولة العربية بكل تداعياتها الجنسية حتى عندما نهاجم الغرب والاستعمار والعولمة؟
يقنعنا علماء النفس أن العجز الجنسي هو سبب ، ونزعم نحن ومن يطلع على حالنا أن العجز السياسي هو نتيجة، إلآ إذا كان السيكولوجيون يفكرون غير شكل، ولأن مشكلة الأمة العربية لا تدخل في دائرة اختصاص أطباء الجنس (يبدو أن معظمهم عاطلون عن العمل) لذا فان كل ما نتحدث عنه هو النتيجة، وهي محبطة إلى حد الإنتحار أو أضعف الأيمان الانزياح نحو العدمية القومية واحتقار الذات والبكاء على الماضي وانتظار الفرج من الخارج، دائما من الخارج، أو كما يلخص الختيارية بقولهم: عيش يا كديش لحد ما يجيك الحشيش.

مع نشوء القوميات في القرن التاسع عشر في أوروبا ومعه النهوض القومي العربي كانت هناك بداية لتطريز الحلم القومي الوحدوي الحداثي لكن ما ان بدأ يتبلور كمشروع في بداية القرن العشرين حتى أحبط وكل محاولات صياغته من جديد تقتل في المهد وما تكرار شعارنا: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" إلآ استمناء قوموي، لا يعبر إلآ عن عجزنا في تحقيق هذه الوحدة المستحيلة، ولكن حتى التضامن العربي صار يبدو مستحيلا، فكيف التعاون العربي والتلاقي العربي، والتكافل العربي وإلى غير ذلك من المفاهيم الوحدوية.

ما يجمع العرب اليوم هو قبولهم لتفرقهم، تسليمهم الكامل بعدم جدوى الوحدة العربية الكبرى والتاريخية ولكن حتى هذا الواقع الذي لا يحملهم مسؤوليات تاريخية لا يستثمر لصالح كل شعب على انفراد، ولماذا يستثمر ما دام همّ الانسان العربي الأول والأخير هو الدفاع عن الحاكم للمحافظة على بقائه.

العجز السياسي هو نتيجة للتخلف، والمشهد العربي العام الذي ينعكس للعرب والعالم بأسره هو الأشكال المتنوعة لهذا التخلف، فالتخلف السوري مثلا له خصوصياته ويختلف عن الفلسطيني والتخلف المصري لا يشبه الليبي وليس قريبا من السوداني وحتى التخلفات الخليجية لكل منها خصوصياتها وهي تنفع مادة مثيرة للدراسات الأنتروبولوجية. لو أن بالامكان إقامة وحدة سياسية على التخلف السياسي لكان العرب أكثر أمة موحدة في القرن العشرين ولكن لأن التخلف السياسي لا يؤدي إلآ إلى التشرذم والتفرق والمخاصمة فقد وجد العرب أن يكونوا محدثين بربط مفهوم التخلف بما بعد الحداثة التي تقوم على تعددية الثقافة فكونوا بذلك مفهوما جديدا هو تعددية التخلف ، وذلك لتبرير التشرذم والتفرقة . هذه التعددية في المشهد السياسي العربي ضرورية لاستمرار الوضع القائم (ستاتوس كوو) الذي يخدم الحاكم حتى وان لم يكن هناك من ينافسه على الحكم ولا ينافس أبناءه بصفتهم الورثاء الشرعيين.

العجز العربي نتيجة للتاريخ العربي الذي تحتار من أين يبدأ، من الجاهلية؟ من حمير وسبأ ومدنيات شبه الجزيرة العربية أو من ابراهيم الخليل، من الواقع أم من الأسطورة؟ من الصحراء أم من النهر؟ من الهزيمة أو من النصر؟ من أين نبدأ؟ وأين كنا يوم بدأت الانسانية جمعاء؟

العجز العربي هو نتيجة للغة العربية. كيف نتحدث عن وحدة لغة وابن المشرق العربي لا يفهم كلام ابن المغرب العربي؟ وابن الشمال لا يفهم ابن الجنوب؟ عن أية لغة واحدة نتحدث؟ تلك المدونة في الكتب؟ سيأتي يوم وسيعرف العرب اللغة الإنجليزية أفضل بكثير مما يعرفون اللغة العربية الفصيحة وهم في أوطانهم وبلادهم، فما حاجتهم إلى لغة واحدة لا يتقنونها؟

العجز العربي نتيجة وليس سببا. لنفترض أنه نتيجة الاستعمار الأجنبي.
الاستعمار الأجنبي كان دخيلا داميا على تاريخنا، هل طردناه من هذا التاريخ؟

طردناه لكننا حافظنا على أدواته وثقافته، أبقينا منه نظام السجن ونظام العمل ونظام التعليم والبيروقراطية القامعة أو القمع البيروقراطي، وقوانين الرقابة على الكتب والمنشورات والسينما والمسرح والمؤسسات المدنية والأهلية، نعتز بأننا طردنا الأجنبي واستبدلناه بحاكم عربي، استبدلنا الحاكم ولم نستبدل النظام.

ألعجز العربي نتيجة تراجع الفكر الديمقراطي العلماني الثوري الذي عرفناه في مطلع القرن العشرين، كان بدايات وكان اشتعالات هنا وهناك لكنها خبت شيئا فشيئا..

ستبقى الفحولة العربية في "المرجلة" على بعضنا البعض وعلى نسائنا وعلى مثقفينا وعلى حرياتنا لكن عندما تكون المواجهة مع الذين يتحدون هذه الفحولة فاننا سنجند كل البلاغة الكلامية لتبرير هذا العجز.

تأملات في الحالة العربية (2)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى